مراسلات بارت وألبومه في كتاب
جاىل أوبىّجلى ترجمة: لطفى السىد
في مايو 2015، أعد إريك مارتي كتابًا يضم ألبوم رولان بارت ورسائله التي لم تنشر من قبل، وذلك بمناسبة مئوية ميلاد بارت المولود في 12 نوفمبر 1915. وهو ليس الكتاب الوحيد الصادر بمناسبة مئويته، بل ثاني ثلاثة: الأول " السيرة الذاتية.. رولان بارت بقلم تيفين ساموايوت"، أما الثالث فيصدر في الخريف بعنوان" فيليب سولير.. صداقة رولان بارت".
مراسلات بارت وألبومه
اعترف رولان بارت في وقت مبكر جدا بأن ثمة صراعا بالنسبة له بين مسار العمل وبين مسار الحياة. كلاهما يغويه. أدلي بهذا في عام 1942 إلي فيليب ريبيّرول الذي تواصل معه عبر مجموعة من المراسلات غذتها تجربته اليومية التي وسمها المرض، ومساعيه الفكرية في آن. يبدو أن الصداقة تستطيع التوفيق بين هذين المسارين؛ لأنها تسمح باستحضار الشعور والعلاقة الفكرية. في الجزء الأول من الألبوم الذي يُرتب زمنيا، مجموعة من الرسائل من بين متلقيها بعض مشاهير رجال الأدب والكُتاب، منها التي وجهها بارت إلي صديقه ريبيّرول، وهي نصوص حقيقية تعرض لوضعياته الإعجابية وتأمله المستفيض الذي يتناوله كمادة.
يستقصي بارت بعض " النماذج الفكرية" و"بعض المحاورين" حتي يتمكن من الكشف عما يفكر فيه. يختارهم وفقا لمعيار فريد، إنهم ليسوا امتثاليين. وأعرب لـ «اريبيّرول» عن رفضه للنزعة الامتثالية. ربما لهذا السبب يتجنب المناقشات السياسية.
إنها تشعره بالسأم. علي العكس من ذلك، أثناء قراءة جوريس، يتوهج. الاشتراكية التي يطالب بها - وتحمله أولا روح المعارضة إزاء الرجعيين- من الآن فصاعدا مسكونة بالسلطة، شبه القداسة، كتابات جويس التي تمنع المواقف الفاترة،"بالضبط المكان الغالي جدا علي الفرنسيين". كل رسالة إلي ريبيّرول، علاوة علي المودة التي يحملها له والتي تعزز صياغته، تظهر وعي بارت في حركته. فلتذهب إلي الهاوية أو البهجة. أفكاره التي يصفها بالأدبية خاضعة في خيالها للصديق- قليلا ما كان يرغب في ذلك في كثير من الأحيان- الذي يكتب إليه وينتظر أخباره. وإن تأخر في الرد، يطلب منه ألا يتوقف عن الكتابة إليه.
من المهم له أن يقفوا معا فوق تقاليد المراسلات" . فليكتبا إذن، وفقا لحميتهما ولما يرغبان في قوله، دون أن يفرض ذلك أو دون أن يجبر نفسه علي علاقة ما يسبق فيها التأدب الحقيقة. فالتحدث بجدية، بحرية، بصراحة، ذلك ما تطلبه الصداقة. كثيرًا ما يلوم بارت نفسه لأنه يتحدث في تلك الرسائل عنه فقط. وهذا صنع بكل وضوح أهمية هذا الجزء من المراسلات حيث التعليقات، الاعترافات، والنشرات الصحية تتوالي، صانعة صورة شخصية كاملة للمؤلف.
يوضح إريك مارتي في مقدمته أن الخصوصية النوعية لأي مراسلات تكمن في إظهارها حياة ما من خلال ما عُبرعنه بأفضل ما يكون. الصداقة في حالة بارت. وذلك بالفعل من خلال رسائله إلي الأصدقاء،التي نستنبط منها مسيرة كتابته، وحياته بوصفه كاتبا. يتجلي العرض علي طول الفصول التي تتبع التسلسل الزمني، إلا أنه تم تنظيمها بطريقة تظهر المراحل الفكرية والعاطفية لبارت. في هذه الفترة التي يعنونها المحرر"من المراهقة إلي رواية المصحة" والتي يؤرخ لها تحديدا من 1932 إلي 1946، يكون الصديق الآخر الذي يوجه له رولان بارت رسائل طويلة روبير دافيد.
إليه يوجه تأملا صادقا بخصوص الحب الذي" يكشف لنا بعض عيوبنا"، اختبارا تستبدل فيه الـ »أنت« و الـ »نحن« مواضعها. تأخذ المغامرة الفردية قيمة كونية. تفسير المشاعر بحذر يُستبدل ببوح شخصي. لكن العمومية هنا تغذيها تجارب حميمة استلهمها بارت من ذلك الذي أحبه، واهبا كل فكره ودقته اللغوية التي يقتضيها قاسمه المشترك.
