قال الأكاديمي والمترجم المغربي المتخصص في السيميائيات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سعيد بن كراد؛ إن العلامة هي في المقام الأول أداة رمزية موجهة لتنظيم تجربة فعلية لا أفق لها خارج اللغة.وأضاف، في مقال نشره على الموقع الرسمي لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث بتاريخ 15 مارس(آذار) الجاري، أن العلامة دال يحيل على مدلول في انفصال عما تقوم اللغة بتمثيله، أوهي ماثول مرتبط بموضوع استناداً إلى صيغة رمزية هي ما يجعل الإحالة قابلة للاستمرار في الذاكرة بعيداً عن قاعدة التمثيل المباشر. إنّ العلامة، في الحالتين معاً، لا تقوم بالكشف عن موضوعها من خلال تقديم نسخة موازية له هي صورة لما يمكن أن يدركه المتلقي، بل تُعيد صياغته ضمن سيرورات الرمز. يتعلق الأمر بمعنى الأشياء في اللغة لا الأشياء ذاتها؛ ذلك أنّ التمثيل الرمزي ليس استنساخاً حرفياً لعالم، بل هو في الأصل تقليص لكل أشكال الحشو والتعدد والتنوع للاحتفاظ بما يمكن أن يشكل صورة ذهنية عامة تستوعب كل النسخ الممكنة.
وانطلق بن كراد قبل الخوض في تأويليات النص الديني من تعريف شامل للسيمائيات التي
تُعنى بتحليل الخطاب بمفهومه الواسع، ما يشمل مجموع منتجات السلوك الإنساني ويُصَنف ضمن المضاف الثقافي في حياة الناس، يدخل ضمن ذلك النصوص بكل أنواعها والمفاهيم المعزولة والأحكام المسبقة ومرويات التاريخ وما نسجته الذاكرة الفردية والجماعية من حِكَم وأمثال وأقوال مأثورة، وبما فيها أيضا أشكال العمران وحالات العيش والطقوس الاجتماعية. فهؤلاء يُسَرِّبون أحلامَهم وآلامَهم إلى وقائع من طبائع شتى تُعشش فيها مجمل التمثلات التي تُعد الأساس الذي يقوم عليه جزء كبير من مضمون الأخلاق والسياسة والأيديولوجيا والدين.
وأشار بن كراد أن العودة للسيمائيات كانت عودة إلى العلامة ذاتها، أي إلى التجربة الرمزية، مدخلاً مركزياً من أجل التعرف على هوية الإنسان، باعتباره كائناً يأتي إلى العالم من خلال ممكنات اللغة في المقام الأول، فداخلها يولد وداخلها ينمو ويضمحل، وهو من يُضَمِّنها رؤاه لهذا العالم أيضاً. إنه يعي ذاته ويعي عالمه وفق آليات التقطيع المفهومي فيها، ما يشمل المظاهر والأبعاد والخصائص والنوعيات، وهي صيغة أخرى للقول، إنّ الوقائع الفعلية لا تتم في عراءٍ أو داخل فضاء غُفل، بل هي طبقات دلالية من طبيعة تراتبية لا تكشف عن جوهر الأشياء، بل تغطي على بعضها بعضاً في الكثير من الحالات.
وبخصوص التأويل يقول بن كراد:" يجب النظر إلى التأويل باعتباره جزءاً من التسمية والوصف والتعيين. ذلك أنّ التمثيل ليس نقلاً أميناً، بل هو ذاته صيغة تأويلية لما وقع فعلاً (لحادث). لذلك، يتحدد دور العلامة في تخليص العين مما يشدها إلى أفق محاصر بأشياء وكائنات وظواهر، لكي يفتح أمامها أفقاً لمعانٍ تنتشر في كل الاتجاهات. وذاك هو المبدأ الذي يؤكده بورس حين يعتبر العلامة "شيئاً تفيد معرفتُه معرفةَ شيء آخر"[2]. فهذا معناه أننا لا نكتفي بإنتاج ما يمكننا من تعقل محيطنا، بل نطلق العنان لسيرورة تدليلية تتم داخل النص الثقافي بممكناته وإكراهاته. وسيكون مصدر جزء من هذه الدلالات هو الذات التي تَعْرِض أفقها على أفق نصي لا يمكن أن يوجد خارج من يحتضنه؛ ذلك أنّ "الأنا التي تأتي إلى النص هي ذاتها مزيج من النصوص"، كما كان يقول بارث.
للاطلاع على المقال كاملا يرجى زيارة الوقع الرسمي للمؤسسة مؤمنون بلا حدود على الرابط الآتي