تابط شرا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1314
الموقع : صعلوك يكره الاستبداد تاريخ التسجيل : 26/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | .من يصنع غرائز أخرى للتوهم؟ | |
لا أ حد يروم الحديث عن الشاعر سعدي يوسف دون ان يتعاطى مع المكون السياسي في تجربته الثقافية والشعرية ...لان هذه التجربة حملت الكثير من السمات والخصائص العميقة من خلال انكشاف الشاعر على جوانية الواقع السياسي بكل اسئلته وحرائقه وانكساراته وتحولاته الايديولوجية والعقائدية ذات الانزياحات العاتية !! والتي وجدت في فضاءات سعدي يوسف مجالات حيوية للتشكلن في اطر شعرية ذات دلالات صورية وبنائية تفردت بها تجربته وربما اصبحت جزءا من سماتها الجمالية ،، اذ ظل سعدي يوسف رغم كل اشتغاله في منطقة التجديد الشعري ، حاملا لروح ضافية في تلمس ماهو انساني وحلمي وما هو قريب من يوميات الكائن المستلب وا حلامه واغانيه التي لاتنتهي !! ان غنى تجربته في الوجود والوعي وتنامي مكوناتها وقوة شعريتها خارج اطار القراءة التقليدية التي تعاطت مع تجربة الرواد من الشعراء وما تلاهم على اساس محددات نقدية وضعت تجربة الرواد في اطار ( بنية التاريخ) المحتفى به في المواسم الشعرية كجزء من تاريخ التحولات المهمة في شعريتنا العربية .. ولكن تفرد شعرية سعدي يوسف تجاوز رومانسية هذا الاطار ووضعها في متن توليدي يملك حيازته لروح التجدد والقدرة على تنمية ادواته وتلمس مناطق اشتغاله بروح هي اقرب الى تلمس الروح العميقة للشاعر الرائي الذي ينحاز الى جوهر الخلق عبر استشراف ما يهجسه حدسه السري في الكشف والخصب ونزع ماهو يابس وغير حياتي عن جسدانية القصيدة ،، ظلت القصيدة عند سعدي يوسف مفتوحة على اسفار الزمن العراقي وتحولاته ،، ورغم ما يشوبها احيانا من انفعالات ضاغطة ،، الآ ان قوة الخبرة تعيد الى روحها توهجها ، رغم ان سعدي يوسف يعد ما اصحاب الطبيعة الشعرية الصافية .. ان السياسي / الفكري، ليس نافرا عن تجرته الثقافية/ الشعرية ، اذ يمثل احد ابرز مكونات التجربة( السعدوية )ليس في اطارها المباشر/ نص التصريح/ نص الهتاف بقدر ماهو مقاربة الى تلمسات جوانية الواقع وتوهجاته ، حيث قصيدته محتشدة باشارات اليومي والسحري والنفسي ، ولعل ما يميز قصيدة سعدي يوسف رغم مخزوناتها وقوة خبرتها، هو تمثلها وعبر اناقة صياغية الى اغواءات الروح العراقية بكل تمظهراتها في الفكرة والصورة والمعنى عبر اشارات هي اقرب للشهوانية التي تمارس مراودتها وافتراسها للجسد الحسي والايروسي بمهارة الباحث عن اللذة الغائبة دونما فتور،، مثلما تكشف عن نص له حيازة الخطاب / المكاشفة التي يقول عنها الشاعر حسب الشيخ جعفر ( انها تجربة صافية ومنسجمة وذات ابعاد واضحة) .... ولعل قوة الشعرية في هذه التجربة انعكست من خلال مجموعة من التحولات البنائية والاسلوبية التي اغنت تجربته الشعرية وتطورها واستغراقها