** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 من تكون أنت؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمادي
فريق العمـــــل *****
حمادي


عدد الرسائل : 1631

تاريخ التسجيل : 07/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8

من تكون أنت؟ Empty
11032016
مُساهمةمن تكون أنت؟

من تكون أنت؟ Ouo_0010
من تكون أنت؟ Who-am-i
[rtl]حينما تذكر الضمير «أنا» لا تشعر بأي غموض فيما تعني، فأنت هو أنت. بل إنه ضمير إبتدائي جدًا نتعلم معناه ونكون معتادين عليه منذ أن نبدأ بتعلم الكلام. وها قد قرأت عنوان المقالة هذه «من تكون أنت؟» وبدأت بالتفكير في إجابة عن هذا السؤال… «من أكون انا؟». ربما تفكر حاليًا في ما تعنيه الكلمة الثانية من السؤال: «أكون»، وستشعر أن «أنا» واضحة، لا حاجة لنا بالدخول في تفسير معنى لهذه الكلمة. ولكن حينما تتوقف قليلاً وتفكر حيال الكلمة الثالثة في السؤال – ماذا عن الـ «أنا»، يبدأ تفكيرك يأخذ مسارًا غريبًا بعض الشيء. من تكون أنت؟ هل أنت جسدك؟ هل انت عقلك؟ هل أنت معلوماتك؟ هل انت جزيئة من الـ DNA؟ ما الذي يحددك «أنت»؟ لنبدء بما يعرف بمشكلة عدم الكينونة للفيلسوف الإنكليزي جون لوك[1].[/rtl]

[rtl]نساء شريرات وبشر مخربون[/rtl]

[rtl]دعني أولا أطرح عليك بعض السيناريوهات[2]:[/rtl]
[rtl]السيناريو الأول: لو فرضنا أن لدينا إمرأتين، واحدة تدعى «صبرية» تسكن بغداد والأخرى تدعى «فخرية» تسكن طوكيو. تمتاز كلاً من صبرية وفخرية ذا معاش قليل جدًا يكاد أن لا يكفيهم الأكل ودفع الفواتير. وبغض النظر عن بعولتهن قررت كلٌ من صبرية وفخرية الحمل، ولكن تساءلتا عن من سيدفع فواتير أطفالهن. وبعد مدة من التفكير حلت كل من صبرية وفخرية المشكلة… فكلٌ من حكومتي اليابان والعراق توفر دعما ماديًا كبيرًا للمعاقين، فالفكرةُ كانت أن تحمل صبرية وفخرية بأطفال معاقين، وأن يتعمدوا إعاقة أطفالهن المستقبليين. الفرق بين صبرية وفخرية كان في الطريقة التي إستخدموها لكي يحملوا بأطفال معاقين. فبالنسبة لصبرية، قامت بأخذ حبوب ممنوعة من الحوامل مما أودى بطفلها «صبري» أن يكون معاقًا، وبهذا حصلت على دعم الرعاية الإجتماعية وحصلت أيضًا على وظيفة حكومية ذو مرتب عالي. أما بالنسبة لفخرية، فكانت تعمل في مختبر للهندسة الوراثية وأطفال الأنابيب فجاءت ببويضاتها المخصبة وبدأت بفحص جيناتها حتى وجدت أحدها ذو جين يسبب إعاقة فإختارت البويضة المخصبة لكي تحمل بها وتنجب «فخري». ربما نتفق على أن كلا من صبرية وفخرية نساء شريرات، وربما نتفق على أن من حق صبري أن يتاعب أمه صبرية، ولكننا لن نتفق على حق فخري أن يعاتب أمه فخرية. فعلى فرض ان جميع الحيوات – جمع حياة – تستحق العيش، فلن تكون لفخري فرصة أن يحيا لو لم تكن أمه تبحث عن إبن معاق.[/rtl]
[rtl]السيناريو أعلاه لا يناقش مشكلة أخلاقية أو معضلة دينية. ولكنه يعطيك تصورًا بسيطا عن إجابة السؤال الذي بدأنا منه هذه المقالة: «من تكون أنت». ففخري لم يكن ليوجد، لم يكن ليكون، لو لم تفكر أمه بإنجاب إبن معاق. قم بعكس السؤال على نفسك. فكر بكل الإحتمالات الممكنة التي كانت ستودي بطفل أو أخ بدلا يولده أباك وأمك بدلا منك. ماذا لو لم يفكر أباك أو لم ترغب أمك بالإنجاب في ذلك الوقت؟ ماذا لو لم يتم تخصيب تلك البويضة التي أردتك موجودًا تحيا على الأرض؟ ماذا لو تزوج أباك من أمٍ أخرى؟ جميع هذه الإحتمالات كانت لتودي بطفل أخر ربما يكون شبيه لك في بعض المواصفات، ربما يشبهك حتى في تصرفاتك، ولكنه ليس أنت. فمن تكون انت؟[/rtl]
[rtl]إن كان السيناريو أعلاه مستبعدًا وتراه ربما مستحيلاً، خذ السيناريو التالي:[/rtl]
[rtl]السيناريو الثاني: جميعنا نعلم مخاطر إستخدام الوقود العضوي المستخرج من الأرض على البيئة وما يؤديه من إحتباس حراري. إنها بالفعل مشكلة رهيبة تعرض الإنسان، بل الحياة بأكملها، بل الأرض بأكملها لتغيرٍ جذرية قد تكون غيرُ قابةٍ للحل. حسنًا، فكر بها، جيلنا يقوم بإستخدام النفط، الإحتباس الحراري يحصل، النشاط الإنساني يتغير، وضائف يتم إلغاءها، وضائف جديدة ربما ستكون موجودة، ربما سيكون هنالك مناطق من الكرة الأرضية غير صالحة للسكن، فينتقل ساكنيها الى مناطق أخرى. ربما يتغير النشاط الإنساني بالكامل، فيقضي الإنسان أعماله وأشغاله ليلاً ويرتمي على السرير لكي ينام نهارًا. نتيجة لهذه التغييرات في النشاط الإنساني، سيلتقي بشر ببشر مختلفون عن من كانوا سيلتقون بهم لو لم يحصل الإحتباس الحراراي. فلو لم يحصل الإحتباس الحراري لا وضائف ستتغير ولا نشاط إنساني سيتغير وسيلتقي مجموعة البشر «أ» بمجموعة البشر «ب» ليتزوجوا وينجبوا مجموعة الأطفال «س». ولكن إذا حصل الإحتباس الحراري سيلتقي مجموعة البشر «ج» بمجموعة البشر «د» ليتزوجوا وينجبوا الأطفال «ص». والسؤال يطرح نفسه هنا: «هل يحق لمجوعة الأطفال ص أن يعاتبونا لأننا سببنا الإحتباس الحراري؟». قد تكون إجابتك بـ «نعم» على هذا السؤال ولكن فكر قليلأ… لو لم نقم بتسبيب الإحتباس الحراري لولد أطفال مختلفون تمامًا «مجموعة الأطفال س»، ولكن الإحتباس الحراري سبب لنا ولادة مجموعة الأطفال «ص».[/rtl]
[rtl]أكرر ملاحظتي هنا، السيناريو أعلاه ليس معضلة أخلاقية، بل ما هو لأبين كيف تبدأ كينونة الإنسان بالوجود. ولاحظ كيف يمكن أن يؤدي تغير عالمي مثل الإحتباس الحراري الى ولادة كينونات مختلفة تمامًا، وبإمكانك أن تتخيل كيف يمكن لتغير بسيط في حياة والدك أو والدتك أن يؤدي الى ولادة كينونة مختلفة تمامًا عن كينونتك. فمن تكون أنت؟[/rtl]

