Credit:decade3d / Alamy Stock Photo |
[rtl]بالرغم من قلة عدد المستفيدين من عمليات زراعة الوجه على مستوى العالم، إلا أن النجاح الكبير الذي حققته عملية زراعة الوجه التي أُجريت للأمريكية "كاتي ستابلفيلد"، فتح أبواب الأمل أمام طابور لا ينتهي من الباحثين عن وجه جديد يضمن لهم الحصول على فرصة ثانية للحياة بعيدًا عن وجه مسَّته حادثة أليمة وحوّلت جماله إلى قبح يؤذي صاحبه بمجرد النظر في المرآة.[/rtl]
[rtl]وتعد "ستابلفيلد"، الحالة رقم 40 عالميًّا التي تُجرى لها هذه الجراحة على مستوى العالم، والرابعة التي يتم إجراؤها بمستشفى كليفلاند العسكري، منذ إجراء أول عملية زراعة للوجه بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2008.[/rtl]
[rtl]في مارس 2014، قررت "ستابلفيلد"، ابنة الثامنة عشرة، إنهاء حياتها بطلقة في الرأس بعد تعرُّضها لأزمات كثيرة وخوضها قصة حب فاشلة، ذهبت "ستابلفيلد" إلى منزل أخيها الأكبر، وأخذت بندقية الصيد الخاصة به وثبَّتتها أسفل ذقنها وأطلقت رصاصة لم تقتلها ولكنها تسببت في اختفاء ملامح وجهها تمامًا.[/rtl]
إعلان
[rtl]وفي مارس 2016، وُضعت على قوائم الانتظار الخاصة بعمليات زرع الوجه، وظلت على حالها هذا حتى مايو 2017؛ إذ تم العثور على وجه إحدى المتبرعات، كانت المتبرعة هي "أدريا شنايدر"، التي توفيت بسبب تعاطي جرعة زائدة من المخدرات، وبالفعل، أجرى 15 متخصصًا (بينهم 11 جراحًا) بمستشفى كليفلاند العسكري أطول عملية زراعة للوجه على الإطلاق (امتدت لـ31 ساعة وجرت في غرفتي عمليات)، واستبدل الجراحون خلالها فروة رأسها وأنفها وخدودها العلوية وفكها العلوي ونصف فكها السفلي وجبهتها وجفونها والمناطق التي أثرت عليها نيران الرصاص في العين والعضلات والجلد ومعظم أعصاب الوجه.[/rtl]
[rtl]اختيار الوجه الصحيح[/rtl]
[rtl]ويبقى السؤال المهم، هل يمكن للشخص الذي أجرى عملية "زراعة وجه" التعامل مع الآخرين دون خوف من عدم قدرتهم على التفاعل معه؟ سؤال حاول "بول إكمان" -أخصائي علم النفس بجامعة كاليفورنيا الأمريكية- الإجابة عنه من خلال دراسة نشرتها مؤخرًا دورية "ذا جورنال أوف بيرسونالتي آند سوشيال سيكولوجي"، وانتهى فيها إلى أن عضلات الوجه تشريحيًّا تساعد الآخرين على تحديد حالات السعادة والحزن والغضب والاشمئزاز، بغض النظر عن ملامح الوجه.[/rtl] [rtl]أجرى "إكمان" وفريقه البحثي تجاربهم على 20 فردًا من قبيلة "فوري"، إحدى قبائل "غينيا الجديدة"، التي ظلت معزولةً عن العالم في الأدغال حتى عام 1950، وتنوعت عينة البحث بين 8 بالغين و11 طفلًا؛ إذ عرض الباحثون على المشاركين في التجربة قصصًا قصيرة عن أحداث مرتبطة بمشاعر (سعادة، حزن، غضب، خوف، مفاجأة، اشمئزاز)، وطلبوا من المشاركين بعد كل قصة اختيار وجه يعبر عن أحد تلك المشاعر من بين ثلاثة وجوه، وجاءت نسبة اختيار الوجه الصحيح المعبر عن الحالة العاطفية للشخص صحيحةً بنسبة تراوحت بين 64 و90%؛ لكنهم وجدوا صعوبةً في التمييز بين تعبيري الخوف والمفاجأة، وكانت نتائج الأطفال في المجموعة مماثلةً لنتائج البالغين.[/rtl]
[rtl]توضح الدراسة أن "مشاعر الوجه ترتبط بالنواحي التشريحية التي يتمتع بها؛ إذ توجَد فيه 43 عضلة تعبيرية (من إجمالي 47 عضلة بالوجه)، وهي العضلات المسؤولة عن الانفعال والتعبير عن الكلام، بالإضافة إلى طبقات من الأوعية الدموية، والأعصاب الحسية والحركية، والغضاريف والعظام والدهون، هذا غير العضلات القحفية المسؤولة عن نقل المعلومات الحسية للدماغ، والتي تساعدنا على الرؤية والشم والتذوق والسمع، والإحساس من خلال الجلد"، في إشارة إلى قدرة الشخص الذي أُجريت له عملية "زرع وجه" على التعبير عن مشاعره دون خوف من عجز الآخرين عن التفاعل معه، بعيدًا عن امتلاكه لوجه لم يعتد هو نفسه رؤيته قبل إجراء تلك الجراحة.[/rtl]
