** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 المواد التعليمية وتهذيب العقل أية علاقة؟(*)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
تابط شرا
فريق العمـــــل *****
تابط شرا


عدد الرسائل : 1314

الموقع : صعلوك يكره الاستبداد
تاريخ التسجيل : 26/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

المواد التعليمية وتهذيب العقل أية علاقة؟(*) Empty
08032013
مُساهمةالمواد التعليمية وتهذيب العقل أية علاقة؟(*)

المواد التعليمية وتهذيب العقل أية
علاقة؟(*)





بقلم: فرانسوا ريب François
RIBES


ترجمة: نور الدين
البودلالي


السؤال
الذي أطرحه للنقاش يخص المعادلة ذات البعد الإشكالي التي طرفاها المواد التعليمية وتهذيب
العقل. لذا تجب قراءة عنوان هذه التأملات بصيغة استفهامية.



لنبدأ
بالحديث قليلا عن الانضباط كمفهوم عام، يتميز، بطبيعة الحال، بالتعقيد. فبعض
معاصرينا يدافعون بتلقائية عن الانضباط، ويرفعونه على رأس مطالبهم باعتباره الحل
الخارق لعدد من القلاقل والمشاكل التي تعرفها مجتمعاتنا المعاصرة. إلا أن مصطلح
"الانضباط" لا يحظى، مع ذلك، بمكانة مقبولة، مقارنة بمصطلح
الـ"الثقافة" وكذلك مصطلح "السلطة" اللذين يتمتعان باستعمال
واسع. إنه أمر طبيعي ما دام تصور الانضباط يثير لدينا شعورا بوجود أمر، ديني أو
عسكري، تعارض طبيعته الزجرية الطموح الليبرالي والإيديولوجية، القوية الحضور،
للانعتاق الحر للفرد؟ فالمدرسة ليست كتيبة تأديبية، كما لم يعد مقبولا تصورها على
النموذج العسكري أو على نمط التربية الإسبرطية.



صحيح
أن الانضباط لن يكون غاية في حد ذاته، بل إنه لا يعدو أن يكون وسيلة لضبط الاشتغال
الأمثل للمؤسسة المدرسية، وبشكل أوسع، للحياة الجماعية. كيف لا يتم قبول وجاهة هذا
الأمر الواقع المرتبط بمكان عام؟ إن الاستعمال القسري والزجري للانضباط، واللجوء
إلى العقوبات التأديبية لن تكون في النهاية سوى الجواب الوحيد عن الحالات التي
يرفض فيها أعضاء الجماعة - أو "الجماعة المدرسية" كما نميل إلى تسميتهم
حين الحديث عن المدرسة- الانصياع إلى الحد الأدنى من النظام. بل إن البعض يحبذ
انضباطا مقبولا عن حرية، يكون من شأنه أن يزيل، أو على الأقل أن يخفي، طابعه
الإلزامي. هذه الصورة المشروطة للانضباط الذاتي تجعل من كل فرد مسؤولا، بل حارسا
وممثلا للنظام الانضباطي. وبهذا لم ولن يكون الموقف الأفضل هو الخضوع السلبي،
وإنما المشاركة الفعالة والإرادية في الانضباط الجماعي. وإذا ما دام الانضباط
ضروريا، فليكن فريضة عينية تلقائية على كل فرد. مما يتضح معه بجلاء أن هذه الغاية
المثلى لا تنفي الانضباط، وإنما تساهم في اقتصاد جهاز مؤسساتي مكلف بالسهر على
احترامه. إلا أنه من الواجب الاحتراس من أن يؤدي الانضباط الذاتي إلى ترسيخ هذا
النظام الذي يحيل على عالم السجن ، و في حد أقصى، إلى عالم الاعتقال، والذي يقوم
فيه المعتقلون بحماس قوي بحماية انضباط لا يخضع لأية سلطة ولا لأية مراقبة من أية
سلطة تنظيمية كانت.



