|
Fatima Mernissi, de Mustapha Saha |
صبيحة يوم الاثنين 30 نونبر 2015، فتحت حاسوبي، قصد إلقاء نظرة سريعة على آخر المستجدات. عرجت، على العناوين الكبرى، لأحد المواقع الاليكترونية، بغتة رمقت، ما يلي: الساحة الثقافية تودع الكاتبة فاطمة المرنيسي. يا إلهي! لم أصدق، هكذا سقط الخبر، كنيزك ضخم. لماذا؟ كيف؟ لما؟ ما الموت؟ ما الحياة؟ لا حواشي. عند الساعة، الثانية عشر وخمس وأربعين دقيقة، شغلت التلفاز، كي أتابع النشرة الإخبارية للقناة الثانية المغربية: فعلاً، تأكد الخبر. سيدة من طينة المرنيسي، لم تعد بين ظهرانينا، إلى الأبد، ثم صمتت شهرزاد عن الكلام غير المباح.
انتقلت الكاميرا إلى منزلها، تحدثت إحدى جاراتها بعبارات متعبة ومتقطعة، والألم يعتصرها، على أن المرنيسي لم تكن كائناً عادياً، بالمفهوم الإيجابي للكلمة طبعاً، ثم دعت ودعا معها صوت المعلق بالرحمة لعالمة الاجتماع المغربية، بل العالمية، منهياً كلامه، بأنها ستدفن عصر ذلك اليوم.
هكذا، تغادريننا سيدتي، بهذه السرعة، سرعة زحف الضحالة علينا. مساء، عاودت الجلوس أمام حاسوبي، لمعاينة تفاصيل الجنازة: مأتم قزم جداً، لامرأة كبيرة، وتعاليق بلهاء تصغر الصغر حقارة، تراوحت بين الإنكار على النسوة الولوج إلى داخل المقبرة سافرات، ولايجدر بهن مرافقة المرحومة إلى مثواها الأخير! وأن كتابات المرنيسي تمردت على شريعة الله، لذلك فلتذهب للجحيم! أصدقهم إيماناً، أقروا صراحة بجهلهم الاسم! بعد يومين أو ثلاث، أطلق أحد شيوخ الـ ''سيلفي" (selfie) والنساء وهرطقات يوميات التآكل الفكري، نظرية علمية مفادها، أنه ربما تكرم كي يدعو للـ مرنيسي بالجنة، لو أعلنت توبتها! من يدعو لمن؟ من هو الكائن البشري، الذي يملك مفاتيح الجنة؟ تذكرت صكوك الغفران، خلال القرون الوسطى المظلمة! حتى العشرة المبشرين بالجنة، كما أخبرتنا كتب السير، تحلوا دائماً إلى غاية وفاتهم، بمسلك التواضع والتأهب، معلنين جهاراً، أنهم لايملكون لأمرهم وأمرنا شيئاً.
إذن، برحيل المرنيسي، يكون الفكر العربي المعاصر، في رافده النهضوي التحديثي، قد فَقَد إحدى لبناته المفصلية، ضمن قائمة ليست بالمتوفرة دائماً، أو السهلة التوضيب، لكنها نوعية وثمينة، يستحيل تعويضها لا آجلاً أو عاجلاً، نظراً لانتفاء المعطيات والشروط الموضوعية والذاتية، ولأن زمان المعرفة والأفكار والمشاريع الكبرى والقيم والمكابدة والتضحية والتفكير في الآخر والجدارة والاستحقاق والأصالة والمبدئية، قد ولى لصالح الجهل والأحداث والتفاهات والكلبية والسهل والوصولية والأنانية والتحايل والزيف والحربائية.
قومياً، تنتمي المرنيسي إلى سلالة المعتزلة وابن رشد وصوفية الحلاج وشعراء الحداثة خلال القرن الثاني الهجري، ورموز النهضة من قاسم أمين إلى محمد أركون، الذين انكبوا غاية الجنون: على جدليتي المعرفة والتقدم. أما مغربياً، فلا ريب، أنها من صفوة الرواد: محمد عزيز الحبابي، محمدعابد الجابري، عبد الله العروي، عبد الكبير الخطيبي، ادريس الشرايبي، أحمد الصفريوي، محمد خير الدين،عبد اللطيف اللعبي، إدمون عمران المليح، أبراهام السرفاتي، فريد بلكاهية، محمد جسوس، المهدي المنجرة، محمد بنيس. هكذا، يلاحظ أن المرنيسي، باحثة من العيار الثقيل، مثلت بقوة وريادة وبهاء وجدارة، الصوت النسائي.