في الروح السري للشعرية خارج ما علق فيها من ايهامات غنائية رغم احتفاظه بالكثير من نظامها في النبر ،، فضلا عن اتساع تقنية النص المفتوح الذي اعطى لانزياحات سعدي الشعرية( خاصة في تجاربه المتأخرة) مجالات مكشوفة وباهية انعسكت على شكلنة بنية جملته الشعرية، التي اضحت جملة سهلة ممتنعة دافقة بروح الانسان الذي يمسك اصابع حريته ويجسّ بها العالم الخارجي حالما ضاجا متسعا ، وكأن جسده ( فضاء حريته) اصبح جسدا له قوة صناعة و استعادة اللذة والخلق والحدس دونما انشاد او تأويل!! .. ان هذا التحوّل والانقطاع في تجربته الشعرية اسهم في اعادة تأهيل الكثير من (احتقانات) ذاكرته الشعرية باتجاه كتابة الامتلاء التي تخلصت من النظام الرمزي القديم واستعارت لنفسها علامات وانكشافات هي اقرب الى التشبع بالمكان الحسي وليس المكان الجغرافي /القهري كمنفى او احتجاب ، وهذا ما جعل مغامرته الشعرية الجديدة تتجاوز البنية الشعرية (بنية الحنين) وما يستبدّ بها عبر تجليات وضعت النقدي والتصويري والجمالي خارج عوامل التباسات المكان القلق والمتعدد والاغترابي... لقد افصح سعدي في هذه التجربة عن فوضى تمرده على المكان القديم، اذ لم يعد قناعه، ولم يعد قاعه ، وحين يستعيده فانه يستحضر الفاجعة فيه !!! ولم يعد يكتب عن صدى هذا المكان قدر ما يكتب عن صداه الشخصي عبر خفته في الامكنة الحادثة ، ولعلي اجد ان استفحال انسنته للميتا مكان !!قد جعلته ايضا يتنافذ بحسيته عبر تقمص دور الحي الفحل في استحضار رمزية الجسد الذي لا تحتجب عن سطوحه الرؤى .. ان هذا التحول في التجربة( السعدوية) يبدو وكأنه تعويض سايكوباثي لاختلال الفحولة الفكرية فيها والذي يعد سعدي يوسف من اكثر الشعراء العراقيين والعرب الذين اسهموا في تأسيس ملامحها وقوتها بكل تاريخها كرؤيا وانشاد ، وان لغته الضاغطة في هذا الفضاء الشعري تضج بين ايدينا جموحا وتطهيرا كلما استعدنا اغاني الاخضربن يوسف !!! فماذا بقي من الشاعر القديم ؟ وماذا بقي من اغانيه ؟ احسب ازاء هذه الاسئلة ، ان الشاعر لم يزيف تاريخ الكائن لديه ، ولم يبدد وجوهه القديمة، بقدر ما ان وقوة تحولاته الطاعنة في المكان / الموت وانزياحاته وانكساراته فضلا عن انكسارات الشاعر الشخصية واحزانه وخساراته ، قد وضعته بكامل تاريخه امام استغراقات و ايهامات حادة يجد الشاعر مقابلا تعويضيا لها الاّ عبر لذة الاشتغال التي تجاوز بها منطقة الجملة الشعرية المتداولة في حداثة الرواد وما بعدهم، والاستغراق في كونية الجسد الايروسي بعيدا عن الجسد المسكون بفجائعية المكان الملتاث والغارق بارتدادات لم يعد يطيقها وسط انهيار كوني اجترح له اسطورة الجسد/ اللون / الطبيعة غير المبتورة ، مقابل اعادة توزيع الكثير من التوظيفات الاستعارية في سياق يتجاوز وظيفة الجسد الاضحية الى الجسد الخالق !! والسيولة النافذة الى سحرية المكان القديم بعيدا عن مدارات رعبه، وسعيا