ألإنسانيين العالمية في السويد التقيت فتاة سعودية كانت معنا في الاجتماع أسمها نادية، بادرتني بالسؤال بعربية غير متكاملة (سعيدة بوجودك هنا يا بسام، لكن هل تعرف أنت لماذا تؤمن الناس بأشياء غريبة مثل الله والملائكة والشياطين؟) بعد حوار قصير دار بيني وبينها عرفت أن نادية ولدت في عائلة مثقفة هاجرت السعودية في بداية الثمانينات بسبب الإرهاب الديني الى أوربا. يعيشون اليوم في قرية صغيرة بعيدة عن ضوضاء احدى المدن الكبرى. نادية نشأت ودخلت المدرسة دون أن تعرف شيء عن الدين أو عن وجود الله من عدمه، الموضوع بكل بساطة كان غير مطروحاً لسنين طويلة في عائلتها التي ذاقت الأمرين من الدين، بل على ما يبدو قرر أهلها أن يعيشون بهدوء وسلام بعيداً عن ضجة الاديان وصراع المذاهب التي يغرق بها العالم اليوم. كي نستطيع الإجابة على هذه السؤال، علينا أن نعرف أنواع للإيمان، لأننا لو عرفناها ستساعدنا في فهم أسباب استمرار الكثير من البشر حتى يؤمنا هذا بالاعتقاد بأشياء غريبة. النوع الأول من المؤمنين وهم الشريحة الأكبر من المتدينين في العالم، وهي تلك الفئة التي ترث معتقداتها ولا تعرف عن معتقداتها الكثير غير عطلة الأعياد وبعض العبارات الناعمة. هذه الشريحة الكبيرة من البشر ليست سوى ممرات عملاقة لأديان ومعتقدات الآباء والأجداد الى الابناء. هؤلاء هم الغالبية العظمى من المتدينين، وهم في حقيقة الأمر لا يؤمنون بالأشياء الغريبة الموجودة في دينهم أكثر من أي إنسان عاقل آخر، بل فقط لا يهتمون أو لا يملكون الوقت أو القدرة على مراجعة اديانهم التي ولدوا عليها. في نفس الوقت نراهم يسخرون من المعتقدات الغريبة الموجودة في أديانهم ويدركون في قرارة أنفسهم بأنها ليست سوى قصص وأساطير، وهذه واضح جداً في الكم الهائل من النكت الدينية والتي تنتشر في المجتمعات المتدينة وفيها يسخر المجتمع من خلال القصص الطريفة من تلك القصص والاحداث الغريبة في دينهِ. في الحقيقة لا تجد أثر للنكت الدينية في المجتمعات الغير دينية مثل السويد أو النرويج والدنمارك، لكن النكتة الدينية منتشرة جداً في العراق والسعودية ومصر، وهذا دليل واضح على أن غالبية الناس في حقيقة الامر لا يصدقون هذه القصص لكنهم فقط يأخذوها كجزء من الموروث الثقافي للمجتمع العاجزين عن تغييره لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
النوع الثاني من الايمان هو الإيمان العاطفي. المؤمنين العاطفيين يشكلون نخبة ليست بالقليلة بين المؤمنين بشكل عام ويكثرون في المجتمعات التي ينخر الفساد والفقر والظلم اطرافها. هذا النوع من المؤمنين يؤمن حقيقة بتلك الأشياء التي توارثها عن أجداده ليس لأنها حقيقية، أو يملك دليل عليها، بل لأنهُ يشعر في أعماق نفسهُ بالحاجة للإيمان بهذه الاشياء وملأُ ذلك الفراغ العاطفي العميق الموجود داخلهُ. فالخوف من الموت يدفعهُ للإيمان بالخلود والاحساس بالظلم يدفعهُ للحلم بالعدالة المطلقة التي ستتحقق بعد الموت وهلم جراً. هذا النوع من المؤمنين يعيش غالباً داخل قوقعة عاطفية مع الاشياء التي يؤمن بها، يشعر أنهُ شخص مختار ومحظوظ جداً وبأن هناك الكثير من الشر في العالم ضده وبأنهُ لو فقط أدرك العالم تلك الحقائق الروحية التي يدركها هو لأصبح العالم مكان أفضل. كذلك يشعر في الغالب بأن نهاية الزمان قريبة وبأنهُ سيشهدها بعينيه. هو نوع لطيف ويحاول بصدق هداية الآخرين لما يؤمن بهِ هو لكنهُ يشعر بالحزن عندما يوجهه