25 يونيو 2013 بقلم
عبد النبي الحري قسم:
الدين وقضايا المجتمع الراهنة تحميل الملف حجم الخط
-18
+ للنشر:ملخص المداخلة:
تميز الربيع العربي بإطلاق قوى الإسلام السياسي لمجموعة من تصريحات النوايا ذات الطبيعة "العلمانية"، تصريحات تعززت بممارسات لائكية من طرف القوى ذاتها، حينما اعتلت إلى قمة الحكم والسلطة عبر مدارج انتخابية ديمقراطية، وهو الأمر الذي يحتاج إلى نظر ومساءلة، لا بدافع التشكيك في تلك النوايا المعلنة، واتهام أصحابها ب"المناورة" و"النفاق" و"التقية" و"ازدواجية المواقف"، وغيرها من الاتهامات الجاهزة عند خصوم هذه الاتجاهات. ولكن من أجل الدفع بتلك المواقف المعلنة إلى حدودها القصوى، من خلال العمل على تفكيك بنيتها، واستنطاق مكنوناتها، وكشف المسكوت عنه بين طياتها.
لا شك أن مهمة مثل هذه، تتطلب -أولا وقبل كل شيء- تحرير النقاش الدائر حول المسألة من كل قوالب التنميط والأدلجة المهيمنة على السجالات السياسية والإعلامية، والتي تضع حجابا يحول دون مقاربة سليمة لهذه القضية، الأمر الذي ينذر بإسقاطنا في عطالة فكرية تضيع معها فرصة اغتنام ما تتيحه اللحظة التاريخية من ممكنات اختراق عدد من "الطابوهات" و"المقدسات"، التي لم يكن أحد يجرؤ على مجرد الاقتراب منها.
سيكون من العبث الفكري الوقوف عند حدود ما يقوله عدد من القادة الإسلاميين الذين يصعدون تباعا هذه الأيام إلى منابر الحكم والسلطة من مدارج شعبية انتخابية، مادام هؤلاء يعملون وفق قاعدة عزيزة على كل رجل سياسة، وهي "لكل مقام مقال"؛ كما أنه ليس مجديا البحث في أرشيفاتهم الخاصة لتسليط الأضواء على عناصر التناقض في اختياراتهم وخطاباتهم، مادامت كتب التراجم والسير تجمع على ذلك الثراء الفاحش من المتناقضات الذي يكاد يكون سمة مشتركة بين خطابات كل رجالات السياسة، لا في زمننا هذا، وفي مدننا هذه، بل في كل زمن، وفي كل مدينة.
يقتضي الأمر إذن، مقاربة الموضوع انطلاقا من "موقع محايد" لا يعادي أحدا، ولا يسعى للانتصار لهذا الطرف على حساب الآخر، بل يسعى قدر المستطاع إلى توسيع دائرة النقاش لتنفتح على مجموعة من الآثار الفكرية والاجتهادات النظرية التي بقيت منذ مدة في عداد "التراث المهمش والمقصي"، الذي لم يكن أغلب الفاعلين في ساحة الحراك الوطني، سواء المقول عنهم "علمانيين" أو المقول عنهم "أصوليين"، يجرؤ على اقتراف "كبيرة" تقليب النظر في تواليفه.
وفي هذا الإطار، تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة تحليلية نقدية لمجموعة من الأطروحات الإسلامية المعاصرة حول العلمانية، بغية تحديد قيمتها النظرية والعملية والوقوف عند حدودها وتناقضاتها.
* إعداد عبد النبي الحري باحث في الفلسفة - المغرب