إعلان
[rtl]جيش من الجراحين[/rtl]
[rtl]ووفقًا للتقرير الرسمي لموقع مستشفى كليفلاند، فإن أغلب هذه الوصلات الحسية والعصبية والعضلات، والأوعية الدموية، بالإضافة إلى أجزاء من مقدمة الرأس، والخدود، والفم والشفتين، والأنف، وتجويف العين، وجفون العينين العليا والسفلى، والفك العلوي وجزء من الفك السفلي، وأخيرًا الأسنان، كانت محطمة بالكامل لدى "ستابلفيلد"؛ ما تطلَّب إجراء أكثر من 12 عملية لإصلاحها، وانتهى الأطباء خلالها من نقل 100% من نسيج وجه المتبرعة.[/rtl] [rtl]ويشير التقرير إلى أن "ستابلفيلد" هي أصغر مريضة أُجريت لها هذه الجراحة حول العالم، وأن نجاح العملية تطلَّب مشاركة "جيش صغير من أطباء كليفلاند من كل التخصصات، يتضمن أطباء جراحة تجميل وتخدير وأسنان وغدد صماء وعلاج طبيعي وعيون، وأطباء نفسيين"، موضحًا تحسُّن قدرتها على البلع، والتحدث، واستخدام الوجه للتعبير عن المشاعر، واستخدام فمها لتناول الطعام.[/rtl]
[rtl]في انتظار المستقبل[/rtl]
[rtl]يقول "براين جاستمان" -أول مَن استقبل حالة "ستابلفيلد" بمستشفى كليفلاند، والذي تولى تشكيل فريق علاجها- في تصريحات لـ"للعلم": "إن حالة ستابلفيلد استقرت إلى حد كبير، وتحديدًا بعد عملية زراعة الوجه التي تم إجراؤها منذ أكثر من عام، لكن من الوارد خضوعها لجراحات أخرى في المستقبل، وهذا يتوقف على ما تشعر به وما ستخبر به الأطباء بشأن حاجتها إلى مزيد من العمليات أم لا، فضلًا عن أنه من المتوقع ظهور ابتكارات جديدة في هذا المجال قد تغير خطط أي جراحة تتم في المستقبل".[/rtl]
إعلان
[rtl]وعن احتمالات توقُّفها عن تناول الأدوية في المستقبل القريب، يقول "جاستمان": في الوقت الحالي، لم يصل التقدم العلمي إلى نقطة يمكننا معها إيقاف الأدوية المثبطة للمناعة؛ إذ إننا لا نعرف مطلقًا متى ستُظهر مثبطات المناعة جانبها القبيح، وتتنوع التأثيرات الجانبية لهذه المثبطات حتى تصل إلى سرطان الجلد، ومع قلة عدد المرضى الذين تعرَّضوا لعمليات زراعة الوجه فإن فهمنا لطبيعة هذه الأدوية لم ينضج بعد.[/rtl]
[rtl]وعن الحالة النفسية لـ"ستابلفيلد"، يضيف أن "كاتي تخضع لمراقبة العديد من الأطباء في هذا الحقل حاليًّا، منهم أطباء وأخصائيون نفسيون واجتماعيون. وقد يستمر ذلك مدى الحياة، ويكفي أن كثيرًا من الناس الذين تعافوا من الاكتئاب -مثلًا- يظلون في حاجة إلى جلسات علاجية بقية حياتهم، لكن يمكننا القول إن ستابلفيلد رائعة حقًّا. وتتمتع بمشاعر إيجابية جدًّا، ومن الصعب ظهور علامات اكتئاب أو غضب أو شعور بالذنب، أو غير ذلك من السمات السلبية على وجهها".[/rtl]
[rtl]بين الواقع والخيال[/rtl]
[rtl]هناك ثلاثة أفلام ارتبطت في وعي جمهور السينما بعمليات زراعة الوجه، والثلاثة كان إنتاجها قبل إجراء أول عملية زراعة وجه.[/rtl]
[rtl]الأول هو فيلم الرعب والجريمة الفرنسي "عيون بلا وجه" (Eyes Without a Face)، للمخرج "جورج فرانجو"، وهو فيلم من إنتاج 1960، ويحكي قصة "جيسيه"، وهو طبيب يسعى من خلال تجارب طبية منحرفة إلى استخدام أوجه مرضاه، لعلاج وترقيع وجه ابنته الذي تعرَّض لتشوهات نتيجة حادث سيارة. لكن مع تكرار فشله في إجراء العملية أكثر من مرة تكتشف ابنته أمره، وتتعرض للانهيار، ويكون في مأزق شديد.[/rtl] إعلان
[rtl]والثاني هو الفيلم الياباني "وجه الآخر" (The Face of Another) للمخرج "هيروشي تيشيجاهارا"، والفيلم من إنتاج عام 1966، ويحكي قصة "أوكوياما"، الذي يتعرض لحروق شديدة تشوِّه وجهه، ليوافق بعدها على تجربة طبية يقترحها عليه طبيبه النفسي، بوضع قناع شبه حقيقي مصنوع من جلد شخص آخر.[/rtl] [rtl]ويستخدم البطل قناعه الجلدي وشخصيته الجديدة في اختبار علاقته بزوجته والآخرين، خاصة أنهم لم يتعرفوا على حقيقة شخصيته.[/rtl]
