** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 ما هي الأمة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سبينوزا
فريق العمـــــل *****
سبينوزا


عدد الرسائل : 1432

الموقع : العقل ولاشئ غير العقل
تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..

من اقوالي
تاريخ التسجيل : 18/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5

ما هي الأمة Empty
28122012
مُساهمةما هي الأمة

ما هي الأمة

ما هي الأمة RenanErnest
نشر بتاريخ :9 07 2012 | الساعة 6:13بقلم : . . إرنست رنان
ما هي الأمة ؟

أرنست رينان

ما هي الأمة؟**

آليت على نفسي أن أقوم وإياكم بتحليل فكرة تبدو في الظاهر واضحة، إلا
أنها عرضة لأخطر حالات سوء الفهم. إن أشكال المجتمع الإنساني لهي في غاية
التنوع. خذوا التجمعات البشرية الكبيرة على الطريقة المعهودة في الصين،
ومصر، وبابل القديمة جداً، - وخذوا القبيلة على الطريقة المعهودة لدى
العبريين»، ولدى العرب; - وخذوا الحاضرة على طريقة أثينا وإسبارطة، -
وخذوا اتحادات البلاد العديدة على الطريقة المعروفة في الإمبراطورية
الأخمينية، والإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية الكارلوفنجية،- وخذوا
الجماعات التي تعيش بدون وطن، والتي تتماسك بفضل الرابطة الدينية، كما هي
الحال لدى الإسرائيليين والمجوس; - وخذوا الأمم مثل فرنسا وانجلترا
وغالبية الكيانات الأوروبية المستقلة والحديثة; - وخذوا الاتحادات
الفيدرالية على طريقة سويسرا وأمريكا; - وخذوا أشكال القرابة، كما أشكال
العرق، أو اللغة بالأحرى، القائمة بين مختلف فروع الجرمانيين، ومختلف فروع
السلافيين; تلكم أنماط تجمع موجودة كلها، بيد أن الخلط بينها سينطوي لا
محالة على مساوئ جدية للغاية. وقد شاع الاعتقاد، في زمن الثورة الفرنسية،
بأن المؤسسات التي قامت في مدن صغيرة ومستقلة، مثل إسبارطة وروما، يمكن
تطبيقها في أممنا الكبيرة التي تعد بين ثلاثين وأربعين مليون نسمة. وفي
أيامنا هذه، يرتكب خطأ أكثر فداحة، يجري الخلط بين العرق والأمة، كما تنسب
إلى مجموعات أناسية (إتنوغرافية)، أو بالأحرى لغوية، صفة سيادة مشابهة
للسيادة التي تتمتع بها الشعوب القائمة فعليا. فلنحاول جاهدين التوصل إلى
شيء من الدقة في معالجة هذه المسائل الصعبة، إذ يمكن، منذ بداية التعليل،
لأدنى تشوش في معنى الكلمات، أن يحدث في النهاية أكثر الأخطاء شؤما. ما
سنقوم به أمر دقيق للغاية; إنها تقريبا عملية تشريح; إذ إننا سنتناول
الأحياء كما جرت العادة أن نتناول الأموات. ولذلك فإننا سنبذل أقصى ما
يمكن من البرودة وعدم التحيز.

1

منذ نهاية الإمبراطورية الرومانية، أو بالأحرى منذ انشطار إمبراطورية
شارلمان، تبدو لنا أوروبا الغربية منقسمة إلى أمم سعت بضع منها، في أوقات
معينة، إلى ممارسة هيمنتها على الأمم الأخرى، إلا أنها لم تنجح قط في
تحقيق ذلك لمدة طويلة. ما لم يستطع فعله شارل- كوانت ولويس الرابع عشر
ونابليون الأول، لن يقوى أحد في المستقبل، على الأرجح، على القيام به. إن
بناء إمبراطورية رومانية جديدة أو تجديد إمبراطورية شارلمان أصبح أمراً
مستحيلاً. فانقسام أوروبا بات كبيراً للغاية بحيث أن أية محاولة سيطرة
عالمية ستدفع سريعاً الآخرين إلى تشكيل ائتلاف يدفع بالأمة الطموحة إلى
الانكفاء داخل حدودها الطبيعية. لقد نشأ نوع من التوازن مؤهل للعيش
طويلاً. وستبقى فرنسا وانجلترا وألمانيا وروسيا، خلال مئات السنين،
وبالرغم من المغامرات التي قامت بها، ستبقى فرديات تاريخية، والأحجار
الأساسية للعبة ضامة حيث الخانات تشهد بدون توقف تنوعا من ناحية الأهمية
والكبر ولكنها لا تقبل أبدا خلطها مع بعضها البعض.

عندما نفهمها على هذا النحو، تكون الأمم شيئاً جديداً على التاريخ. لم
يعرفها الزمن القديم; إذ لم تكن مصر والصين وكلدة القديمة أمما بأي درجة
كانت. لقد كانت بمثابة قطعان يقودها ابن للشمس وابن للسماء. لم يكن هناك
مواطنون مصريون كما لا يوجد مواطنون صينيون. لقد شهد العهد الكلاسيكي
القديم جمهوريات وممالك بلدية، كونفيدراليات لجمهوريات محلية،
إمبراطوريات; لكنه (العهد القديم) لم يعرف الأمة بالمعنى الذي نفهمه. كانت
أثينا وإسبارطة وصيدون وصور مراكز صغيرة تجلت فيها نزعة وطنية مثيرة
للإعجاب; لكنها تبقى مدناً قائمة فوق مساحة إقليمية ضيقة نسبياً. بلاد
الغول وإسبانيا وإيطاليا كانت، قبل أن تمتصها الإمبراطورية الرومانية،
تشكل مجموعات من الأقوام وكانت غالبا متضافرة بين بعضها البعض، غير أنها
كانت بدون مؤسسات مركزية وبدون سلالات حاكمة. الإمبراطورية الآشورية،
الإمبراطورية الفارسية، وإمبراطورية الاسكندر، هي أيضاً لم تكن أوطاناً.
فلم يكن هناك قط وطنيون آشوريون، وكانت الإمبراطورية الفارسية إقطاعية
واسعة. كذلك لا نجد أمة واحدة تربط أصولها بمغامرة الإسكندر الهائلة، وإن
كانت هذه المغامرة غنية النتائج فيما يتعلق بالتاريخ العام للحضارة.

الإمبراطورية الرومانية كانت بالفعل أقرب (من غيرها) إلى أن تكون
وطناً. فمع وقف الحروب الذي عاد بمحاسن واسعة، سرعان ما أصبحت السيطرة
الرومانية محببة إلى القلوب، بعد أن كانت قاسية جداً في البداية. لقد كانت
تجمعاً كبيراً رديفاً للنظام والسلم والحضارة. وفي الأوقات الأخيرة من
حياة الإمبراطورية، تولد لدى النفوس المهذبة، لدى الأساقفة المتنورين ولدى
المتعلمين شعور حقيقي «بالسلم الروماني» الذي يتعارض مع الخواء المهدد
الذي تحمله البربرية. بيد أن إمبراطورية تبلغ مساحتها اثنتي عشرة مرة
مساحة فرنسا الحالية، لن يكون في وسعها تشكيل دولة في المعنى الحديث
للكلمة. فقد كان الانقسام بين الشرق والغرب أمرا يستحيل تفاديه.
والمحاولات التي جرت في القرن الثالث الميلادي لبناء إمبراطورية غولية
(نسبة إلى بلاد الغول) لم تعرف النجاح. الغزو الجرماني هو الذي أدخل إلى
العالم المبدأ الذي جرى استخدامه لاحقا كأساس لوجود الجنسيات.