[rtl]نظرية الجسد[/rtl]

[rtl]من تكون أنت؟ سنبدأ بالإجابة التي يرضى أغلب الناس بها، الجسد المادي بحد ذاته. تقترح نظرية الجسد أن ما يكون كينونتك وهويتك المستقلة هو جسدك، وهذا يمكن أن يكون منطقيًا ربما، فبداية كينونتك التي ناقشناها أعلاه كانت في بداية تخصيب النطفة للبويضة، وتخصيب النطفة للبويضة هي عملية فيزيائية بحتية بدأ بعدها جسدك بالنمو، وخلاياك بالتكاثر وأنسجتك بالتخصص، حتى وصلت الى شخص – يمكن أن نفترضه بالغًا – يجلس أمام شاشة ليقرأ هذا المقال. إن توقف جسدك عن العمل فستموت. إن مررت بتجربة معينة سيقول عنك أصدقاءك وعائلتك أن فلان ليس فلان نفسه سابقًا، لا يقصدون بهذه الجملة أنك شخص مختلف حرفيًا، لقد تغيرت نعم، ولكن جسدك – جسد فلان – لا يزال هو جسدك وانت لا تزال أنت.[/rtl]
[rtl]من تكون أنت؟ 01hesreallychanged[/rtl]
[rtl]عادة ما يحاول الإنسان أن يفكر بنفسه بأكثر من مجرد قطع لحم وعظام، ولكن جسد السنجاب يكون سنجابًا، جسد النملة يكون نملة، وجسد الإنسان يكون إنسانًا. هذه هي نظرية الجسد، دعونا الآن نختبرها:[/rtl]
[rtl]حسنًا، ماذا يحدث لو قطعت إصبعًا لك؟ لقد غيرت جسدك، بشكل صغير الى حد ما، ولكن أنت لا تزال أنت. حسنًا ماذا لو قمت بزراعة كلية؟ ها قد غيرت جزءًا أكبر من جسدك ولكنك أنت لا تزال أنت. وإن زرعت قلبًا أيضًا فأنت لا تزال أنت – وبطريقة جميلة جدًا ستدخل حبيبتك الى قلبك الجديد مرة أخرى. ماذا لو أصبت بحادث ما وكنت تعاني من مرض مزمن ما وقمت بإجراء جراحة لتغير لك كبدك وقلبك وكليتك ورئتيك وبعض من أنسجة وجهك حتى إحتجت قبل وأثناء وبعد العملية الى قدر كبير من نقل الدم. وبعد أن نجوت من العملية الجراحية – التي لا أستطيع أن أتخيل كلفتها في الحقيقة، نيالك! – أنت لا تزال أنت. هل ستقترح عائلتك بأنك قد مت وهذا شخص جديد؟ كلا أنت لا تزال أنت، لم تكن بحاجة الى أيٍ من هذه الأعضاء لتستمر في كينونتك ذاتها.[/rtl]
[rtl]حسنا ربما هو الحامض النووي الرايبي منقوص الأوكسجين – او ما يعرف إختصارًا بالمادة الوراثية او الـ DNA – هو من يحدد هويتك وكينونتك. ولم تكن بحاجة الى أيٍ من هذه الأعضاء لأنه لا تزال الكثير من الخلايا لديك تحتفظ بنفس المادة الوراثية وهي تحافظ على هويتك المتميزة. ولكن لدينا هنا تحدٍ لهذ المقترح: وهو أن التوائم المتماثلة تتشارك بمادة وراثية متماثلة إلا أن كل من الشقيقين هو كيان منفصل ذو هوية منفصلة.[/rtl]
[rtl]حتى الأن نظرية الجسد لا تبدي بلاء حسنًا، قمنا بتغيير أمورٍ عدة في جسدك، ولا تزال أنت هو أنت.[/rtl]
[rtl]أعلم بالضبط ما تفكر به، الدماغ… حسنًا لنتناول نظرية الدماغ.[/rtl]

[rtl]نظرية الدماغ[/rtl]

[rtl]فلنفترض أولا أن معمر القذافي لم يتم قتله، بل تم إختطافه. ولنتخيل أن هنالك عالمًا يقوم بتجارب مجنونة وغير قانونية قام بإختطافك أنت وإختطاف معمر القذافي ليجري عليكما تجاربه ووضعكما في غرفة وأغلق عليكما الباب.[/rtl]
[rtl]من تكون أنت؟ 02zankazanka[/rtl]
[rtl]وبعد يوم أو يومين من الإحتجاز وبمساعدة ممرضة عجوز – قد تكون أمه – قام بأجراء التجربة ألا وهي ان يقوم بنقل دماغك الى جسد معمر القذافي ودماغ معمر القذافي الى جسدك بطريقة ما أبقتكما على قيد الحياة.[/rtl]
[rtl]بعدها تلتئم جروحكما وتصحون أنت ومعمر. تصحو انت وترى نفسك بجسد مختلف تمامًا – وفي ملابس غريبة تمامًا أيضًا – وتجد أن جسدك يقبع أمامك ويتصرف كما يتصرف معمر القذافي. تنظر الى المرآة وتجد نفسك معمر القذافي بذاته.[/rtl]
[rtl]من تكون أنت؟ 03beetbeet[/rtl]
[rtl]هل انت لا تزال انت؟ منطقيًا نعم. أنت لا تزال أنت ولكن بجسد معمر القذافي. فما زلت تحمل نفس الذكريات ونفس الشخصية الفارق الوحيد أصبح شكلك يقترب الى حد مخيف من شكل واحد من أكثر الحكام العرب إثارة للجدل. فلتذهب الأن الى عائلتك وتشرح لهم الموقف – حظًا سعيدًا.[/rtl]
[rtl]من تكون أنت؟ 04family1[/rtl]
[rtl]من تكون أنت؟ 05family2[/rtl]
[rtl]إذا وبخلاف الكثير من الأعضاء، والتي يمكن لجسدك أن يستبدلها تمامًا وتبقى أنت هو أنت، دماغك لا يمكن أزالته أو إستبداله. إذا دماغك بشكل أو بأخر هو ما يحدد هويتك؟ ربما… فلنتابع…[/rtl]

