2012-08-15 التفكير في رهانات الدين والحداثة اليوم
|
| |
ماذا تعني "رهانات الدين والحداثة " ســــــــــــؤال
ضخم . ولان المقام لايتسع للحجاج والتدليل فنختصره بالاشارة والاحالة ، أنه
موضوع يثير اكثر من إمكان للتفكر ويتطلب حدا جامعا وضبطا مانعا لصعوبات
الاستعمال المنهجي للمفاهيم.
تتطلب مًفْهمة الخطاب لا سرْديًات القول عن العلاقةِ البنيويةِ ، ومجريات
الأوضاعِ التاريخيًةَ للدينِ والحداثةِ تحديدَ زوايا النظر ما اذا كانت من
باطنِ التقليًد الديني تجاه الحداثة ، او من منظورِ الحداثةِ في تصورها
لدينِ مُتماهيا مع تقليده التاريخي ، أو معنى انتجهٌ ذلك التقليًد له ثبات
مقولاته الصورية ، أذ " تَميلُ النظرياتُ الى الثباتِ والوحدة كُلما ابتعدت
عن ملامسة التجربة " كما يقول كوايًن – من وجهة نظر منطقية - ؛وهكذا هي
مقولات الدين هنا ، او محاولة تقديم بديل هو: دين – في- عصر الحداثة ؛ أيً
دين مفهوما على مقتضى الحداثة.
المسيحية والحداثة مثالا
تعيين ايً الأديان مقصودا ، يُـشخص سياقاته التاريخية ويعيًن بنيًته
الفكرية . فاذا كان القول – مثلا - عن اشكال العلاقة بين المسيحية الغربيًة
والحداثة اصبح التشخيص معروفا. فالمسيحية التي أُستغرقت في عالم الحداثة
راجعت مفاهيمها وراجـحت ممكن خياراتها مايـُعدَ ملائما لفضاء الحداثة. ، و
واجهت السؤال ماذا يمكن ان يقدم الدين في الأزمنة الحديثة وحاولت أن تقدم
أجابات للأنسان الغربي .
الاسلام و الحداثة
لكن مكمن الصعوبة عندما يكون الدين هو الاسلام و الحداثة – النموذج هي
الليبراليًة بوصفها النمط الحاصل- القابل للتبنيً او الاستلهام منها رغم
وعي الفارق بين الممكن والحاصل ؛ لأن الإسلام لم يواجه تحديات من قبل
الحداثة تتطلب منه مراجعة حقيقية لمقولاته وأحكامه، اذ ظل العقل الإسلامي
يعيد نفس أحكامه بواسطة نفس مناهجه القديمة أو التي تمثل مرحلة ماقبل
الحداثة ، كذلك ظلت دعوات التجديد والإصلاح محدودة التأثير على الوعي
الإسلامي . و ايضا هناك الصعوبة الناتجة من عوامل لاتماثليًة مرجـًحة قيام
احد انماط العلاقة بين الإسلام والحداثة ، و ايهما اسبق حامل اجتماعي
للحداثة يـُحدًث الإسلام ام قيام إسلام متظافر مع الحداثة. فالعلاقة في دور
لامخرج منه ، ربما ، الا بوضع – شرط استثناء خارج النسق القائم ، لايجود
به التاريخ الا نادرا، حالة استنارة في ظرفية تاريخية تتماسس لتستمر ولكن
لا المستنير يؤسس ولا المؤسسة تتاسس ، لذا تبقى صعوبة كاداء .
الى أيً مدى يمكن القول أن درجة الاستعداد المجتمعي لفهم الدين برؤية جديدة
عنصراً حاسماً في إنجاز الحداثة؟ هذا يتطلب أجتهادا مطلقا لإثبات حجية
الدين في مهمة التحديث بوصفه معطىً جاهزا لهذا الدور ؛ وأنْ يكون قادرُ –
ايً الدين -- على لعبِ دورا فاعلا في مسألةِ تحديث المجتمعات الإسلامية
وإنجاز نمط من " الحداثة الإسلامية " . أيً أن هكذا ربط يضع فرضا يحتاج
تدليل وهو : الدين رافعة اساسية في إنجاز مشروع حداثة العالم الإسلامي والا
لما رهانات الصراع او التظافر بين الطرفين اصلا .
يتطلب تركيب صيًرورة العلاقة بين الإسلام والحداثة وضع الإسلام في سياقه
التاريخي اولا ، و المعاصر ثانيا ، فبدونهما لا تقوم له علاقة بالحداثة
بوصفها منجز بشري ، متحولة الانماط تاريخيًا، متبدلة الاشكال فعليًا،و لا
يكون بالتالي هناك رهانات لهذه العلاقة في امكانات تشكلها منطقيا وتاريخيا ؛
لانها تبقى علاقة قائمة بين طرفين مختلفين أحدهما مجرد و الآخر تاريخي ،
مما يؤدي الى فقدان التبادلية والتفاعليًة و هيً بهذه الصيغة تَـلغي الرهان
اصلا ، ويكون لها نمطأ واحدأ ناتجأ عن بعد واحد . فالعلاقة التي ينتـُجَ
عنها رهانات لا تتصل بـــــ معنى واحد كلي ميتافيزيقي جوهري للدين .
الرهان والعلاقة :
الأمكان الاخر الذي يفتحه محور " رهانات الدين والحداثة " في مايخص الاسلام
تشخيصا هو السؤال. ماذا يعنيً رهانات الدين والحداثة اليوم، انه سؤال معقد
التركيب مفهوميًا- منطقيًا ، وبنيويًا – علائقيًا ، وتاريخيًا - فعليًا ،
فـرهانات تعني هنا العلاقة المتحولة والمتبدلة بين الطرفين بما لايتوقع
مسبقا عن شكلها لانها تحمل مالايحصًى من الاحتمالات الممكنة، بمعنى هناك
صور لشكل العلاقةِ بين العناصر المقومة لهذه العلاقة الداخلة في عمليًةِ
الرًهان تتبدل كلما تغيًر أو تحرك احد العناصر وهو حال سيًال ، او كما يقول
اركون " رهانات هنا انخراط كل متكلم عن طريق خطابه في لعبةصيرورة العالم
الكبرى . إنه منخرط على هيئة اللاعب تماما . .. بمعنى ان سيرورتها معرضة في
كل لحظة لمتغيرات الصدفة التي ينبغي على كل لاعب أن يدمجها في حساباته من
اجل ان يسيطر عليها في تدخلاته اولعباته المتتالية . وفي حالة المعنى فإن
اللعبة ترتد اوتقفز من جديد وبشكل مستمر ثم تتعقد داخل الزمان والمكان. "
فيقفز السؤال - حتى يٌفصح عن غاياته من الرهانات وما اذا كانت تعني تحديًث
الديًن ، أم موقف الديًن من الحداثة، أو تتصل بفهمِ للدينِ وتفسير مقولاته
من منظور الحداثة .
الدين والأنظمة المعرفية:
هناك فهم " تقليديً " للدين - الإسلام ، له تفسيراته ومفاهيمه ومقولاته
السائدة، يـُمـيًز زمنيا بـوصفه ماقبل الحداثة و معرفيا كتعبير عن
الأبستيمي القروسطي. ومســألة الرهان تتعلق بفهم الدين وفقا لانظمة معرفيًة
حديثة . اذن لدينا نظامين معرفيين لفهم الاسلام ، النظام المعرفي التقليدي
السائد الذي تشكلت مضامينه ومناهجه منذ مايعرف بـــــ " عصر التدوين "
واستمر حتى اليوم والنظام المعرفي للحداثة في فهم الدين . فأذا كان الرهان
يدور حول " معنى " الدين في عصر الحداثة الحاليًة ذات المنظورية
الأستطلاعية ، الأستشرافيًة ؛ أذن ، قد يبدا البحث من كيفيًة فهم الدين من
منظور هذه الحداثة تحديدا برهانات افتراضيًة صورية لايضيف محمولها تركيبا
لموضوعها، و لانتائج نهائية لها لاسباب عديدة وعلل فاعلةكثيرة مثالا عنها
لاحصرا لها الأحكام المسبقة وأفق تاويل المفسر التي تحدث عنها غادامير .
أذن المطلوب تخصيص الحداثة زمنيا فيكون منطوق القول عن العلاقةبين الدين
والحداثة الآن ؛ وأيً إمكانات لظهور اشكال اخرى دائما للعلاقة بين الدين
والحداثة راهنا.
يقوم اساس العلاقة بين الإسلام والحداثة على بنية كليًةو شبكة من المفاهيم ،
منها ما يتعلق بفهم الشريعة واحكامها وعلاقتها بالقانون وحقوق الانسان ،
والوصل - الفصل بين الشريعة والدولة ؛ بالاضافة الى الايمان، والضمير
الفردي والاخلاق . فأحد أهم المشكلات التي تواجه تحديث " الإسلام " هي إعاد
بناء شبكة المفاهيم تلك مسبوقا بتفكيك المرجعية القروسطية اليقينيًة
وادخال المقومات الفكرية الاساسيًة للحداثة . النقاش يتعلق ، أذن، بطريقة
انشاء البنيًة الكليًة و العلاقات بين تلك المفاهيم وموضوعاتها.
الدين والليبراليًة
اذا كان عندما يكون المقصود بالحداثة ، هيً ما تعني في تجلياتها الحاليًة ،
ايً الحداثة التي يصفها هابرماز : مشروع غير مُنجز باستمرار، فهي
ليبراليًة في معناها ومبناها ، العلمانية رافعتها على راي رولز في كتابه "
الليبرالية السياسية "؛ و يـصفها رورتي ايضا في " الممكن والساخرية
والتكافل " ليبراليًة متمثلة في الاستنارة ، معها ينتهي التاريخ بحكم
فوكوياما والعلمانيًة ، لامثيل ها في الواقع. وهكذا لاتجتمع الحداثة مع
التديـًن، و مفهوم التدين الحداثي بلا مصداق ينص مصطفى ملكيان ، في"
العقلانيًة والمعنوية" . فايً رهان يبقى للدين مع الحداثة كما هي بالفعل ! .
بالإضافة الى ان الفكر الاسلامي وبالتالي العالم الاسلامي لم يجترح نمط من
الحداثة ، أو رؤية بديلة تدخل في رهان علاقة مع الدين كما يطمح الى ذلك
على سبيل المثال نقيب العطاس في ( الإسلام والعلمانية ) . اذن لايوجد
بالممارسة التاريخية حاليًا الا الحداثة الليبراليًة وهي لاتـَطرح الا
اشكالأً محددةً للعلاقةِ بينها وبين الدين . وعليه المطلوب أن يتجه البحث
للتفكير في ممكنات هذه الاشكال المحددة فكريا وتاريخيا .
السبت أكتوبر 27, 2012 1:43 pm من طرف نابغة