2013-11-20 قراءة في كتاب " الانهيار القادم
|
| |
لسوء الحظ ان كتاب "ما بعد الشيوخ"الذي ظهر في بريطانيا السنة الماضية والذي لم يُنشر الاّ حاليا في امريكا، ذهب الى الطباعة قبل ان تكتوي قوى الربيع العربي بانتكاساتها الاخيرة. في عام 2012 تمكن الاخوان المسلمون من ركوب الموجة في اكبر واهم بلد عربي من حيث السكان. كذلك سارت المعارضة السورية على نفس الطريق. رياح التغيير هذه بدأت تهز عروش حكام الخليج ايضا وهو موضوع هذا الكتاب. رسالة المؤلف كريستوفر ديفدسون (1) المتضمنة في عنوان الكتاب تشير الى ان عمر هؤلاء الحكام بدأ يقترب من نهايته. لم تعد المسألة ما اذا كان هؤلاء الحكام سيسقطون ام لا وانما متى يسقطون."معظم هذه الانظمة في المنطقة- على الاقل في شكلها الحالي- سوف تزول في غضون السنتين او الخمس سنوات القادمة". في الشهور القليلة الماضية كانت ردود فعل القوى الثورية المضادة هي التصدي والمواجهة بقوة.
المؤلف ديفدسون، الذي عاش في رأس الخيمة ، احدى افقر الامارات السبع المتحدة، هو من اشهر الاكاديميين الذين كتبوا عن المنطقة. حيث عرض سيناريو لنظام الحكم الملكي بمزيد من التفاصيل الموثقة والمحكمة. فهو اوضح الكيفية التي تمكنت بها هذه الدول الست: البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والامارات من إحكام قبضتها على شعوبها.
تميزت هذه الدول الست وبدرجات متفاوتة بالوفرة الكبيرة للبترول والغاز بما مكّن حكامها من الانفاق الفاحش متى ما استمع مواطنوها الى همسات الديمقراطية في اماكن اخرى او حين تصبح الظروف الاقتصادية سيئة. جميع هذه الدول الست تعتمد انظمتها على اجهزة قمعية. ومنذ ان بدأ الربيع العربي قبل ثلاث سنوات، يذكر الكاتب ان ميزان القوى بين الحرية والاكراه تحول لصالح الاخير. في بعض الاماكن، خاصة في البحرين وكذلك في الامارات تحول المزاج بشكل خطير. اليوم اصبح الصراع بين الحكام والمحكومين مرعباً اكثر مما هو متوقع.
ان اليوم الذي سينفد به البترول يقترب بسرعة اكبر مما يصرح به المسؤولون.ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب ستقوّض مقدرة العوائل الحاكمة على دفع الاكراميات وبرامج الرفاهية الاجتماعية خاصة في السعودية حيث 47% من السعوديين هم تحت سن الـ 18 و 80% منهم تحت سن الثلاثين. الى جانب ذلك، تتزايد نسبة الفقر بين الناس امام الثراء الفاحش للنخب الحاكمة. هذه الاسر الاوتوقراطية والمستبدة اصبحت عاجزة بسبب الازمات المتعاقبة والمستمرة مع كل عملية انتقال للحكم من شيخ الى آخر .السعودية، وهي البلد الاكبر بين الدول الست مرشحة للانهيار في السنتين القادمتين .... المملكة تبدو الآن شديدة الهشاشة. لو سقطت العائلة الحاكمة ستنتقل الشرارة الى المشيخات الخليجية الاخرى وستكون خطيرة ان لم تكن مميتة بسرعة.
بعض هذه الدول اكثر حساسية من الاخرى. مستقبل ملك البحرين هو الاسوأ بينما مستقبل العائلة الحاكمة في الكويت لا يختلف كثيراً. وفي النهاية الاخرى للطيف، قطر البلد الذي هو حاليا الأغنى بين دول الخليج قياسا بمستوى الدخل الفردي، تجنبت القوة المفرطة في تعاملها مع المعارضة. مع ذلك، يقول كريستوفر، حتى قطر هي عرضة للخلاف داخل العائلة الحاكمة.
من الصواب القول ان اي من الانظمة الملكية في الخليج لديها اسبابها للقلق. في عام 2011، بلغ عدد السكان البالغين المتابعين للفيس بوك حوالي 27 مليون شخص، اي، خمس عدد سكان البالغين، وبعد سنة من ذلك التاريخ ارتفع العدد الى 45 مليون شخص. المشيخات الخليجية لم تعد تأمل بالسيطرة على ما يدور في اذهان شعوبها.
مع ذلك، فان الانهيار الوشيك في الانظمة الخليجية جرى التنبؤ به قبل وقت طويل. المؤلف بالتأكيد هو صائب بقوله لو ان تلك الانظمة ترفض الانصياع امام مطالب شعوبها بالديمقراطية فان حظها بالبقاء سيتقلص كثيراً. لكن هذه العوائل هي جميعها حذرة وقاسية في آن واحد. الجدول الزمني الذي اقترحه الكاتب لزوال هذه الانظمة هو قصير جداً. فمنْ كان يتوقع في عام 2010 ان تبقى الاضطرابات التي تعصف بالعالم العربي حتى اليوم؟
........................................................................................................
انظر عدد الايكونومست البريطانية ليوم 2 نوفمبر الحالي 2013.
كتاب After the Sheikhs: The coming collapse of the Gulf Monarchies للكاتب كريستوفر ديفدسون، صدر في 15 نوفمبر 2012 عن مطبوعات جامعة اكسفورد في 304 صفحة.
(1) كريستوفر ديفدسون هو متخصص في الحكومة والشؤون الدولية بجامعة دورهام، زائر سابق وبروفيسور في جامعة كايوتو، مساعد بروفيسور سابق في جامعة زايد في الامارات. كتب عدة كتب في السياسة والشؤون الدولية لدول الخليج من ضمنها :
- ابوظبي: النفط وماوراءه.
- دبي: هشاشة النجاح.