هذه
الملاحظات العامة تترك مفهوم الانضباط عينه يتخبط فعليا في إيديولوجية ملتبسة. لذا
سنحاول، دون أن نكون "مع أو ضد الانضباط"، أن ندقق قليلا المعاني
المختلفة لهذا المصطلح، التي تزيد من غموضه حالة عدم التمييز بينها.



هنا
لا بد من إبداء ملاحظة بسيطة: إن اللغة الفرنسية تستعمل المصطلح نفسه (
Discipline) للإشارة إلى مختلف ميادين المعرفة الممكن دراستها، أو على الأقل
كما هي مدرسة بالمؤسسة المدرسية والجامعية، كما تشير إلى التقنية التي تساعد على
إقرار التنظيم الأنجح والاشتغال الأحسن لهذه المؤسسة (أو لكل مؤسسة مماثلة).



وقد
تكون المواد التعليمية موضوع جلسات نقاش يرتبط بخصائصها، تكاملها، توزيعها وأهمية
كل منها على حدة. فعموما يبقى تعددها مقبولا، إذ من المؤكد أن من المهام الأساسية
للمدرسة نقل مختلف المعارف التي تكونت عبر القرون. وهكذا فالإشارة إلى معرفة مدرسة
من الاستعمالات التي تشير إليها كلمة
discipline، استعمال يطابق تماما المعنى الذي نعت به كانط الـ"المدرسي Scolastique" (ضمن مؤلفه نقد العقل الخالص - الذي سنعود إليه الحقا)- إلى
درجة تصبح معها
discipline،
في اعتقاده، مرادفة للتعليم. إن المواد التعليمية متعددة، وقد استطاعت كل واحدة
منها، في غضون تطورها التاريخي، أن تحقق استقلالا تزيد أو تقل درجة نسبيته. والحال
أن ما يدرس لا ينحصر في مجموعة من المعارف، النظرية أو التطبيقية، فحسب بل أيضا
الخضوع إلى "قوانين "أنظمة
Police" زجرية يجب تفعيلها في كل خطاب من هذه الخطابات" كما
قال فوكو
Foucault
في كتابه نظام الخطاب (1970). ثم يضيف مدققا أن الانضباط هو الذي يتيح لنا أن
"نكون في الإطار الصحيح"، مستعيرا صياغة لكونكليم
Canguilhem. وانتهى فوكو، ضمن تصوره المعروف، إلى اقتراح التعريف التالي
للكلمة، مفاده أن: "الانضباط مبدأ لمراقبة إنتاج الخطاب".



مبدأ
المراقبة هذا مبدأ داخلي بالنسبة إلى مختلف الحقول المعرفية، علمية كانت أم غير
علمية. ففي هذا النص يؤكد فوكو على أن الانضباط قد يكون مخصبا (من حيث البحث،
وتقدم المعارف)، إلا أن له أيضا وظيفة زجرية وقسرية. إنه يستخدم، على المستوى
الاستدلالي، ممنوعات وواجبات. ومن ثمة، فتعلم مادة تعليمية لا يتوقف فقط على تخزين
المعلومات والنتائج، وإنما القدرة على إعادة إنتاجها أو إنتاج أخرى جديدة.



ومهما
كانت الصيرورة التاريخية التي تشكلت في غضونها هذه المواد التعليمية - التي تهم
فوكو بالدرجة الأولى، في بحثه عن جينيالوجية الاستراتيجيات الاستدلالية- فإن ما
نركز عليه اهتمامنا بالأساس كونها تدرس. إنها بهذا تساهم بالفعل في التكوين
الإيجابي لدارسيها.



فما
المقصود بالتعليم الإيجابي، ذاك ما سنحاول إيضاحه باختصار، قبل العودة إلى كانط،
الذي يؤكد على ضرورة تهذيب العقل باعتباره تعليما سلبيا.



إن
الأفراد الذين يدرسون المواد التعليمية على اختلافها، هم في الحقيقة
"يتكونون". إنهم يكتسبون بدرجات متفاوتة كفاءة معينة من كل مادة تعليمية
على حدة. وعليه فالتكوين (الذي يطابق تقريبا ما يصطلح عليه الألمان بـ"
Bildung") يتحقق عبر تعلم تتفاوت درجة تخصصه. لقد اعتدنا التمييز بين
المواد العلمية، والأدبية، والتقنية، والفنية وغيرها، ونعلم أن هذا التمييز له صلة
بالـ"مضامين والمناهج". وتقييم كل مادة تعليمية على حدة قد يكون ممكنا
بحسب الفائدة الأصلية المرجوة منها؛ غير أن هذه الفائدة غالبا ما تقدر بحسب معايير
النفوذ أو صلاحيتها الاجتماعية؛ وفي الغالب الأعم تحدد القيمة المهنية، المرتبطة
بسوق الشغل، حكمنا على كل مادة تعليمية؛ إذ يصبح من الضروري أن تؤدي دراستها إلى
الاندماج في سوق العمل بشكل إيجابي. وعليه لا يمكن للدراسة أبدا أن تنفصل كليا عن
هدف يروم تكوينا مهنيا، حتى وإن لم يكن من حقنا المزج بينهما ببساطة.



فحتى
من داخل المدرسة نفسها، لا يزال العديدون يعتقدون عن أحقية أن قيمة بعض المواد
التعليمية تكمن في طبيعتها التعليمية العامة (التي يمكن، دون تنقيص، تسميتها
بالتعليم الأكاديمي)، وأن الأجدر الحرص على تدريسها، شريطة ملاءمتها مع أهداف ذات
العلاقة بالتوجه المهني. فالملاءمة مع "حاجيات" عالم الشغل ليست الطريقة
الوحيدة لضمان نجاعة النظام التعليمي، كما قد يسعى البعض إلى جعلنا نعتقد في ذلك.
فبقدر ما أن نوعية، وتوازن، وتكامل تعليم مختلف المواد التعليمية أمر إلزامي، بقدر
ما أن كل مؤسسة تنشر التعليم الإيجابي ملزمة بالمصالحة بينها. أكيد أن المشكل ليس
جديدا. إلا أنني أعتقد أن طرح مشكل "الفائدة" من المواد التعليمية لا
يستقيم إلا حين نأخذ بعين الاعتبار القيمة التكوينية العامة لكل مادة مادة مدرسة
على حدة وللمجموع الكلي المشكل لها.



لا
ريب أن لا معنى لهذا الاعتقاد إلا حين يستعيد من جهته بعض متطلبات التصور المثالي
الإنساني القديم الذي يعتبر أن نقل المعارف والتكوين الإيجابي عموما لا يطرح فقط مشكلة
تقنية تستوجب الحل بشكل خاص حسب معايير الفعالية، وكذلك المردودية.



ولعلنا
نتذكر الطريقة الساخرة والجدية في آن التي عالج بها ديكارت، في الجزء الأول من
كتاب خطاب في المنهاج، مختلف المواد الدراسية التي تعلمها خلال فترة تمدرسه بكوليج
لافليش. "لم أكف عن تقدير تلك التمارين التي ننشغل بها في المدارس"،
يقول ديكارت قبل أن يستعرض الخصائص التي يراها تميز كل واحد من هذه التمارين. أكيد
أن المواد التعليمية وطرق تدريسها قد عرفت تغييرا كبيرا منذ القرن 17. إلا أن رؤية
ديكارت الواضحة للتعليم الجيد الذي حصل عليه ساعده على عدم الخلط بين الفائدة،
الاجتماعية أو البراغماتية، من كل مادة تعليمية وبين قيمتها الخاصة في علاقة
بمشروعه الحياتي. والحقيقة أن هذا المشروع الطموح ليس سوى الوصول إلى "تعلم
كيفية تمييز الصحيح من الخطأ، أملا في الرؤية الواضحة إلى أفعالي والسير باطمئنان
في هذه الحياة" دون البحث "إطلاقا عن معرفة أخرى غير تلك التي قد تكون
في ذاتي نفسها".



