الادعاء بأن المُلحد يطالب برؤية الله للتصديق بهِ هو ادعاءٌ باطلٌ اخترعهُ رجال الدين في محاولةٍ فاشلةٍ للتقليل من أهمية فكرةٍ طبيعيةٍ جداً وهي الحاجة لدليلٍ حقيقيٍ للتصديق بتفسيرٍ غير طبيعي وغير عقلاني مثل التفسير الديني للكون والحياة، المطالبة برؤية الله لم ولن تكن دليلاً على شيءٍ أكثر من التصديق بوجود شخصيةٍ تُسمي نفسها الله؛ بل حتى لو رأينا الله وجهًا لوجه فهذا لوحدهِ ليس دليلاً كافياً على أن الله هو التفسير المنطقي للكون والحياة، بل هو مجرد دليلٍ على أننا رأينا الله وبعدها نستطيع أن ننطلق لمرحلة إيجاد الدليل على أن الله هو الشخصية التي تقع خلف الكون وإرادته المُطلقة منفرداً، هي التي تُسيّر الكون وتجعلهُ بالشكل الذي هو عليه الآن وبأنهُ هو الذي يُرسل الرسل ويكتب الكتب، كلُّ فرضيةٍ مهما كان حجمها صغيراً أو كبيراً فإن الدليل المطلوب لإثباتها يتناسب طردياً مع حجم التفسير الذي تطرحهُ. لنأخذ مثالاً للتوضيح، لو قلت لك بأن السماء تُمطر الآن فإنهُ من السهل إثبات ذلك، تستطيع أن تنظر من النافذة لترى إن كان كلامي صحيحاً، الصعوبة تكمن عندما أدعي بأن السماء تُمطر مطراً أنتَ لا تستطيع أن تراه لسببٍ مّا كأن تكون أعمى مثلاً، حينها يجب أن يتناسب الدليل مع حجم هذا الادعاء، كأن أقودك للخارج كي تشعر بهطول المطر على يدك دون أن تراه لأنهُ مطرٌ غير مرئي، يزداد الأمر صعوبةً إذا كنت فاقداً لحاسّتي البصر واللمس، حينها يجب أن أثبت لك بأن المطر ينزل بالاستعانة بحواسٍ أخرى. وهلّم جراً من طرقٍ تثبت لك ادعائي الذي حدسك لم ينبئك بهِ.
الآن تخيل معي أن أقوم بتحريف الواقع قليلاً وأقول لك بأن السماء تُمطر سلاحفًا؟ هل قولي لك بأن السماء تُمطر سلاحفًا يُعتبر دليلاً يجب عليك تصديقهُ وبأن السماء حقاً تمطر سلاحف؟ هل مطالبتك برؤية السلاحف تهطل من السماء هو طلبٌ سخيفٌ أو متكبرٌ أو جاحدٌ لي أو للسلاحف؟ هل قول ألف شخصٍ غيري بأن السماء تُمطر سلاحف يُعتبر دليلاً على أن السماء حقاً تُمطر سلاحف ولا تحتاج لدليلٍ حقيقيٍ يثبت صدق ما نقوله؟ لو كانت السماء تُمطر سلاحف هي الحالة الطبيعية والمعروفة في الطبيعة بدل الماء ربما سيكون من السهل عليك استيعاب الفكرة، لكن كيف نستطيع استيعاب فكرةٍ لم ولن تحدث مرةً أخرى مثل الخلق؟ بداية الوجود؟ وجود الآلهة وهي كلها أشياءٌ لا تنتمي لواقعنا اليومي من قريبٍ أو بعيد؟ ألا تبدو فكرة الخلق وكأنها سلاحفٌ ماطرةٌ ولكن يجب علينا تصديقها فقط لأنها ذُكرت في كتبٍ مقدسةٍ تم حشوها في أدمغتنا منذ نعومة أظافرنا؟
الآن لنعود لسؤال المُلحد حول طلب الدليل على وجود الله وطلب الدليل على أن الله وراء الخلق وطلب الدليل على أن الله أرسل أنبياء وكتب؟ هل المطالبة بدليلٍ على فرضيةٍ غريبةٍ جداً مثل وجود كائنٍ موجودٍ قبل الكون خلق الكون من العدم هي فرضيةٌ تنتمي إلى عالمنا اليومي مثل هطول المطر وشروق الشمس؟ هل نرى كل يوم إلهاً يخلق كوناً أمامنا فنستغرب من الذي يُنكر مثل هذه الفرضية؟؟ هل صُنع الحياة من العدم ينتمي إلى حياتنا اليومية؟ هل إرسال الأنبياء والكتب الهاطلة من السماء يُعتبر من حيثيات حياتنا اليومية؟ لهذا، فإنهُ من الأجدر لي ولك وللجميع المطالبة بدليلٍ يتناسب مع حجم الإدعاء نفسه، لا أن نقوم بتسخيف أو الضحك على عقولٍ شغلت نفسها وسارت عكس التيار لتتأكد من مصداقية ما توارثناه من مفاهيمٍ حول الكون والحياة.
