سبينوزا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1432
الموقع : العقل ولاشئ غير العقل تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..
من اقوالي تاريخ التسجيل : 18/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5
| | الجدل بين افلاطون والامام مالك | |
الجدل بين افلاطون والامام مالك
الجدل بين افلاطون والامام مالك رغم أن افلاطون ليس هو من دشّن الطريقة الجدلية في الفلسفة, والمعروف بالديالكتك...الا أنه أكبر فيلسوف جدلي, ولهذا اختار - لعرض فلسفته - طريقة الحوار, حيث الكتاب كله عبارة عن كلام وأخذ وردّ بين مجموعة من الفلاسفة - أو المهتمين - الإغريق...أي عبارة عن جدل. وعادة ما يمثل أفلاطون في هذه المحاورات أستاذه سقراط, فهو الشخصية المركزية في الحوار. ويعجب القارئ فعلاً من جدل افلاطون ومن قدرته الهائلة على المناقشة, فهو بذلك ممتع بعكس تلميذه أرسطو...ذو الأسلوب الجاف. وعادة ما يقدم أفلاطون الإشكال في بداية الحوار, ويعرض للحلول المتوفرة على لسان بعض الحاضرين...ثم يبدأ سقراط فيبدأ بمساءلة صاحب الرأي, فيكشف له شيئاً فشيئاً عن أخطاءه وتناقضاته..فاذا تم ذلك وأذعن المخالف, بسط سقراط "الصواب" وأحتج له بمنطق ظاهري و قوي. لكن محاورات أفلاطون تكشف -ربما من حيث لم يقصد صاحبها - عن ضعف العقل الانساني وتردده, لانها وان كانت تنتهي - في الأكثر - بترجيح رأي ما الاّ أن القارئ لا يطمئن الى هذا الترجيح بشكل تام, فقد علّمه هذا الجدل أنه لرجل أقوى من سقراط أن ينقض هذا الرأي الأخير الذي قرره ودافع عنه, قيثبت رأياً أخر. بل أن افلاطون نفسه ترك بعض حواراته معلقة بدون حل, ولم ينتهي فيها الى نتيجة. ولذلك تعجبني قراءة الحوارات الأفلاطونية, حيث أتفرج من خلالها على تناطح العقل مع نفسه. اذ يمكن لرجل أجدل من سقراط أن يقنعنا بموقف أخر, ثم يأتي رجل ثاني فيثبت لنا رأياً أخر, ثم ثالث...وهكذا دواليك. وهذا ما فهمه الإمام مالك وعبّر عنه بعبارة جميلة وبليغة. فقد قال له رجل -على مذهب المرجئة - : يا أبا عبدالله اسمع مني شيئاً أُعلمك به وأحاجُك, وأخبرك برأيي, فإني ما أريد الاّ الحق, فإن كان صواباً فإعترف به, والا بيّن لي رأيك. فقال له الامام مالك: فإن غلبتني؟ فقال الرجل: اتبعني. قال مالك: فإن غلبتك؟ قال أتبعك. ثم قال مالك: فإن جاء رجل فكلمناه فغلبنا؟ قال نتبعه. وهنا قال مالك; أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل على محمد لجدله. وقال أيضاً: أرأيت ان جاء من هو أجدل منه, أيدع دينه كل يوم لدين جديد؟ إن العقل البشري يقف - في قضايا لا تحصى كثرة - موقف الحائر أو المتردد, فلا يكون وحده قادر على معرفة الحق فيها. وهنا لا يُسعفه منطقه ولا جدله, لإن دائرة الممكنات والحتمالات - في مثل هذه القضايا - واسعة جداً. وإنما يتبع الناس رأياً معيناً فيها, لا للقطع بصوابه, بل لان مستوى الجدل وقدرته لا يسمحان بقول أخر, فإن جاء رأي أخر وأحتمى بجدل أقوى وسفسطة أظهر...ترك القول الأول...وهكذا. وسبب هذا الوضع أن عالم الانسان ليس عالم الرياضيات, وليس لأسئلة مثل: ما هي صفات الخالق, وماذا بعد الموت, وما الفضيلة, وما هي غاية الوجود...أجوبة حسابية وهندسية. لهذا حين يقصي الانسان الوحي من حياته ومصادر معرفته...لا يتوفر له جواب واضح لكل إشكال, فيضطر إلى استعمال الفكر والتأمل والقياس...أي تتحول القضايا الوجودية الكبرى للانسان الى مسرح للجدل, وإلى مباراة بين المتجادلين, لعل بعضهم أجدل من بعض...لكنهم جميعاً أهل جدل. ... جزء من كتاب "الغيب والعقل دراسة في حدود المعرفة البشرية " للدكتور إلياس بلكا | |
|