ما الذي صنعته، بالفعل، الشعوب الجرمانية منذ اجتياحاتها الكبرى في
القرن الخامس الميلادي وصولاً إلى آخر غزواتها النورماندية في القرن
العاشر؟ لقد أحدثت تغييراً طفيفاً في عمق الأعراق; لكنها فرضت سلالات
وأرستقراطية عسكرية على أجزاء من إمبراطورية الغرب القديمة، وقد حملت هذه
الأجزاء المعتبرة بهذا القدر أو ذاك اسم غزاتها. من هنا جاءت أسماء فرنسا،
وبورغنديا، ولومبارديا، والنورماندي لاحقا. إن السطوة السريعة التي حظيت
بها إمبراطورية الإفرنج أعادت خلال برهة معينة بناء وحدة الغرب; لكن هذه
الإمبراطورية تكسرت نهائيا في حوالي منتصف القرن التاسع; وقد رسمت معاهدة
فردان مقسمات ثابتة من حيث المبدأ، ومنذئذ بدأت فرنسا وألمانيا وانجلترا
وايطاليا وإسبانيا تسير، عبر دروب تعرضت غالباً للانعطاف وعرفت ألف مغامرة
نحو وجودها القومي الممتلئ، كما نشاهد تفتحه اليوم.

وبالفعل، ما الذي يسم بسمات خاصة هذه الدول المختلفة؟

إنه انصهار السكان المؤلفين لها. لا نجد في البلدان التي عددناها
آنفاً، شيئاً مماثلاً لما تجدونه في تركيا حيث بقي التركي، السلافي،
اليوناني، الأرميني، العربي، السوري، الكردي، متميزين اليوم عن بعضهم
البعض كما في اليوم الأول للسيطرة. ثمة ظرفان أساسيان أسهما في الوصول إلى
هذه النتيجة. وأولهما واقعة أن الشعوب الجرمانية تبنت المسيحية بمجرد حصول
احتكاك متواصل بعض الشيء مع الشعوب الإغريقية واللاتينية. وعندما يكون
الغالب والمغلوب من نفس الديانة، أو بالأحرى عندما يتبنى الغالب ديانة
المغلوب، كما هي الحال في المنظمة التركية، فإن التمييز المطلق بين البشر
على أساس الديانة، لا يمكن له أن يحصل. الظرف الثاني هو نسيان الغزاة
للغتهم بالذات. إن أحفاد كلوفيس وآلاريك وغوندبو وألبوان ورولون، كانوا من
ذي قبل يتكلمون الرومانية.

هذه الواقعة كانت في حد ذاتها نتيجة لخاصية أخرى وهامة وهي أن الإفرنج
والبورغنديين والغوثيين واللومبارديين والنورمانديين، كان معهم القليل
جداً من النساء المنحدرات من ذات العرق. وخلال عدة أجيال، لم يتزوج القادة
إلا من نساء جرمانيات، غير أن المحظيات كن لاتينيات، ومربيات الأطفال كن
لاتينيات; كانت القبيلة بأسرها تتزوج من اللاتينيات; أدى هذا الأمر إلى
جعل النسب الإفرنجي والنسب الغوثي، منذ استقرار الإفرنج والغوثيين في
الأراضي الرومانية، لا يعرف إلا مصائر قصيرة الأمد. لم يكن الأمر كذلك في
إنجلترا، ذلك أن الاجتياح الإنجلو - سكسوني جلب معه النساء، وهذا أمر لا
شك فيه; وقد فر السكان البريتون، ناهيك عن أن اللغة اللاتينية ما عادت، بل
لم تكن أبدا في السابق، مسيطرة في منطقة البريتاني. إذ لو كان الناس
يتكلمون عموماً اللغة الغولية في بلاد الغول في القرن الخامس، لما تخلى
كلوفيس وجماعته عن اللغة الجرمانية من أجل التكلم بلغة الغول.

من هنا تتأتى هذه النتيجة الرئيسية وهي أنه بالرغم من العنف الشديد
الذي اتسمت به عوائد الغزاة الجرمانيين، فان القالب الذي فرضه هؤلاء أصبح،
على مر القرون قالب الأمة بالذات. كلمة فرنسا أصبحت بصورة مشروعة جداً
الاسم الذي يطلق على بلد لم تدخله سوى أقلية غير منظورة من الإفرنج. ففي
القرن العاشر الميلادي، يظهر واضحاً في الأغنيات الأولى «للحركة» وهي مرآة
كاملة لروح العصر آنذاك، يظهر أن جميع قاطني فرنسا هم فرنسيون. وفكرة وجود
اختلاف في الأعراق بين سكان فرنسا، وهي الفكرة البديهية جداً لدى
غريغواردي تور، لا تظهر من تلقاء ذاتها وبأية درجة من الدرجات لدى الكتاب
والشعراء الفرنسيين الذين جاؤوا في أعقاب «هونج كابيه». الاختلاف بين
النبيل والوضيع هو ما شهد أقصى ما يمكن من التشديد; بيد أن الاختلاف بين
الواحد والآخر لم يكن في شيء اختلافا اثنياً; انه اختلاف في الشجاعة، وفي
العادة، وفي التربية المتوارثة; ولم تخطر على بال أحد الفكرة القائلة بأن
أصل كل ذلك هو الفتح. إن النظمة الخاطئة القائلة بأن أصل النبالة يعود إلى
امتياز منحه الملك مقابل الخدمات الكبيرة المسداة إلى الأمة، إلى حد أن كل
نبيل إنما هو إنسان خلعت عليه صفة النبالة، هذه النظمة تأسست وترسخت كما
لو أنها عقيدة منذ القرن الثالث عشر. وقد حصل الشيء ذاته إثر كافة
الفتوحات النورماندية تقريباً. فبعد جيل أو جيلين لم يعد الغزاة
النورمانديون يتميزون عن بقية السكان; غير أن هذا لم يقلل من شأن تأثيرهم
العميق، إذ أنهم أعطوا البلد المحتل طبقة نبلاء وعوائد عسكرية ونزعة وطنية
لم يعرفها هذا البلد من قبل.

إن النسيان، لا بل الخطأ التاريخي، هما عامل أساسي لخلق الأمة، ولهذا
فإن تقدم الدراسات التاريخية ينطوي غالباً على خطورة تتهدد الجنسية.
فالبحث التاريخي يسلط الضوء، بالفعل، على وقائع العنف التي حصلت في بداية
كل التشكيلات السياسية، بما في ذلك التشكيلات التي أفضت إلى أحسن النتائج
وخيرها. تحصل الوحدة دائماً بصورة فظة، اجتماع فرنسا الشمالية إلى فرنسا
الوسطى كان نتيجة لعملية إبادة وإرهاب متواصل طيلة قرن تقريباً. خذوا ملك
فرنسا، وهو النموذج المثالي لصانع عملية تبلور عريقة تحصل مرة في كل قرن
إذا جازت العبارة، ملك فرنسا الذي صنع الوحدة الوطنية الأكثر اكتمالاً
والتي يمكنها أن تكون، ملك فرنسا هذا، حين ننظر إليه عن كثب، نجد أنه فقد
حظوته، فالأمة التي شكلها قامت ولعنته، ولم يعد هناك اليوم سوى النفوس
المثقفة لمعرفة قيمته وصنائعه.