باتجاه انبجاس لأمكنة يستعيد بها تاريخه الشخصي، ،وليس تاريخ الاضحية الملتبس بالتاريخ والوهج القديم للذاكرة وتمثلاتها في صور ( الحزب ـ المناضل ـ الجمهور ـالعمال ـالفلاحين ـ السجن ، جدارية فائق حسن وحماماتها) ..... ان خصوصية التحوّل في تجربة سعدي يوسف الجديدة لايمكن مقاربتها نقديا دون التعاطي مع المتغيرات التي وضعت الشعرية ازاء الواقع المشروخ بتصدعاته وازاء الحرية وتلاوينها في اعادة صياغة الكثير من مفاهيم المكان والوعي والجسد والعلاقة داخل المكان ذاته ،، ولعل هذه الثنائية بتحولاتها المرعبة وضعت الشاعر امام انزياحات اسهمت في ( نتف) الكثير من القشور اليابسة في الجسد النصي مثلما وضعته امام تشكلات جديدة في التجربة شحبت في متنها التعبيري صور و عوالم كانت تمور بالتحولات والصراعات ومحمولات الوعي الرومانسي / الغنائي وتأثرات الخطاب السياسي الثوري ، ازاء هواجس مغايرة تماما في العالم الجديد الذي يمور بتناقضات وتغايرات غير مألوفة وربما صادمة ،، والتي القت بالذات الشعرية الى مغنطة عالم جديد فقد الكثير من خطابه التعليمي والرومانسي لصالح فضاءات لها لذة نافرة ومؤذية في الكشف عن الجمالي القبيح وقوة الفكر المكتمل بالفجيعة وسعة غير مسيطر عليه في افاق المغامرة الشعرية، والتي وضعت الجسد الشعري امام مأزق البحث عن تعويضات مريبة اختلط فيها السياسي بالكوني ، والجرمي بالاباحي ، الانتهاك بالكشف ، وكل هذه الثنائيات المرعبة افقدت الانسان توازنه والقته وحيدا امام ذاته المستلبة ، يحاول ان يشرعن وجودها ووولادتها ومعناها وسط حكاية العالم المسكون بالرعب ،والعالم المسكون بالاضحيات . .وسط هذا العالم حاول سعدي يوسف ان يستعيد (اناه) من اصولها القديمة ،، لكنه اصطدم بجيالوجيا السياسي ومؤونتها القديمة والتي جعلته يفقد طقسه التأملي الى طقس اكثر افتراسا لم يجد في البنية السياسية المشوشة والحاضرة( التي اجترحها ايهاما) بنية تعويضية ينحو اليها ، باتجاه مقاربات شعرية وانسانية واشراقية في اطار علاقة لم يتخلص بعد من الكثير من اغواءاتها والتي يتبادل فيها ( ا لمعادل الموضوعي ) رومانسية الانتماء مع ايقاعه الذي بدا ساخرا وساخطا ، وكأنه يحتج على غياب المكان (في اطار علاقاته) والذي يكرهه اصلا ، اذ افضى الى اصطناع بنية وجدانية لم تتناغم مع حركة الواقع المتغير بازاحاته واقصاءاته الطبيعية والفكرية،، وهذا ما جعل نصوصه الشعرية الجديدة والقصيرة في اغلبها تتمثل نزعته تلك ايضا رغم حيوية هذه النصوص !! وهو بهذا تلبس ظاهرة هي اشبه بالعصاب الذي افقده الرؤيا الواضحة واثار فيه كوامن دفينة ينكص اليه المتخيل الشعري اضطرارا ، ويصطنع لها ايضا مجسات اكثر افتراسا وقسوة وايلاما في تلمس ما تحت الجلد الواقعي / الثيمي/ السياسي/ الايديولوجي من حاضنات تنحني على الوعي المتأنسن في علاقاته وتكوين اشكاله الشعرية ومقارباته لما هو واقعي وايحائي ابصر فوجه الفاقة العظمى كوجه الميتين اعمى يمص الدود وازهري مبحوح الانين
ان اية دراسة بحثية لهذه التجربة المغايرة ، لا تخضع لمقاييس ما انجزه سعدي يوسف عبر تاريخه الشعري ، وفاعلية الثقافي / السياسي في هذه التجربة ، وانما ترتبط بمجموعة من المطعيات غير المشبعة ، والتي ادت الى حدوث انكسارات عميقة في الذات العصابية وليس الذات الشعرية،،تمظهرت عبر مجموعة من المواقف الايهامية التي لاعلاقة لها بمشروع سعدي يوسف الحداثي التجديدي ،،الذي تتمثله رؤى انسانية سامية طالما تحولت الى اغان ومواويل تشج ذاكرة الحزن العراقي !! مثلما نلمس من خلالها تجليات السياسي فيها ليس كخطاب وقائعي وانما كفضاء تتحقق فيه حدوس الشاعر بعالم يتغير ، وافكار تعيد تأ ثيث العالم بضرورات اكثر جمالا وبهاء واكثر وضوحا ،،و المندمجة بهاجسه الشعري المكشو ف على الحلم والتبشير برؤيا مشبوبة بطقوس الخصب والحياة ، امتزج فيها الغناء كنداء لهذه الحياة بالاحساس الحلولي في الزمن والمكان ، وهذه الصفة ليست استعارة صوفية بقدر ماهي تعبير عن اشتباك الشاعر الروحي مع هذه الاحساسات رغم مراراتها وقسوة المنافي التي التي جعلته اكثر شعراء الحنين في شعريتنا العربية ... ان هذه المكونات المسكونة بالتاريخ والحلم هي ما يجعل ( الهاجس السياسي ) جزء فاعلا من سايكولوجيا الشعرية اللازمة في تلمس عوالمه وامكنته وتفاصيل حياته الضاجة بالاسئلة والمراثي والسخرية المرة !!!! والتي ينبغي ان تجعل سعدي يوسف شاعرا ، يصنع ارواحا طائرة للامكنة المأخوذة بالخراب والموت ، وان يعيد صياغة الكثير من الاسئلة التي عادة ما يتركها الزمن بعد سنوات من ( الشيخوخة ) المباحة للحروب والمرارات والهزائم بدءا من يوميات الهور الى يوميات خنادق بيروت الدامية وصولا الى كل حرائق المكان العراقي،، اذ تنحو اشتعالات الذاكرة تلك ،الى تلمس الانشغالات والهموم الوطنية والطبقية والاجتماعية بمنظار يضخم المرئيات التي هي بالضرورة نتاج لمهيمن خارجي ضاغط له مسميا ت عدة ( القهر الطبقي ـ الحرمان ـ السلطة القامعة ـ الغربة ـ التباسات الواقع والتاريخ وغيرها ).. لان التكوين الحسي للشاعر في بيئته الزراعية الريفية المائية جعلته اكثر تحسسا لهذا المسميات واكثر تداولا لموحياتها الواقعة تحت ضغط الواقع القاسي والذي يقاسمه يومياته ويلقي على عوالمه البكر ثقله الحزين ،، وهو ما ظل يعيش لصق تجربته الشعرية طوال مسيرتها ،، اذ نلمس هذا الحزن الخفي او ما ا سمته الناقدة فاطمة المحسن في كتابها ( سعدي يوسف النبرة الخافتة في الشعر العربي الحديث ) الصادر عن دار المدى سنة 2000 ( صوت سعدي يوسف ذو نبرة خافتة ، يجمع بين تراث تمثل روح العاطفة المحلية التي اججت عنفوانها قصائد السياب ، وبين امتصاص هذه العاطفة في نكوص الى الداخل ينزع عنها ثقل رنينها العالي )ص 5 ان هذه ( النبرة ) او الصوت ذات الحزن الخفي تمثل المجس الطفولي او الشهادة المبكرة على عالم اغترابه وقلقه واحزانه والذي تلمس من خلاله ما يمكن ان يفتحه الشعر من آفاق او يؤسسه من مكوثات تحف به وهو يذهب بعيدا في المغامرة والتجريب والاصطدام بالعالم الكبير !!! ان تحولات الشعري في تجربة سعدي يوسف لم تنعكس على هواجسه السياسية ، اذ اضحت الروح الشفيفة التي تتكشف بعريها امام العالم ، وبتفاصيلها الحسية التي تضخ اليومي بتوهجات، أكثر ايحاء واغواء ، يقابلها نوعا من السوداوية المرة التي يختلط فيها العصابي والحياتي واليومي، حدّ كتابة القذف والشتيمة !! واحسب ان شاعرا بقامة سعدي يوسف ينبغي ان يمارس نوعا من (النبوية ) التي تمنحه قدرة اكثر ايغالا في قراءة تمظهرات الجسد العراقي المحتقن والغرائبي والفاقد لتوازناته ،، فضلا عن انه المثقف الكوني والقارىء الشمولي والباصر لحيوات الجسد السياسي العراقي بكل مرجعياته الجينالوجية والتاريخية والتي عاش اضطراباتها العاصفة طوال سنوات محنته .... ان تجربته الشعرية ليست تأسيسا في فراغ ،، وليس بعيدة عن تشكلات الوعي اليومي ازاء تداعيات السياسي/ الايديولوجي ، اذ هي تمثل انغمارا عميقا في الطين الحري للحياة العراقية ، وتتمثل للكثير من اغواءاته الشعرية والثقافية ولسياسية ، فضلا عن انها تعبير عن عنفوان الوعي ذاته في التعاطي الاشكالي مع تحققات الخارج المتحشد بالاسئلة والصراعات والحروب والمهيمنات ،، وربما تمثل تحسسا تعويضيا ازاء مهيمنات الشكل الاضطهادي في هذا الخارج ،، وهذا يؤكد قدرة الشعري في تجربة سعدي يوسف على ان يكون مفتوحا على احتمالات متعددة ، بدءا من الاحساس بغربة المكان وتفخيم النزعة العاطفية الى توسيع دائرة الوعي بالاشياء وا كتشافه المعقد لعوالمه المتورطة بالجوع الطبقي أورتابةهذا المكان وتكراره وضأله احواله ازاء اتساع شعريته واحالاتها للكشف عن اللامكتشف والى تفخيخ تلك الرتابة بقلق هو جزء من ( نزعته الشكية ) التي تقول عنها فاطمة المحسن ... لقد حفلت ا لتحولات الكبيرة في تجربة الشاعر سعدي يوسف بسما ت متعددة واضطرابات عكست اشكالات وعيه الثقافي ازاء ماهو سياسي ، خاصة وهو المؤدلج الذي يجد في الخطاب العقائدي سقوفا ثانوية تقيه من سطوة المؤثر(البري ) وازاحات الواقعي الموغل في سنوات ثقافة الحرمان ،، ولعل كتابات الاخيرة تمثلت لهذا التحول الاشكالي وتركته يوزع ( وعيه الشكي ) دون اقنعة اوتوريات ، ويتمثل لسطوة الانهيار بانفعال غريب ، يجعل الكثيرون المعنيون بتجربة سعدي يوسف الشعرية امام اسئلة مثيرة ،، فهل كان الشاعر ميالا الى نزوع نكوصي في وعيه الطفلي ليكون أمام استرجاع ايهامات تكوين البيئة الريفية دونما مقاومة ضديه في وعيه العقائدي ؟ وهل كان الشاعر من مؤسسي نص الانقلاب على الذات العربية المأزومة بالتابو والسلطة ؟ وهل استنفذ المنفى من الشاعر اشتباكه القديم بالامكنة واحاله الى نوع من الايهام المكاني ؟ وهل تحول الهم السياسي الى شواغل في المناطق الجافة بعيدا عن ( السماء الاولى ) وبالتالي ضياع المنهج لصالح عواء الروح وانصاتها البعيد ؟ اجد ان هذه الاسئلة تظل مثارا ساخنا لاكثر من قضية شعرية و ثقافية عامة وتحمل معها تداعيات خروج الشاعر من المعرفة والخبرة الى المزاج والطبيعة،، ومن الحاضر الى الماضي ليس محاولة لاعادة صياغة هذه الاسئلة بسياق الزمن وانما استغوارا ايهاميا في التعاطي مع ثيمة نقلية نكوصية اسقطت الشعري في فخ الوظيفة القصدية ! ! لان سعدي يوسف ظاهرة شعرية وثقافية ، وهو ويجعله مسكونا بمركب التعالي وتخطي المكان القصدي الى مكان افتراضي لم يزل غائما وله الكثير من التداعيات المرة والفجائعية بدءا من الظاهرة الاحتلالية وصولا الى انهيار ايقونة المكان ،، والتي تفترض ايضا لشاعر الخبرة فضاءات الحلول التي تؤشر احتمالات الوعي المتعددة ،، وتؤشر القدرة على تجاوز المرحلة النكوصية بكل تعقيداتها الى اصطناع نوع من التوصلات التي من شأنها ان تفجر اسئلة اكثر اثارة ازاء ما هو مؤسس بالايهام وتشكلات ما بعد المحنة ... ومن هنا فان اعادة قراءة تجربة سعدي يوسف والبحث عن ( الخيط النيسمي) الذي يربط تشكلات وعيه النافذة بمحفات الشعري بكل مرجعياتها في تاريخه الشعري،، ،،سيجعلنا أمام ضرورة ايجاد معادلات لاتمنح نفسها بيسر الى القارىء الذي يعرف سعدي يوسف في اطار سياق انتاجه الشعري وتحولات هذا الانتاج في اطره التجريبية والايديولوجية والغنائية ،، أي ان هذا القارىء سيقف مصدوما امام (افتراسات) سعدي للمكان والاخرين وهو الذي يعرف على طريقة جيمس جويس ادق التفاصيل في جغرافيا الروح والكائن والمكان للوجع العراقي وتاريخه ، ليس من اجل ايضاح التباس القصد بقدر ما هو البحث تبرير هذا( النص الاختلافي) غير المحكوم بمعطيات ما تنتجه الفكرة / خطاب العقيدة التي نعرفها جيدا عند سعدي ، وسنكون ازاء هذا كمن يبحث عن ايجاد بنية سايكولوجية غائرة كما يقول علماء النفس لم تكتمل بها دورة الوعي الشرطي وغرائز الاكتمال الحسي لنكون امام ازمة نصه الجديد !!الذي يعيد فيه انتاج نكوصات تأخذ من مرويات البيئة المائية سمة الركود والبلادة ،، فمفردة ( جواميس الارض) التي حملها الشاعر كبنية للشتيمة والتعويض الاستلابي ،، يمكن احالتها الى مرجعيةالوعي السياسي الاشكالي الذي يفقد الشعري فيه توهمه اللذيذ ويربطه بالمنتج النكوصي كاشارة الى ان هذا الوعي كان شرطيا بمؤثرات البيئة والصداقة والمرحلة والنمط الاجتماعي ،، لكنه ظل يحمل غرائزه غير المشبعة في اللغة وفي مكونها الاكثر حسية الشعر ،، وربما دخلت في بعض المتبنيات الفكرية !!! وهذا يحيلنا ايضا الى اشكالية اخطر وهي اشكالية مكون المثقف العربي ذاته ازاء وعيه وحريته وضرورته ، ودوره في اعادة انتاج التاريخ ،، لقناعتنا بان التاريخ هو ما مكتوب وما يقابله من انصات .. علما ان هذا المثقف العربي وطوال اكثر من عشرين عاما ظل يتفرج على الحزن العراقي وهو