2014-03-15 العرب لا يقرأون
|
| |
إدغار شويري، عالم الفيزياء في جامعة برينستون الأميركية، تساءل كيف يمكن للعرب أن يصيروا شركاء كاملين ومتساوين مع أولئك الذين يرسمون اقتصاد العالم وأمنه ومستقبله، اذا بقوا مجرد مستهلكين للعلوم والتكنولوجيا لا منتجين لها. وردّ على الذين يتبجحون بالمساهمات الكبيرة التي قدمتها الحضارات العربية القديمة للعلوم الفيزيائية والأحيائية والرياضيات والفلك، بأن ذلك يعود الى تاريخ قديم عفّ عليه الزمن، «والواقع أنه منذ القرن الثاني عشر، ومع هيمنة الفكر المناهض للعلم والعقل، بدأ الإرث العربي العلمي بالانهيار، حتى صار اليوم في وضع محزن للغاية». وأشار شويري إلى أن في العديد من مناطق العالم العربي اليوم «هناك تقدير للمنجمين أكثر من علماء الفلك»، محذراً من الوقوع في وهم ارتفاع عدد مستخدمي وسائل التواصل الحديثة، لأن لا فائدة من استخدام الانترنت والتكنولوجيا لنشر أفكار العصور الوسطى.
عالم هندسة الفيزياء الفضائية إدغار شويري، اللبناني الأصل، كان يتحدث في حفل لتكريمه أقامته الجامعة الأميركية اللبنانية لمناسبة افتتاح فرع لها في نيويورك. العرب فعلاً يهتمون بالمنجمين من نجوم الشاشات، أمثال ميشال حايك وحسن الشارني ونجلاء قباني وليلى عبداللطيف، الذين يبيعونهم الأمنيات والأوهام، أكثر من اهتمامهم بعلماء فلك حقيقيين مثل المصري فاروق الباز ومواطنته وداد عبدو والعراقي حميد النعيمي والسورية شادية الحبّال واللبناني إدغار شويري. ولقد لاحظ عبدالهادي النجار في مقال نشرته «البيئة والتنمية» بعنوان «الفلك من خرافة التنجيم الى علوم الفضاء» أن معظم هؤلاء العلماء المرموقين تسبق اسمهم صفة «الأميركي من أصل عربي». فكأن لا مكان من المحيط الى الخليج يتّسع للمبدعين.
الحقائق موجعة. خلال عشرين سنة، صدرت 370 براءة اختراع لباحثين في الدول العربية في مقابل 16 ألف براءة اختراع لكوريا الجنوبية، التي يبلغ عدد سكانها عُشر عدد سكان العالم العربي. وفي حين تجاوز عدد الهواتف المحمولة في العالم العربي 400 مليون، لا يتجاوز عدد الذين يقرأون كتاباً واحداً في السنة، عدا الكتب المدرسية، العشرين مليوناً، أي خمسة في المئة من العرب. وقد كتب الشاعر يوسف الخال بحسرة وألم منذ خمسين عاماً أن «العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون...»
صوفق تقرير التنمية الثقافية، الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي، يبلغ معدل قراءة الكتب للمواطن العربي 6 دقائق سنوياً، في مقابل 200 ساعة في الغرب. وفي حين يقرأ كل 20 عربياً كتاباً واحداً في السنة، يبلغ معدل قراءة الأميركي 11 كتاباً والبريطاني 7 كتب. أي أن كل أميركي يساوي 220 عربياً وكل بريطاني يساوي 140 عربياً، قياساً بقراءة الكتب. قد يردّ البعض بأننا في عصر الإنترنت، حيث توقف الناس عن قراءة الكتب المطبوعة. لكن أرقام تنزيل الكتب عبر الإنترنت في العالم العربي غير مشجّعة على الإطلاق، حتى تكاد تكون معدومة. ويكفي إلقاء نظرة سريعة على النقاشات العربية، عبر المدونات ووسائل التواصل الإجتماعي، لنكتشف ضحالة المواضيع التي يهتم بها معظم جمهور مستخدمي الشبكة الإلكترونية.
أين العرب من عصر جديد يحكمه العلم؟ ماذا فعلوا لمجابهة تحديات تأمين المياه العذبة وإنتاج الغذاء والطاقة المتجددة؟ وماذا أنجز العلماء والباحثون العرب داخل العالم العربي ولفائدة شعوبه؟ المؤسف أن الممارسة السائدة ما زالت تقوم على استيراد التكنولوجيات والآلات، مع الفنيين لتشغيلها وصيانتها. وإذا كان ممكناً استيراد البطاطا، فلا يمكن استيراد العلم، لأن هذا لا يؤدي إلا إلى تعميم البلادة الفكرية والعقم العقلي.
كما أن تعلُّم كتابة لائحة العقاقير لا يكفي لصناعة طبيب، فلقب «دكتور» لا يصنع عالماً. ذلك أن العلم الذي لا يساهم في دفع البشرية الى الأمام هو علم لا ينفع، ويتساوى في ذلك مع الجهل الذي لا يضرّ. أما الأدهى فما يكشفه العدد الأخير من مجلة «البيئة والتنمية» من فضيحة مدوّية عن آلاف العرب الذين استحصلوا على شهادات مزيفة من جامعات وهمية، تمنح لقب دكتور لقاء مئة دولار. لن نتقدم في العلم ولا في الفن والأدب ما لم نتحرر من عقدة الألقاب ونتحول من الاهتمام بالعلاقات العامة الى العمل الجدي في الإبداع والاستكشاف.
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي ملتقى ابن خلدون للعلوم الفلسفة والأدب بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.