ما جعل هذه القوانين الكبرى لتاريخ أوروبا الغربية تصير حساسة، إنما
هو التضارب. فالمشروع الذي باشره ملك فرنسا، معتمداً على الطغيان حيناً
وعلى العدالة حيناً آخر، وقاده بطريقة مثيرة للإعجاب، فشل في إنجازه
العديد من البلدان، ففي عهد سان- اتيان، بقي المادغيار والسلافيون
متمايزين عن بعضهم البعض كما كانوا قبل ثمانمائة عام. كذلك بالنسبة إلى
أسرة هابسبورج التي استبعدت عملية صهر العناصر المتنوعة لممالكها وأبقتها
متمايزة، بل متعارضة غالبا بين بعضها البعض. وفي بوهيميا، نجد العنصر
التشيكي والعنصر الألماني متراكبين الواحد فوق الآخر كالزيت والماء في قدح
واحد. كذلك السياسة التركية القائمة على الفصل بين الجنسيات على أساس
الديانة، فإنها قادت إلى نتائج أكثر خطورة وفداحة: لقد تسببت بانهيار
الشرق. خذوا مدينة مثل سالونيك أو سميرنا، ستجدون فيها خمس أو ست جماعات
تمتلك كل واحدة منها ذكريات خاصة بها، ولا نعثر تقريبا على أي أمر مشترك
بينها ونحن نعلم أن جوهر الأمة يكون في وجود الكثير من الأشياء المشتركة
بين سائر أفرادها، وبأن سائر هؤلاء الأفراد قد نسوا العديد من الأشياء. إن
أي مواطن فرنسي لا يعرف إذا كان بورغنديا، آلان، تايغل، فيزيغوث، وينبغي
على كل مواطن فرنسي أن يكون قد نسي سان- برتلمي والمجازر التي وقعت في
المنطقة الوسطى في القرن الثالث عشر. لا يوجد في فرنسا عشر عائلات تستطيع
أن تقدم حجة دامغة على أصلها الإفرنجي، وحتى لو قد مت هذه الحجة فإنها
ستكون ضعيفة ومعتلة بسبب ألف تقاطع مجهول من شأنه أن يشوش كافة النظم التي
يضعها النسابون.

الأمة الحديثة هي إذن نتيجة تاريخية حملتها سلسلة من الوقائع
المتلاقية في ذات الاتجاه. تحققت الوحدة تارة على يد سلالة حاكمة، كما هو
الحال في فرنسا; وتحققت تارة أخرى بفضل الإرادة المشتركة للأقاليم، كما هو
الحال بالنسبة إلى هولندا، وسويسرا، وبلجيكا، وحصلت الوحدة تارة أخرى بفضل
روح عامة تغلبت بعد تأخر ما على أهواء الإقطاعية، كما هي الحال بالنسبة
إلى ايطاليا وألمانيا. كان هناك دائما سبب وجود عميق ترأس هذه التشكيلات.
وفي مثل هذه الحالات، تسطع المبادئ عن طريق المفاجآت الأبعد من غيرها عن
الحصول. لقد شاهدنا، بأم أعيننا في هذه الأيام، إيطاليا موحدة بفضل
هزائمها، وتركيا منهارة بسبب انتصاراتها. كل هزيمة كانت تدفع شؤون ايطاليا
إلى الأمام، وكل انتصار كان يدفع تركيا إلى الضياع، ذلك أن إيطاليا أمة،
بينما تركيا، خارج حدود آسيا الصغرى، ليست أمة. والمجد في ذلك يعود إلى
فرنسا لأنها أعلنت عبر الثورة الفرنسية بأن الأمة تنوجد بذاتها. ولا ينبغي
لنا أن نعتبر أمراً سيئاً قيام الآخرين بتقليدنا. فمبدأ الأمم هو مبدؤنا.
ولكن ما هي الأمة إذن؟ ولماذا تكون هولندا أمة بينما لا تكون هانوفر أو
الدوقة الكبيرة لبارما أمة؟ وكيف تستمر فرنسا في أن تكون أمة في حين أن
المبدأ الذي أنشأها قد زال؟ كيف تكون سويسرا أمة وهي تشمل ثلاث لغات
وديانتين وثلاثة أو أربعة أعراق بينما لا تكون توسكانة، مثلا، أمة وهي
المتجانسة إلى هذا الحد الكبير؟ لماذا تكون النمسا دولة وليست أمة؟ فيم
يختلف مبدأ الجنسيات عن مبدأ الأعراق؟ تلك هي المسائل التي يستمسك بها من
له عقل يفكر لكي يكون متفقاً مع ذاته. صحيح أن شؤون العالم لا تنتظم البتة
عن طريق هذا النوع من التعليلات، لكن الرجال المتمرسين يتوقون إلى إدخال
شيء من العقل في هذه المسائل، وإلى إزالة الإبهامات التي تتخبط فيها
النفوس السطحية.

2

لدى سماع آراء بعض المنظرين السياسيين، يخيل إلينا أن الأمة هي قبل كل
شيء سلالة حاكمة، ممثلة لاستيلاء قديم، وأن هذا الاستيلاء حصل تقبله في
البداية، ثم نسيه جمهور الشعب فيما بعد، وبحسب السياسيين المشار إليهم،
فإن جمع المناطق التي قامت به السلالة الحاكمة، عن طريق الحروب، وعن طريق
الزواجات، وعن طريق المعاهدات، ينتهي بانتهاء السلالة التي صنعته. ومن
الصائب جداً القول بأن غالبية الأمم الحديثة قد تم إنشاؤها على يد أسرة
ذات أصل إقطاعي، وهي الأسرة التي عقدت زواجاً مع الأرض وكانت نوعاً ما
نواة لعملية تمركز. إن حدود فرنسا في عام 1789 لم تكن تتمتع بشيء من
المواصفات الطبيعية ولا الضرورية. والمنطقة الواسعة التي أضافتها الأسرة
الكاتبية إلى التخوم الضيقة المرسومة في معاهدة فردان، كانت بالفعل مكسباً
شخصياً لمصلحة هذه الأسرة. ففي الحقبة التي جرت خلالها عمليات الضم، لم
تكن معروفة فكرة الحدود الطبيعية، ولا حق الأمم، ولا إرادة المناطق.
التئام شمل إنجلترا وإيرلندا وإيكوسيا كان كذلك أمراً صنعته سلالة حاكمة.
ولم تتأخر ايطاليا كثيراً كي تصبح أمة، إلا لأن أي بيت من بيوتاتها
العديدة والحاكمة، لم يجعل نفسه، قبل قرننا الحالي، مركزاً للوحدة. إنه
لشيء غريب أن ينال أحد هذه البيوتات اللقب الملكي في جزيرة سردينيا
المغمورة الشأن والتي هي بالكاد أرض إيطالية.(1) هولندا التي أنشأت نفسها
بنفسها بفعل عزيمة بطولية، عقدت، رغم ذلك زواجاً حميماً مع بيت أورانج،
وعرضت بذلك نفسها لأخطار حقيقية حين يأتي اليوم الذي تضطرب أوصال هذا
الاتحاد.

