سميح القاسم المد يــر العـام *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 3149
تعاليق : شخصيا أختلف مع من يدعي أن البشر على عقل واحد وقدرة واحدة ..
أعتقد أن هناك تمايز أوجدته الطبيعة ، وكرسه الفعل البشري اليومي , والا ما معنى أن يكون الواحد منا متفوقا لدرجة الخيال في حين أن الآخر يكافح لينجو ..
هناك تمايز لابد من اقراره أحببنا ذلك أم كرهنا ، وبفضل هذا التمايز وصلنا الى ما وصلنا اليه والا لكنا كباقي الحيونات لازلنا نعتمد الصيد والالتقاط ونحفر كهوف ومغارات للاختباء تاريخ التسجيل : 05/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10
| | بين فوكو وهابرماز/ مقالة لـ هاشم صالح (من جزأين) | |
.. بين فوكو وهابرماز/ مقالة لـ هاشم صالح (من جزأين)[rtl]الفلسفة الغربية في ختام القرن العشرين وبدايات الواحد والعشرين:[/rtl] [rtl]أزمة عقل وعقلانية، أم انسدادات حضارية؟ (1/2)[/rtl] [rtl]مرور 24 سنة على وفاة ميشال فوكو(3)[/rtl] [rtl] الثلاثاء 8 تموز (يوليو) 2008 (مجلة الأوان)[/rtl] [rtl] بقلم: هاشم صالح [/rtl] [rtl] http://alawan.org/article2222.html?utm_campaign=shareaholic&utm_medium=facebook&utm_source=socialnetwork[/rtl] [rtl] الجزء الأول:[/rtl] [rtl] الشيء الوحيد الذي جاءت به الفلسفة هو الفكرة البسيطة التالية : العقل يحكم العالم وبناء عليه فإنّ التاريخ البشري ّ(أو الكونيّ) هو عقلانيّ تماما.(هيغل) إنّ العقل (أي عقل التنوير) الذي خلق الحريات هو الذي خلق السلاسل والأغلال أيضا!(ميشيل فوكو)[/rtl] [rtl] سوف يكون من الغرور والتبجح الزعم بأنّي قادر على استعراض كل تيّارات الفلسفة الغربية في مقالة واحدة! فهذا الأمر يتطلب عدة مجلدات وتعاون العديد من الاختصاصيين والباحثين. ولكني سوف أقتصر على استعراض بعض الأسماء والتيارات الفكرية التي أخذت أهمية في السنوات الأخيرة وشاعت على الألسن. وسوف أهتم بها من خلال تركيزها على قضية واحدة أساسية: هي قضية العقل وأزمته في نهايات القرن الماضي (أي أواخر القرن العشرين). أقول ذلك رغم أن أزمة العقل تعود إلى بداياته وليس فقط إلى نهاياته. فالواقع أنّ العقل الأوروبي ظل مسيطراً وواثقاً من نفسه منذ عصر التنوير وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918). عندئذ تلقّى لأوّل مرّة صدمة موجعة ترنّح بعدها وأخذ يطرح الأسئلة على نفسه وإنجازاته. فحتى ذلك التاريخ –أي طيلة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر- كان هذا العقل مفعما بالتفاؤل ويعتقد بأنه سائر نحو التقدم إلى ما لانهاية، وأن عهد الحروب والمجاعات والعصبيات الهمجية قد انتهى إلى غير رجعة. وأكبر دليل على ذلك عبارة هيغل الشهيرة التي وضعتها على رأس هذه الدراسة. وفجأة تندلع هذه المجزرة الرهيبة التي ذهب ضحيتها ملايين البشر في فرنسا وألمانيا ومختلف أنحاء أوروبا. وشكلت تلك الحرب صدمة نفسية قاسية للملايين التي بقيت على قيد الحياة ولم تعد تثق بشيء، لا بالتقدم ولا بالحضارة. ومن المعلوم أنّ القصف الجوّيّ استخدم لأول مرة في التاريخ أثناء تلك الحرب. كما استخدمت فيها لأول مرة الأسلحة الكيماوية التي خلَّفت وراءها آثاراً لا تمحى من الذاكرة. ويقال بأنه لم تبق عائلة فرنسية واحدة تقريباً بدون أن تفقد أحد أبنائها أو رجالاتها.