فالمواد
التعليمية، المشكلة للتكوين الإيجابي، تساهم في تكوين الأفراد. لذا فمن الأكيد أن
التخفيف من الإفراط في إحداث تخصصات ومن تجزيء هذه المواد التعليمية عبر الاشتغال
الحثيث على خلق مجالات بينية سيكون أمرا محمودا. إلا أن الحاجة الماسة إلى لحظة
تعلم المواد الدراسية تترك المجال مفتوحا أمام سؤال يصعب طرحه، فبالأحرى الإجابة
عنه؛ والذي سنعمل مع ذلك على صياغته.



نتساءل
من جديد بصياغة قديمة: ما ضرورة تفضيل "رأس حسنة التكوين" عن "رأس
ممتلئة جيدا"؟ قد نجد الجواب المناسب في شعار النزعة الإنسانية التقليدية،
بعد تكييفها مع حداثتنا. لكن حين تكون الأسبقية لإعداد "رأس حسنة
التكوين"، ألا يتم تفضيل التكوين العقلي، وتعلم الميكانيزمات العقلية، اللذان
سيفرضان، على حساب أشكال أخرى من التكاوين، كخططات للتفكير جاهزة وتخدم، في نهاية
المطاف، الامتثالية والخضوع للفكر السائد؟



هنا
نلتقي من جديد بفكرة الانضباط
La discipline، كشكل من أشكال الخضوع لنظام معين وزاجر لكل معارض له. هنا أيضا،
وفي علاقة بالمعنى الثاني لكلمة الانضباط، أود ولو بصورة مقتضبة، إثارة هذا "التعليم
السلبي" الذي يتحدث عنه كانط، وينظر إليه كتهذيب
discipline للعقل. والمقصود بهذا هو تهذيب العقل "الخالص" بالأساس،
وليس الانضباط الاجتماعي، كواجب تفرضه الحياة الجماعية، ولا الخضوع للنظام القائم.



ويتعرض
كانط بإسهاب لتهذيب العقل الخالص ضمن الباب الثاني من كتابه نقد العقل الخالص،
الذي عنونه بـ"النظرية الترنسندنتالية للمنهج". من جهتنا سنركز على
فكرتها الأساسية، دون التعمق المفصل في معالجة هذه النظرية.



يقول
كانط: "إن الإكراه، الذي يكبح ويدمر في نهاية المطاف الميل المتواصل إلى
الانحراف عن بعض القوانين، يسمى انضباطا" ويزيد قائلا: "إن الانضباط
يساهم (إذن) في تكوين (
Zu der Bilding) موهبة، لها من حيث ذاتها نزعة إلى الإعلان عن ذاتها، لكن بدافع
سلبي، في الوقت الذي تقدم لها الثقافة والعقيدة دفعة إيجابية".



ثم
ينتهي إلى القول بشكل واضح وصريح: "إن تعلما سلبيا"، لا يفيد سوى في
حمايتنا من الوقوع في الخطأ، الأكثر أهمية من كل التعلمات الإيجابية التي تتزايد
بفضلها معارفنا "وعلى أمل" أن لا يتم استعمال هذه الكلمة [تهذيب
discipline] إلا في معناها السلبي "يرى" أن تهذيب العقل الخالص لا
يجب أن يستند على المحتوى، وإنما على منهج المعرفة المنحدرة عن العقل الخالص
فقط".



كيف
يمكن، إذن، فهم هذا الإلحاح على الطابع السلبي للتهذيب، وكيف يمكن تبرير الحاجة
إلى تهذيب للعقل، يتميز تماما عن المواد التعليمية السكولائية التي تساهم إيجابيا
في تكوين الـ"مواهب" الفردية؟



إذا
كان من الضروري تهذيب العقل ذاته، وحتى يتمكن من القيام بدوره الشرعي، يتوجب عليه
تحصين نفسه من استيهاماته الخاصة، ومن الأخطاء التي نقع فيها. لا بد من التذكير أن
كانط يرى أن استعمال العقل الخالص يجب أن يقوم على الشرعية - ومن هنا يأتي معنى
النزعة النقدية-، وأن تلك الشرعية هي التي تؤدي به إلى رسم التخوم التي لا يمكنه
تخطيها، حتى وإن كانت هناك رغبة قوية إلى ذلك. فباحترام هذه الحدود (التي يسميها
كانط "تخوما") يمكن، بل يجب أن تكون ممارسة العقل الخالص شرعية.