ولكن، هل هذا القانون مطلق؟ كلا، بدون شك. فسويسرا والولايات المتحدة
اللتان تشكلتا على هيئة مجموعات أضيفت تباعاً إلى بعضها البعض، لم يكن
لديهما أي أساس سلالي. ولن أناقش المسألة فيما يتعلق بفرنسا. إذ ينبغي
معرفة ما يخبئه المستقبل. فلنقل فقط بأن هذه الملكية الفرنسية كانت قومية
الطابع بصورة عالية إلى حد أن الأمة استطاعت أن تثبت غداة انهيار الملكية
وبدونها. أضف إلى ذلك أن القرن الثامن عشر كان قد غير كل شيء. لقد عاد
الإنسان، بعد قرون من الوضاعة، إلى الروح القديمة، إلى احترام ذاته، إلى
الفكرة المتعلقة بحقوقه. الكلمات المتحدثة عن الوطن والمواطن استعادت
معناها. وعلى هذا النحو تسنى إنجاز العملية الأكثر جسارة والتي لم يشهد
التاريخ مثيلاً لممارستها، وهي العملية التي يمكن مقارنتها مع ما هو، في
ميدان الفيزيولوجيا، بمثابة محاولة لرد الحياة في هويتها الأولى إلى جسد
انتزع منه الدماغ والقلب.

ينبغي الإقرار إذن بأن الأمة تقوى على الوجود بدون مبدأ سلالي، وبأنه
يمكن لأمم تشكلت على أيدي سلالات حاكمة أن تنفصل عن هذه السلالة بدون أن
يكون ذلك سبباً كي تكف عن الوجود. إن المبدأ العتيق الذي لا يأخذ في
الحسبان سوى حق الأمراء، لم يعد قادراً على الصمود والثبات، إذ فيما عدا
الحق السلالي، هناك الحق القومي. ولكن ما هو المعيار الذي نبني عليه هذا
الحق القومي؟ وبواسطة أي علامة نتعر ف عليه؟ ومن أي واقعة ملموسة نشتقه؟

أ- من العرق، يقول الكثيرون حازمين. إذ أن الانقسامات المصطنعة،
الناجمة عن الإقطاعية، وعن زواجات الأمراء وعن مؤتمرات الدبلوماسيين، عفا
عليها الزمن. وما يبقى ثابتاً وصلباً إنما هو عرق السكان. وهذا هو ما يكو
ن الحق والشرعية. بحسب النظرية التي أعرضها، تملك العائلة الجرمانية،
مثلا، الحق باسترداد أعضاء المذهب الجرماني المبعثرين، حتى ولو لم يطلب
هؤلاء الأعضاء الالتقاء مع بعضهم البعض. وبذلك يكون حق الرابطة الجرمانية
على هذه المنطقة أو تلك أقوى من حق سكان هذه المنطقة تجاه أنفسهم بالذات.
وبهذه الطريقة ينشأ نوع من الحق الأولي مشابه لذلك الذي يستمد ه الملوك من
الحق الإلهي، يستبدل مبدأ الأمم بمبدأ الاتنوغرافيا (الاناسة الوصفية).
إنما هذا الخطأ كبير، وإذا ما قيض له أن يصبح مسيطراً، لأضاع الحضارة
الأوروبية. إذ بقدر ما يكون مبدأ الأمم عادلاً وشرعياً، بقدر ما يكون الحق
الأولي للأعراق ضيقاً وحافلاً بالمخاطر بالنظر إلى التقدم الحقيقي.

نحن نقر بأنه كان لواقعة العرق، في القبيلة والحاضرة القديمتين، أهمية
من الدرجة الأولى، إذ لم تكن القبيلة والحاضرة القديمتان سوى امتداد
للعائلة. في إسبارطة وأثينا كان جميع المواطنين أقرباء بدرجات تزيد أو
تنقص. وكان الشيء ذاته حاصلاً عند بني إسرائيل، وما زال الأمر على هذه
الحال في القبائل العربية. ولننتقل من إسبارطة وأثينا والقبيلة
الإسرائيلية إلى داخل الإمبراطورية الرومانية. الوضع هنا مختلف تماماً.
فقد تشكلت الإمبراطورية في البداية عن طريق العنف، ثم استمرت بسبب
المصلحة، بيد أن هذا المجموع الكبير من المدن ومن المناطق المختلفة مطلقاً
عن بعضها البعض، يوجه إلى فكرة العرق أخطر الضربات وأقواها. المسيحية،
ونظراً لطابعها العالمي والمطلق، تعمل هي أيضا بطريقة أكثر فعالية في ذات
الاتجاه. لقد عقدت المسيحية مع الإمبراطورية الرومانية حلفاً وثيقاً، وقد
نتج عن هذين الفاعلين للتوحيد واللذين لا نظير لهما، إقصاء الحجة
الإتنوغرافية عن إدارة الشؤون الإنسانية لقرون عديدة.

كان اجتياح البرابرة، ورغم المظاهر الخارجية، خطوة إضافية في هذا
الطريق. فعمليات التقطيع التي شهدتها الممالك البربرية لم يكن لها أي أساس
إتنوغرافي; فقد جرت هذه العمليات عن طريق القوة أو تبعاً لنزوة الغزاة.
وفي نظر هؤلاء الغزاة، لم يكن أبدا عرق السكان الذين حصل إخضاعهم أمرا ذا
بال. وقد صنع شارلمان على طريقته ما صنعته روما من قبل: إمبراطورية واحدة
مؤلفة من أكثر الأعراق تنوعاً; كذلك فعل صانعو معاهدة فردان، إذ إنهم
عندما رسموا برباطة جأش الخطين الكبيرين من الشمال إلى الجنوب، لم ينتبهم
أدنى قلق تجاه عرق السكان الموجودين على يمين الخط أو على شماله. وبنفس
الطريقة، حدثت انتقالات الحدود في أعقاب العصر الوسيط، خارج أي اتجاه
إتنوغرافي. وإذا كانت السياسة التي اتبعتها الأسرة الكابتية قد توصلت إلى
أن تجمع تقريباً تحت اسم فرنسا أراضي الغول القديمة، فهذا لا يعني أن
الأمر كان نتيجة لميل هذه البلاد إلى الانضمام إلى شقيقاتها.

فمقاطعات الدوفين، والبريس، والبروفنس، والفرانش- كونته، لم يكن قد
بقي لديها ذكرى أصل مشترك. إذ إن كافة مظاهر الوعي الغولي كانت قد تلاشت
منذ القرن الثاني للميلاد، ولم يتم العثور بصورة استعادية على فردية
الطابع الغولي إلا عن طريق النظرة المتبحرة في أيامنا.

وعليه فان الاعتبار الإتنوغرافي لم يكن له أي شأن في تكوين الأمم
الحديثة. ففرنسا سلتية وإيبرية وجرمانية. وألمانيا جرمانية وسلتية
وسلافية. أما ايطاليا فهي البلد الذي تتعرض فيه الإتنوغرافيا لأشد حالات
الارتباك. إذ تتقاطع فيها، داخل خليط متداخل، عناصر غولية وأتروسية
وبيلازجية وإغريقية، ناهيك عن العناصر الأخرى الكثيرة. كذلك الجزر
البريطانية، فهي تقدم مزيجاً من الدم السلتي والجرماني بحيث يصعب جداً
تعريف المقادير والنسب.