[/rtl] [rtl] وراح الناس يتساءلون مستغربين: في الماضي كنا نفهم أن يقتل الناس بعضهم بعضاً بشكل وحشيّ بل وعلى الهوية لأنهم كانوا متخلفين أو همجيين يسيطر عليهم التعصّب الدينيّ ولم يستنيروا بعد بضوء العقل. ولكن الآن لماذا يفعلون ذلك وأبشع منه بعد أن تقدمت البشرية الأوروبية واستنارت وسيطرت على الطبيعة بفضل العلم والتكنولوجيا. لقد خرجنا من عصور التعصب الديني ومحاكم التفتيش واعتقدنا أننا نجونا من المجازر والأنانيات والحروب الهمجية إلى الأبد. وقد عبّر الشاعر بول فاليري عن هذه المشاعر بنوع من الغضب العارم عام 1919، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة. يقول: "الأشياء أصبحت واضحة لا شفقة فيها ولا رحمة. لقد سقط في هذه الحرب آلاف الشباب من كتّاب وفنانين. وسقط أيضاً وهم الثقافة الأوروبية، وتبين لنا عجز الثقافة عن إنقاذ أي شيء كان. وسقطت هيبة العلم من الناحية الأخلاقية سقوطاً مريعاً لأن تطبيقاته التكنولوجية أدت إلى قتل الملايين بسهولة مرعبة. وبدلاً من أن كان شرفاً ومجداً للحضارة الأوروبية أصبح عاراً عليها..." (1).[/rtl] [rtl] يصعب علينا، نحن التنويريين العرب، أن نفهم سبب هذه المشكلة: أقصد أزمة العقل والعقلانية. فبما أننا نناضل من اجل انتصار العقل في بلداننا والخروج من أسر العقل اللاهوتي الطائفي التقليدي، فإننا لا نتوقع أننا سوف نواجه أزمة جديدة بعد انتصار العلم والعقل!.. فنحن نتوقع أنه بعد انتصار التنوير فسوف تُحَلُّ كل مشاكلنا دفعة واحدة. ولكننا لا نعرف أن التاريخ تراجيديّ، وأنه قد ينقلب على ذاته في حركة غريبة وغير متوقعة. كما أننا لا نعلم أن البشرية تحمل في أعماقها جرثومة الانتحار الذاتي أو التدمير الذاتي للذات كما قال عالم نفس الأعماق فرويد. وإلا كيف نفهم أن البشرية الأوروبية التي كانت في أوج مجدها وحضارتها عام 1914 راحت تدخل فجأة في حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر؟ هذا هو السؤال الذي طرحه المثقفون الأوروبيون على أنفسهم آنذاك. فهل ماتت العقلانية في ساح الوغى كما مات ملايين الجنود والضباط الأوروبيين؟ وهل انهار مشروع التنوير في معركة "فردان" الشهيرة التي تطاحن فيها الألمان والفرنسيون وجها لوجه وبالسلاح الأبيض؟ ولماذا ذبحت تلك الأمم المتحضرة بعضها البعض من أجل قطعة أرض هنا، أو هناك؟ وما نفع العقل أو العقلانية إذا كانت لا تمنع من ارتكاب الحماقات والأعمال الهمجية؟ أم إن العقل قد يدخل في أزمة وينقلب إلى ضده: أي إلى جنون؟[/rtl] [rtl] لم يكن الفلاسفة وحدَهم الذين طرحوا هذه الأسئلة على العقلانية الغربية التي أدت إلى الكارثة، وإنما راح الفنانون أيضاً ينتفضون ويثورون ضد كل ما هو عقل، أو قفص، أو سجن. وهكذا ظهرت الحركة الدادائية في زوريخ عام 1916 بقيادة ماكس أرنست، وتريستان تزارا، ومارسيل دوشام وغيرهم. ولم تثر هذه الحركة على القيود الفنية الأكاديمية أو الكلاسيكية فحسب، وإنما ثارت أيضاً على القيم "المزعومة" للحضارة الغربية. فهذه الحضارة رغم عبادتها للتنوير، إلا أنها سمحت بإرسال أبنائها إلى المسلخ، أو المجزرة. إن هذا الاستلهام الانقلابي أو التدميري للدادائية راح يؤثر على الأدب والفن بشكل عام ويولّد حركة أكبر وأهم هي السريالية. وهذه الأخيرة راحت تركز على استكشاف القوى الغامضة والهوجاء التي تسيطر على منطقة اللاوعي القابعة في أعماق الإنسان. وفي ذات الوقت راح فرويد ينشر مؤلفاته التشاؤمية عن مستقبل الحضارة الغربية. بل وراح يتحدث عن "غريزة الموت" التي تسكن في أعماق الإنسان فرداً كان أم جماعات وتدفعه لأن يشتهي الانتحار أو التدمير الذاتي اشتهاء كما ذكرنا. ثم نشر كتابيه الأساسيين في أواخر عمره: مستقبل وهم ما سنة 1927، ثم توعك في الحضارة أو مرض الحضارة (2) سنة 1930.[/rtl] [rtl] ولكن رغم وحشية الحرب العالمية الأولى وفواجعِها إلا أن بعض الفلاسفة ظلوا مخلصين لمشروع التنوير متمثلاً في أعلى ذراه: أي الفلسفة الكانطية. نذكر مثالا مدرسة "ماربورغ" التي كان يتزعمها ارنست كاسّيرر. وقد اضطر هذا الأخير إلى خوض مناظرة كبرى مع القطب المضاد للفلسفة العقلانية ألا وهو مارتن هيدغر. وقد جرت هذه "المناطحة" الفلسفية الكبرى إذا جاز التعبير في مدينة دافوس بسويسرا، وشهدها جمهور غفير من الفلاسفة والمثقفين الأوروبيين. واستمرت من 17 مارس إلى 26 أبريل عام 1929 (3). وفتح هيدغر عندئذ النار على تراث التنوير المتمثل بالمدرسة الكانطية الجديدة وعلى رأسها كاسيرر. وقال هيدغر بالحرف الواحد: ينبغي تدمير كل ما شكَّل حتى الآن أسس الميتافيزيقا الغربية: أي الروح، فالمنطق، فالعقل"!... وراح كاسيرر يتواضع أمامه ويقبل بمراجعة نقدية للفلسفة الكانطية من أجل إنقاذ العقل ومواصلة الحوار. ولكن هيدغر رد عليه بنوع من العنجهية والاحتقار قائلاً بأن الحل الوحيد يكمن في أن ندير ظهرنا للتراث العقلاني الذي سيطر علينا منذ القرن الثامن عشر (أي لحظة كانط). واعتبر الشهود أنّ هيدغر هو الذي ربح المعركة، وبدا وكأنه البطل الجديد للفلسفة الألمانية. وهكذا انتصر التيار اللاعقلانيّ على التيار العقلانيّ في الساحة الفلسفية. ثم ترجم ذلك واقعياً عن طريق صعود النازية والفاشية وتدمير أوروبا مرة ثانية من خلال الحرب العالمية الثانية. فهل كان هيدغر هو الذي مهَّد لهتلر؟ البعض يتهم نيتشه وأسلوبه البركانيّ المتفجّر، وهوسه بإرادة القوة والعظمة... ولكن هيدغر ليس إلا تلميذاً لنيتشه بمعنى من المعاني. ومعلوم انّه كان في البداية معجبا بالفوهرر الذي يمثل روح ألمانيا. ثم سرعان ما اختلف مع النازيين ففصلوه من عمادة الجامعة وأبعدوه. ومع ذلك فقد ظل ملاحقا بتهمة النازية حتى الآن..ولكن لا ينبغي أن نحكم على هيدغر فقط من خلال مناظرته مع كاسيرر وهجومه على العقلانية الكانطية التي كانت قد انتصرت وترسخت آنذاك وأصبحت ضيقة ومملة ككل شيء ينتصر ويترسخ. ففلسفته أعمق وأشمل من ذلك. والبعض يعتبره اكبر فيلسوف ظهر في القرن العشرين. وينبغي أن نضع الأمور ضمن سياقاتها التاريخية كي نفهمها جيدا. وهذا بحد ذاته يتطلب دراسة خاصة. وبالتالي فإنّ هجوم بعض غلاة المثقفين اليهود عليه في الساحة الباريسية خصوصا شيئا مبالغا فيه ومستهجنا إلى درجة انه أزعج شخصا مثل فيليب سوليرز الذي لا يستطيع أحد اتهامه بأنه مع العرب وضد اليهود. فقد صرح أكثر من مرة بأنه يكاد يشعر بالخوف لأنه مضطر للاستشهاد بهيدغر وإعلان حبه له..بل وصل الأمر ببعض الغلاة المسعورين إلى حد المطالبة بمنع تدريس فلسفته في الجامعات الفرنسية![/rtl] [rtl] ثم اندلعت بعد الحرب العالمية الثانية معركة جديدة ضد العقلانية الغربية، ولكنها كانت هذه المرة بقيادة مدرسة فرانكفورت. فقد قامت بأكبر محاكمة للعقل الغربي وللجرائم التي ارتكبت باسمه للمرة الثانية على الصعيد العالمي. وكان قائدا المدرسة الفلسفية الجديدة هما: هوركهايمر وأدورنو. ومعلوم أنهما اضطرا للهجرة إلى الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية خوفاً من بطش النازية بسبب أصلهما اليهوديّ. وأصدرا عام 1947 كتاباً بعنوان جدلية التنوير أو جدلية العقل (4). ولا يقصدان بالتنوير هنا فقط تلك الحركة التي ظهرت في القرن الثامن عشر وتمثلت بالانقضاض الكبير للعقل على التراث التقليدي والأصولية المسيحية. وإنما يقصدان أيضاً، وبشكل عام، تلك الحركة التي ظهرت منذ اليونان القديمة وأدت إلى تحكّم العقل بمجمل الحياة الاجتماعية والثقافية للغرب. وبالتالي فإن مدرسة فرانكفورت راحت تدرس تاريخ العقل منذ أفلاطون وأرسطو وحتى الحرب العالمية الثانية! وراح هوركهايمر وأدورنو يطرحان هذا السؤال: لماذا انحرفت البشرية الأوروبية في اتجاه البربرية في الوقت الذي بلغت فيه أقصى ذرى التطور المادي، وفي الوقت الذي كانت تمتلك فيه كل الوسائل والإمكانيات لتحقيق السعادة؟ كيف انقلب التقدم إلى تراجع وتأخر، أو كيف انقلب العقل إلى نقيضه؟ وكانت الأطروحة التي قدماها كجواب هي التالية: إن العقل ونقيضه (أي الأسطورة) ليسا منفصلين عن بعضهما البعض إلى الحد الذي نتصوره. وإنما هما مرتبطان ببعضهما البعض من خلال علاقة جدلية مستمرة على مدار التاريخ. صحيح أن العقل ولد بعد تحرره من الأسطورة، إلا انه اضطر فيما بعد إلى التحول إلى أسطورة بدوره لكي يكافح الأسطورة بشكل أفضل (نفتح قوساً هنا ونقول إنّ العقل معاصر في ولادته لملحمة هوميروس أي للأسطورة). كيف تحول العقل إلى أسطورة بدوره؟ على هذا السؤال يجيب زعيما مدرسة فرانكفورت قائلين: إن "الأساطير العقلانية" ذات غموض رهيب. ومن بين هذه الأساطير العقلانية نذكر الاعتقاد الحديث بالقدرة الإلهية للعلم والتكنولوجيا، ثم الاعتقاد أيضاً بالطابع اللانهائي واللامحدود للتقدم الناتج عنهما. هنا تكمن أسطورة الحداثة بالضبط، وهي أسطورة مغلَّفة بغلاف العقل كما رأينا. وهذا الاعتقاد الغربي يرافق منذ عصر النهضة الجهود التي يبذلها البشر لكي يسيطروا على الطبيعة ويصبحوا أسياداً عليها كما قال ديكارت أستاذ العقلانية الغربية في عبارة شهيرة. ولكن هذا الانتصار الذي حققته الحداثة الأوروبية دُفِع مقابلَه ثمنٌ باهظ: ألا وهو الاستلاب، أي استلاب الإنسان في عالم الصناعة والتكنولوجيا. فهيمنة العلم الموضوعي البارد لا تُمارَس فقط على العلاقات الكائنة بين البشر والطبيعة (أو العالم)، وإنما أيضاً على العلاقات الكائنة بين البشر أنفسهم. إن هيمنة التكنولوجيا تتجسد في الدولة الحديثة وتولّد تشيؤ الوجود الاجتماعي، و"استعمار" الحياة اليومية من قبل إدارة بيروقراطية توتاليتارية لا وجه لها ولا اسم. فكل شيء في مجتمعات الحداثة يُحرَّك من وراء الستار، أو من خلال الضغط على الأزرار. وهذه هي الصيغة الحديثة للنظام الرأسمالي والتكنولوجي المتقدم. ومن وجهة النظر هذه لا يوجد إلا فرق في الدرجة بين الديمقراطية الأمريكية والفاشية الهتلرية!. فالهدف واحد في النظام الرأسمالي العلمي البارد: ألا وهو سحق الفكر وتدجين البشر ومعاملتهم كالقطيع. وبالتالي فإن المسؤول عن انحراف العالم الغربي في القرن العشرين هو ما يدعوه هوركهايمر وأدورنو بالفلسفة الوضعية: أي هيمنة العلم الموضوعي التكنولوجي البارد على البشر والأشياء. إنه علم جاف، متغطرس، لا قلب له ولا روح، ولا يهدف إلا إلى تحقيق المزيد من الفعالية والربح وتراكم المال ورأس المال إلى ما لانهاية... وهكذا ظهر الإنسان ذو البعد الواحد والمفرغ من كل الأبعاد الأخرى بحسب أقوال هيربرت ماركوز، الأستاذ الآخر لمدرسة فرانكفورت الشهيرة.[/rtl] [rtl] إن هذا النقد للعقلانية الغربية يشمل كل تاريخ الفلسفة الأوروبية من ديكارت إلى برتراند رسل مروراً بكانط وهيغل، الخ... فديكارت هو المسؤول الأول عن بلورة هذا العقل التكنولوجي والعلمي البارد (5). وبالتالي فهو مسؤول أيضاً عن محرقة اليهود وليس فقط فلاسفة الألمان من هيدغر إلى نيتشه إلى هيغل فكانط. وربما عدنا بالمسؤولية حتى إلى أرسطو المؤسس الأول للعقل الغربي!..هكذا نلاحظ أن فلاسفة مدرسة فرانكفورت وقعا في نوع من الهذيان الذي لا ضابط له. ربما كان موقفهما مفهوما من الناحية النفسية بسبب فداحة المحرقة اليهودية التي كانت لا تزال طازجة عندما ألفا كتابهما الشهير. ولكنهما بالغا جدا في الهجوم على العقل والعقلانية. ولحسن الحظ فان تلميذهما يورغين هابرماس استطاع إنقاذ العقل من براثن هذا الهجوم الكاسح الذي كاد أن يفقد صوابه.(نفتح قوسا هنا ونقول بأنه سقط في الحرب العالمية الثانية أكثر من خمسين مليون قتيل من مختلف الجنسيات الأوروبية. وبالتالي فاليهود لم يكونوا هم وحدهم الضحايا. ولكن الفرق الأساسي هو أنهم لوحقوا وقتلوا عن سابق قصد وتصميم لأنهم يهود. ينبغي أن نضيف إليهم أيضا الغجر الذين لا يتحدث أحد عنهم وكذلك الشاذين جنسيا والمرضى عقليا. وهنا يكمن الطابع المجرم للنازية).[/rtl] [rtl] ولكن هل يعني ذلك التخلي عن العقل والعقلانية؟ بالطبع لا، يقول أساتذة مدرسة فرانكفورت. فعلى الرغم من كل ما حصل ينبغي إنقاذ العقل من براثن الوضعية الرأسمالية الجافة التي تمثل الصيغة المنحرفة والمفسدة للعقل الأوروبي. ولهذا السبب فإن مدرسة فرانكفورت تدعو لفرز العناصر المعرفية البريئة في العقل عن البقايا والشوائب الأسطورية. باختصار فإن العقل الغربي بحاجة إلى غربلة ونقد وتمحيص من أجل تجديده أو تصحيح انحرافه الذي أدى إلى كوارث الحربين العالميتين. وهذا ما أنجزه هابرماس لاحقا بكل تمكن واقتدار حتى استحق اسم: كانط جديد!فالعقلانية الكانطية كانت قد جمدت وتخشبت وضاقت وأصبحت بحاجة إلى توسيع، إلى ضخ دم جديد في عروقها وشرايينها. وهذا يعني أن للعقل تاريخا وانه يتطور في كل عصر لكي يناسب الحاجيات المستجدة وليس شيئا جاهزا معطى مرة واحدة والى الأبد. صحيح أننا لا نزال نعيش، أو قل بان الأمم المتقدمة لا تزال تعيش، في ظل العقلانية التنويرية الكانطية والهيغلية ولكن بعد إجراء رتوشات عديدة عليها، وربما ما هو أكثر من الرتوشات..[/rtl] [rtl] سوف ألخص كل ما سبق بكلمات معدودات قبل أن أنتقل إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من دراستي هذه.[/rtl] [rtl] قبل عام 1920، أي قبل الحرب العالمية الأولى، لم يكن يخطر على بال أحد قط أن ينتقد العقل أو العقلانية التي صنعت مجد أوروبا. كان هذا العقل يتخذ صفة العصمة المطلقة، وبخاصة بعد تحقيقه لكل تلك النجاحات العلمية والتكنولوجية والصناعية الباهرة. كان عقل التنوير قد حل محل الدين المسيحيّ من حيث الأهميةُ والمشروعية. أو لنقل بأن العقل العلمي الحديث حلَّ محل العقل اللاهوتي القديم ووعد البشرية الأوروبية بتحقيق آمالها في التقدم المطرد والسعادة والرفاهية المادية على هذه الأرض. وبالفعل فقد حقَّق لها الكثير من هذه الأشياء خلال القرن التاسع عشر، ولذلك آمنت به ووثقت بإمكانياته وتخلَّت عن العقل الأصولي المسيحي الذي سيطر عليها طيلة قرون وقرون. وإذن فإن نقد العقل أو وضع العقل على محك التساؤل والشك هو إحدى خصائص القرن العشرين وحده. ولولا كوارث الحربين العالميتين مضافاً إليهما الحروب الاستعمارية البشعة وهيروشيما وناغازاكي وغيرها لما تجرأ أحد على نقد العقل، ولاتُّهم بالجنون لو فعل ذلك. ضمن هذا السياق العام والعريض ينبغي أن نموضع أزمة العقل والعقلانية الغربية لكي نفهمها على حقيقتها.[/rtl] | |
|