كتاب التعذيب والتهرب من المسؤولية 2- التعذيب يحطم الجلاد
غطينا في الجزء الأول من المقالة (1) نماذج من المعلومات الثرية الموثقة التي احتواها كتاب الدكتور كرستوفر بايل المعنون "التعذيب – التهرب من المسؤولية"، والخاصة بأعمال التعذيب الوحشية التي ارتكبتها قوات الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب وفي احتلال العراق. وفي هذا الجزء نركز على الجانب التحليلي القانوني العام والمراوغات التي يسوقها مبرروا التعذيب، وكذلك الآثار الخطيرة للتعذيب، ليس على ضحيته فقط، وإنما على الجلاد ايضاً (كدولة ومؤسسة وأفراد) .
ومن الواضح لمن يقرأ الكتاب أن إدارة بوش أدركت مسبقاً أن عدوها الأساسي هو الشعب الأمريكي نفسه وخاصة يسارييه وأنظمته وقوانينه ودستوره. إن مؤلف الكتاب لا يذكر ذلك نصاً، لكن تلميحاته اقتربت من ذلك كثيراً. فنرى الإدارة تقوم بتحطيم أخلاقيات وعرف المجتمع الأميركي ومؤسساته القانونية والتشريعية، وتأسيس الخنوع لدى الشعب وزيادة تسلط السلطة التنفيذية عليه. ولم تكن تلك مهمة سهلة ابداً ولا خالية من الصراع والمخاطر، كما سنرى. فلقد احتاج ذلك من اعضاء تلك الإدارة نشاطاً مخططاً منقطع النظير لبث الرعب وإدامته في المجتمع الأمريكي، وتحقيق التقدم خطوة خطوة في تحطيم النظام التشريعي القديم، بدون إثارة ردود فعل قد تهدد مشروع هذه الإدارة. ورغم أن مثل تلك المشاريع لها سوابق قبل ولاية جورج بوش، إلا ان إنجاز هذه الإدارة كان متميزاً في هذا المجال.
يقول مؤلف الكتاب الدكتور بايل: "بغض النظر عمن يرتكبه، يقوم الإرهاب على فكرة بسيطة: "إمّا نحن أو هُم"! و"هم" بالضرورة أدنى أخلاقية منّا "نحن" رغم كل ما نفعله بهم. وهذا الرأي المانوي (نسبة الى ماني الفارسي الذي دعا الى الإيمان بعقيدة ثنائية قوامها الصراع بين النور والظلمة-المترجم) الذي كان سائدا في ادارة بوش سمح لنا أن نفترض بأن "قدرنا" هو أن نقهرهم وأن نجعل العالم آمنا لنا على حسابهم". ويرى أن ادارة بوش، أعادت الى الأذهان قوانين حروب إبادة الهنود الحمر والتي رافقت توسع المستعمرات الأوربية وتمددها غربا في أمريكا الشمالية. كما أن نفس الأسلوب قد استـُعمل لإيقاد الخوف من ثورات العبيد، وقاد في العقد الذي أعقب الحرب الأهلية الى عمليات إرهابية راح ضحيتها أكثر من ألفين من الزنوج الذين اُعدموا شنقا دون محاكمة قانونية.
الإفتراض الأساسي لإدارة بوش ودفاعها عن التعذيب هو أن الإرهابيين اليوم لا يشبهون أي شيء كانت الولايات المتحدة قد واجهته في تاريخها. لكن هذا الإفتراض ليس صحيحا. فلمدة قرنين ونصف كانت جبهات المستوطنات الأنگليزية الأولى وما تلاها من الولايات التي تكونت حديثا عرضة للأعمال الإرهابية من كل جانب.