في الجزء الثاني من الكتاب، إنها مشكلة" بارت الأول". تظهر علاقته بالمؤسسة علي طول عدة حكايات وتأملات حول ممثليه. قال ذلك: اهتمامه بالوقائع أقل من البشر. هذا ما يسكته أمام بعض الأفراد الذين يعرف احتقارهم "لكل فكر يؤمن بالتاريخ، الفلسفة، العلوم، والنقد الأكاديمي". وقد كتب ذلك إلي صديقه ريبيّرول، وديع الكلمة الحقيقة. المراسلات فرصة الخلاص لمن كان، في هذا العصر، أسيرا لعلاقات تقليدية تمنعه من أن يكون ما يحاول أن يكونه، روحا نقدية.
في مواجهة المؤسسة يفرض بارت علي نفسه صمتا استراتيجيا لأنه يهتم بمستقبله العملي والآني. تأملاته اليومية تتخذ من ذلك إذن مادة، وهذه الواجهة البراجماتية تجزم وبحزم بالتحدث بالحرية التي يجب أن تتحقق في الحوار بين صديقين. في الوضع الذي يوجد فيه يعجز، وفقا لاعترافه، أصبح لا يمكن التعرف عليه. يشعر أنه أصبح لا إنساني، غير قادر علي ممارسة الأبحاث الفكرية التي يودع فيها كل إنسانيته. يسبق هذا نشر كتاب "الدرجة صفر للكتابة". وإن كان الكتاب قد نُشر في دار سوي فذلك نتيجة العلاقة التي يعقدها بارت مع دار نشر جاليمار والتي رفضت نشر النص الذي يوثق لمجموعة من الرسائل المتبادلة مع كنو، بولهان، أرلان. يعود تاريخ هذه الرسائل لعام 1950وهي وجيزة، بمثابة كلمات مقارنة بالرسائل المفصلة التي أرسلها لهذا أو ذاك الصديق، علي الرغم من توسلات بولهان رفض بارت أي نشرفي مجلة جبهة الإنقاذ الوطني. كذلك، رفض دعوة أرلان لإنشاء حولية تاريخية حرة في جبهة الإنقاذ الوطني الجديدة، مفسرا ذلك بالحاجة للكمال الذي لن يستطيع تحقيقه نظرا للمهمة التي ينبغي أن يكرس نفسه لها. فضلا عن رفضه لهذا التعاون، أرجأ بارت كل شيء معتذرا عن "مراوغاته" علي نحو اضطراري، يستند جان جينيه إلي عقم هذه العلاقة الرسائلية مع المسئولين عن المجلة. في الحقيقة ، في إحدي الرسائل - التي نشرت في أحد أعداد مجلة الآداب الجديدة - يمنح فيها جانبا لبارت عن قراءته لميشليه، أخبره فيها، فضلا عن ذلك، بعد قراءة نص آخر، ان المقصود" أساطير" تتحدث عن الطفولة، عن لعبة. واضعا اسم المجلة بين قوسين. أسبق جان جينيه الرسالة بنصه في مجلة جبهة الإنقاذ الوطني الذي يمحوها. المحو حيث جينيه هو المؤلف يجسد بقوة علاقة بارت والجبهة التي محاها من أفقه.
الجزء الثالث من الكتاب يعكس العلاقة التي جمعت بارت وكبار المثقفين البارزين. هكذا يتوجه بالشكر العميق لموريس نادو من أجل كتاب من المقالات. ممتدحا "جلاء" تعبير نادو، بينما يكون بارت علي العكس مرتبكا في تعبيره في حين أنه جعل منه جزءا من المتعة التي حصل عليها عند قراءته. ينبع هذا الارتباك من العاطفة والنشوة، هكذا يعلن زيادة في مجاملته، ويعترف بعدم مهارته وعدم مهارة قضاياه. إنه هو نفسه هدف للإعجاب. تشهد علي ذلك رسائل بيير جويوتا وجاك دريدا خاصة. هذا الذي في عام 1972 أشاد بـ" افتتاحية سامية ونبيلة" لـ »رولان بارت«
الذي رافقه المصدر النقدي بالفعل قبل أن يبدأ في الكتابة. وهذه العلاقة التي يعترف بها، هذه السلطة التأملية لبارت، ليست سلطة هؤلاء الذين يجمدون الكتابة، بل علي العكس إنه يدفعها. بما أنه شرع في الاستماعه له. إنه لا مثيل له، وفقا لحكم بيير جويوتا في عام 1971 في نهاية الكتاب، سوف نقرأ رسائل متبادلة بين رولان بارت وإرفيه جيبير والتي تثير مباشرة، من خلال سؤال حول الكتابة والخيال، مسألة الموت البروباجندا. بداية من مقدمته، كان قد حذرنا إريك مارتي من الطابع الحاسم لبعض رسائل مراسلات بارت التي تظهر التحالف بين الشعور والفكر أو الحياة والعمل.