هل العلمانية هي الحل؟... (1)
عبد الكريم القمش*
الأربعاء 03 دجنبر 2014 - 12:13
(الحلقة الأولى)
يحدثونك عن الثورة.. قل هي رجس من كوابيس واقع الحالمين.. تلك ثورة بدأت في تونس وعرجت على مصر واندلعت في ليبيا وتواصلت في سوريا وانهارت في اليمن والسعودية وماتت في الجزائر وعمان وانتحرت في القدس وفلسطين.. وتم دفنها في تابوت كان قوامه "الأمية" وجلاده الجهل وظاهره "السفسطة التاريخية"... يحدثونك عن الديمقراطية؟ قل لهم إنها نتيجة للحضارة وليست مقدمة لها...
قبل ثلاث سنوات قامت في بلدان تدعي أنها إسلامية شيء أسموه الربيع وأصبغوه بالديمقراطية حينا والعروبة احيانا أخرى وقالوا أنه مفتاح لديمقراطية تعم هذا العالم الغارق في تخلفه.. قامت الأصوات المبشرة من كل مكان.. قام من يقول أن اليوم لكم نهايتكم ولي بدايتي.. قامت الشعوب في خضم موجة مجهولة لكي تقول "لا" للطغيان" واستبشر المتفائلون خيرا وبقي الحاذرون المحاذرون على مواقفهم البراغماتية الواقعية المتطرفة.. وبالنهاية انتصرت أشياء ضد أشياء وكان أدونيس،شاعر سوريا، على حق حين قال "أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون هي البداية، لأنها الخلاصة الأخيرة لسلسلة طويلة من مراحل التطور الحضاري".. بمعنى آخر.. كان الربيع الديمقراطي وهما من أوهام سوء التحضر وأثبت الواقع الحالي في عديد من بلدان هذا البناء الإسلامي الذي ادعى الثورة وإسقاط الاستبداد أن الديمقراطية بالفعل نتيجة وليست منطلقا وأن الشعب الذي لم يتصالح مع الديمقراطية كسلوك ولم يمارسها في حياته اليومية لا يمكن أن يؤمن بها ويشجع عليها ويحققها على أرض الواقع حتى لو خرجت منه جحافل تتكون من ملايين الهاتفين ضد الاستبداد والظلم والفساد..
أولئك المواطنون الذين خرجوا للشارع بالآلاف وحتى الملايين كانوا عبارة عن مواطنين يمارسون الحياة اليومية الواقعية على أرض الفساد المستشري كالخلايا السرطانية في عضو مات قبل أن يولد.. مواطنون أتوا إلى المظاهرة الحاشدة ضد الفساد والإقطاع في تمام الرابعة بعد الزوال قادمين رأسا من إدارة عمومية نفحوا فيها موظف الحالة المدنية عشرين درهما من اجل شهادة "ازدياد" مستعجلة من أجل تحقيق ظروف معيشية.. بعض الهاتفين ضد الاستبداد والرافعين للافتات تنادي بالقطع مع المحسوبية كانوا قد أجروا مكالمة من عين مكان الهتاف والنضال مع ابن خالة أو أخ أو عم أو صديق أو قريب يشغل منصبا هاما في الداخلية لكي يسهم في إطلاق ابن أخ متهم في الاتجار بالمخدرات... وبعد أن تنتهي المكالمة يرفع المناضل ضد الفساد على ساحات الربيع الديمقراطي "يافطته النضاليه" أعلى وأعلى وهو يهتف ضد الفساد وفي مقدمة تمظهراته "الزبونية" ورفيقة نضالها "المحسوبية"....
هل هذا شعب باستطاعته أن يقوم بثورة ضد الاستبداد والظلم والفساد؟...وهو التجسيد الحي على أرض الواقع لكل فساد وظلم واستبداد؟..
أعتقد أنكم تعرفون الجواب حتما..
إن كنت لا أمارس الديمقراطية في حياتي اليومية وسلوكياتي اليومية فكيف لي أن أومن بها امارسها في السياسة؟.. إن كان الناخب المحلي قادرا على ابتياعي بمائتي أو مائة درهم لكي أصوت عليه فأي مشروعية تتبقى لدي لكي أخرج غدا لكي أهتف بالديمقراطية وأرفع صوتي عاليا ضد الفساد وانا الفاسد المفسد في سلوكي، ديكتاتوري الطبع في معاملاتي اليومية مع أمي وأبي وأبنائي وزوجتي؟...
هل بوسعنا ونحن هكذا أعزائي أن نقوم بثورة ضد الاستبداد وأن ندعي امتلاكنا لحقوق الربيع ونحن لا نمطر واقعا يعكس حقا ذلك الاحتقان الذي يخيم ويسود غيومنا الثورية المزيفة؟... دعوني أجيب عن هذه الأسئلة في القادم من حلقات سلسلة تحاول أن تجيب عن أهم سؤال يؤرق الكثيرين من قراء الصحافة الوطنية والمهتمين بقضايا "مالنا بحال هاكا؟ وعلاش حنا متخلفين؟ وعلاش الموتى كايهزوهم ف كاميوات الزبل ملي كاتفيض السيول؟ وعلاش ماقادرينش نغيرو الواقع وكيفاش ممكن نغيرو الواقع فعليا...إلخ من الأسئلة المؤرقة والرهانات المخيفة.. لكي نغير الواقع علينا أن نناضل ولكي نناضل علينا أن نعرف كيف نناضل ولكي نناضل عن حق وسؤدد سيكون علينا أن نعرف أن حقيقة النضال وبعض المناضلين في وطن مزيف وان نميز بين من يناضل لأن له مآرب من ذات غواية يعقوب وبين من يلعب دور "يعقوب" عليه السلام شخصيا...
سنتكلم،إذا، عن "المخزن" و"الاستبداد" و"الديمقراطية" و"العلمانية"، وأشياء أخرى توجبها ظروف المقال والمقام...