[rtl]ويتعمق الفيلم في الجوانب النفسية المتعلقة بتشوهات الوجه، ويدلل من خلال أحداثه على أن سلوك البشر والجوانب المظلمة في شخصيتهم يجعلهم يعتمدون بدرجة كبيرة على شكل وملامح مَن يتعاملون معهم في تحديد كل تفاصيل هذا التعامل.[/rtl]
[rtl]أما الثالث فهو فيلم الخيال العلمي الأمريكي "الوجه المخلوع Face/Off"، من إنتاج 1997، ويُعَد أنجح أفلام المخرج "جون وو"، وهو بطولة "جون ترافولتا" و"نيكولاس كيج"، ويروي الفيلم اضطرار مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) إلى نقل وجه زعيم عصابة أمريكي إلى أحد ضباطه، وذلك لكي يتمكن الضابط من اختراق العصابة ومعرفة المكان الذي زرعوا فيه إحدى القنابل، إلا أن الأمور تنقلب، ويفيق زعيم العصابة بوجه الضابط، ويتمكن من محو كل أثر لتفاصيل العملية، لتنقلب الأمور على عميل "إف بي آي" الذي ينظر له الجميع على أنه "زعيم العصابة".[/rtl] [rtl]لكن "جاستمان" يرى أنه من الصعب لجوء المجرمين إلى إجراء عمليات زراعة الوجه بهدف إخفاء ملامحهم، والتخفي عن العدالة، مضيفًا أن "هذا أمر صعب جدًّا في الوقت الحاضر؛ لأن التعرض لمثبطات المناعة مدى الحياة، بالإضافة إلى حقيقة أن المريض لا يعود أبدًا لطبيعته كما كان من قبل، يجعل من غير المرجح أن يكون لدى المجرمين أي رغبة في إجراء هذه العملية".[/rtl]
إعلان
[rtl]الهوية والتواصل مع الآخرين[/rtl]
[rtl]في كتابه "التقدم التكنولوجي في الجراحة والصدمات والعناية الحرجة"، يخصص جوان باريت -رئيس قسم زراعة الوجه واليد بمستشفى فال دي هيبرون الجامعي بإسبانيا- فصلًا كاملًا لمستقبل عمليات زراعة الوجه تحت عنوان "زراعة الوجه: المستقبل أفضل من المفاهيم الحالية".[/rtl] [rtl]يقول "باريت" في كتابه: إن أول زراعة نسيج عضلي يشتمل على أوعية دموية بالتاريخ كانت في عام 1998، عندما تحققت عملية زراعة يد لإنسان للمرة الأولى. وفي عام 2005، كانت المحاولة الناجحة الأولى لعملية زراعة وجه بشري في فرنسا.[/rtl]
[rtl]ويضيف أن "25% فقط من المرضى الذين دخلوا ضمن برنامج زراعة الوجه كانت لديهم مؤشرات تعكس رغبتهم في الخضوع لعملية زراعة خلايا للوجه. وبعض المرضى يقررون التوقف عن الاستمرار في العملية بعد أن يتم إخبارهم بخطة العلاج، وإدراك المشكلات الطبية التي تواجههم مثل تناول أدوية مثبطات المناعة، كما يعتمد الأمر بدرجة كبيرة على وجود فريق من الأخصائيين والأطباء النفسيين والاجتماعيين الذين يهيئون المرضى للعلاج. إذ إن زراعة الأعضاء تحمل سلسلةً من المشكلات النفسية والاجتماعية، وتتفاقم تلك المشكلات في عمليات زراعة الوجه، خصوصًا تلك المشكلات التي تتعلق بالهوية والتواصل والضعف النفسي واحتمالات الوفاة وردود فعل المريض والأقارب على الهوية الجديد للشخص الذي أُجريت له تلك العملية".[/rtl]
[rtl]من جهته، يذهب "صامويل تايلور ألكسندر" -المتخصص في الأنثروبولوجيا الطبية بجامعة أوكلاند بنيوزيلاندا- في دراسة "في زراعة الوجه: الانحدار الأخلاقي والموت الهادئ في الطب الحيوي التجريبي"، إلى أن "الهدف الرئيسي من عمليات زراعة الوجه هو تحسين الوظائف الحيوية، وإعادة الاندماج في المجتمع كأفراد كاملين، لذا، فإن وفاة بعض المرضى الذين خضعوا لعمليات زرع وجه لا يجب أن تشتتنا عن حقيقة التقدم الذي تحقق خلال العقد الماضي عالميًّا في هذا المجال، وأنه يجب المضي قدمًا في هذا الحقل الطبي لمعرفة وإدراك معدلات النجاة والوفاة في مثل هذه العمليات"، وفق قوله.[/rtl]