يرحل في زمانات الحروب واقصاءات الجسد ؛ ولم تصنع منافي الشعراء والمثقفين العراقيين والعرب نسقا واضح الملامح لمقاومة ثقافية او نسقا يعيد انتاج الحياة والثقافة بوصفها مكونا حياتيا ،، ولعل ما انتجه هذا المنفى من ( خلاصات) ذاتية اتاحت مجالا واسعا لاعادة قراءة الحرية بوصفها جسدا ونصا وتأملا ،، وهذه المنطقة الاشتغالية التعويضية جرت معها اوهاما كبيرة انعكست في السلوك الثقافي والنقدي والذي لم يكن دقيقا في الكثير من قراءاته للمشهد الثقافي العراقي في الداخل ، وربما احاطته الكثير من الاوهام والاشاعات ، وهو ما كنا نتحدث عنه مع اغلب اصدقائنا الشعراء قبل حدوث ظاهرة المنافي !! اذ ان نص الاشاعة كان يمثل مشكلة خطيرة في التعاطي مع الكثير من التاسيسات النقدية الابداعية .. لقد نزع هذا الحديث( ثوب الامبراطور) عن المثقف العقائدي ومارس مع عريه قراءة تلمس مفاتن جسده الترابي وتكشف عن اخطائه الجحيمية ازاء الاخرين ،، فنزوع اودنيس الى العقائد البائدة هو ذاته نزوع سعدي يوسف الى غريزة التوهم في المكان وتحويل الشتيمة الى نص تعويضي لا مقابل حسي له سوى النزعة النكوصية المفتوحة على الماضي .. ان تجربة الشاعر السياسية والثقافية وما حملته من مكونات ارهصت بالكثير من الرومانسية التي تشكل الطبيعة كذات كونية ،، تحتمل التاويل والتبادل والفيض الاسطوري ،، رغم ان الشاعر كان يستخدم اسطورته المحلية ويمنحها ترميزات عا لية تجعله قريبا من الانطولوجيا العراقية ،، الاّ ان تحوّل المنفى الى عقدة وجودية ودامية افقدته الروح المطمئنة وخاصية التبادل المكاني وعرضته الى سلسلة من الخسارات ، اولها العمر المنزوع عن قشرته المكانية وآ خرها فقدان الابن الوحيد في المنافي البعيدة ،،وربما آخرها جملته الشعرية ذاتها ، والتي احالته الى السرد الافتراضي ... ان هذا المكون هو قرين بدالة القهر الذي مارسته السلطة على الشاعر ومحاولة ازاحته من المكان/ الحياة/ الوطن / الوظيفة ،،وازاحته من الوعي العقائدي / الانتماء .. اذ أن السلطة الاضطهادية تعاني من عقدة المكان وعقدة العقائد وهي لاتملك نصا واضحا في هذا الوعي فضلا عن ان تداعيات الاحتلال الامريكي للعراق كانت نتيجة لمكون الاخطاء هذا ،،وما جرته من انهيار غرائبي في المكان والتحقق الاجتماعي والسياسي .. ان شاعرا كبيرا مثل سعدي يوسف لايحتاج الى مجسات احتياط لتلمس مكونات المشهد وتحولاته الصراعية وطبيعة القوى التي تفاعلت فيه والاسباب التي الى ذلك ،، فهو الحريف العقائدي التاملي الباحث في تفاصيل الطين الحري والتي تجعله قريبا من لعبة السحر والساحر ومن مشهد الاشياء وهي تمارس لذة الاحتراق للمدن ،، فضلا عن اللذة المضادة التي يمارس لعبتها الحالمون في اعادة (_ السماء الاولى ) بكل بهجتها ونجومها الى رؤوسنا التي ادمنت الانتظار وتبادلت مع الموت انخاب سكرته .. | |
|
الأربعاء يونيو 23, 2010 5:05 pm من طرف سميح القاسم