بنكيران ومزوار.. تحالف مُرتقب يفضح "سريالية" سياسيي المغرب
هسبريس ـ حسن الأشرف (صورة منير امحيمدات)
السبت 13 يوليوز 2013 - 02:30
بعد استقالة وزراء حزب الاستقلال، عدا وزير التربية الوطنية محمد الوفا، بدأ سيناريو التحاق حزب التجمع الوطني للأحرار بحكومة عبد الإله بنكيران يروج بقوة في الكواليس السياسية، رغم أن عرضا رسميا يقدمه بنكيران إلى صلاح الدين مزوار لم يتم تداوله بعد بين الحزبين.
ويرى كثيرون بأن عرض بنكيران دخول الحكومة على مزوار، وقبول هذا الأخير بعرض حزب العدالة والتنمية إذا تم، لن يكون سوى عبثا سياسيا، ومشهدا سُرياليا يُضاف إلى وقائع سابقة كرست "غرابة" السلوك السياسي عند العديد من الذين تصدروا تدبير الشأن العام للبلاد.
ويتذكر المغاربة، ممن يتمتعون بذاكرة ليست بالقصيرة، كيف تبادل الطرفان معا الاتهامات الحادة، منها اتهامات سابقة وجهها بنكيران لمزوار بتلقي تعويضات مالية "غير قانونية" عندما كان وزيرا في حكومة الفاسي، وبأنه "تلاعب في أرقام قانون مالية 2011"، وغيرها من المعارك الجانبية التي نعت فيها بنكيران غريمه مزوار بما لم يقله مالك في الخمر.
ومن جانبه لم يقف مزوار صامتا إزاء هجومات "الإسلاميين"، فقد وصف بنكيران بالعاجز عن تدبير شؤون البلاد كما يجب، وبأنه يبرر "عجزه برمي المسؤولية على الآخرين، كي يتهرب هو وحكومته من مسؤولية سوء تدبير الأزمة الاقتصادية بالمغرب".
هذه الاتهامات بين حزبي "المصباح" و"الحمامة"، التي لم تنته بعد تداعياتها السياسية ولا انمحى المداد الذي كُتبت به في الصحف والمنابر الإعلامية، يبدو أنها لن تقف حجرة عثرة أمام تقارب سياسي محتمل جدا بين الطرفين، ليلتحق مزوار بالائتلاف الحكومي، متقلدا منصب وزير المالية عوض نزار بركة المستقيل، أو منصب رئيس مجلس النواب، كما تقول بعض كواليس هذا الحزب.
الزياني: نسق سياسي تطغى عليه السوريالية والبراغماتية الضيقة
ويعلق الدكتور عثمان الزياني، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة مولاي إسماعيل بالراشيدية، على احتمال انضمام مزوار لحكومة بنكيران، رغم وجود اتهامات وخصومات حادة سابقة، بأن "تحالف حزب الأحرار مع حزب العدالة والتنمية مسألة واردة، وغير مستبعدة في ظل عبثية وسُريالية منطق اشتغال النسق السياسي الحزبي بالمغرب".
وتابع الزياني بأن المشهد السياسي بالبلاد يفتقد إلى العقلانية والحكامة السياسيتين، وهي تجارب معهودة في التاريخ السياسي المغربي، فكم من حزب يبدي نوعا من التمنع والممانعة في التحالف مع بعض الأحزاب في فترة ما قبل الانتخابات، لكن سرعان ما تتغير المواقف والاتجاهات ما بعد الانتخابات بفعل الجري وراء التحصيل في مجال المناصب الوزارية".
ولفت المتحدث إلى أن "سيرورة الأشياء تبدأ بتبادل الاتهامات، ثم تبادل رسائل الود والاحترام، ثم بعد ذلك التحالف من خلال الاتفاق على حجم الحضور الوزاري في الحكومة، بعيدا عن رهانات المرحلة المرتبطة بالصالح العام".
واسترسل بالقول "الأحزاب السياسية المغربية تكون على استعداد دائم للتغاضي عن إيديولوجيتها السياسية الملتبسة عندما يتعلق الأمر بتحصيل المناصب الوزارية، فبالأحرى الحرب الكلامية وتبادل الاتهامات التي يمكن التغافل عنها بكل سهولة ويسر" وفق تعبير الزياني.
وخلص المحلل إلى أن "سيادة البراغماتية السياسية الضيقة لدى الأحزاب تجعلها هشة من حيث مواقفها، وهي تتميز بالفصامية واعتماد سياسة الكيل بمكيالين، حيث لا يمكن ضبط هويتها، وتساهم في إضفاء نوع من التشرذم على الحقل الحزبي بأن تفقده الانتظامية والمعقولية في الاشتغال، مما يؤثر حتى على فعل التحالفات الحزبية، باعتبار أنه "ليست هناك تحالفات حزبية دائمة، بل هناك مصالح حزبية ضيقة دائمة".
أحزاب "الجوكير"
وحول سؤال يتعلق بمدى إمكانية التحاق حزب "الحمامة" إلى الحكومة التي يقودها حزب "المصباح"، أكد الزياني بأن "الأحرار" يجد في انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة فرصة مواتية للعودة إلى هويته الحقيقة، والتموقع في الحكومة إرضاء لطموح نخبه السياسية البعيدة عن المصلحة العامة" بحسب قول الزياني.
"المتتبع لأداء حزب الأحرار في المعارضة يستنتج بما لا يدع مجالا للشك أن الجينات السياسية لنخب هذا الحزب لا تتلاءم مع فعل المعارضة، حيث تمارسها على مضض وتتعامل معها كأنها منفى قسري اضطراري مؤقت أفرزته صناديق الاقتراع وقواعد اللعبة السياسية، ولم تكن نابعة من قناعة سياسية حزبية مما يؤثر في فعله وسلوكياته، سواء في علاقته مع الأغلبية الحكومية أو مكونات المعارضة البرلمانية" يورد الزياني.
واستطرد المحلل ذاته بأن "الكثير من الأحزاب السياسية المغربية تلعب دور "الجوكير"، وهي كائنات مفعول بها، وتشكل أدوات تسخر لضبط المجال السياسي، وضمان نوع من الاستقرار السياسي، وهي على استعداد لتقبل العرض الحكومي بغض النظر عن التكلفة السياسية، وعن مواقفها المسبقة، أو حجم العراك والشنآن السياسيين مع الحزب الذي يقود الحكومة".
وبالمقابل، يُكمل المتحدث، "حزب العدالة والتنمية بفعل البحث عن تأمين موقعه في قيادة الحكومة، فهو على استعداد للتحالف مع أي حزب بغض النظر عن حجم الصراع معه، ومهما بلغ حجم الاتهامات المتبادلة"، مشيرا إلى أن الذي يعزز هذا المعطى هو تحالفه عند تشكيل الحكومة مع أحزاب تختلف معه جذريا من حيث المرجعية الإيديولوجية، والتوجهات السياسية والبرنامجية، ومنطلقات تدبير العمل الحكومي".
وانتهى الزياني إلى خلاصة مفادها بأن "سوريالية المشهد السياسي والحزبي بالمغرب تظل قائمة، مادامت التحالفات الحزبية يحكمها منطق الكسب والربح الحزبي الضيقان، وما دام الدخول إلى الحكومة والخروج منها يظل محكوما بمقدار تحصيل المناصب الوزارية"