وقد
أبرز كانط بجلاء التضمينات البيداغوجية لهذه النظرية في العقل الخالص. فلا بد من
تعليم الفتيان الـ"نقد"، حماية لهم من المحاولة الأولى (التي هي
"طابع الطفولة في أمور العقل الخالص") التي تمثل الدوغمائية. من الضروري
أيضا تجاوز المرحلة الثانية، مرحلة النزعة الشكية، التي تجعل العقل في تناقض مع
ذاته. وخلاصة القول، إن تهذيب العقل (مقارنة بـ"استعماله الجدالي" كما
يقول كانط) ضروري لـ"تدارك الأخطاء الخاصة عن طريق الرقابة وتجنب أسبابها
بفضل النقد".



بناء
عليه، يتم تهذيب العقل، بممارسة الرقابة على الأخطاء ونقد أسبابها، لكن باسم العقل
نفسه وباسم سلطاته الشرعية.



والحالة
هذه نساءل: أي مادة تعليمية بالمعنى السوكولاي، وأي تعلم إيجابي بمقدوره القيام
بهذه المهمة على الوجه الأحسن؟ هل التعليم الانضباطي، أو المتعدد أشكال الانضباط
Multidisciplinaire، أو الداخلي الانضباط Interdisciplinaire، بحسب المعنى الذي يريده كانط لهذا الاصطلاح، قادر على تهذيب
العقل؟ وإذا كان صحيحا أن التعليم العام تأديبي، فهل هو، في سياق التصور الكانطي،
تهذيبي؟



من
المفترض أن تكون الفلسفة، كمادة تعليمية مدرسة بالمدرسة والجامعة، هي التي تقوم
بواجب تهذيب العقل. غير أن كانط، في اتفاق مع ذاته، يؤكد أن الفلسفة لا يمكنها أن
تكون موضوع تعلم - سوى في جانبها التاريخي. أما فيما يتعلق بالعقل، فأقصى ما يمكن
القيام به هو "تعليم كيفية التفلسف". إن تعليم الفلسفة، كمادة تعليمية
تاريخية، وسكولائيكية أيضا، يعني أن للفلسفة وجودا سابقا فعليا كعلم يحتاج فقط إلى
الفهم وتخزين المعلومات. في حين أن تعلم فعل التفلسف أمر مختلف تماما ويتطلب أن
يكون تعليم فعل التفلسف منهجا للبحث (منهجا استكشافيا، كما يقول القدماء). في هذا
الاتجاه يمكن لتعلم فعل التفلسف أن يساهم في تهذيب العقل وأن أقصى ما يصبو إليه
الفيلسوف هو أن لا يكون، كما قال كانط "صانعا للعقل، وإنما المشرع للعقل الإنساني".
والحال أن الفيلسوف المثالي "لا وجود له قطعا، بينما نصادف فكرة تشريعاته
حيثما كان هناك عقل إنساني". أما بالنسبة إلى العلوم التاريخية، فإن كانط
يميز على الخصوص العلوم الرياضية التي يوجد بها شيء ما معطى (مادة تعليمية مكتملة
يمكن تعلمها) يمارس وظيفة تهذيبية للعقل الخالص، ما دامت العلوم الرياضية لا تقوم
على التجربة الإمبريقية.



إن
التصور الكانطي لتهذيب العقل خاضع كليا لنظرية جد متبلورة عن العقل، إلى درجة أن
اليوم لا يمكن الأخذ به كما هو دون التساؤل حول تضميناته ورهاناته الفلسفية
والتاريخية. لا بد لنا من دون شك من أخذ مساحة تفكير والتساؤل حول ما يمكن أن
يساعدنا في موضوع التأديب
discipline هذا، حينما لا يتعلق الأمر فقط بالمواد التعليمية. ثم هل من
المعقول أن نظل إلى اليوم نتحدث عن تهذيب العقل؟



نعلم
أن ميشل فوكو (في كتابه "الرقابة والعقاب" (1975) على الخصوص)، قد قام
بوصف وتحليل الـ"مقتضيات التنظيمية القائمة. لقد أعطى للانضباط (ولما هو
انضباطي) تعريفا جديدا يتعارض كلية مع التعاريف الذائعة الاستعمال. إن الانضباط
تقنية، وليس جهازا. وتجعله وظيفته قابلا للتبني بشكل واسع من قبل المؤسسات (الجيش،
السجن) وللاستعمال لغايات محددة من قبل جهات مؤسساتية أخرى (المدرسة، المستشفى).
فالانضباط لا يكتفي بتقمص أشكال أخرى من السلطة الموجودة بالمجتمع، بل يستثمرها،
ويقوي من فعاليتها، ويمكن على الخصوص "من الذهاب بآثار السلطة إلى أدق وأبعد
عناصرها". إن وظيفته ترتكز، على الأقل خلال المرحلة الأولى من الفعل
الانضباطي، على التأثير على الجسم. فالتكنولوجية الانضباطية، كما يقول فوكو، تهدف
إلى اختلاف جسم طيع "يمكنه أن يكون خاضعا، قابلا للاستعمال، قابلا للتحويل
[التغيير] والتحسن".



وبكثير
من الدقة يقوم فوكو بتحليل طريقة اختلاف هذا الجسد الطيع، الخاضع لوضعية قهرية
قائمة، متواصلة "تحرص على عمليات النشاط عوض الحرص على نتائجه وتشتغل بحسب
تشفيرة تؤطر عن قرب الزمان والمكان والحركات". وباختصار: "فاللحظة
التاريخية للمواد التأديبية هي تلك التي يبرز فيها إلى الوجود فن للجسد الإنساني
(…) يروم تكوين علاقة تجعله في غضون نفس الآلية أكثر خضوعا بقدر ما هو أكثر نفعية،
والعكس بالعكس".



إذا
كان صحيحا أن "الانضباط يعمل أولا على إعادة توزيع الأفراد في المكان"،
فمن الممكن القول إنه يساهم في ولادة الـ"إنسان من رحم الإنسانية
الحديثة" وأنه يعمل، في هذا الاتجاه، على تكوين الفرد من حيث هو كذلك. وكما
يقول فوكو فهو يجعل: "الفرد المناسب في المكان المناسب، والمكان المناسب
للفرد المناسب". هذه الوظيفة المفردنة
individualiste للمقتضيات الانضباطية هي ذات أهمية قصوى، في رأيي، لكونها تؤدي
إلى عقلانية تبيح إمكانية ظهور حقل معرفي جديد، وتبرز، في العلوم الإنسانية على
الخصوص، كتحليل للذوات، وللأفراد.



من
المغري حقيقة ربط النظام الانضباطي وتطبيقه خلال القرن 18 - المرحلة التي قام فوكو
بتحليلها- بعلاقة مع النظرية الفلسفية الكانطية في تهذيب العقل، والتي تطرح، بكل
تأكيد، على مستوى آخر مخالف تماما. ولا يمكنني هنا سوى افتراض نوع من هذا التقارب
الذي يجب وضعه تحت محك التحليل. فمن المسلم به أن فلسفة كانط الترنسندنتالية تحرص
على وجود نوع من الاستقلال عن التطبيقات الاجتماعية للانضباط، وأنها، بالتالي، لا
تشكل المقابل الفلسفي البسيط لإيديولوجية الانضباط. وعلى كل حال فلا بد من الإشارة
إلى أن فكرة تهذيب العقل، حتى وإن وجدت، لن تأخذ معناها الحقيقي إلا في علاقة مع
تعريف مزدوج لما هو انضباطي وعقلاني.