الآخرين بالسخرية أو الرفض فيعود لقوقعته الروحية ليتأمل في طلاسم الكتب التي يعتقد أن فيها العلم الحق ويتخيل شكل العالم ينهار يوم القيامة القريب جداً حسب تخيلاتهُ وكيف سيندم الناس الذين حاول هدايتهم عندما يكتشفون الحقيقة بعد فوات الأوان. النوع الثالث والأخير من المؤمنين وهم فئة صغيرة جداً، لكنهم الفئة الأعلى صوتاً والأكثر نفوذاً. هذه الفئة تبني إيمانها على الجهل فقط لهذا من المستحيل استخدام العقل والمنطق معها لأن صوتها عالي جداً وتؤمن إيمان كامل بأنها تمتلك الحقيقة المطلقة وبأن الآخرين على خطأ. كل رجال الدين في جميع الاديان ينتمون لهذه الفئة. هذه الفئة يقوم إيمانها بالأساس على الفراغات العلمية ويبدو هذا واضحاً من خلال الكمية كبيرة من الاسئلة ويفترضون أن الاشياء التي يؤمنون بها هي الجواب الحق. بالطبع لا يكلفون أنفسهم البحث أو تقديم الدليل على إجاباتهم، لكنهم يفترضون فقط أن عدم امتلاك الآخرين لجواب محدد يعني أن الإجابة التي جاء بها الدين الذي يؤمنون بهِ هي الاجابة الصحيحة بلا منازع. من السهل التعرف على هذه الفئة من خلال متابعة أسلوبهم في تغليف كل ما يؤمنون بهِ بالأسئلة والمغالطات المنطقية، أسئلتهم غالباً ما تكون اجاباتها صغيرة وتقوم على الغيبيات التي يؤمنون بها ومجرد أن يسألهم أحد عن الدليل فيما يذهبون اليه, تكون إجاباتهم بالمزيد من الأسئلة.
الغالبية العظمى من المؤمنين، وهي الفئة الاولى وبعض من الفئة الثانية، قادرين على اكتشاف مدى غرابة الاشياء التي كانوا يؤمنون بها. بعض التحليل المنطقي وبعض الكشف للحقائق العلمية كافياً كي يدرك الكثير منهم مدى هشاشة ولا منطقية المعتقدات التي توارثوها عن اجدادهم. الفئة الثالثة، على مر الدهر ومهما اختلفت معتقداتهم في جميع الاديان، لم ينفع معها التحليل المنطقي ولا طرح الادلة العلمية، لأن اعتقادهم الاعمى بامتلاك الحقيقة يمنعهم عن التنازل والقبول بفكرة أن العلم والمنطق ممكن أن يدحض ما يؤمنون بهِ. بل وجود العلم والمنطق واستخدامهم لهُ ينحصر فقط فيما يدعم معتقداتهم لا أكثر، وفي الوقت الذي يختلف أو يدحض العلم والمنطق ما يؤمنون بهِ يتحول العلم والمنطق الى أداة من ادوات الشيطان يجب محاربتها. ويتحول العقل الذي طالما افتخروا بتوافقهِ مع معتقداتهم الى أداة قاصرة ومحدودة عن الوصول الى الحقائق أو البحث فيها. ومن رحم تلك الفئة التي تؤمن انها تمتلك الحقيقة المطلقة، يلد لنا كل اليوم بن لادن جديد، وصدام حسين جديد وكل الانبياء والدكتاتوريات والارهابيين على مر العصور، كانوا جزء من هذه الفئة.
علينا أن نفهم أن الناس عامة في حقيقة الأمر لا يؤمنون بأي شيء غريب يسمعوه أو يقرأون عنه، بل يؤمنون فقط بأشياء محددة ويعتقدون بقدسيتها وبضرورة الايمان بها لأنها جزء من الموروث الثقافي الذين نشأوا فيهُ وتربوا عليه اولاً ثم يكملون الطريق ليشعروا بحاجة عاطفية للإيمان ثم يصل البعض منهم لدرجة من التطرف الاعمى بالاعتقاد بامتلاكهم الحق المطلق. لكن، رغم كل شيء، لو نظر أي إنسان من أي فئة كانت نظرة محايدة خارج الصندوق الديني الذي نشأ فيه لعرف أن كل تلك الطقوس والمقدسات التي يؤمن بها، في حقيقة الامر، لا تقل غرابة وخرافة عن كل تلك الاشياء الغريبة التي يؤمن بها أتباع الاديان الأخرى. لكن… حتى اللحظة، لا يجرؤ الكثيرين عن النظر خارج الصندوق، لهذا… يحتاجون لدعمنا ومساعدتنا للتخلص من خوفهم الازلي هذا.
بسام البغدادي