والإفتراض الآخر المشكوك فيه هو الإدعاء بأن "هم" لا يتقبلون قيمنا. وعليه فليس بيننا وبينهم عامل مشترك سوى العداء المتبادل الذي يجب أن ينتهي بهزيمتهم. ويرتبط بمثل هذا الإفتراض وجهة نظر تقول انه لا يمكن لنا "نحن" أن نرتكب خطأ، وان "هم" لا ينوون فعل الخير إطلاقا. وعليه فإذا عذبوا واحدا منـّا فلأنهم فاسدون أخلاقيا، ولكن إذا قمنا نحن بتعذيب أحدهم فلنا مبرراتنا! لأننا لا يمكن أن نرتكب خطأ. فالأخلاقية بالنسبة لجورج بوش أو أسامة بن لادن ببساطة تعرف الإرهابي على انه من يمارس الإرهاب ضد جماعته، وجماعته فقط.
وينطبق تحليل الكاتب هنا مع مقولة جومسكي الساخرة في تعريف الإرهاب من وجهة نظر الإدارة الأمريكية، بأنه :إن كان ضدنا فهو "إرهاب"، وإن كان ضد اعدائنا فهو "مضاد للإرهاب".
وسنرى أن هذه الفرضيات والتعريفات التي تبدو مضحكة في نفاقها، هي حجر الأساس في كل طروحات حرب بوش على الإرهاب، لذا فمن المفيد التركيز على هذه المفاهيم وتذكرها ونحن نبحر في صفحات الكتاب لتكوين صورة دقيقة لما يجري وخارطة لتلك الغابة المتشابكة من التفاصيل والصراعات.
اعتمدت إدارة بوش لتمرير أجندتها على مبدأ قديم في السياسة: الخوف. لقد نصح السناتور آرثر فاندنبرگ (جمهوري من مشيغان) الرئيس ترومان أنه إذا كان يرغب في بناء القدرة لتنفيذ عمليات سرية فعليه "أن يثير الذعر بين صفوف الأمريكيين." وهذا بالضبط ما فعله ترومان وتبعه بقية الرؤساء بعدما أدركوا أن إرعاب الناس هو الطريقة الفعالة لتوسيع سلطة الرئيس والبيت الأبيض والحكومة.
وبشكل محدد اعتمدت إدارة بوش على ما يسميه الكاتب بـ "سيناريو القنبلة الموقوتة" والذي عبر عنه صحفي محافظ إسمه چارلس كراوثهامر بالشكل التالي:
"لقد وضع أحد الأرهابيين قنبلة ذرية في مكان ما في نيويورك. ستنفجر تلك القنبلة خلال ساعة وسيموت جراء تفجيرها مليون مواطن. يُلقى القبض على الإرهابي الذي يعرف أين وضع القنبلة، لكنه لم ينبس ببنة شفة. السؤال هو: إذا كانت لديك قناعة مهما كانت درجتها بأنه إذا علقت هذا الرجل من إصبعه ستحصل على المعلومات المطلوبة. هل يُسمح لك بذلك؟ وطبعا ليس هناك شكّ في هذا الموضوع. في رأيي، أنه ليس مسموحا تعليق هذا الوغد فقط، إنما هو واجب أخلاقي!"
إن ميزة هذا السيناريو الذي طرحه الكاتب هو أنه يوحي بأن لا وقت لدينا للحلول المعتادة وليس لنا الرخاء اللازم لتطبيق حقوق الإنسان، بل ليس لدينا الوقت للتفكير! وهكذا تمرر التجاوزات على القانون ويمنع المنطق من اكتشاف التناقضات والأكاذيب في الرواية الرسمية. ولعل خير مثال على ذلك هو توني بلير وهو يؤكد أن "قنبلة" صدام الشاملة، قد تنفجر بعد 45 دقيقة!
سيناريو القنبلة الموقوته "لا يرفض قوانين ومعاهدات معينة، بل أنه يرفض فكرة القانون ذاتها." وهو "يطرح موضوع التعذيب كقضية اختيار شخصي لا علاقة له بأية مؤسسة." إنه يطلب منا "أن ننسى بأن لكل سياسة في أية مؤسسة عواقب أخلاقية". كذلك فأن تصوير السيناريو بأن الوحيد الذي سوف يتضرر من التعذيب هو ذلك النفر الإرهابي، ليس سوى مراوغة كبرى. فـ "عندما يتأقلم النظام القضائي للتعذيب، فإن الظاهرة ستنتشر انتشار الوباء." كما قال أحد اختصاصيي القانون.
فالسؤال يجب أن يكون إذن إن كنا مستعدين لتحطيم نظامنا القضائي والأخلاقي والدستوري لدرء ذلك الخطر. فهو يعني قلب مبدأ "أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته" الذي هو في صلب نظامنا القضائي لقرون، وأن نعامل المتهم كمجرم حتى يثبت براءته، والكلام للكاتب.
وقبل الجواب على ذلك السؤال يجب ان نتذكر أيضاً ان من يطرحه يفترض ان "المحققين يعرفون بدرجة بالغة التأكيد بأن هناك قنبلة موقوتة، وأن المعتقل يعرف مكانها، وأنه سيخبرهم بمكان تلك القنبلة إذا كانت عندهم الشجاعة لتعذيبه، وأنه "سيتقيأ" الحقيقة في الوقت المناسب للوصول اليها وانتزاع الفتيل"، وكلها افتراضات غير مبرهنة في الواقع.
السلاح الأساسي لسياسة حرب الإرهاب وفرض التعذيب، هو إدخال المواطن في حالة هستيريا تمنعه من التفكير والتصحيح. فيلاحظ الكاتب "إن أكثر مؤيدي سياسة التعذيب ما زالوا يرفضون حتى الآن الحقيقة القائلة بأن معظم السجناء في أبي غريب وگوانتانامو ما كانوا إرهابيين، بل أناس أبرياء القي القبض عليهم في الشوارع واتهموا زورا من قبل أشخاص كان هدفهم هو الحصول على مكافئات سخية". وهم يهملون ايضاً الحقيقة المعروفة بأن المعلومات المأخوذة عن طريق التعذيب تكون غير موثوقة. يؤكد دان كولمان وكيل مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) أن الأساليب القانونية مثمرة أكثر لمن يريد الحقيقة. لكن "الحقائق" ليست دائماً هدف التعذيب، فكثرما يتحول الهدف إلى الإنتقام أو التسلية أو المتعة السادية التي يصاب بها من يمارس التعذيب بالضرورة. وكذلك الحصول على اعترافات محددة مسبقاً لاستعمالها كمبرر لإشعال الحرب مثلاً، أو تبرر اعتقال المتهم ذاته الذي وقع عليه التعذيب، للتخلص من المساءلة!
إن ميل الحراس الطبيعي لإهانة السجناء وبسط السيطرة عليهم يزداد سوءاً بمرورالوقت ما لم يتم التحكم به، كما أوضحته دراسة مشهورة أجريت عام 1971 وسميت تجربة سجن ستانفورد. حيث قام الأستاذ فيليب زمباردو بإنشاء سجن افتراضي واستخدم عددا من الطلبة ليمثلوا دور سجناء وحراس فيه ليلا ونهارا لمدة اسبوعين. وقد بذل الأستاذ زمباردو وزملاؤه جهدا لاختيار نماذج جيدة لهذه التجربة. لكنه أصيب بالصدمة لسرعة تحول “الحرس” الذين وجدوا انفسهم يستمتعون بالسيطرة التامة على زملائهم "السجناء" والإساءة إليهم، مما اضطره لإيقاف التجربة بعد خمسة ايام فقط! واستنتج الباحثون "إن استخدام القوة يجعل من يمارسها يشعر بالعظمة والزهو على المقابل. وكان ذلك واضحاً حتى في ظرف التجربة الإصطناعي!
وتأكيداً لذلك من التجرية الفعلية يقول لوگرانس:"تعلمت من خلال تجربتي في الموصل وأنا أحاول وسائل عدة مع المعتقلين بأن التعذيب يفقد فاعليته، حتى وإن كان هدفه إثبات الهيبة، ما لم يكن هناك تصعيد أو تهديد بتصعيد التعذيب. وعليه وجدت نفسي بأن أذهب خطوة أبعد وأضغط أكثر وأتسبب في مزيد من الألم للمعتقل. وكل خطوة يبدو ما بعدها طبيعيا وله ما يبرره." ... "لقد تحولنا من طلب المعلومات ذات القيمة الإستخباراتية الى طلب اعترافات" من أجل الإحساس بالهيمنة على السجناء، "وهذا هو التغير المخيف الذي حلّ بنا".
إذن فللتعذيب أثر مدمر على الضحية والجلاد معاً. وفوق ذلك فتبين الإحصاءات التي يوردها الكتاب أنه لم يكن للحرب على الإرهاب (إن كانت التسمية صحيحة) التي اطلقتها أميركا بهذه الطريقة اي أثر إيجابي على خفض الإرهاب، بل العكس. فقد ازدادت نسب ضحاياه باضطراد، ورغم ذلك مازالت أميركا مصرة على أسلوبها، وهو في رأيي دليل آخر على أن استهداف الإرهاب ليس سوى كذبة، وان الإدارات الأمريكية لا تريد محاربته بل الإستفادة منه، وأنها هي من يديره. لقد أساءت هذه الحرب إلى سمعة الولايات المتحدة. ففي إستطلاع للرأي تبين أن 13 من 15 بلداً، تجد شعوبها أميركا دولة لا يمكن الوثوق بتصرفاتها على الساحة الدولية. كذلك تجد العديد من الدول الأوروبية إحراجاً في تسليم المطلوبين إلى الولايات المتحدة بسبب أحتمال تعذيبهم واعدامهم.
ويتساءل المؤلف: "هل يمكن أن تكون منافع التعذيب القصيرة المدى مهما كانت أن تساوي الضرر الذي ألحقته سياسة التعذيب بالمستوى الأخلاقي لنا كشعب واحترامنا لأنفسنا كأشخاص؟"
يستمر الكتاب في شرح تفاصيل الصراع بين المصرين على فرض قوننة التعذيب والمحاكم غير الدستورية من جهة، والمدافعين عن تراث بلادهم الدستوري والأخلاقي من الجهة الأخرى. ويخصص الفصل الثامن من الكتاب لعمليات الضغط على الكونغرس والنجاح الكبير في جعله منقاداً للسلطة التنفيذية. ويكشف كيف أن اعضاء الكونغرس يعتمدون في انتخابهم على الأموال التي تقدمها لهم الشركات، ولا يناقشون اثر قراراتهم من الناحية الإنسانية، أو أثرها على البلاد. وقال أن "الجمهوريين يُدخلون التعديلات على مشاريع القوانين بعد التصويت عليها، وقبل أن تـُرسل الى البيت الأبيض للمصادقة عليها".
ثم يعود الكاتب لمناقشة دور القضاة في ذلك الإنهيار الدستوري للولايات المتحدة في زمن بوش، ويصحح الفكرة القائلة بأن القضاة اكثر أخلاقاً من الآخرين، مذكراً بأنهم "الذين أيدوا سياسة الرّق ووضعوا القوانين "لصيد" العبيد الفارين. وعندما ألغيت سياسة الرّق استمروا بتأييدهم للقوانين التي تفرض التمييز العنصري لما يقارب القرن. وهم الذين وضعوا موضع التنفيذ وأيدوا القوانين التي حدّت من حرية التعبير خلال التظاهرات ضد الحرب العالمية الأولى، والإعتقال الجماعي دون أية أدلة للمواطنين الذين ينحدرون من أصل ياباني خلال الحرب العالمية الثانية".
وينبه بايل إلى مؤامرة طويلة الأمد للجمهوريين بتشكيلهم "جمعية الفدراليين" التي استطاعت أن تفرض اعضاءها على المناصب القضائية المحورية، وكيف تصرف هؤلاء ا لأعضاء بانعدام ضمير تام لسحب أقصى سلطة ممكنة من الكونغرس وتسليمها إلى السلطة التنفيذية، واهمها سلطة إعلان الحرب. فرغم ان جيمس ماديسون، وهو من أهم الآباء المؤسسين للولايات المتحدة وكاتبي دستورها، قد قال "إن اعطاء سلطة إعلان الحرب للرئيس لا يعني ضرب بنية الدستور فقط، ولكن تعطيل مبدأ مراقبة الحكومة بشكل كبير."، فإننا نذكر في أزمة سوريا، إصرار الكثير من الساسة على أوباما أنه يمتلك تلك السلطة من الناحية العملية، وتلك من إنجازات هذه الجمعية. ولا ينسى المؤلف أن يشير إلى المقاومة الباسلة لبعض النواب والمحامين فيشير إلى تبرع أكثر من 1000 محام للدفاع عن المعتقلين مجانا، رغم أنهم كانوا يتعرضون لفقدان وظائفهم أو تشويه سمعتهم.
يجب أن نتذكر إن جزءاً من هذا الإندفاع المحموم نحو قوننة التعذيب وفرض قبول الأدلة المستحصلة من خلاله، كان عبارة عن دفاع عن النفس من قبل إدارة بوش خاصة في فترتها الأخيرة. فيقول بايل أن بوش عندما صرح بأن وكلاء المخابرات المركزية "لا يرغبون في أن يُحاكموا كمجرمي حرب،"، فإنه كان في الواقع يتحدث عن نفسه.!
ويلتفت المؤلف إلى خطورة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي أي) على البلاد ونظامها الديمقراطي ويسميها بـ "الحكومة السرية"، فيقول أن الحكومة السرية – ومجاملة القضاة والسلطة التشريعية لها – قد جعلت الولايات المتحدة في دوامة أزمة حقيقية في تاريخها الدستوري
ويذكرنا بايل بسلسة جرائم السي آي أي في العالم، و خطأ الصورة التي لدى الأمريكان عنها، فيقول:
• ساعدت وكالة المخابرات المركزية على امتداد العديد من السنوات، عددا من الديكتاتوريين أن يصلوا الى الحكم ويتشبثوا به، مثلما حصل في گواتيمالا والفلپين
• في عام 1958 ساندت وكالة المخابرات المركزية حركة إنقلاب ضد سوكارنو في اندونيسيا، أدرك شعب أكبر دولة مسلمة بأن الحكومة الأمريكية حكومة لا يمكن الوثوق بها.....
• غزو كوبا الذي نظمته وكالة المخابرات المركزية عام 1961 كان كارثة متكاملة.
• في عام 1953 قامت وكالة المخابرات المركزية بانقلاب في أيران أطاح بالحكومة الوطنية للدكتور مصدق.... الشاه الذي عادوا به من المنفى وثبتوه في الحكم أصبح دكتاتورا شرسا. ...
• في عام 1963 ساعدت وكالة المخابرات المركزية على وضع حزب البعث في السلطة في العراق، فتحول صدام حسين بمرور الوقت الى دكتاتور رهيب.
• في مطلع الثمانينات زودت الوكالة المجاهدين في أفغانستان بالسلاح، لظهور إبن لادن وطالبان وأصدقائهم من الإرهابيين.
• في عام 1953 ساعدت وكالة المخابرات المركزية انقلابا عسكريا يمينيا في گواتيمالا والذي قاد الى حرب أهلية امتدت لستة وثلاثين عاما. وخلال تلك الفترة كانت فرق الموت تعذب وتغتصب وتذبح عشرات الآلاف من فلاحي المايا. وتعتبر گواتيمالا اليوم من أعنف البلدان في القارة الغربية ويقودها تجار المخدرات.
• خلال فترة السبعينات كانت وكالة المخابرات المركزية ووزير الخارجية الجمهوري هنري كيسنجر يعطيان الإشارات لعمليات الإغتيال والإختطاف والتعذيب وتصفية الآلاف من المعارضين الماركسيين لحكومات چيلي والأرجنتين والبرازيل والپاراگوي والأراگوي.
• في الثمانينات قام الجمهوريون بتمويل فرق الموت في گواتيمالا والسلفادور وهندوراس من خلال عمليات سرية تـُوجت في الحرب التي شنها الكونترا لإسقاط الحكومة الماركسية في نيكاراگوا.
• كما وقفت إدارة ريگن جانبا حين كان صدام حسين يقتل الآلاف من مواطني العراق باستعمال الغازات السامة.
فهل يكون مفاجئا أن يلجأ الإيرانيون والكوريون الشماليون وأيضا السوريون الى تطوير قدراتها النووية لحماية أرضهم؟
وينبه بايل إلى أن "من الخطأ التفكير بأن سياسة التعذيب كانت من عمل إدارة طائشة واحدة يمكن تصحيح مسارها عن طريق الإنتخابات. فالتعذيب هو ذخيرة وكالة المخابرات المركزية التي أجرت الأبحاث عنه وتبنته ومارسته بين فترة وأخرى تحت الإدارتين الجمهورية والديمقراطية منذ أواخر الأربعينات. كما أن المخابرات العسكرية حاولت هي الأخرى تطوير وسائل التعذيب باستخدام الأدوية والعقاقير لمعرفة مدى تأثيراتها على عقول/تصرفات مجموعة من الجنود في فترة حكومة أيزنهاور. أما عمليات الإختطاف فقد مورست في فترات حكم ادارة ريگن وبوش الأب وكلنتون. أما استراق السمع على المكالمات التلفونية غير القانوني والسطو والإختطاف والتعذيب والسجون السرية فهي مبتكرات السنوات الأخيرة. الجديد فيها هو إبطال الرئيس لقوانين الحرب لغرض عمليات الإختطاف والإعتقال غير المحدود وتعذيب المشتبه بهم-الذين غالباً ما يكونون أشخاصا أبرياء- في الحرب على الإرهاب. "
ويعبر المؤلف عن تشاؤمه لإن "غابة توازن القوى والحريات المضمونة التي حمتنا من أية حكومة متسلطة لأكثر من مئتي عام قد قـُطعت. والقليل من الحماية التي تبقت لنا يمكن أن يذهب بحجة الردّ على محاولة إرهابية أخرى." ولا يتفاءل ان أوباما "سيعيد زراعة تلك الغابة."
ويرى المؤلف بأن سياسة إثارة الرعب والكراهية قد أرست جذوراً في المجتمع الأمريكي، ولم يعد اقتلاعها سهلاً: "فالكثير من الأمريكيين ما زالوا يرغبون في الإنتقام، ولا يهمهم سوء معاملة المسلمين الأبرياء. .. وعلى مدى الأربعين سنة الماضية، فإن سياسة الخوف والإحتقار قد أقنعت غالبية الأمريكيين بتفضيل معاملة السجناء بالقسوة، بدلا من اعادة تأهيلهم. وهو السبب الرئيسي الذي يجعل الكثير من أصحاب السوابق يعودون الى ارتكاب جرائم بعد اطلاق سراحهم...إن معاملة السجناء بطريقة انسانية تتطلب نوعا من الشجاعة لا تتوفر لدى من يطالب بالإنتقام."
ويقر بأن مستقبلا عنصريا تمييزياً ينتظر أميركا، خاصة بالنسبة للأجانب والمسلمين، وأنهم "سيخضعون بشكل مُتعمد الى نوع "واطئ" من العدالة."