قوة الثقافة في مواجهة ثقافة القوة
أليس ووكر ترفض نشر روايتها (اللون القرمزي)
أوس داود يعقوب
يؤكد المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد في كثير من أطروحاته الفكرية أنه لا يمكن مواجهة (ثقافة القوة إلا بقوة الثقافة)، لذلك لم يكن مفاجئاً لنا موقف الروائية والشاعرة الأمريكية ذات الأصول الإفريقية أليس ووكر (1944)، الحائزة على العديد من الجوائز العالمية، من ردها الرافض لعرض دار النشر العبرية (يديعوت بوكس)، طباعة روايتها (اللون القرمزي)، الحائزة عام 1982 على جائزة (بوليترز) الأمريكية الرفيعة، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي على يد المخرج العالمي (ستيفن سيليزبيرغ)، ذلك الفيلم الذي كشف عن التمييز العنصري المرعب ضد السود، والذي رشح لأكثر من إحدى عشرة جائزة (أوسكار) عام 1985، والذي يعدّ من أعظم الأفلام التي تناولت التمييز العنصري ضد السود، في الولايات المتحدة.
وقد أرسلت الكاتبة الأمريكية خطاباً إلى دار النشر العبرية، عبر صحيفة (يديعوت أحرونوت)، ونشرته في موقع (الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لـ(إسرائيل))، وأكدت ووكر استحالة قبولها نشر روايتها الآن في (إسرائيل)، بسبب سياسة الفصل العنصري التي تتبعها ضد الفلسطينيين، قائلة إن (إسرائيل مذنبة في الأبارتهايد وفي اضطهاد الشعب الفلسطيني).
والكاتبة ووكر الناشطة في نقد الاستثمارات الدولية والمقاطعة والعقوبات (BDS) وفي حملة مقاطعة (إسرائيل)، ليست طارئة على معارضة السياسات العنصرية الصهيونية، وهي من أكثر الشخصيات العالمية المؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية التي عملت من أجلها منذ العام 1967.
وهي فضلاً عن أنها كاتبة فهي ناشطة تعج حياتها ومسيرتها بالمواقف الإنسانية انطلاقاً من اعتقالها عام 2003 مع غيرها من الناشطين لمشاركتها في مسيرة مناهضة للحرب في العراق، مروراً بمساهمتها في تأسيس العديد من المنظمات الإنسانية والنسائية.
وهي إحدى أبرز الناشطات في سبيل فك الحصار عن غزة، إذ كانت ضمن المشاركين في أسطول الحرية الأول (عام 2010) الذي تعرض للهجوم الصهيوني، فكانت شاهدة على وحشية القوات الصهيونية على الأسطول الذي سعى إلى كسر الحصار المستمر منذ سنوات على غزة، وأدانت حرب (الكانونين) على غزة (2008 / 2009)، وزارت القطاع المحاصر بهدف تقديم المساعدات للمنكوبين وإقناع سلطات الاحتلال والسلطات المصرية بفتح معبر رفح.
وكانت ووكر قد كتبت في خطابها: (لا يمكنني أن أسمح بذلك في هذا الوقت للسبب التالي، كما تعلمون في الخريف الماضي في جنوب إفريقيا التأمت محكمة راسل بشأن فلسطين، وحكمت أن (إسرائيل) مذنبة بتطبيق نظام فصل عنصري على الفلسطينيين وباضطهاد الشعب الفلسطيني داخل (إسرائيل) وفي الأراضي المحتلة).
وأشارت إلى أنها بصفتها عضواً في هيئة المحكمة استمعت إلى شهادات مرعبة من فلسطينيين وإسرائيليين، وأنها (وكثير من المثقفين، ومن الناشطين في القضايا الإنسانية، ومنهم كبير أساقفة جنوب إفريقيا (ديزموند توتو) الحائز على جائزة نوبل للسلام سنة 1984، يعرفون أن جرائم الفصل العنصري الإسرائيلية أسوأ بكثير من جرائم النظام العنصري الذي سبق أن هيمن لعدة قرون، على جنوب إفريقيا).
وقالت ووكر إنها لم تسمح للمخرج (سبيلبرغ) بعرض فيلمه المقتبس من روايتها في جنوب إفريقيا حتى زوال نظام الفصل العنصري، عندما أصبح نيلسون منديلا رئيساً.
وما إن نُشرت رسالة ووكر حتى هاجمها الإعلام الصهيوني والغربي الموالي للكيان الصهيوني، متهماً إياها بـ(معاداة السامية) بادعاء أنها (رفضت ترجمة الرواية إلى العبرية) لا أنها رفضت ترجمتها من قبل (دار نشر إسرائيلية) هي جزء من الآلة الإعلامية الصهيونية لدولة الاستعمار الاستيطاني (إسرائيل) المدانة بممارسة الفصل العنصري واضطهاد الشعب الفلسطيني.
ووكر نشأت كأصغر ثمانية إخوة، من أبوين فلاحين فقيرين من أصول إفريقية، بولاية فرجينيا، في ظل الفصل العنصري الأمريكي. كتبت ذات يومٍ في مدونتها الإلكترونية، ما يلي: (أنا أكتب لأني أحب ذلك وأكتب مجاناً، وأضع كل شيء على موقعي الشخصي، وليس عندي مكان حتى لتعليقات القراء، فأنا لست مهتمة بها، أنا فقط أكتب ببساطة وقوع الفاكهة من الشجر، وبسهولة تفتح الوردة، وفي كل الأحوال أنا أمتلك تاريخاً مختلفاً، وأستخدم ما أكتبه للناس الأحرار لأني حرة على قدر ما آخذ من هذه الحياة، وأنا أريد أن أرى الناس يعيشون في حرية، ويحزنني أن أراهم ليسوا كذلك، ومحزن أن أرى أحياناً أنهم هم من يمنعون أنفسهم عن هذه الحرية).
وإكباراً لمواقف ووكر الداعمة للقضية الفلسطينية أصدر الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين في مدينة رام الله المحتلة، بياناً ثمّن فيه (الصرخة المدوية التي أطلقتها الروائية المناضلة أليس ووكر، وأشاد بواحد من أعظم الأمثلة على (المقاومة الصحيحة بوعي صحيح)، وبخاصة في ميدان (سياسات الترجمة)، سواء داخل المركز الاستعماري أو على هوامشه المنكوبة. ذلك أن هذه الصرخة - الموقف، المستندة إلى محكمة راسل حول فلسطين من قلب جنوب إفريقيا بكل ما فيها من حمولات رمزية وقانونية ودروس أخرى في الأخلاقيات العابرة للحدود، تدشِّن درساً عالياً ليس في مناصرة فلسطين والفلسطينيين وحسب، بل وفي تلقين درسٍ قاس للمؤسسة الثقافية والإعلامية الإسرائيلية التي تحاول أن تكون الغرب إذا انتصر، والشرق إذا انتصر، وأن تكون (جلاداً مقدساً) يتاجر بقيم ثقافية ليست منه وليس منها).
موقف اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين، تزامن مع كتابة العشرات من الكتّاب الفلسطينيين والعرب مقالات تمجد وتشكر موقف ووكر، التي تستحق فعلاً أن نوجه لها التحية على هذا الموقف الأخلاقي المتميز، وتستحق كذلك أن يكرس اسمها بين الشخصيات العالمية التي تناصر الحق الفلسطيني، والإنساني. ولا بد أن تبادر المؤسسات الثقافية العربية إلى الاحتفاء بها، وتقديم أعمالها بالعربية، على نحو لائق بها وبمكانتها الأدبية والإنسانية.
الخميس نوفمبر 07, 2013 3:49 pm من طرف بن عبد الله