والحقيقة أنه ليس هناك عرق خالص، وإن إرساء السياسة على التحليل
الإتنوغرافي يعني إقامتها على طيف زائل. فالبلدان الأكثر نبالة، أي
إنجلترا وفرنسا وإيطاليا، هي البلدان التي اختلطت فيها دماء السكان أكثر
من غيرها. هل تشكل ألمانيا حالة استثنائية في هذا المضمار؟ هل هي بلد
جرماني محض؟ إنما هذا وهم كبير. إذ إن الجنوب (الألماني) كان كله غوليا.
كما أن الشرق كله، انطلاقا من منطقة الألب، هو سلافي، حتى الأجزاء التي
يزعم أنها حقاً محض جرمانية، هل هي بالفعل كذلك؟ ها هنا نلامس واحدة من
المشكلات التي يجدر بنا أن نكون عنها أفكارا واضحة وأن نحاذر الوقوع في
سوء الفهم.

النقاشات حول الأعراق لا تنتهي، ذلك أن كلمة عرق يأخذها المؤرخون
وفقهاء اللغة (الفيلولوجيون) والاناسيون الفيزيولوجيون في معنيين مختلفين
كل الاختلاف.(2) فبالنسبة إلى الاناسيين، تحمل كلمة العرق المعنى ذاته في
عالم الحيوانات (زوولوجيا)، وتدل على وجود نسب حقيقي، وقرابة قائمة على
الدم، والحاصل هو أن دراسة اللغات والتاريخ لا تؤدي إلى ذات التقسيمات
المعهودة في عالم الفيزيولوجيا. إذ لا مكان في التاريخ وفقه اللغة لكلمات
مثل «البراشيسيفال» و؛الدوليشوسيفال». والمجموعة البشرية التي أنشأت اللغة
والعلوم الآرية حملت داخلها من قبل فئات «البراشيسيفال» و؛الدوليشوسيفال».
ويجدر بنا أن نقول ذات الشيء عن المجموعة البدائية التي أنشأت اللغات
والمؤسسة المعروفة كلها بصفة السامية. فلنقل، بعبارة أخرى، أن الأصول
الحيوانية (الزوولوجية) للإنسانية لهي سابقة بكثير جداً على أصول الثقافة،
والحضارة، واللغة. والمجموعات الآرية البدائية، والسامية البدائية،
والطورانية البدائية، لم تكن تتمتع بأية وحدة فيزيولوجية، هذه التجمعات
إنما هي وقائع تاريخية حصلت في حقبة زمنية معينة، لنقل منذ خمسة عشر ألفا
أو عشرين ألف سنة، بينما الأصل الحيواني (الزوولوجي) للبشرية يضيع في
عتمات زمنية يصعب تقديرها حسابياً. إن ما يطلق عليه فيلولوجيا وتاريخياً
اسم العرق الجرماني هو بالتأكيد عائلة مميزة بوضوح داخل النوع الإنساني.
ولكن هل هي عائلة في المعنى الأنثروبولوجي للكلمة؟ بالطبع لا. إذ إن ظهور
فردية جرمانية في التاريخ لم يتحصل إلا قبل المسيح بقرون قليلة جداً. ولم
يخرج الجرمانيون إلى النور في تلك الحقبة، على ما يبدو. فقبل ذلك، ونظراً
لانصهارهم مع السلافيين في كتلة من «السكيت» لا تمييز فيها، لم يكن
الجرمانيون يتمتعون بشخصية فردية على حدة. الإنجليزي هو حقاً نموذج متفرد
داخل مجموع الإنسانية. بيد أن النموذج الذي يطلق عليه جزافاً اسم العرق
الانجلو- سكسوني(3)، ليس البريتون زمن القيصر، وليس الانجلو- سكسوني زمن
هنغيست، وليس الدانماركي زمن كنوت، وليس النورماندي زمن غييوم الفاتح، انه
محصلة كل ذلك. ليس الفرنسي غولياً، ولا فرنجياً ولا بورغندياً.

بل هو ما خرج من آنية الطهو الكبيرة حيث تخمرت سوياً، برعاية ملك
فرنسا، العناصر الأكثر تنوعاً. والإنسان القاطن في منطقة «جيرسي»، أو في
منطقة «غيرنيسي» لا يختلف في شيء، من جهة الأصول، عن سكان النورماندي
القاطنين على الضفة المجاورة. وفي القرن الحادي عشر الميلادي، لم يكن في
مقدور أي عين نفاذة أن تلحظ بين جهتي القناة أدنى اختلاف. إن ظروفا لا
معنى لها هي التي جعلت فيليب- أوغست يحجم عن أخذ هذه الجزر مع باقي
النورماندي. ولئن عاش سكان المنطقتين منفصلين عن بعضهم البعض منذ قرابة
سبعمائة عام، فإنهم ما عادوا فحسب أجانب في نظر بعضهم البعض، بل أصبحوا
متنافرين تماماً. العرق، كما نفهمه نحن، المؤرخين الآخرين، إنما هو شيء
يتحصل وينفرط. إن دراسة العرق أساسية في نظر العالم المنكب على تاريخ
الإنسانية، ولكن ليس لها مجال تطبيق في السياسة. فالوعي الغريزي الذي تصدر
عملية إعداد خريطة أوروبا لم يحسب أي حساب للعرق، وأول الأمم في أوروبا هي
أمم قائمة جوهرياً على اختلاط دماء أبنائها.

إن واقعة العرق، الأساسية في الأصل، تروح إذن تخسر دائما من أهميتها.
التاريخ الإنساني يختلف جوهرياً عن عالم الحيوانات (الزوولوجيا). والعرق
ليس كل شيء في هذا التاريخ، كما هي الحال لدى القواضم والكواسر، وليس
لدينا الحق أن نجوب الدنيا لفحص جماجم الناس، ثم نمسكهم من أعناقهم لنقول
لهم: «أنت من دمنا، أنت منا! إذ خارج الطبائع الأنتروبولوجية، هناك العقل،
والعدالة، والصواب، والجمال، وهي أمور موجودة بعينها لدى كافة البشر،
انظروا، هذه السياسة الإتنوغرافية غير مضمونة النتائج. تستغلونها اليوم ضد
الآخرين، ثم ترونها بعد ذلك تنقلب عليكم بالذات. إذ ما الذي يؤكد للألمان،
الذين رفعوا عالياً راية الإتنوغرافيا، بأنهم لن يروا السلافيين يأتون
بدورهم ليحللوا أسماء القرى في منطقتي «الساكس» و»اللوزاس» ويبحثوا عن
آثار «الويلتزس» أو «الاوبوتريتيين»، ثم يطلبون حساباً للمجازر ولعمليات
البيع الكبيرة والكثيرة التي اقترفها «الأوتون» في حق أجدادهم؟ من المفيد
للجميع أن يعرفوا كيف ينسون ذلك.

إنني أحب الإتنوغرافيا كثيراً; فهي علم ذو فائدة نادرة الوجود، ولئن
كنت أريد لهذا العلم أن يكون حراً، فأنني أريده بدون تطبيقات سياسية. ففي
الإتنوغرافيا، كما في سائر الدراسات، النظم تتغير، وهذا هو شرط التقدم.
فهل تتغير الأمم، إذن، بتغير النظم؟ في هذه الحال، فإن حدود الدول ستتبع
تموجات العالم. وستخضع النزعة الوطنية لعملية شرح تحمل قدراً من المفارقة
يقل أو يزيد. إذ قد يأتي البعض ويقول للوطني: «لقد أخطأت، لقد سفكت دمك من
أجل هذه القضية أو تلك; كنت تظن أنك سلتي، ولكن لا، أنت جرماني». ثم ، بعد
عشر سنوات، سيأتي البعض ليقول لك بأنك سلافي. ولكي لا نعرض العالم
للتزوير، فلنعفه من الإدلاء برأي في هذه المشكلات التي توظفت فيها مصالح
كثيرة. ففي حال ما ألقينا على العلم مهمة منح الدبلوماسية عناصر معينة،
كونوا واثقين بأننا سنمسكه (العلم) غير مرة ملتبساً بالجرم المشهود،
مفصحاً عن المحاباة والتواطؤ.

أمام العلم ما هو أفضل من ذلك: فلنطلب منه بكل بساطة إجلاء الحقيقة.

ما قلناه آنفا عن العرق، ينبغي قوله عن اللغة. فاللغة تدعو إلى
الالتقاء، لكنها لا تكره أحداً على ذلك. الولايات المتحدة وإنجلترا، كذلك
أمريكا الإسبانية وإسبانيا، تتحدث بذات اللغة ولا تشكل أمة واحدة. وعلى
العكس من ذلك، نرى سويسرا، ذات النشأة الناجزة حقاً، لأنها تشكلت من توافق
أجزائها المختلفة، نراها تشتمل على ثلاث أو أربع لغات. ثمة في الإنسان شيء
يفوق اللغة: إنه الإرادة. إرادة سويسرا في أن تكون موحدة بالرغم من تنو ع
لغاتها، لهو أمر يفوق في أهميته كل تشابه لغوي يتم الحصول عليه غالبا عن
طريق الإرغام وضروبه.

من المشرف لفرنسا أنها لم تسع أبدا إلى تحصيل وحدة لغتها عبر إجراءات
قائمة على الإكراه. ألا يمكن للناس أن يتمتعوا بذات المشاعر وبذات
الأفكار، وأن يحبوا ذات الأشياء بلغات مختلفة؟ كنا نتحدث منذ قليل عن
المساوئ التي تنطوي عليها عملية إلحاق السياسة الدولية بمقتضيات
الإتنوغرافيا. لن يقل الأمر سوءاً حين نلحق السياسة الدولية بفقه اللغة
(الفيلولوجيا) المقارن. فلندع لهذه الدراسات الشيقة كامل حريتها في
المناقشات، ولكن حذار أن نجعلها تتدخل فيما يعكر صفاءها. ذلك أن الأهمية
السياسية التي يعلقها البعض على اللغات، إنما تتأتى من النظر إليها كما لو
أنها علامات تدل على العرق. ما من شيء أكثر خطأ من هذه النظرة. فلنعلم أن
بروسيا، التي لا يتحدث الناس فيها الآن سوى الألمانية، كانت تتكلم
السلافية منذ بضعة قرون، ولنعلم أن بلاد الغال تتكلم الإنجليزية; وأن
منطقة الغول وإسبانيا تتكلمان اللغة البدائية لمنطقة «الألب الطويلة»; وأن
مصر تتكلم العربية، ونكتفي بهذا لأن الأمثلة على ما نقول لا تحصى. حتى لو
نظرنا إلى الأصول، فإننا سنجد أن التشابه في اللغة لا يستدعي تشابهاأ في
العرق. ولنأخذ مثل القبيلة الآرية- النموذجية أو السامية- النموذجية سنجد
أنها ضمت عبيداً كانوا يتحدثون ذات اللغة التي يتحدث بها أسيادهم، علماً
بأن العبد كان في تلك الأيام ينتمي غالباً إلى عرق أدنى من عرق سيده،
فلنكرر إذن مقولتنا: إن تقسيمات اللغات إلى هندو- أوروبية وسامية وغير
ذلك، وهي التقسيمات التي ابتكرها عالم فقه اللغة المقارن بطريقة ثاقبة
تستحق الإعجاب، لا تتطابق مع التقسيمات التي أنشأها علم الأناسة
(الأنتروبولوجيا). اللغات تشكيلات تاريخية، وهي قلما تدل على دماء الذين
يتحدثون بها، ولا ينبغي لها في مطلق الأحوال أن تقيد الحرية الإنسانية
عندما يتعلق الأمر بتحديد الأسرة التي نتحد بها في الحياة وحتى الممات.

هذا التقدير الحصري للغة، مثله مثل الاهتمام المفرط المعطى للعرق،
ينطوي هو أيضا على أخطار وسلبيات. وعندما نبالغ في ذلك فإننا نسجن أنفسنا
داخل ثقافة محددة نعتبرها ثقافة قومية، وبذلك نضيق الحدود على أنفسنا،
وننعزل. نترك الهواء الكبير الذي نتنفسه داخل الحقل الشاسع للإنسانية كي
نحبس أنفسنا في وحدات اصطلاحية ملفقة لوطنيين ضيقي الأفق. وما من شيء أضر
بالروح من هذا. ولاشيء أسوأ من هذا على الحضارة. فلنعاهد أنفسنا على عدم
التخلي عن هذا المبدأ الأساسي، وهو أن الإنسان كائن عاقل وأخلاقي، قبل أن
يكون معلباً داخل هذه اللغة أو تلك، وقبل أن يكون عضواً في هذا العرق أو
ذاك، ومنتسبا إلى هذه الثقافة أو تلك. إذ قبل الثقافة الفرنسية، وقبل
الثقافة الألمانية والثقافة الإيطالية، هناك ثقافة إنسانية. انظروا إلى
رجالات النهضة الكبار، لم يكونوا فرنسيين ولا إيطاليين ولا ألمانا. لقد
عثروا من خلال تعاملهم مع الأزمنة القديمة على سر التربية الحقيقية للروح
البشرية، ونذروا أنفسهم لذلك جسداً وروحاً. لكم كان صنيعهم جيداً!

ج- الدين هو أيضا لا يسعه أن يقد م الأساس الكافي لإنشاء جنسية حديثة.
كان الدين، في الأصل، متصلاً بوجود المجموعة الاجتماعية في حد ذاته. وكانت
المجموعة الاجتماعية توسعاً للعائلة. فالديانة والطقوس كانت طقوس العائلة.
ديانة أثينا إنما هي عبادة أثينا بالذات، عبادة مؤسسيها الأسطوريين،
قوانينها، عاداتها الجارية. ولم تكن تستدعي أية صيغة من صيغ اللاهوت
العقائدي (الدوغمائي). هذه الديانة كانت بكل معنى الكلمة وقوتها ديانة
دولة. ولا يعد أثينياً من يرفض ممارستها. لقد كانت في العمق عبادة
للاكروبول المشخصن. أن يقسم المرء أمام معبد أغلور،(4) كان يعني أنه يعطي
العهد على إن يموت في سبيل الوطن. هذه الديانة كانت ما يعادل لدينا عملية
القرعة العسكرية، أو عبادة العلم. وكان رفض الاشتراك في هذه العبادة أشبه
برفض الخدمة العسكرية في مجتمعاتنا الحديثة. إذ كان هذا الرفض يعني أن
صاحبه ليس أثينيا. ومن الواضح، من ناحية أخرى، أن هذه العبادة لم يكن لها
معنى في نظر من لا يكون من أثينا، لذا لم يكن هناك نشاط تبشيري لإجبار
الأجانب على تقبل هذه العبادة، فالعبيد في أثينا ما كانوا يمارسونها. وقد
كان الأمر كذلك في بعض الجمهوريات الصغيرة في العصر الوسيط.