تاريخياً نعرف بأن الإقصاء والاستهزاء والملاحقة كانت دائماً من مصير العلماء والفلاسفة الذين تجرؤوا على طرح تساؤلاتٍ حول مدى جديّة المعتقدات التي يعتقد بها أبناء عصرهم، جميعنا نعرف بأن البشر كانوا يعتقدون بأن الأرض مسطحةً، وجميعنا نعرف بأنهُ حتى اليوم لا يزال هنالك من يعتقد بأن حركة الغيوم وهطول المطر لهما أسبابٌ روحيةٌ تقع ما وراء الطبيعة وليس أسبابٍ طبيعيةٍ بحتةٍ لهذا لازلنا نسمع وبشكلٍ مخجلٍ ما يُسمى صلاة الاستسقاء؛ بل حتى اليوم هنالك من يعتقد بأن السماء هي سقفٌ مرفوعٌ بدون عمدٍ مزينٍ بأضواءٍ صغيرةٍ خافتةٍ نسميها النجوم، وأنّ فوق هذا السقف توجد روحانيات وعالم الآلهة والملائكة، تخيل أن نتقبل كل هذه الفرضيات دون أن نجرؤ على السؤال عن مدى مصداقيتها؟ تخيل أن نتقبل بأن الخسوف ناتج من أن الحوت يلتهم جزء من القمر؟ تخيل أن نتقبل بأن الكون كلهُ وكل ما فيه ما كان إلا من أجلنا نحن البشر؟
يجب أن نخرج من نطاق الوهم والخرافة، يجب أن نؤمن بعقولنا للوصول إلى نتائجٍ حقيقيةٍ حول ماهيّة الكون الذي حولنا، يجب أن نؤمن بالمنهج العلمي الرصين للوصول إلى أجوبةٍ لاستفساراتنا العلمية، وعندما يعجز العلم عن الإجابة عن أسئلةٍ نطرحها فإن المجال واسعٌ أمام العقل الإنساني للبحث في الفلسفة والفن والرياضيات عن أجوبةٍ تناسب قدراتنا وتطلعاتنا، لا أن نُعيد علك ما بصقتهُ الأقوام التي قبلنا بقرون، ونتباهى بأفكارٍ لم تعد تُضحك العالم بعد بل تُثير ريبتهم حول الكهف الذي خرجنا منه.
هل تريد أن تؤمن بالله أو بالملائكة أو الشياطين هذا الحق كفلتهُ لك حرية العقيدة، لكن لا تحاول حشر معتقداتك المتوارثة في وسطٍ لا يُناسبها مثل العلم، وحاول أن لا تعتمد على معتقداتك الدينية في تعاملك مع البشر من حولك، بل عامل البشر جميعهم انطلاقاً من إنسانيتهم لا من معتقداتهم ولونهم أو لغتهم، جميعنا بشرٌ ونطمح للسعادة والحياة، وأنت نفسك تطمح للسعادة والحياة الأبدية من خلال اعتقادك بوجود حياةٍ ما بعد الموت، فلا تحتكر هذا الحق لنفسك ودعِ البشر يبحثون عن السعادة بأنفسهم، ولاتجبرهم على شكلٍ محدد للسعادة التي أنت تعتقد بأنها قمة المنتهى.