[rtl]نظرية البيانات[/rtl]

[rtl]فلنتخيل التالي: ماذا لو لم يقوم ذلك العالم المجنون بالعملية الجراحية. ماذا لو كان لديه جهاز حاسوب متطورٍ جدًا جدًا الى الدرجة التي تمكنه فيه من أخذ نسخٍ إحتياطيةٍ من المعلومات الموجودة داخل دماغيكما ومن ثم يقوم بمسح كل من دماغيكما، ثم يقوم بتنصيب معلومات دماغ معمر القذافي الى دماغك ومعلوماتك الى دماغ معمر القذافي. سيصحو كلا منكما – أنت ومعمر – ويجد نفسه في جسد الأخر ويستخدم دماغ الآخر. فدماغ معمر القذافي الآن يحتوي على كلٍ من أفكارك وذكرياتك ومخاوفك وأمالك وأحلامك وعواطفك ومشاعرك وشخصيتك. والأن جسد ودماغ معمر القذافي سيهرع راكضًا الى عائلتك كما فعلت أنت بجسدك ودماغك في السيناريو السابق. ومرة أخرى بعد مدة طويلة من الشرح والتفسير ستقنع عائلتك أنك أنت فلان ولست معمر القذافي. وعاجلاً أم أجلا سيتقبل أصدقاءك وعائلتك أنك ما زلت حيًا ولكنك تحيا في جسد معمر القذافي.[/rtl]
[rtl]تقترح نظرية الذاكرة للفيلسوف جون لوك[3] بأن ما يحدد هويتك وما يجعلك أنت هو أنت هي ذاكرتك للتجارب التي مرت بك. وبحسب تعريف لوك فإن النسخة الجديدة من معمر القذافي – في السيناريو الأخير – هي أنت، على الرغم من أنها لا تحتوي لا على جسدك ولا على دماغك. بل ربما على نشاط دماغي مختلف.[/rtl]
[rtl]مما يقترح نظرية جديدة لتحديد هويتك – بعد سقوط نظرية الجسد وسقوط نظرية الدماغ – ولنسمي هذه النظرية الجديدة بـ «نظرية البيانات».[/rtl]
[rtl]كما رأينا أعلاه فاننا نقوم بعمل مجموعة من الإفتراضات ثم نقوم بفحصها بواسطة سيناريو تخيلي. والآن فلنقم بفحص نظرية البيانات أيضًا بسيناريو جديد. السيناريو التالي تم وضعه من قبل الفيلسوف بيرنارد ويليامز[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

من تكون أنت؟ :: تعاليق

حمادي
رد: من تكون أنت؟
مُساهمة الجمعة مارس 11, 2016 3:30 am من طرف حمادي

[rtl]إختبار التعذيب[/rtl]

[rtl]الموقف الأول: فلنفترض أن العالم المجنون قام بإختطافكما أنت ومعمر القذافي، ثم قام بتحويل بينات دماغك الى دماغ معمر وبينات دماغ معمر الى دماغك – كما حصل بالضبط في السيناريو الأخير. ولكن بعد أن صحيتم وقبل أن تذهب الى عائلتك، وجدت نفسك مقيدًا ووجدت العالم المجنون فوق رأسك، قائلا: «سأعذب أحدكما الآن بشكل قاسٍ جدًا، أيكما تقترح أن أعذبه؟».[/rtl]
[rtl]فما ستكون إجابتك يا ترى؟ شخصيًا، سأشير الى جسدي السابق قائلا «عذبه هو». لو كنت أعتقد بصحة نظرية البيانات فقد أبليت خيرًا في الإجابة. فبيانات دماغي موجودة الآن في جسد معمر القذافي، فأنا الأن داخل جسد معمر القذافي، فلن أبالي بما سيحصل بجسدي القديم. بالطبع، من السيء أن يتم تعذيب أي شخص على الإطلاق، حتى وإن كنت لا أتفق مع الكثير من السياسات التي فرضها معمر القذافي، ولكن حينما يصبح الأمر أنا أم هو، فسأختاره هو بكل تأكيد.[/rtl]
[rtl]الموقف الثاني: حينما قام العالم المجنون بإختطافكما، لم يقوم بفعل أي شيء لدماغيكما الى حد الأن. فيأتي اليك، وأنت بجسدك الطبيعي وبدماغك الطبيعي، ويسألك مجموعة من الأسئلة – سأجيب عليها انا مفترضًا أن إجاباتك ستكون نفس إجاباتي:[/rtl]
[rtl]العالم المجنون: حسنًا، ما سيحصل الآن هو أنني سأقوم بتعذيب أحدكما بقساوة شديدة، فمن تعتقد أنني يجب أن أعذب؟[/rtl]
[rtl]أنت: هو [مشيرًا الى معمر القذافي].[/rtl]
[rtl]العالم المجنون: حسنًا، ولكن هناك أمرٌ ما، قبل ما أعذب أحدكما، سأقوم بحذف جميع بيانات دماغيكما، فأيما شخص سأقوم بتعذيبه لن يتذكر من كان سابقًا. هل يغير هذا من رأيك؟[/rtl]
[rtl]أنت: كلا… عذبه.[/rtl]
[rtl]العالم المجنون: هنالك أمرٌ أخر،  قبل أن يحصل التعذيب، لن أقوم بحذف بيانات دماغيكما فحسب، بل سأبني دائرة أيونية بين دماغيكما بحيث تقنعك أنك أنت معمر القذافي وأنه هو أنت، وسوف تحصل على جميع ذكرياته وعواطفه وكل شيء كان قد شعر به أو علمه أو تعلمه، كما سيحصل هو على ذكرياتك وعواطفك وكل شيء شعرت به وعلمته وتعلمته، وأقنعك بأنك أنت معمر القذافي وأنه هو أنت، هل يغير ذلك من رأيك؟[/rtl]
[rtl]أنت: أمممم، كلا. بغض النظر عن أي هلوسة ستراودني بعد الدائرة الأيونية خاصتك، وبغض النظر عن ما سأعتقده حول من أكون، لا أود أن أخوض تجربة مريرة من الألم والتعذيب. فالمجانين يشعرون بالألم أيضًا، قم بتعذيبه هو.[/rtl]
[rtl]إذا، في الموقف الأول، أعتقد أنك ستختار جسدك يتعذب، أما في الموقف الثاني، فأعتقد أنك ستختار جسد معمر القذافي ليتعذب – هذه خياراتي على أقل تقدير. ولكن في كلا الحالتين بقا السيناريو والفعل ذاته، كل ما قد تغير هو الوقت الذي تم سؤالك به. في كلا الحالتين كان الهدف من إجاباتك هو عدم تعرضك الى التعذيب. في الموقف الأول، شعرت بأنك داخل جسد معمر القذافي بكل أفكارك ومشاعرك وذكرياتك، أما في الموقف الثاني شعرت بأنك ستكون مهلوسا بعد «الدائرة الأيونية» التي سيقوم بها العالم المجنون.[/rtl]
[rtl]إختيار جسدك ليتم تعذيبه في الموقف الأول هي حجة لنظرية البيانات – فأنت تعتقد بانك أنت بيانات دماغك أينما ذهبت هي ذهبت أنت. إختيارك لجسد معمر القذافي ليتم تعذيبه في الموقف الثاني هي حجة لنظرية الدماغ – لأنك تعتقد بأنه مهما فعل لبيانات دماغك فما زلت أنت هو أنت بدماغك نفسه. بعض الناس قد يتخذ جسده ككينونة وهوية لنفسه فيسمح لجسد معمر القذافي أن يتعذب حتى وإن قال لك  العالم المجنون أنه سيحول دماغك كله الى جسده ويحول دماغه كله الى جسدك. هؤلاء من يختارون تعذيب جسدٍ ما حتى وإن علموا أنه سيحتوي على دماغهم يدعمون نظرية الجسد.[/rtl]
[rtl]والأن قبل أن ننتقل الى مزيدًا من التجارب والسيناريوهات، دعني أذكرك بالتالي: إن كنت تعتقد بنظرية البيانات، فتخيل كم من الحوادث غيرت بيانات دماغك! تخيل كم من التجارب التي عايشتها غيرت بيانات دماغك، وبحسب نظرية البيانات فهذه التجارب هي من تكونك أنت – أي أنت هي التجارب التي تمر بها سواء إن كانت جيدة أو سيئة.[/rtl]

[rtl]فكر في الإنتقال اللاسلكي[/rtl]

[rtl]عام 2700 ميلادي، إخترع الإنسان جميع التقنيات التي لم يكن ليتخيلها عام 2015. واحدة من هذه التقنيات هو جهاز يمكِّنه مِن «الإنتقال اللاسلكي» – أي جهاز يمكن الإنسان من الإنتقال من النقطة «أ» الى النقطة «ب» بسرعة الضوء. اما عن كيفية عمله فهي كالتالي:[/rtl]
[rtl]تدخل غرفة تسمى «غرفة المغادرين» وهي غرفة صغيرة مكعبة الشكل.[/rtl]
[rtl]من تكون أنت؟ 06tele1[/rtl]
[rtl]ثم تختار المكان الذي تود الإنتقال له، فلنفرض مثلا أنك في الرقة وقد ضاق بك الحال من وضع الخلافة الإسلامية فقررت الإنتقال الى مدينة أوسلو النرويجية. وحينما تكون جاهزًا للإنطلاق تضغط على زرٍ ما. فتقوم الغرفة بعد ذلك بفحص دقائق وجزيئات وذرات جسمك واحدة بعد الأخرى وثم تقوم برفع البيانات الكاملة عن ذرات جسمك كموقعها وارتباطاتها جسمك عبر وسيلة اتصال ما – فلنقل أنها الانترنت. وكلما فحصت جزيئة معينة دمرتها، فجزيئات جسمك يتم تدميرها واحدة بعد الاخرى بعدما يقوم الماسح بأخذ معلوماتها.[/rtl]
[rtl]من تكون أنت؟ 07tele2[/rtl]
[rtl]وبعد ان تنتهي العملية، وتخلو غرفة المغادرة من اي جزيئة تابعة لك، تصل معلومات جسدك كاملة الى غرفة الوافدين في أوسلو. والتي تحتوي على جميع الذرات المطلوبة وتنتظر بيانات جسدك ما أن تصل حتى تقوم باعادة ترتيب ودمج الذرات من مخزن الذرات الموجود لديها. وحينما تنتهي الالة من عملها يمكنك مغادرة الغرفة على قدميك وكأن شيئًا لم يكن. فما زلت بمزاج متعكر قليلا، وتشعر بالجوع لأنك فوتَّ وجبة الغداء في الرقة.[/rtl]
[rtl]العملية كلها بين ضغطك للزر وبدء الجهاز بتحليل جسدك كاملا وتدميره في نفس الوقت، وإعادة بناءه في أوسلو، كل هذا إستغرق 5 دقائق. بينما لم تشعر أنت بأي وقت والعملية كانت لحظية بالنسبة لك.[/rtl]
[rtl]في عام 2700، عملية «الإنتقال اللاسلكي» وسيلة شائعة جدًا للنقل، فقد تعلم الجميع كيفية إستخدامها، كما أنها سريعة جدًا، أضف الى ذلك انها عملية آمنة جدًا على العكس من الطائرات المعرضة للسقوط بين الحين والأخر.[/rtl]
[rtl]أعبجتك فكرة الإنتقال اللاسلكي، صحيح؟ فلنتابع.[/rtl]
[rtl]حسنًا، بعد وصولك الى أوسلو طلبت اللجوء من الحكومة النرويجية إلا أنك لم تحصل عليه لسبب أو لأخر، لكنك حصلت على عمل كمبرمج لفقاعات التصوير الكمومي في معهد أوسلو للفيزياء (أرجو أن لا تسألني عن ما هذا بالضبط) فتصحو كل يومٍ صباحًا لتقوم بتغيير ملابسك وتتناول الفطور ومن ثم تغادر الى محطة الرقة للإنتقال اللاسلكي الدولي. في كل يوم صباحًا تدخل إحدى غرف المغادرة وتنتقل خلال خمسة دقائق الى أوسلو.[/rtl]
[rtl]ولكن في يوم من الأيام، دخلت غرفة المغادرين، بدأ الجهاز بالعمل، وعلى الرغم أنه كان يبدو وكأنه يعمل إلا انك لم تنتقل إطلاقًا، بل ما زلت في أوسلو. غادرت الغرفة وسألت الموظفة «أم دجانة التونسية» عن ما إن كان الجهاز يعمل، فقامت أم دجانة بفحص الجهاز ووجدته يعمل تمامًا ولكن كان هنالك مشكلة وهي انه بينما كان جهاز المسح والرفع يعمل فجهاز تدمير الخلايا لم يكن يعمل بسبب خطأ تقني بسيط.[/rtl]
[rtl]من تكون أنت؟ 08tele3[/rtl]
[rtl]أوضحت لك أم دجانة الخلل ولكنك كنت متأخرًا ولم تفهم بالضبط ماذا يحصل بالضبط قائلاً: «تأخرت عن العمل أكثر من 20 دقيقة هلا نقلتني الى غرفة مغادرة أخرى بحق محمدٍ الذي بعث بالسيف رحمة للعالمين». حاولت أم دجانة أن تريك كيف أن الجهاز كان يعمل حسبما هو مطلوب منك، ثم قامت بتشغيل كاميرا موجودة في غرفة الوافدين في أوسلو لتريك نفسك وأنت تغادر الغرفة مسرعًا الى عملك. مقترحةً أن يتم إدخالك الى غرفة إسمها «غرفة البقايا» ليتم تدمير جسدك الباقي في الرقة. رفضت الأمر وطلبت رؤية مديرها، فأتاك «أبو معاذ الفلسطيني» موضحًا لك الخلل – كما أوضحته أم دجانة. وبعد أن إستوعبت الأمر كنت فزعًا قائلاً: «كلا، هذا ليس أنا، إنه شخص يقلدني، إنها نسخة شبيهة مني، أنا هنا، لست ذلك الشخص، انا هنا أحيا، لا أود أن تقتلوني». بعدها هرعت راكضًا محاولا الخروج من محطة الرقة الدولية للإنتقال اللاسلكي ولكن للأسف قبضت عليك هيئة الحسبة وبدأو بجرك الى غرفة البقايا وهم ينعتوك بالـ «مرتد».[/rtl]
[rtl]وبعد أن مررنا بهذه التجربة العصيبة، أود أن أسألك سؤالاً: هل تعتقد أن الإنتقال اللاسلكي – إن حصل بهذه الطريقة – هو صورة من صور النقل أم صورة من صور الموت؟[/rtl]
[rtl]لم يكن هذا السؤال ليبدو منطقيا قبل بضعة أسطر من هنا، فكما ذكرت لك فوائد الإنتقال اللاسلكي بانه أمن جدًا على العكس من الطائرات المعرضة للسقوط بين الحين والأخر. فجهاز الإنتقال اللاسلكي هنا يقتلك كل مرة، وكأنه طائرة تسقط في المحيط الهادي وتنفجر في كل مرة تقلع، ولكن الفرق الوحيد أن جهاز الإنتقال اللاسلكي يصنع نسخة منك لا تصنعها الطائرة. بالنسبة لأصدقائك وعائلتك، أنت بخير فبعد كل رحلة إنتقال لاسلكي لا يزال صديقهم هو بنفسه هو، بنفس شكله الخارجي، وبنفس مشاعره وأفكاره وعواطفه…الخ كذا الحال بعد أن تعود زوجتك من رحلة عبر الإنتقال اللاسلكي فتحدثك عن يومها وعن ما شاهدته وعن ما حصل أثناء عملها وتناقش معك خططها للإسبوع القادم. ولكن لو فكرت في الأمر فإن زوجتك قد قتلت في أول رحلة إنتقال لاسلكي وهذه التي تحدثها والتي تقبلها والتي تنام على السرير معها ما هي إلا نسخة تم صنعها قبل بضع دقائق من الآن.[/rtl]
[rtl]مرة أخرى، يعتمد الأمر على ما تعتقد به، فإن كنت تعتقد بنظرية البيانات فيجب أن يكون ذلك الشخص في أوسلو هو نفس الشخص الذي يصحو في الرقة، وبهذا يصبح الإنتقال اللاسلكي أمر يمكن النجاة منه. ولكننا شاهدنا ما حصل لك أخر مرة كنت فيها في محطة الرقة الدولية للإنتقال اللاسلكي! هل يمكن لشخص ان يقبل بقتل نفسه لمجرد أن بياناته ستنجو وتحيا كنسخة كاملة عنه في مكان أخر؟ بالإضافة الى هذا، إن قام جهاز الإنتقال اللاسلكي بنقل بياناتك الى أوسلو ونجوت، ماذا لو حصل خطأ ونقل بياناتك الى 50 مدينة مختلفة، جميع النسخ منذ تلك اللحظة عاشت تجارب مختلفة وبحثت عن ضالتها، في مدنٍ غريبة تمامًا وتعرضت لرعب شديد يصل الى القتل. فهل جميع هذه النسخ هي انت؟ ألم تتعرض هذه النسخ الى تجارب مختلفة جعلت بينات دماغها تكون مختلفة قليلاً عن بيانات دماغك التي وصلت بنجاح الى أوسلو؟ ربما نجت نسخة ما من بين الخمسين نسخة، وتعرضت الى حياة مختلفة تمامًا عن حياتك، هل لا تزال هي أنت؟ حتى وإن لم يحصل ذلك، إن فكرت بالأمر قليلاً فإنك أنت تم قتلك في الرقة من قبل غرفة المغادرين، وهذه من وصلت الى أوسلو هي نسخة منك ستتعرض الى تجارب مختلفة وستحمل بيانات دماغ مختلفة.[/rtl]
[rtl]بالنسبة لي، أرى أن تجربة الإنتقال اللاسلكي هي تحد صاعق جدًا لنظرية البيانات.[/rtl]
[rtl]بشكل مماثل إن أخذنا الذات «ego» على محمل الإعتبار. وإعتبرنا أنك أنت هو الذات. فإن حصلت لي أنا علي النجفي عملية النقل بالإنتقال اللاسلكي سأرفضها قطعًا. لأن نجاة شخصٍ ما في مدينة أوسلو يدعى علي النجفي لا يعني أي شيء بالنسبة لي! صحيح أن هذه النسخة التي نجت ربما تعود الى محل سكناها لتقضي الوقت مع نفس الأصدقاء وتبقي على موقع قناة الملحدين بالعربي، وتكتب بين الحين والأخر في مجلة الملحدين العرب وتعيش الحياة وتخطط لها كما أخطط أنا، ولكن هذا كله لا يعني أي شيء بالنسبة لي! أنا سأموت. لا أهتم بنجاة علي النجفي، أهتم بنجاة ذاتي. وحقيقة أنه لا أحد سيفتقدني بعد موتي بسبب نجاة شخص يدعى علي النجفي في ذلك المكان هو أمر محزن صراحة.[/rtl]
[rtl]كل هذا يبدو كأخبار جيدة جدًا وعودة موفقة بالنسبة لنظرية الجسد ونظرية الدماغ. ولكن لا تستعجلوا الأمر، فلنلقي نظرة على أمر جدير بالذكر هنا:[/rtl]
حمادي
رد: من تكون أنت؟
مُساهمة الجمعة مارس 11, 2016 3:31 am من طرف حمادي

[rtl]تجربة فصل الدماغ[/rtl]

[rtl]من الحقائق المدهشة حيال الدماغ الإنساني هي أن النصف اليمين والنصف اليسار للدماغ ينشطان بشكل منفصل، كلٌ يعيش عالمه الخاص، كلٌ يقلق حيال أمر مختلف. ولكن لو قمنا بإزالة نصف دماغ شخص ما فلن ينجو ذلك الشخص فحسب، بل سيتعلم نصفه المتبقي كيف يقوم بمهام شريكه السابق، ويمكن للإنسان بعد ذلك أن يعيش حياة طبيعية بشكل كامل.[4][/rtl]
[rtl]نعم، يمكن لك أن تخسر نصف دماغك وتحيا بشكل طبيعي.[/rtl]
[rtl]فلنفرض إذا أن لديك أخ توأم لي إسمه عمر، ولكن عمر هذا كان لديه مرض مزمن في دماغه، فقررت أن تتبرع له بنصف دماغك، فدخلتما العملية سوية وأزال الأطباء دماغه بأكمله وأبدلوه بنصف دماغك. حينما تستيقظ تشعر بشكل طبيعي، أنت لا تزال هو أنت. أما أخاك التوأم – والذي يحمل نفس مادتك الوراثية لأنكما توأم متماثل – فيستيقظ أيضًا بشكل طبيعي، ولكنه يحمل شخصيتك وأفكارك وذكرياتك.[/rtl]
[rtl]من تكون أنت؟ Twin[/rtl]
[rtl]حينما تدرك ذلك، ستذعر للحظة، فأخاك التوأم يحمل الأن جميع أفكارك ومشاعرك السرية، جميعها، بلا إستثناء. جميع تخيلاتك ورغباتك الجنسية، جميع الأفعال اللااخلاقية التي قمت بها، سيعلم أنك ملحد سرًا، سيعلم ان لديك صفحة سرية على الفيسبوك تسب بها الله وملائكته وكتبه ورسله…الخ حينها ستشعر برغبة أن تطلب منه أن لا يفصح بأي منها الى أي أحد. ولكن أخاك الأن يحمل أفكارك وشخصيتك وذكرياتك أنت… نفسها، إنه أنت… هو ملحد، ويحمل نفس الخيالات الجنسية ويضن أنه قد فعل نفس الأفعال اللاأخلاقية وسيدخل الى الفيسبوك من حسابك ليساعدك في سب الله وملائكته ورسله.[/rtl]
[rtl]ولكنك الأن ستذعر لسبب أخر، بمجموعة من الأسئلة هذه المرة: «لماذا لم أصحو داخل جسد عمر بدلا من جسدي؟ كلا الدماغين هم ملكي لما لا أفكر وأرى كجهاز حاسوب يحتوي على شاشتين ولوحتي مفاتيح وذاكرتي خزن؟ وأيما جزء مني في جسد عمر الأن لماذا خسرت الشعور به وكأنه جزء مني؟». أسألتك منطقية جدًا، هل أنت تقبع الأن في جسدك؟ أم في جسد عمر؟ من تكون أنت؟[/rtl]
[rtl]والأن نظرية الدماغ لم تعد صالحة والتجربة السابقة كانت تحدٍ كبير لها. إن كان الناس يكونون حيثما تكون أدمغتهم، فما الذي يحصل حينما يكون دماغ واحد في مكانين منفصلتين؟ ونظرية البيانات – التي لم تبدي خيرًا في تجربة الإنتقال بواسطة الإنتقال اللاسلكي – لم تبدي خيرًا هنا أيضًا.[/rtl]
[rtl]ولكن نظرية الجسد، تضحك هنا فرحة بعودة موفقة جدًا قائلة: «بالطبع صحوت في جسدك! فجسدك هو ما يجعلك أنت. دماغك مجرد أداة يستخدمها جسدك للتفكير. عمر ليس أنت، عمر هو عمر. وما هو الأن إلا عمرًا يحمل أفكارك وذكرياتك وشخصيتك.» حسنًا، بالفعل، أول نظرية قمنا برميها بعيدًا في المقال عادت هنا بقوة. ولكن لا يزال لدينا أمرين يجب أن نفكر بهما، فلا تستعجل الحكم.[/rtl]
[rtl]مما تعلمناه في تجربة الإنتقال عبر الإنتقال اللاسلكي هو أنه إن قمنا بنقل بيانات دماغك الى جسد أخر أو دماغ أخر حتى وإن كان هذا الجسد مماثلا تمامًا لجسدك فكل ما عملناه هو أننا خلقنا نسخة أخرى منك، شخص غريب ولكنه يشبهك تمامًا وحامل لنفس بيانات دماغك. كان هنالك شيء ما مميز حيال نفسك التي صحت صباحًا في الرقة قبل أن تمر بالتجربة المرير. حينما تم إعادة تصنيع نسخة مماثلة لك في أوسلو كان هنالك أمر مميز فقدته، أمر جعلك أنت تكون أنت.[/rtl]
[rtl]بحسب نظرية الجسد، فإن الإختلاف بينك في الرقة وبينك في أوسلو هو انك في الرقة مصنوع من ذرات مختلفة عن الذرات التي صنعت نسختك في أوسلو. فنسختك في أوسلو كانت بجسد يشبه جسدك ولكنه مختلف بالتأكيد. فهل هذه الإجابة التي نبحث عنها؟[/rtl]

[rtl]تجربة إبدال الخلايا[/rtl]

[rtl]تخيل لو قمت بإبدال خلية واحدة من يدك، هل سيتوقف الشخص الذي يقرأ هذه المقالة عن الوجود ليبدء شخص أخر بالوجود؟ كلا، بالطبع أنت ستظل انت. ماذا لو قمت بإبدال 1% من خلاياك؟ ماذا عن 10% ماذا عن 40% ماذا عن 80%؟  نسخة أوسلو التي إعتبرناها مجرد نسخة منك وليست أنت كانت مكونة من 100% من الخلايا الجديدة. فمتى يحصل الإنتقال من «أنت» الى «شخص أخر»؟ بتعبير أخر، كم من الخلايا يجب أن نبدل حتى تموت أنت ويصبح لدينا نسخة جديدة؟[/rtl]
[rtl]شيء ما يجعلك تشعر بخطأ ما هنا؟ صحيح؟ فعلى فرض أن جميع الخلايا التي نقوم بإبدالها هي مطابقة مئة بالمئة لخلاياك الأصلية وإن كان لدينا شخص ما يشاهد ما يحصل، فلن يلاحظ هو ولن تشعر أنت بأي تغيير يحصل لك، فيبدو من غير المنطقي أنك ستموت في نقطة معينة من هذه التجربة، حتى وإن أبدلنا مئة بالمئة من خلاياك. ولكن إن كانت خلاياك جميعها نسخ فكيف ستختلف من نسخة أوسلو؟[/rtl]

[rtl]تجربة نثر الجسد[/rtl]

[rtl]تخيل أنك دخلت في غرفة لنثر الذرات، تقوم هذه الغرفة بنثر ذراتك وكل ما يبقى في الغرفة هو مجموعة هائلة من الذرات التي تكون على شكل غاز يطفو، وبعد بضعة دقائق، تقوم هذه الغرفة بإعادة ترتيب ذراتك الى جسد وتسير خارج الغرفة وكأن شيئًا لم يكن.[/rtl]
[rtl]من تكون أنت؟ Tz_scatter[/rtl]
[rtl]ذلك الجسد الذي خرج من الغرفة، هل هو أنت؟ أم متَّ بعد نثرك وما هذه إلا نسخة شبيهة لك؟ قد تجادل أن هذا أنت وليس نسخة شبيهة. ولكن لا يبدو هذا منطقيًا! فما فرقه عن النسخة التي تم صنعها في أوسلو؟ الفرق الوحيدة هو ان الذرات التي صنعت نسختك في أوسلو تتشابه تمامًا مع ذراتك التي قامت غرفة نثر الجسد بتجميعها ولكنها ذرات أخرى. ولكن، حتى في أدق تفاصيلها تتشابه الذرات فيما بينها بدرجة مماثلة مئة بالمئة، فجميع ذرات الهيدروجين في الكون تتشارك في كونها تحتوي على إلكترون واحد ونفس العدد الذري وغيرها من الموصفات. تغير أي شيء في الذرة سيرديها الى ذرة مختلفة أو نظير من النظائر الكيميائية. بالمحصلة، إن قررنا أن ما نتج في غرفة الوافدين في أوسلو ليس أنت فما نتج عن تجربة نثر الجسد لم يكن أنت أيضًا.[/rtl]
[rtl]يبدو أن نظرية الجسد لم تعد صالحة وتواجه التحديات أيضًا. ولكن الأمور بدأت شيئًا فشيئًا تتضح ربما. دعوني أشاركم إستنتاجي من جميع تلك التجارب والسيناريوهات المفترضة أعلاه.[/rtl]
[rtl]الفرق الذي جعلك «أنت» هو أنت في الرقة والذي جعل نسختك في أوسلو ما هي إلا نسخة ليس أن الذرات هي نفسها التي تكون جسدك، وليس دماغك، وليس بيانات دماغك، بل أستطيع أن أرى الآن بشكل واضح أن الفرق هو «الإستمرارية». تجربة إبدال الخلايا واحدة بعد الأخرى لم ترديك قتيلاً – لم نعدك ميتا بعدها – ربما لأنها قامت بتغيير خلياتك بشكل تدريجي واحدة بعد الأخرى. بينما إن إعتبرنا تجربة نثر الجسد قد أدت الى قتلك وما أنت الآن إلا نسخة فهذا لأنها قامت بنثر خلاياك جميعًا في آن واحد، مما أدى الى كسر إستمراريتك. مما يفسر لنا سبب إعتبار جهاز النقل عبر الإنتقال اللاسلكي جهاز قاتل – نسختك في لندن ليس لديها أية إستمرارية مع حياتك السابقة.[/rtl]
[rtl] فهل وجدنا الآن التفسير المنطقي بعد كل هذه السيناريوهات والتجارب المفجعة لك، بعد أن نقل العالم المجنون دماغك الى دماغ شخص أخر، ونقل بيانات دماغك الى دماغ شخص خر – وليس أي شخص أخر، بل هو معمر القذافي – وقام جنود الخلافة، أو ما يعرف بهيئة الحسبة بقتلك وهم ينعتوك بالمرتد، وتبرعت بنصف دماغك الى شقيقك الذي لم تكن متأكدًا إن كان هو أنت أم أنت هو، وما أنت أساسًا؟ فبعد جميع التحديات واجهتها كلٌ من نظرية الجسد ونظرية الدماغ ونظرية البيانات، هل ما يحدد هويتك وذاتك هي الإستمرارية. إن سألتك عن من تكون أنت، هل ستجيبني «أنا إستمرار لمجموعة من الخلايا الحية التي بدأت بالوجود لحظة تخصيب الخلية»؟[/rtl]

[rtl]نظرية الإستمرارية[5][/rtl]

[rtl]لدي ذكريات أكاد أن أنساها كليًا عن جدي، دعني أذكر لك واحدة منها: في إحدى المرات، بينما كنت أنا وجدي نتصفح ألبومًا قديمًا جدًا للصور أشار جدي الى صورةٍ قديمة جدًا لطفل عمره تقريبًا ستة أعوامٍ قائلاً: «هذا أنا».[/rtl]
[rtl]ما قاله صحيح، ولكن فكر في الأمر مليًا، هل يعقل أن هذا الذي يجلس جنبي بوجه، على الرغم من أنه مبتسم قليلاً، إلا أنه يمتلى بالتجاعيد ولا يقتصر الأمر على وجهه، فجسده مليء بهذه التجاعيد ومليء بالخلايا التي أصبحت صلبة أكثر مما ينبغي – مشبعة بالكيراتين – وبعضًا من أثار الحرب التي خاضها العراق ضد إسرائيل، وعضلة قلب تشتكيه ألمًا حينما يجهد نفسه، وكبد متورم من كثرة شرب الكحول، وغيرها. يمكننا القول بإن جميع خلاياه قد تبدلت منذ أن ولد الى اللحظة هذه. ناهيك عن الشخصية، فالفردين – جدي الذي يجلس جنبي وجدي الطفل الذي في الصورة – مختلفين تمامًا في طريقة التفكير والذكريات والمشاعر وطرق التعبير المشاعر، لا أعتقد أنهما سيفضلان مصاحبة أحدهما الأخر حتى.[/rtl]
[rtl]ولكن كما قلنا قبل بضعة سطور من هنا، ربما يتعلق الأمر بالإستمرارية، فما يشترك به جدي في الصورة عن جدي ذو الـ 88 عامًا ولا يشترك به مع أي شخص في الأرض، هو 82 عامًا متصل مستمر بكل أشهره وأيامه وساعاته ودقائقه ولحظاته.  كحلقة متصلة من الذكريات والميزات الشخصية والميزات الجسدية، تتغير ربما بشكل تدريجي ولكنها لا تنتهي ولا للحظة واحدة من الوقت.[/rtl]
[rtl]الأمر يشبه سيارة كان يمتلكها جدي منذ السبعينات ويعتز بها، حتى مات، لم يجرؤ أحد على تشغيلها وما زالت في كراج بيته – معطلة على الأغلب. خلال أربعين سنة من عمر السيارة كان جدي يحافظ ويعتني بتلك السيارة اكثر مما يعتني بجدتي، فبين فترة وأخرى، كان يغير شيئًا ما فيها، فيغير طلائها، ويغير مقاعدها، ويغير آلاتها، حتى أنها – قبل ان يرحل جدي بفترة قليلة – لم تعد كالسابق بتاتًا، لم يعد فيها ولا حتى أيُّ قطعة قامت الشركة المنتجة بإنتاجها في مطلع السبعينات. جميع القطع تغيرت، وعلى الرغم من ذلك فنعتبرها – نحن اقارب الراحل – أنها هي نفس السيارة ولا نود بيعها أو إستخدامها.[/rtl]
[rtl]طريقة أخرى أجدها أفضل للتفكير، تخيل أنك غرفة تحتوي على بعضة أمور معينة، بعضها قديم بعضها زائل، بعضها تعلم بوجوده وبعضها الآخر لا تعلم بوجوده، ولكن هذه الغرفة، بما أنها مستخدمة فستبقى متغيرة، ولن تبقى أبدًا على نفس حالها بعد أسبوع مثلاً. من وجهة النظر هذه، يمكننا القول بأنك لست بيانات دماغك ولا مساحة القرص الصلد لإحتواء هذه البيانات (دماغك) ولا حتى الأجهزة الضرورية لجعل هذه البيانات قابلة للتجدد والتغيير (جسدك) بل أنت قاعدة البيانات[6]. إذا انت لست أمرًا فيزيئًا، بل تقترب لكونك امرًا معنويًا، او مفهومًا[7]. أنت مفهوم كقاعدة بيانات، قاعدة بيانات تتغير وتتجدد وتنمو بشكل تدريجي. ولكن هذا لا ينطبق عليك فحسب، بل هذا ينطبق على جميع البشر، جميعهم قواعد بيانات، وينطبق أيضًا ليس على الكائنات الحية فحسب بل جميع الأشياء.[/rtl]
[rtl]يتفق معي هنا الفيلسوف دايفد هيوم، حينما وصل الى إستنتاج قريب جدًا من هذا الإستنتاج حين يذكر بأنه إن قلنا بإن شيء ما موجود، فنحن نعني ان له صفات معينة تميزه عن باقي الأشياء، وإن أردنا أن نعلم ما إن كان هذا الشيء مستمر في الوجود فيجب أن نتابع صفاته وما إن كانت مستمرة، فالأشياء ليست موجودة، بل موجودة صفاتها، وكذا الإنسان. حاول ان تتخيل مثلا تفاحة دون صفات، إنها تفاحة، بدون شكل، بدون لون بدون أي صفة ممكن ان تنسبها لباقي التفاح، هل عادت التفاحة موجودة؟ فالتفاحة إذا ما هي إلا قاعدة بيانات لمجموعة من الصفات[8].[/rtl]
[rtl]عادة ما يذكر المؤمنون كلمة «الروح» لا أعلم ما يتحدثون عنه. فبالنسبة لي، كلمة «الروح» تبدو وكأنها تعبيرٌ شعري لجزء من الدماغ، او محاولة لإعطاء الإنسان دفعة معنوية تجعله أكثر من مجرد كائنات بيولوجية فقارية ثدية من عائلة القردة الأفريقية العليا، أو ربما تكون «الروح» محاولة إنسانية لتبني فكرة الخلود. لا أعلم بالضبط ماذا تعني كلمة «الروح» بالنسبة لهم وهم أيضًا لا يعلمون فيذكر لنا النص القرأني: «قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا». ولكن إن كان المقصود بكلمة «الروح» هو ما يربط جدي ذو الثمانية وثمانين عامًا بذلك الطفل في الصورة ذو الستة أعوام. فأتفق معهم بوجود الروح، ولكنها ليست سوى أمر معنوي شبهته أنا بقاعدة للبيانات.[/rtl]
[rtl]أتمنى أن تكونوا قد إستمتعم بالمقال، وأن لا يكون عدد الصفحات الطويل نسبيًا قد أزعجكم، شخصيًا كانت لدي متعة في الإستكشاف ورحلة البحث التي خضتها في هذا المقال. قبل أن أكتب المقال، عرضت بضعة سطور وملخص بسيط جدًا على أحد الأصدقاء، فقال لي: «الفكرة جميلة، ولكن ما الفائدة بالتفكير في موضوع كهذا؟». وأقتبس هنا قول الفيسلسوف الإنكليزي ديريك بارفيت قوله: «كثيرًا من المعاناة التي حلت بالإنسان تكون قد نتجت من نظرة خاطئة للذات». أعتقد بصحة هذا القول كثيرًا، وأعتقد أنه لسبب كافٍ جدًا للتفكير في هذا الموضوع.[/rtl]

[rtl]المزيد من القراءات[/rtl]

[rtl]هنالك الكثير من الأمور التي تجنبت الخوض فيها، ولكن إن كنت مهتما في هذا الموضوع ويسعك وقت مزيدًا من القراءة أنصحك بالمصادر التالية:[/rtl]

  • [rtl]مقالي المعنون “بين ما هو حي وما هو ميت” المنشور في مجلة الملحدين العرب.[/rtl]

  • [rtl]كتاب Gödel, Escher, Bach: An Eternal Golden Braid لـ Douglas R. Hofstadter.[/rtl]

  • [rtl]بحث Concerning theories of personal identity المنشور في جامعة South Florida.[/rtl]





[rtl]الهوامش:[/rtl]

[rtl][1] معظم الأفكار والتجارب والسيناريوهات في هذا المقال إستمدتها من سلسلة محاضرات للبروفيسورة شيلي كيغان المعنون بـ Death أي الموت، والمتوفر مجانًا للمشاهدة من على جامعة Yale.[/rtl]
[rtl][2] السيناريوهات تحت هذه الفقرة مستمدة من كتاب الفيلسوف الإنكليزي جون لوك المعنون بـ An Essay Concerning Human Understanding في الفصل  السابع والعشرين المعنون بـ Of Identity and Diversity.[/rtl]
[rtl][3] المصدر السابق.[/rtl]
[rtl][4] يؤكد ذلك حالة طبية مشهورة قرأتها في مقتطفات من كتاب Half Brain is Enough للدكتور انطونيو براتو، كما يؤكد ذلك مجموعة من الدراسات التي أجريت بين عامي 1968 و1996 وتتبعتها جامعة جونز هوبكنز ونشر البحث تحت عنوان Why would you remove half a brain? The outcome of 58 children after hemispherectomy كما في خبر منفصل نشر موقع Today Health قصة فتاة تحيا بشكل طبيعي بنصف دماغها بعنوان: Meet the girl with half a brain.[/rtl]
[rtl][5] نظرية الإستمرارية أكثر ما نجدها في علم النفس الحديث، وهي إحدى المحاولات الشهيرة في حل مشكلة الوعي من ناحية سيكولوجية. للمزيد عن هذا الموضوع إقرأ: Materialism and the Psychological-Continuity Account of Personal Identity لـ Peter Van Inwagen.[/rtl]
[rtl][6] تعبير قاعدة البيانات هنا إستمته من الفيلسوف ديريك بارفيت في مقالة مطولة وهي تكملة لكتاباته حول هذا الموضوع بعنوان: We are Not Human Beings. ربما خانتني قدرتي التعبيرية في إيصال فكرة قاعدة البيانات ولكن يمكنك [url=http://andrewmbailey.com/papers/Parfit 2012.pdf]البحث[/url] عن نص بارفيت في هذا الموضوع ولن يخيب ظنك.[/rtl]
[rtl][7] في إحدى مقالاتي على مجلة الملحدين العرب تحت عنوان: (بين ما هو حيٌ وما هو ميت) رسمت خطًا واضحًا بين الأمور الموجودة فيزيائية والأمور التي ليست سوى مفهوم. أتمنى من حضرتك قراءة ذلك المقال – إن لم تقرأه بعد – وستتضح لك مزيدًا من الأمور.[/rtl]
 

من تكون أنت؟

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» رشيد نيني أن تكون أو لا تكون
» أن تكون علمانيا في أرض الإسلام
» أن تكتب يعني أن تكون لا أنت
» على الدولة أن تكون محايدة!
»  فأر وذبابة !!!!!!!!! اختر من تكون

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: