2011-10-29 الحداثة الدينية في مأزق المسبق المعرفي
|
| |
في سياق مقولة "الحداثات الدينية"، هناك من يطرح حداثته الدينية كنسق ٍ
تجديدٍ لقراءة النص والمفهوم والحياة والكون والآخر..الخ، وقد كان للناقد
علي الديري بحث عن تلك الحداثة من منظور علم الكلام الجديد، في الحين الذي
لم يستقر علم الكلام الجديد "معرفيا" لكي تؤسس عليه مقولات من هنا وهناك!!
الحداثة الدينية-حسب الديري-مهمتها تكمن في إجابة خمسة أسئلة محورية، هي: ما الفهم؟
هل يملك خطابنا الديني نظريات ابستمولوجية/معرفية في الفهم؟ هل استثمر هذا
الخطاب ما تنتجه العلوم الإنسانية الحديثة، من نظريات في التفسير والتأويل
والفهم والقراءة؟ إلى أي حد يضع هذا الخطاب في اعتباره تباين السياقات
التاريخية والثقافية واختلاف القبليات/المسبقات القرائية والأدوات العلمية
واستراتيجيات التأويل في تفسير الاختلاف تفسيراً معرفياً؟ متى يفقد
الاختلاف شرعيته؟ وهل الشرعية تاريخية؟ وهل هي بمنأى عن الاختلاف؟
الإشكال الديني لو تمحور في نسق ما بفتح المساحات للوصول لفهم النص، دون
أن تكون تلك "الكيفية" مشروطة بشروط دينية أخرى، سيكون لزاما لذلك، هو
إمكان فك الدين من جذوره وإعادة صوغه حسب فهم المؤسسة أو الفرد أو
المجتمع...الخ.
وكما أنه من الطبيعي عدم إمكان المهندس المدني بالتصرف بزراعة كلية في جسد
مريض، فإنه من الطبيعي أيضا أنيكون مفهوم التصرف ، مفهوما محدودا حسب
المؤونة والمقدرة.. ومع ذلك فالتصرف كما يورده الديري في بحثه المذكور لا
يخضع لهذا المعيار لأن (هذا المعيار-عند الديري- يفقد الإنسان صفته
المميزة حين يجمد على علم واحد لا يشقق منه علوماً مختلفة تنتج مناظير
مختلفة للحياة، يرى من خلالها الله ومخلوقاته وذاته في تعددها
واختلافها.كما أنه يفقدها حين يجمد على صناعة واحدة لا يجددها ولا يطورها
ولا يحولها). هناك عموم وخصوص من وجه في صحة تفسير الديري لمفهوم التصرف
(وهو تفسير "في الأصل" لابن حزم)، فقد يمكن تشقيق علوم مختلفة من علم ما،
وقد لا يمكن ذلك أبدا.
من هنا يمكن قراءة المزلق الكبير الذي وقع فيه مفهوم الحداثة الدينية، وهو
الوضوح التام في تلبيس مسبقات ٍ حداثية لا ناقة للدين فيها ولا جمل، من ثم
إضافة كلمة (دينية) لها، ربما لشرعنتها، أو لفك الحصار الرمزي عنها،
كغيرها من المفاهيم الحديثة الطارئة.
إذن يبقى السؤال مفتوحا-وكما طرحه علي الديري-هل يمكن الحديث عن حداثة دينية من منظور علم الكلام الجديد؟؟
الاشكاليات المطروحة على علم الكلام الجديد ليست مجيشة جملة وتفصيلا، بل
هناك من الاشكاليات التي تعتبر عميقة حد الغرق في تشابكها، وقد طرحت في
أكثر من محفل في إيران، وهي: هل الأقيسة مساحة يعتد بها لاستنطاق النص
القرآني؟ وهل العلم "مركب اعتباري" محض؟ وهل العقيدة هي فعلا تتعلق بموضوع
العالم الفوقي ولا تتعلق بدنيوية الأمور؟ وهل التأسيس العقائدي يغدو
تخريجة سياسية بحتة تبحث عن شرعية لسلطتها، لمجرد وجود نماذج تاريخية تدلل
على ذلك؟ وإذا كان "البعض" فهم الدين عبر الفلسفة والمنطق، فهل ذلك يعني
أن المشارب الدينية تقع في نفس بؤرة الفهم لتــُـحاكم بنفس الحكم؟ هل هناك
مشكلة في فهم الدين، أم المشكلة في دين الفهم؟؟
مسبقات الحداثة الدينية لا تطرح إشكالية على الفهم الديني بقدر ما تخلق
مشكلات لأسسس دينية، ذلك لأن القرآن لا يحتاج لهذه العواصف لتبرير فهمنا
له، ولا تعني مسبقات بعض الفرق الدينية (المعرفة من الدرجة الأولى كما
يسميها عبد الكريم سروش) إلا اجتهادا يتحمل أصحابه تبعاته، ولعل حيثيات
المناهج المختلفة والتي أُسست للفهم الديني وغير الديني هي التي دكت
الحدود المنطقية للدين وبالتالي دعت تلقائيا إلى الأفهام المختلفة مما حذى
للاجتهاد في الدين وشرعنة المسبقات كلا ومقاسه المناسب.
لا بد إذن للجواب الصريح عن سؤال قديم متجدد: ما هو الحل مع اختلاف الفرق
وتداعيات ذلك الاختلاف؟ الجواب يكمن في مدى تمسكنا بالثابت من الدين،
والذي يحتاج لتنقيح تاريخي عميق، سيستغرق انتظاره المزيد من تلبد المناهج
الجديدة في سماء الدين النقي