إذ لم يكن المرء يعتبر ابناً باراً من أبناء البندقية إذا لم يحلف
بحياة سان مارك، ولم يكن المرء يعد «امالفيتيا» طيبا إذا لم يضع سان
أندريه فوق سائر القديسين الآخرين في الجنة. وما سيجري اعتباره لاحقاً، في
هذه المجتمعات الصغيرة، ضروباً من الاضطهاد والطغيان، كان من قبل شرعياً
وكان يترتب عليه تبعات قليلة، شأنه في ذلك شأن قيام المرء عندنا بالاحتفاء
برب العائلة وبتوجيه أحر الأمنيات له في أول يوم من أيام السنة.

ما كان صحيحا في إسبارطة وأثينا، كف من ذي قبل عن أن يكون صحيحاً في
الممالك الخارجة عن فتوحات الإسكندر، ولم يعد صحيحاً في الإمبراطورية
الرومانية على وجه الخصوص. إن عمليات الاضطهاد التي قام بها انطاكيوس
أبيفان لإرغام الشرق على عبادة جوبيتر الأولمبي، كما عمليات الاضطهاد التي
قامت بها الإمبراطورية الرومانية من أجل المحافظة على الديانة المزعومة
للدولة، كانت كلها خطأ وجريمة، وعبثية حقيقية. وقد أصبح الوضع في أيامنا
في غاية الوضوح. لم يعد هناك جماهير تؤمن بطريقة واحدة وشكل واحد. كل
إنسان يؤمن ويتعبد كما يحلو له، بحسب قدرته وكما يريد. لم يعد هناك دين
دولة، نستطيع أن نكون فرنسيين، أو إنجليز، أو ألمان، ونكون في الوقت ذاته
كاثوليكيين أو بروتستانتيين أو إسرائيليين. فقد أصبح الدين شأناً فردياً،
شأناً يخص ضمير كل واحد. إن تقسيم الأمم إلى أمم كاثوليكية وبروتستانتية
ما عاد موجوداً. والدين الذي كان منذ اثنين وخمسين عاماً عنصراً شديد
الأهمية في تكوين بلجيكا، يظل يحتفظ بكامل أهميته في قلب كل واحد، إلا أنه
خرج تقريبا بالكامل من دائرة الاعتبارات التي بموجبها ترسم حدود الشعوب.

د- الاشتراك في مجموعة مصالح هو بالتأكيد رابطة قوية بين البشر. ولكن
هل تكفي المصالح لبناء أمة؟ أنا لا أعتقد ذلك، فجماعة المصالح تعقد
معاهدات تجارية. وثمة في الجنسية جانب يتصل بالمشاعر; إنها نفس وجسد في
آن، إن «الزولغيرين» (الاتحاد الجمركي) لا تشكل وطنا.

ه-- الجغرافيا أي ما نسميه بالحدود الطبيعية، تحظى قطعاً بنصيب كبير
في عملية تقسيم الأمم. فالجغرافيا هي أحد العوامل الأساسية للتاريخ.
الأنهار ساقت الأعراق، والجبال أوقفتها عن مسيرتها. الأولى شجعت الحركات
التاريخية فيما حدت الثانية (الجبال) منها. هل يمكننا مع ذلك أن نقول، كما
يعتقد بعض الفرقاء، أن حدود أمة ما مكتوبة على الخريطة، وبأن من حق هذه
الأمة الاستيلاء على ما هو ضروري لتوسيع بعض أطرافها، لبلوغ هذا الجبل أو
هذا النهر، إذ ينظر إليه كأنه يتمتع بنوع من الملكة القادرة مسبقا على
إقامة الحد ؟ أنا لا أعرف مذهباً أكثر تعسفا وأكثر شؤماً من هذا الاعتقاد.
ذلك أنه يسمح بتبرير كافة عمليات العنف، ولنتساءل هنا، وقبل كل شيء، هل
الجبال أم الأنهار هي التي تشكل هذه الحدود الطبيعية المزعومة؟ الشيء
المؤكد الذي لا جدال فيه هو أن الجبال تفصل، بينما الأنهار تجمع. يضاف إلى
ذلك أن الجبال ليست كلها مؤهلة لرسم حدود الدول. فأي الجبال إذن تفصل وأي
الجبال لا تفصل؟ وعلى الطريق الممتدة بين «بياريتز» و؛تورنيا» لا يوجد
ملتقى نهري يتمتع أكثر من غيره بطابع حدي. ولو شاء التاريخ، لكان لأنهار
«اللوار» و؛السين» و؛الموز» و؛الألب» و؛الأودر»، مثلها مثل نهر «الرين»،
سمة الحد الطبيعي هذه والتي قادت إلى ارتكاب شتى المخالفات تجاه الحق
الأساسي وهو إرادة البشر. يتحدثون عن أسباب استراتيجية، ليس هناك شيء مطلق
كل الإطلاق. ومن الواضح انه ينبغي تقديم تنازلات فعلية تقتضيها الضرورة.
ولكن لا ينبغي لهذه التنازلات أن تذهب بعيداً وأكثر من اللازم، وإلا فان
الناس كلهم سيطالبون بما يناسب اعتباراتهم العسكرية، وهذا سيؤدي إلى حرب
لا نهاية لها، لا، ليست الأرض هي التي تصنع، أكثر من العرق، أمة من الأمم.
الأرض تقد م المادة، حقل الصراع والعمل، أما الإنسان فيقد م الروح.
الإنسان هو الأساس كله في تكوين هذا الشيء المقدس الذي نطلق عليه اسم
الشعب. والشيء المادي، مهما بلغ شأنه، لا يكفي لذلك، الأمة مبدأ روحي،
تحصل من تعقيدات التاريخ العميقة، الأمة عائلة روحية، لا مجموعة محددة
بترسيمة الأرض.

لقد رأينا آنفا ما لا يكفي لخلق مثل هذا المبدأ الروحي: العرق، اللغة،
المصالح، الانسجام الديني، الجغرافيا، الضرورات العسكرية. هل ثمة بعد ما
يجب إضافته إلى ما سبق؟ ما عاد لي، بعد الذي قلته آنفا، أن استحوذ طويلا
على انتباهكم.

3

الأمة نفس، مبدأ روحي. هناك شيئان، هما في الحقيقة شيء واحد، يكونان
هذه النفس وهذا المبدأ الروحي. الشيء الأول قائم في الماضي، والثاني في
الحاضر، الشيء الأول هو الامتلاك المشترك لإرث غني من الذكريات; الشيء
الثاني هو التوافق الحالي، الرغبة في العيش سوياً، والإرادة القاضية
بمواصلة الجهد لإعلاء شأن ما وصل إلينا غير مجزأ. الإنسان، أيها السادة،
لا يرتجل نفسه ارتجالاً. والأمة، مثلها مثل الفرد، إنما هي مآل ماض طويل
حافل بالجهود والتضحيات ونذر الأنفس، إن عبادة الأسلاف لهي من بين سائر
العبادات الأكثر شرعية; فالأسلاف جعلونا نكون ما نحن عليه اليوم. الماضي
البطولي، الرجالات الكبار، المجد (أقصد بذلك المجد الحقيقي)، تلك الأشياء
هي الرأسمال الاجتماعي الذي نقيم عليه الفكرة القومية. أن تكون هناك أمجاد
مشتركة في الماضي وإرادة مشتركة في الحاضر، أن نكون قد صنعنا سوياً مآثر
كبيرة، وأن نريد صنع المزيد منها، تلك هي الشروط الأساسية لنشوء شعب.
الناس يحبون تبعاً لنسبة التضحيات التي بذلوها، ولنسبة الشرور التي عانوا
منها. إننا نحب البيت الذي بنيناه والذي نورثه. إن النشيد الإسبارطي
القائل: «نحن ما كنتم، وسنصبح ما انتم عليه»، لهو في بساطته النشيد
المختصر لكل وطن.

أن يكون لنا في الماضي إرث من المجد والحسرات نتقاسمه، وفي المستقبل
برنامج بعينه نعمل على تحقيقه; أن نكون قد عانينا وابتهجنا وأهلنا سوياً،
لهو أمر تفوق قيمته الحدود الجمركية المشتركة والحدود المطابقة للأفكار
الاستراتيجية; وهذا ما يفهمه الناس بالرغم من تنوعات العرق واللغة. كنت
أقول منذ قليل: «أن نكون قد عانينا سويا»; نعم، المعاناة المشتركة توقد
أكثر من الفرح. فبالنظر إلى الذكريات المشتركة، نجد أن حالات الحداد تفوق
في قيمتها حالات الانتصار، ذلك أنها تملي علينا واجبات; وتتطلب منا جهداً
مشتركاً.

الأمة هي إذن تضامن كبير تشكل من الشعور بالتضحيات التي بذلناها سابقا
والتي نحن جاهزون لبذلها من بعد. الأمة تفترض وجود ماض، ومع ذلك نراها في
الحاضر تتلخص بأمر ملموس: انه التوافق والرغبة الصريحة العبارة في مواصلة
الحياة المشتركة. وجود الأمة هو (اعذروني على هذا التشبيه) عملية استفتاء
شعري تحصل في كل الأيام، كما أن وجود الفرد هو التأكيد المتواصل على
الحياة. أوه! أعرف أن هذا الكلام أقل ميتافيزيقية من الحق الإلهي، وأقل
فظاظة من الحق المزعوم بأنه تاريخي. ففي نظام الأفكار التي أعرضها أمامكم،
ليس للأمة حق أكثر مما للملك حق في أن يقول لمنطقة من المناطق: «أنت ملكي
وإني لآخذك». فالمنطقة بالنسبة إلينا، هي سكان هذه المنطقة; وإذا كان لأحد
الحق في أن يستشار في هذا الشأن، فهو ساكن هذه المنطقة. ليس من مصلحة
حقيقية لأمة أن تضم إليها أو أن تمسك برقاب بلد رغما عنه. تمنيات الأمم هي
قطعاً المعيار الشرعي الوحيد، الذي ينبغي أن نرجع إليه دائماً.

لقد طردنا من نطاق السياسة التجريدات الميتافيزيقية واللاهوتية. ماذا
يبقى بعد هذا؟ يبقى الإنسان، رغباته وحاجاته. ستقولون لي إن الانفصال
وتفتت الأمم على المدى الطويل، هما النتيجة التي يسفر عنها نظام يخضع هذه
الأجسام القديمة لرحمة إرادات هي في غالب الأحيان قليلة التنور، من الواضح
أنه في ميدان كهذا لا ينبغي أن ندفع أي مبدأ أكثر من اللازم. إذ إن مثل
هذه الحقائق لا تنطبق إلا في مجموعها وبطريقة عامة جداً. الإرادات البشرية
تتغير، ولكن ما الذي لا يتغير في هذا العالم الأرضي؟ الأمم ليست شيئاً
أبدياً. لقد بدأت وستنتهي. ومن المرجح أن الكونفيدرالية الأوروبية ستحل
محلها. ولكن هذا ليس قانون العصر الذي نعيش فيه. ففي الوقت الراهن، وجود
الأمم أمر جيد، بل ضروري، إذ إن وجودها هو ضمانة الحرية التي ستضيع إذا لم
يعد في العالم سوى قانون واحد وسيد واحد.

نظراً لملكاتها المتنوعة، والمتعارضة غالباً، تخدم الأمم المأثرة
المشتركة للحضارة، فكلها تجلب نوطة إلى المعزوفة الكبرى للإنسانية والتي
هي، في المحصلة، أرقى أشكال الواقع المثالي الذي يسعنا أن نبلغه. عندما
تكون الأمم معزولة تكون حصصها ضعيفة. أقول لنفسي غالبا أن الفرد الذي لديه
عيوب تعدها الأمم خصالا جيدة، والذي يتغذى من مجد لا طائل منه، والذي يكون
غيوراً وأنانياً ومشاكساً إلى هذا الحد ، والذي لا يستطيع تحمل شيء بدون
أن يشهر سلاحه، لهو إنسان لا يطاق أكثر من غيره من البشر. غير أن كل هذه
التنافرات التفصيلية تتلاشى داخل المجموع. مسكينة أنت أيتها الإنسانية!
لكم عانيت! وكم من الشدائد ما تزال تتربص بك! عسى لروح الحكمة أن ترشدك كي
تقيك من شتى الأخطار التي تعتور طريقك!

ذاكم أيها السادة ملخص كلامي، ليس الإنسان عبداً لعرقه، ولا للغته،
ولا لديانته، ولا لمجرى الأنهر، ولا لاتجاه سلاسل الجبال، إن تجمعا كبيراً
من البشر، ذا روح سليمة وقلب حار، يولد وعياً أخلاقيا اسمه الأمة.وطالما
أن هذا الوعي الأخلاقي يبرهن عن قوته عبر التضحيات التي يقتضيها تنازل
الفرد لمصلحة الجماعة، فإن هذا الوعي شرعي وله الحق في الوجود.

وفي حال ما قامت شكوك حول حدوده، استشيروا السكان المتنازع عليهم.
فلهؤلاء بالفعل الحق في إعطاء رأيهم في المسألة. هاكم ما سيجعل المتعالين
في السياسة يبتسمون، هؤلاء المعصومون الذين يقضون حياتهم في تضليل أنفسهم،
والذين ينظرون إلينا، من أعلى مبادئهم المتفوقة، فتأخذهم الشفقة على
تفكيرنا الملتصق بالحضيض. «استشيروا السكان، تبا لهذا الكلام! ما هذه
السذاجة! تلكم بالفعل الأفكار الفرنسية البائسة التي تطمح إلى تبديل
الدبلوماسية والحرب بوسائل تنم عن سذاجة صبيانية). فلننتظر أيها السادة;
ولندع عهد المتعالين يمر ; ولنعرف كيف نتلقى سخرية الأقوياء. فربما، بعد
الانتهاء من التلمسات اللامجدية، سيعودون إلى حلولنا التجريبية المتواضعة،
إن الوسيلة التي تجعل الإنسان محقاً في المستقبل هي، في أوقات معينة، أن
يعرف كيف يقنع بكونه عتيقاً لا يجاري ما هو شائع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

ما هي الأمة :: تعاليق

هشام مزيان
رد: ما هي الأمة
مُساهمة السبت يناير 05, 2013 2:17 pm من طرف هشام مزيان
.
 

ما هي الأمة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» الإسلاميون بين الأمة والدولة
» الحاكمية الالهية .. حكم الأمة والشعب.
» الأمة في مواجهة مشاريع التفتيت
» اذا خسرت الأمة بسيطرة العقل الفقهي ؟
» الواقع الدولي ومستقبل الأمة

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: