ملاحظات على هامش “صفقة التبادل” بين تركيا ولبنان
وصول اللبنانيين المخطوفين التسعة إلى بيروت بعد إطلاق سراحهم
بغض النظر عن الإخراج الهوليودي لصفقة تبادل المخطوفين بين لبنان وتركيا، فقد فشلت بشكل ذريع محاولة تصوير البلدين، والمسئولين فيهما، مجرد “سعاة خير” بين الخاطفين، ليظهر من خلال اللمسات الأخيرة للصفقة أن الصفقة تمت بين لبنان وتركيا، أما الباقون فقد كانوا “سعاة خير” بمن فيهم خاطفو اللبنانيين التسعة، التي تقول المعلومات أنهم قبضوا 100 مليون يورو.
في الشكل تمت عملية التبادل بين لواء “عاصفة الشمال” في المعارضة السورية وبين النظام السوري. أما في المضمون فقد أساء الطرفان – اللبناني والتركي – الإخراج بشكل فاضح.
ويمكن إدراج النقاط التالية في خانة “الملاحظات” حول الصفقة التي يصر البعض على توصيفها بأنها “عملية”:
- اختطف اللبنانيون العائدون من إيران برًّا عبر تركيا وسورية لأسباب قد تكون مفهومة، كونهم شيعة قادمين من إيران قد يكون بينهم عناصر من “حزب الله” وهم بالتأكيد في غالبيتهم من مؤيديه، لكن غير المفهوم هو إبقاؤهم محتجزين كل هذه المدة، مما يطرح تساؤلات حول السبب الحقيقي الذي كان يبقيهم في الاحتجاز طوال هذه الفترة.
- ما يزال الدور التركي غير مفهوم في هذا المجال. الخطاب الرسمي التركي كان ينفي بشكل دائم أن يكون للأتراك أية علاقة بعملية الخطف، لكن عند التنفيذ لاحظنا أن اللبنانين التسعة قالوا إنهم أخرجوا إلى تركيا يوم الأربعاء، أي قبل أن تبلغ لبنان نجاح الوساطة، فرئيس جهاز الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم كان في بلجيكا يوم الجمعة، ووصل إلى أسطنبول على عجل في اليوم نفسه، ثم انتقل إلى بيروت فدمشق قبل أن يعود السبت إلى إسطنبول لوضع اللمسات الأخيرة.
- دخل اللبنانيون وفق المعلومات الرسمية إلى تركيا يوم السبت، لكنهم بقوا في مطار إسطنبول بما يشبه الاحتجاز حتى مساء السبت بانتظار إقلاع طائرة تقل المخطوفين التركيين، فتحركت الطائرتان القطريتان في التوقيت نفسه، بما يوحي بشدة أن العملية تبادل بين الدولتين وفي هذا إساءة إلى الطرفين.
- حافظ لبنان على خطاب رسمي مفاده أن خاطفي الطيارين التركيين مجهولين لديه، وأنه ليس على صلة بأي منهم، وإذا ما عرف مكانهم فسوف يحررهم ويسلمهم إلى بلادهم فورًا، مذكرًا بأنه فعل الشيء نفسه في السابق عندما استعاد مواطنين تركيين اختطفا في لبنان بهدف الضغط على أنقرة للعب دور فعال في إعادة اللبنانيين. وذهب لبنان بعيدًا في موقفه إلى حد توقيف عدد من أقارب المخطوفين في أعزاز بتهمة المشاركة في خطف الطيارين التركيين. أما في التطبيق العملي، فقد تجول خاطفو التركيين بحرية شبه مطلقة، وشاهدنا بأم العين الطيارين يخرجان للنزهة مع خاطفيهم يتصيدون طيور الفري في سهل البقاع. ويبقى السؤال الذي لم يجب عليه أحد، وهو: كيف وصل الطياران التركيان إلى ثكنة الجيش اللبناني في أبلح في البقاع اللبناني عصر يوم السبت، ومن سلمهما ولماذا لم يلقَ عليه القبض للتحقيق معه على الأقل؟!. أما العلامة الإضافية فهي أن القضاء اللبناني قد وافق في اليوم التالي لإطلاق الطيارين، على إطلاق الموقوفين على ذمة القضية، وكان شيئًا لم يكن.
- أن تفاصيل المفاوضات التي تسربت لا توحي إلا بأن الطرفين تعاملا مع القضية بشكل “الند للند” لا من موقع المفاوض المحايد، فالتركي الذي رفض الرد على اتصالات الوزراء اللبنانيين، واللواء إبراهيم بعد إطلاق أول مخطوفين، عاد ليبادر هو بالاتصال بعد خطف الطيارين التركيين، فيما يؤكد سياق المفاوضات على تفاصيل أخرى تمسك بها الطرفان، فاللبناني كان يريد الجميع دفعة واحدة، والتركي كان يريد اتصالاً مباشرًا مع الطيارين للتأكد من سلامتهما، وكان للطرفين ما أراداه من دون أي تواصل مباشر مع الخاطفين من الجهتين!
قد يكون مفهومًا حرص الدولتين على مواطنيهما، لكن ما حصل يظهر أن الدولتين كانتا الخاطفين بشكل او بآخر، وهذا من شانه أن يسيء إليهما بشكل كبير، ولا يمكن أن يستقيم أمره في العلاقات الدولية.
-أما الملاحظة الأخيرة، فهي أن الطرفين السوريين في عملية التبادل لم يكونا أصحاب القرار الذي أنهى عمليات الاختطاف في الجانبين، بل لعبا دور “المنفذ” والمسهل لهذه العملية، وهذا يظهر علامات ضعف في القرار قد تكون بدورها مرتبطة بنوعية الصراع الدائر في سورية.