زاوية الهجوم: تُعرض بيانات التصوير المقطعي المحوسب في ثلاثة أبعاد باستخدام الجهاز پرسپكتاراد، كاشفة عن نواة ورم دماغي [المعيَّن الأصفر في الوسط] والمسارات الممكنة للعلاج بالأشعة [الأشعة الخضراء] |
ويستطيع مستخدم الجهاز أيضا أن يستعمل فأرة قلمية
(9) بهدف تكبير الصورة أو تصغيرها أو تدويرها وتقليبها أو تغيير ألوانها. لكن
هذه الميزة لم تصبح متوفرة إلا في الآونة الأخيرة، بعد التقدم السريع في
مجال الرسوميات الحاسوبية. يتذكَّر <فاکالورا> قائلا: «في الاستعراض
الأول الذي أجريناه عام 2002، استغرقت عملية النقر والجر بالفأرة 45
دقيقة من المعالجة، أما الآن فقد حصلنا على بطاقة کيديو جاهزة من السوق
ببضع مئات من الدولارات، وهي تقوم بحل المسألة بسهولة كبيرة.»
وانقضت
مدة أيضا قبل أن يدرك <فاکالورا> وزملاؤه أن تحسين جودة تقانتهم
الأساسية لن يكون كافيا لإطلاق مشروع تجاري. فقد كان عليهم أن يحددوا سوقا
أولية وأن يطوروا نظاما جاهزا للاستعمال مفصَّلا لها. وتبين لهم أن
البيئة الملائمة لتلك السوق هي المعالجة الإشعاعية لأورام السرطان.
فالأطباء بحاجة إلى وضع مخطط دقيق للمسارات التي يوجهون الأشعة عبرها، في
محاولتهم بلوغ أقصى حد لمفعول القضاء على الورم في النقطة التي تلتقي
الأشعة فيها، وفي الوقت نفسه تقليل أذية النسيج السليم المجاور. ونظرا إلى
أن مختصِّي الأورام يجب أن يعملوا بشرائح ثنائية الأبعاد من بيانات
التصوير، فإن تخطيط مسارات الأشعة بهدف العلاج قد يستغرق عدة ساعات. لذا
طورت الشركة Actuality نظامها پرسپكتاراد PerspectaRad ليكون مكمِّلا لتجهيزات العلاج الإشعاعي الموجودة التي تصنعها الشركة Philips Medical Systems.
يتباهى
نظام پرسپكتاراد بمظهاره الثلاثي الأبعاد وببرمجياته التي تربط الجهاز
بأنظمة فيليپس. فعندما يضغط الطبيب على زرٍّ معين، تظهر صورة بيانات
التصوير المقطعي المحوسب لورم دماغي، مثلا، بالأبعاد الثلاثة. ويضيف الضغط
على زر آخر مسارات الأشعة التي يختارها مختص الجرعة الذي يضع خطة العلاج.
ويستطيع الطبيب المعالج أن يرى بدقة الموقع الذي سوف تضرب فيه الأشعة
الورم، ونُسُج الدماغ السليمة التي سوف تخترقها الأشعة، وسحَابة الجرعة،
أيْ كتلة النسيج التي ستتأثر بالإشعاع. إن هذا التصوير يساعد الأطباء على
ضبط الأشعة لتحسين العلاج وتخفيف الأذى. وقد بلغت تكلفة أول أنظمة
پرسپكتاراد زهاء 90000 دولار. ووفقا لرأي <فاکالورا>، فإن إنتاجها بكميات كبيرة قد يخفض السعر إلى 65000 دولار، لكنْ من المستبعد وصول هذه المظاهير إلى أسواق المستهلكين.
ومع ذلك، فإن طريقة العلاج هذه تتأهب للانتصار. ففي الآونة الأخيرة أجرى
[رئيس قسم الفيزياء الطبية في مركز جامعة راش الطبي بشيكاگو] دراسة على
اثني عشر مصابا بورم دماغي كانت قد وُضِعت لهم خطط علاج باستخدام نظام
پرسپكتاراد وبالطرائق التقليدية. وراجع هذه الخطط أطباء لم يكونوا على علم
بالطريقة المستخدمة. وقد تبين أن البروتوكولات التي وُضعت باستخدام نظام
پرسپكتاراد كانت أفضل في ست حالات، ومكافئة لغيرها في أربع حالات، وأسوأ
في حالتين. وفي حالة أحد المرضى، بيَّن نظام پرسپكتاراد بوضوح كيفية تخفيض
الأذى العرَضي للعصب البصري. إن <تشو>، الذي وصف هذه النتائج
«بالمثيرة»، يخطط لدراسة أشمل تتناول مصابين بأورام في أجزاء أخرى من
الجسم. يقول <تشو>: «حين استخدام بيانات التصوير المقطعي المحوسب
فقط، عليك النظر إلى الشرائح إفراديا ومكاملتها جميعا معا بطريقة ما في
رأسك للحصول على صورة ثلاثية الأبعاد. أما باستخدام الجهاز پرسپكتا، فإنك
تشاهد الصورة الثلاثية الأبعاد مباشرة.»
(***)پرسپكتا: كرة بلورية قبة شفافة وشاشة شبه شفافة وتجهيزات بصرية تدور جميعا بسرعة900 دورة في الدقيقة لتوليد صورة ثلاثية الأبعاد. يرسِل الحاسوب بيانات الرسوم إلى التجهيزات الإلكترونية الموجودة تحت قاعدة الجهاز والتي تعطي التعليمات إلى شيپات المعالج الضوئي الثلاث كي تُركِّز ضوء مصباح قوس كهربائية عبر عدسة جهاز العرض. وتُعكس حزمة الأشعة عبر محور الدوران بواسطة مرايا وسيطة على الشاشة. وثمة قبة ثانية أكبر (غير ظاهرة في الصورة) تُغلِّف الأجزاء الدوارة لدواعي السلامة.
|
وكان
<تشو> معجبا أيضا بمقدرة الجهاز پرسپكتا على إظهار صور متحركة
لأجزاء الجسم الداخلية. فنظرا إلى أن الأعضاء والنُّسُج الداخلية تتحرك مع
خفقات القلب ومع شهيق الرئتين وزفيرهما، فإنه من المفيد جدا أن نكون قادرين
على تمييز محور حركة الورم. بهذه المعلومة، يتمكن الطبيب من توجيه حزمة
إشعاعية منخفضة الطاقة بموازاة محور الحركة، بدلا من توجيه حزمة شديدة عبر
الورم، مخفضا الأضرار الثانوية. ويقول <تشو> إن الجهاز پرسپكتا
يمكِّن أيضا من إجراء زرع دقيق «للبذور» الإشعاعية في غدة الپروستاته
(الموثة) بهدف علاج السرطان فيها، لأنه يسمح للطبيب بالتعويض على نحو أفضل
عن حركة النسيج التي تحصل عند إدخال الإبرة التي تحقن البذور.
کكسلات في ألواح زجاج(****)
أما الجهاز دپثكيوب DepthCube، وهو مظهار التجسيم التفاعلي الآخر، فقد طوَّرته الشركة Light-Space Technologies في نورفالك بولاية كونتيكت الأمريكية. إنه مرقاب إسقاط خلفي يشابه إلى حد ما شاشة حاسوب طولها 16 إنشا (بوصة) وعرضها 12 إنشا. وتبلغ سماكة هذه «الشاشة» أربعة إنشات، وهي تتكون من 20 لوحا زجاجيا شاقوليا شفافا جُمعت معا. لكنْ رغم سماكتها تلك، فإن الصور تبدو فيها وكأنها بعمق 12
إنشا تقريبا. ويستطيع كلُّ واحد من المستخدمين الذين يقفون أمام الشاشة
عشوائيا أن يشاهد الأشياء من منظوره. فالبنى الداخلية تظهر وتختفي مع
تغيُّر زاوية النظر. إن هذا النظام يمكِن أن يكون مفيدا، على سبيل المثال،
لفريق من مهندسي الإنتاج يدرس التوافق بين أجزاء رُسمت بمساعدة الحاسوب.
عندما بنى [رئيس الشركة LightSpace] نموذجه الأول قبل ثماني سنوات، تمكَّن من جعل ثلاث شيپات، من المعالج الضوئي الرقمي الذي تصنعه الشركة Texas Instruments، تُسقط صورا ذات عمق على الألواح العشرين التي تفصل بينها فجوات هوائية رقيقة. وفي الجهاز دپثكيوب، يحتوي كل معالج ضوئي رقمي على 786 432 مرآة مرصوفة فوق مساحة لا تزيد على مساحة الظفر الواحد.
لكن <سُلّيکان> ظل بحاجة إلى إيجاد طريقة سهلة لتوليد معلومات العمق. وقد شعر بالبهجة عندما أدرك أن بطاقة رسوميات(10)
حاسوبية ثلاثية الأبعاد متوافرة في الأسواق يمكن أن تفي بالغرض. تَستخدم
بطاقة الرسوميات الحاسوبية ذاكرة مؤقتة للّون، وهي مقدار صغير من الذاكرة،
مهمتها تخصيص اللون المناسب لكل پكسل على شاشة ثنائية الأبعاد. لكن
البطاقة تحوي أيضا مكوِّنا خفيا يسمى ذاكرة العمق(11)
مهمتها توصيف عمق كل پكسل. وفي التطبيقات العادية، تكون ذاكرة العمق
المؤقتة غير مستغلة استغلالا كبيرا، لأن طبقة الپكسل الأمامية فقط هي التي
يجب تحديدها لتوليد صورة ثنائية الأبعاد. لذا، بعد تفكير مليّ، وجد <سُليکان>
أن المكان اللازم لمعلومات العمق «كانت متوافرة هنا مجانا.» تُرسَل
المعلومات إلى الألواح العشرين، المعروفة بحاجبات الضوء بالبلورات السائلة
المتبعثرة(12)، والتي
يمكن أن تتحوَّل بسرعة من حالة الشفافية إلى حالة التبعثر. وتمكِّن هذه
الخاصية اللوح من السماح للپكسلات بالمرور عبره إلى الألواح الأخرى بحسب
الحاجة، وتمكِّنه في الوقت نفسه من إظهار پكسل. وفي أيِّ لحظة، تكون جميع
الألواح خالية باستثناء لوح واحد، لكن المعالجات تُسقط شرائح الصورة
المتناسقة بمعدل 50 شريحة في الثانية على كل لوح، مولِّدة عمقا كاملا وارتفاعا وعرضا.
(*****)دپثكيوب: عرض الصور على شاشة سميكة يمر الضوء الصادر عن مصباح قوس كهربائية عبر تجهيزات بصرية وموشور، فيتجزأ إلى ثلاث حزم ضوئية: زرقاء وحمراء وخضراء، تعكسها شيپات المعالج الضوئي بواسطة جهاز العرض نحو المرايا الوسيطة relaymirrors. وتوجِّه المرايا الحزم إلى إحدى الشاشات العشرين. تتألف كل شاشة من لوحين زجاجيين يحتويان على طبقات موصلة للكهرباء ومزيج من البلورات السائلة التي تُبعثر الضوء. بإضاءة مجموعة الشاشات البالغ عمق كلٍّ منها 4 إنشات على التتالي، يولِّد النظام صورة ثلاثية الأبعاد تظهر وكأن عمقها يساوي 12 إنشا. إن عيِّنة الصورة، التي تمثل نصف رأس إنسان، تُتيح رؤية بنى خاصة (الجيوب بالأصفر الزاهي، والغضروف بالبرتقالي)، في حين تبقى البنى الأخرى مخفية.
|
نقَل
النموذج الأولي للجهاز دپثكيوب خاصية الأبعاد الثلاثة إلى المشاهد على
نحو جيد، لكنْ بعمق لم يتجاوز عمق الشاشة الذي يساوي أربعة إنشات؛ إضافة
إلى أن عناصر الصورة بدت كقطع أثاث وديكور مسطحة على منصة مسرح، متوضعة
بعضها خلف بعض. حينئذ، حقَّق <سُليکان>، الذي درس سابقا ليزرات
الطاقة العالية في المختبر Lawrence Livermore National Laboratory، خرقا ذكيا مكَّنه من تسجيل براءة اختراع. فقد خطر بباله أن ما يسمى خوارزميات منع التراكب antialiasing
المستخدمة في صقل الحافات الخشنة في الصور الثنائية الأبعاد، يمكن أن
تُستخدم أيضا لصقل خشونة التدرجات بين الألواح العشرين في الجهاز دپثكيوب.
إن هذا الابتكار يجعل کكسلات المظهار الحقيقية التي يبلغ عددها 15.3 مليون کكسل، تبدو وكأنها 465 مليون کكسل افتراضي. ويشرح <سُليکان> ذلك بقوله: «إننا نولِّد 31
لوحا جزئيا بين كلِّ لوحين حقيقيين، ولذا أصبح الميز المُشاهَد أفضل
كثيرا.» ونتيجة لذلك، تظهر الصور بالنسبة إلى عقل الإنسان وكأنها بعمق يصل
إلى 12 إنشا.
يمكن الحصول على بيانات الصور التي تلقَّم بها الشيپات من أيٍّ من برمجيات الأبعاد الثلاثة التي تُشغِّل واجهة برمجة التطبيقات Open GL، وهي بروتوكول يُستخدم في برامج التصميم بمساعدة الحاسوب وفي البرامج الهندسية مثل Catia أو ProEngineer. لقد باعت الشركة LightSpace
عددا من الأجهزة دپثكيوب إلى عدة هيئات بحثية، منها مختبر أبحاث القوى
الجوية الأمريكية وجامعة هوكايدو في اليابان، وذلك بسعر يبلغ نحو 000 50
دولار للجهاز الواحد. ويُقرّ <سُليکان> بأن السوق محدودة بالنسبة
إلى هذا السعر، ولكنه يقول إنه يستطيع رؤية الطريق الذي يقود إلى مُنتَج
لا يتعدى ثمنه 5000 دولار تقريبا.
ويضيف: «ليس في تصميمنا من شيء يختلف عما هو موجود في أجهزة التلفاز
الخلفية الإسقاط باستثناء حاجبات الضوء بالبلورات السائلة، وهذه يمكن أن
تُنتَج بالجملة بتكلفة منخفضة.»
ويحظى
المنتَجان اللذان طوَّرتهما هاتان الشركتان الحديثتا العهد باحترام
متزايد من قبل العلماء المنخرطين في العالَم الثلاثي الأبعاد، وسوف تليهما
تطبيقات أخرى. يقول عالم البصريات [صاحب مختبرات HinesLab
في گلندال بكاليفورنيا]: «إن هاتين المجموعتين تفعلان أشياء صعبة جدا،
وقد نجحتا فيها.» ويضيف: إن الأمكنة الطبيعية لبيع هذه التقانة ستكون
حيثما يوجد المال؛ «في الطب والصناعات الحربية والسينما.»