فاينانشال تايمزبعد تراخي المحور الفرنسي - الألماني
هولاند يمسك بمفتاح خطة ميركل لليورو
ما أصعبها من علاقة بين ميركل وهولاند.
فيليب ستيفنز من لندن
هذان موقفان متصلان: لقد نفدت الطاقة من المحرك الفرنسي-الألماني قبل فترة، لكن حين ننظر إلى الأمر من برلين، لن يحدث الكثير، ما لم ينظر البَلَدان في الاتجاه نفسه.
تريد برلين تعميق العلاقات الأخرى. قبل بضع سنوات، ظنت أنجيلا ميركل أنه يمكن اجتذاب بريطانيا للدخول في ''ثلاثية'' أوروبية صلبة. تخلّت المستشارة الألمانية عن الفكرة، حين قررت الحكومة البريطانية إبعاد نفسها عن شؤون الاتحاد الأوروبي. لقد حلّت بولندا محل بريطانيا في الدبلوماسية الألمانية، لكن الشراكة مع باريس تظل شرطاً لا غنى عنه، وإن لم يكن كافياً، للتقدم.
لم تكن أوروبا واليورو تلوحان في الأفق في مفاوضات ما بعد الانتخابات بين الديمقراطيين المسيحيين برئاسة ميركل وبين الديمقراطيين الاجتماعيين من يسار الوسط. أحيل مستقبل العملة الموحدة إلى لجنة فرعية من بين عشر مجموعات أو نحو ذلك، تبحث في أحكام التحالف الكبير. هذا لا يعني ضمناً أن اليورو دُفِع إلى الهامش؛ وإنما يعني أن الجدالات الكبيرة بين الحزبين، تقع في مجال آخر.
حسب فهمي للأمور، دفع مكتب المستشارة أربعة مسارات محتملة لمنطقة اليورو إلى مفاوضات الائتلاف. جميعها تفترض أن الاتحاد الأوروبي هو عمود أساسي للرفاهية والأمن في ألمانيا، وأن الاتحاد لن ينجو من انهيار اليورو؛ وأن كل ذلك يتوقف على وجود علاقات ناجحة بين ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.
يمكن أن نصف أول الخيارات بأنه: ''السير كيفما اتفق حتى نجتاز الأزمة''.
مساعي منطقة اليورو لتحقيق الاتحاد المصرفي والإشراف الاقتصادي المتبادل، ستظل ضمن الإطار القانوني القائم. تقول الحُجة إن معاهدات الاتحاد الأوروبي أثبتت أنها مرنة بصورة تثير الإعجاب، في السماح بتكامل أعمق في منطقة اليورو.
الخيار الثاني يقع عند الطرف الآخر للطيف، وهو يردد أصداء آراء وزير المالية فولفجانج شويبله، حيث يطالب بمجموعة شاملة من الإجراءات، عبر تغيير المعاهدات، من أجل تأمين مستقبل اليورو، ولإنهاء العمل غير المكتمل جراء تعطيل فرنسا دعوات ألمانيا لاتحاد سياسي، عند التصويت على معاهدة ماستريخت.
يقرّ الخيار الثالث بأن الاتحاد المصرفي، واقتسام مسؤولية الديون بصورة ضمنية أو صريحة، واقتسام المسؤولية بخصوص سياسات المالية العامة للبلدان، يحتاج بالتأكيد إلى تغيير المعاهدات، لكنه يفضل استخدام البندقية العادية بدلاً من بندقية الضغط القوية. ستطرح تعديلات المعاهدات بصورة ضيقة، من أجل الحؤول دون الحاجة إلى استفتاءات عامة في البلدان. ولدينا سابقة في آلية الاستقرار الأوروبي.
أخيراً، هناك الخيار أسميه: ''إذا تصرفت بريطانيا بطريقة غبية''. لو أرادت بريطانيا أن تحول دون إجراء التغييرات، فإن منطقة اليورو ستتخذ ترتيبات جديدة خارج المعاهدات. هذا ما حدث، عندما حاول ديفيد كاميرون وفشل في القضاء على حلف جديد في المالية العامة. نرجو أن يكون رئيس الوزراء البريطاني قد تعلّم درساً من هذا الخطأ.
يفترض الحذر البراجماتي لدى ميركل صحة المسار الثالث، ليكون خيارها المفضل. عند اتّباع نهج صاخب شامل فإن هذا سيكون استعراضاً مقنعاً للثقة في مستقبل اليورو، لكن من الممكن أن يتعرض للفشل في بلد أو بلدين في حال الاستفتاء عليه – حتى مع افتراض استعداد هولاند، من جانبه، للدخول في مخاطرة من هذه القبيل.
بصرف النظر عن الخيار، تعتقد برلين أن المستقبل طويل الأمد لليورو، يتوقّف على فرنسا. وكما سمعتُ كثيراً في مؤتمر استضافته مؤسسة ديتشلي، فإن ميركل وضعت تفاهماً جديداً مع هولاند، على رأس قائمة أولوياتها. تعلم برلين أن الجانبين سيتخذان دائماً وجهة نظر مختلفة، على سبيل المثال، حول المسؤوليات المترتبة على البلدان ذات الفائض وذات العجز ضمن منطقة اليورو، لكنهما بحاجة إلى التوصل إلى أرضية مشتركة. بدلاً من التمتع بالضعف الفرنسي، فإن ميركل تعتبره عقبة أمام التعاون الثنائي.
الأمر الذي يبعث على الجنون هو أن هولاند يعلم ما يجب عمله. الذين يزورون قصر الإليزيه، يجدون أن الرئيس واضح حول الأمور الواجبة بخصوص خلق القدرة التنافسية، وتحويل عبء التعديل في المالية العامة من الضرائب العالية إلى تقليص الإنفاق.
بيد أن المشكلة تكمن في الفجوة بين التحليل والرغبة في اتخاذ الإجراءات. يشعر هولاند بالقلق من أنه لو تحرك بسرعة تفوق الحد، فسيخرج الفرنسيون إلى الشوارع. لكنه حين يتحرك ببطء شديد، فإنه يدفعهم نحو تطرف متمثل في كراهية الأجانب، كما نجده في حزب الجبهة الوطنية بزعامة مارين لو بان.
إن عودة النمو تغذي الاعتقاد بأن أزمة اليورو قد انتهت. شهدت الأسابيع الأخيرة صناديق التحوط الأمريكية، وهي تتدافع لشراء السندات الحكومية التي كانت تعتبر سامة ضمن أضعف الاقتصادات في منطقة اليورو. سيعتبر البعض أن هذا هو علامة سيئة – فكثير من الصناديق نفسها لم تكن قبل فترة طويلة تخسر مبالغ كبيرة من أموال عملائها، بالرهان ضد نجاة العملة الموحدة. لم أفهم قط كيف يُفترَض أن الأذكياء بخصوص السوق، يمكن أن يكونوا بهذا الغباء المكلف حول السياسة.
بهذه المناسبة، ربما تكون صناديق التحوط على حق بخصوص الأمد القصير. هناك عواصف قادمة، وربما منها واحدة أو اثنتان شديدتان، لكن حكومات منطقة اليورو لم تخض عذابات السنوات القليلة الماضية، كي تستسلم الآن. ميركل في المقابل على حق في الأمد الطويل: لن يكون لليورو مستقبل، إلا إذا حققت الدول الأعضاء مع مضي الوقت، معادِلاً تقريبياً للقدرة التنافسية. وهذا هو ما ينبغي أن يبدأ من فرنسا.
السياسة أنقذت الاتحاد النقدي. فأتت صناديق التحوط القوة الخالصة للإرادة السياسية وراء المشروع، لكن ارتفاع المد الشعبوي عبر القارة يهدد بوجود حركيات معاكسة؛ مثل نشوء مزاج عام يلقي باللوم على اليورو في التعديلات المؤلمة، في المجال الاقتصادي والاجتماعي المفروضة على أوروبا بحكم العولمة. في الوقت الحاضر، تعتبر العملة الموحدة في أمان، لذا سيكون من الخطأ أن نقول إن اللعبة قد انتهت. ليس بعد.