فإذا
كان صحيحا اليوم أن العقلانية قد أصبحت أساسا (إن لم نقل كلية) عملياتية تمييزية
مخططة أداتية وبكلمة واحدة مستعارة من هبرماس: "عقلانية إجراءاتية "فإن
تهذيب العقل قد ترك مكانه بشكل تدريجي لما يمكن تسميته بمقتضيات المراقبة. ويبدو
أن دولوز يسير في هذا المنحى حين يسجل أن "معالم واقعنا اليومي ترسمها
مقتضيات المراقبة المفتوحة والمتواصلة التي تختلف كثيرا عن أشكال الانضباط
المنغلقة". لذلك يؤكد دولوز في "فوكو، مؤرخ صور المجتمعات الحديثة
باعتبارها مجموعة من التدابير التنظيمية] الانضباطية[في مقابل قوانين السيادة. غير
أن هذا الاعتقاد غير صحيح: إذ إن أشكال الانضباط التي وصفها فوكو تمثل تاريخ ما
توقفنا عن أن نكونه بشكل تدريجي". وعليه يجب الاعتراف أن مجتمعنا سيكون
مراقبا أكثر منه منضبطا.



إن
التعميم والحضور الدائم لتقنيات المراقبة ستميز "مجتمعات المراقبة" هذه
- مجتمعاتنا- التي عمل دولوز على تقصي منطقها وبرنامج عملها ضمن نص نشره عام 1990،
قصير لكنه جد موحي، أقترح عليكم قراءته (ضمن
Pourparlers، منشورات مينوي). يقول: "تتم المراقبة خلال أمد قصير
ومتعاقب، إلا أنه متواصل وغير محدود، في حين كان الانضباط يتطلب وقتا أطول، لا
نهائي ومتقطع". وتعمل مجتمعات الرقابة هذه وفق نموذج الآت الحاسوب وبواسطتها.
مما يسمح بالقول إن هذا لا يصادف تغيرا في كيف تميز أشكال المراقبة وفعل التكوين
المستمرين إقحام الـ"مقاولة" في جميع مستويات التمدرس ضمن النظم
المدرسية والجامعية.



هل
نستخلص من هذه المؤشرات أن فكرة تهذيب العقل نفسها قد بدأت تفقد أو لربما فقدت
بشكل نهائي اليوم معناها، صلاحيتها والحاجة إليها؟ ألا يكون تهذيب العقل بقية مما
تخلف عن مجتمعات الانضباط؟



إن
استعمال العقل، حسب مثالية النزعة الإنسانية القديمة، كان متوقفا على بعض الغايات
وبعض القيم، يحلو للبعض اليوم نعتها أنها "في أزمة". فلقد كان تهذيب
العقل حاجة ملحة بقدر ما كان الاستعمال الشرعي للعقل يتجسد في ممارسة الحكم.
والحال أن تعلم إصدار الحكم، في اعتقادي، يظل مطلبا أدنى وهدفا أساسيا لا يمكن لأي
نظام تعليمي التخلي عنه. وعلى الرغم من صعوبتها، إلا أنني أظن أن التربية على
إصدار الحكم تعد ضمانة للحرية التي، لا تزال اليوم، كما كانت في السابق، ضرورية.
والفلاسفة الذين اعتادوا العمل بإرادة من أجل حرية إصدار الحكم لا يفقدون الأمل في
العقل، حتى وإن تيقنوا أن العقلاني، حين يصبح إجرائيا بشكل كلي، ينتهي به المطاف
إلى معارضة كل ما هو قابل لأن يكون عقلانيا.



إنني
لا أريد أن أعتقد في أن حرية إصدار الحكم يكون رديفا لنزعة امتثالية أو خضوعا
للأفكار السائدة الذي لا يعد سوى قبول، يكاد يكون واعيا، بدوغمائية لا تجرؤ عن
الإفصاح عن نفسها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

المواد التعليمية وتهذيب العقل أية علاقة؟(*) :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

المواد التعليمية وتهذيب العقل أية علاقة؟(*)

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: