محمد بوشيخي - ذواتأكد الباحث الحاج أوحمنه دواقعلى دور الحداثة في جعل الغرب "ظاهرة حضارية شاملة"، كما تطرق إلى طبيعة المعرفة العلمية القائمة على الروح التجريبية، وإحراز القطيعة مع "المفارقات والماورائيات"، مما جعل من العلم حسب قوله "مركزًا وَعْيَانِيًا للحداثة الغربية".
وأضاف الباحث الجزائري في دراسة بعنوان "الحداثة المنبتّة والمنزَعُ الاستعلائي"، نشرها موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، أن التمركز الشديد حول الطبيعة وقيمها "نشأ من توغل العلم رويدًا رويدًا في مضمارات الحضارة وميادينها الثقافية والتكنولوجية". وكتب أن العلم أضحى "قبلة تمارس تجاهه طقوس من شكل آخر، لكن لم ينتبهِ الوعي الغربي إلى التأله،
التمركز الشديد حول الطبيعة وقيمها "نشأ من توغل العلم رويدًا رويدًا في مضمارات الحضارة وميادينها الثقافية والتكنولوجية".
الذي شرعت الطبيعة في ممارسته وفرضه بشكل لا شعوري في بداية العصور الحديثة، لكن مع نهايتها تم التنظير والتعقيد للحضور الطبيعي بشكل منطقي متبنى، تشحذ له كل الطاقات المعرفية لتحقيقه والوصول إليه"
وفي هذا السياق، يؤكد أن الماركسية كانت "أكفأ أنموذج مثالي يمكن إيراده للدلالة على مكمن الأسلوب المعرفي المادي المُعَلمن للتعاطي مع العالم"، كما توقف عندتقاطع التحليلات في تركيزها على الطابع الفلسفي الجذري، لما سماه "المرجعية الطبيعية" وتمركزها "حول المادة وقيمها ولوازمها"، ذاهبا إلى أنه "مع تطور المكتشفات العلمية وقوة أداءاتها، تصير المادة مستعملة إلى أبعد الحدود، وربما لا تكون المُشاحة في المادة وما يصدر عنها من نتائج للعلم، لكن يتحول ما تؤدي إليه من تفسير كلي مع التراكم إلى رؤية كونية متصلبة".
فالماركسية بحسبه تشكل "خلاصة الوعي الحداثي المعلمن"، إذ إن بزوغ فجر الماركسية قد قوى المنهج العلمي الصارم، وأدى إلى انتظام "نسق فكري متكامل عمد إلى تناول مضامين الثقافة والتاريخ من خلال منطق مادي"، انتهى بإقصاء "كل المقولات الإطلاقية، سواء أكانت دينية أم عرفية ذات صلة بالدين بشكل ما، وأحلت مكانها منطقًا رؤيويًا يستند إلى مركبات جدلية، تستوعب الظواهر جميعًا وتوظفها لتحقيق التجاوز المفضي إلى التفسير"، وذلك لأن أهمية الفلسفة بحسبه لا تكمن "في تفسيرها، وإنما في تغييرها".
كما أن تطور الحضارة الغربية ونوع علاقتها مع العلم وطبيعته أدى في فترة لاحقة إلى "استبدال لاهوت الأرض بلاهوت السماء"، ويردف القول إن لاهوت الأرض "أنتج إنسانًا مفككًا مبعثر القوى مشتت الشعور،
تطور الحضارة الغربية ونوع علاقتها مع العلم وطبيعته أدى في فترة لاحقة إلى "استبدال لاهوت الأرض بلاهوت السماء"
أخلاقه لم يعد لها حضور في شد وجدانه وسلوكياته إلى المعاني المتجاوزة المفتوحة"، فدخل بالتالي في "صراع رهيب يقضي على كل شيء، بل قد يقضي على الحياة ذاتها، وإن كان ذلك قد تم فعلاً، بإحلال الرؤية المادية الصلبة، بكيفياتها وتنزيلاتها، محل الرؤية المتوازنة المفتوحة". كما ذكر تقدير البعض، بأن "ما بعد الحداثة كحركة احتجاجية، تدخل ضمن التصحيح الذي فات أوانه، وإن كان التعبير قد يبدو مختزلاً، إلا أنه دال تمامًا".
وفي نظرته للفلسفات المادية والعقلانية والتجريبية، يرى الباحث أنها تنطلق "عبر تاريخها الطويل وبالاستناد إلى إبستمولوجياتها الخاصة وتوظيفاتها"، من "هم إنساني يقصد المعرفة، لكنها سرعان ما تنقلب إلى عكس مطلبها وتذوب في مترتبات منهجها التجزيئي، وتتنكر لكل ما يجاوز أنموذجها المعرفي وشروطه الفهمية".
وفي خلاصة بحثه، يؤكد الباحث أنه كلما ازداد "تمكن الإنسان وتطور أساليبه، وتنوع أداؤه وتنامى سلطانه على الظواهر"، وكلما "استحكم على الأشياء"، إلا و"ظهر فيه وعي وتصور بالاستقلال وعدم الحاجة إلى تسديدات علوية وتأييدات قيمية مفتوحة ومتجاوزة"، الشيء الذي "يوقعه في حال من الطغيان الحضاري الذي يأتي حتى على منجزاته".
لقراءة الدراسة كاملة على الموقع الإلكتروني لـ "مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، انقر هنا: