** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 الإسلام وتحديات الحداثة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الكرخ
فريق العمـــــل *****
الكرخ


عدد الرسائل : 964

الموقع : الكرخ
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4

الإسلام وتحديات الحداثة Empty
14102012
مُساهمةالإسلام وتحديات الحداثة

الإسلام وتحديات الحداثة



"كل فكر فكر عظيم إذا مر
بعقول صغيرة يصغر
لا يمكنك أن تكشف
أبعاد فكر عظيم
إلا بتفكير عظيم"
أدونيس
عن كتاب: حوار مع أدونيس
ص: 105

1 – في حدود المقارنة:
يقتضي الحديث عن الإسلام والحداثة القيام ببعض الاحتياطات
والتحديدات المصطلحية والمنهجية. إذ بدون ذلك يغدو الحديث عموميا وفضفاضا،
ويخل بدقة المقارنة.
أول هذه الاحتياطات المفهومية والمنهجية هو تحديد المستويات
الدلالية لهذين المصطلحين، وهي بالتأكيد مستويات متعددة وخصيبة، وهو ما
يدعو إلى تحديدها وتعيين حدودها.

فالإسلام بالأساس دين أي
كيان روحي يدرجه مؤرخو الأديان ضمن ديانات الوحي النبوي أو عائلة الديانات
التوحيدية. وفي هذا المستوى فالإسلام بنية عقدية قوامها: الإيمان بالله
الخالق الواحد، وبرسله وكتبه واليوم الآخر وبأن الإسلام هو خاتم النبوات،
وبأن هو القرآن هو آخر وحي وأنه يتسم بالشمولية والكمال. وبأن الدخول في
الإسلام يقتضي الإيمان بهذه المقدمات وأداء الأركان الأساسية الخمس. هذا
المستوى العقدي والروحي يجسد البنية الروحية المثالية للإسلام ويمكن أن
ندعوها بالإسلام المعياري أو المثالي. لكن مصطلح الإسلام يرد أيضا للتعبير
عن التجسدات التاريخية للإسلام عبر تاريخ المجتمعات، وهو ما يصطلح على
تسميته بالإسلام التاريخي المتجسد في تجارب تاريخية متنوعة زمنيا ومكانيا
في المجتمعات التي دخلت الإسلام ودانت به. وفي هذا المستوى الدلالي يتحدث
عن التحقيب الزمني للإسلام التاريخي فنتحدث عن الإسلام الكلاسيكي المرتبط
بالقرون الهجرية الأولى والإسلام الوسيط والإسلام الحديث. كما يجرى الحديث
عن تصنيفات مكانية كإسلام الجزيرة العربية والإسلام الأسيوي والإسلام
الأفريقي، وغيرها من التصنيفات ذات السمة الجغرافية. والإسلام التاريخي
يعبر عن السمات الخاصة الزمنية والمكانية للإسلام في تفاعله مع الخصوصيات
والثقافات المحلية حيث أثبت الإسلام قدرة استيعابية فائقة للثقافات
واللغات المحلية في المناطق التي انتشر فيها. وقد مكن الإسلام التاريخي في
فترة توسعه وازدهاره المجتمعات التي دانت به من استيعاب وعلوم ومكتسبات
الحضارة اليونانية ووادي الرافدين، والفرس والهند... إلخ وأظهر حيوية
تاريخية كبيرة في انطلاقته الأولى. لذلك نميز في هذا الحديث بين الإسلام
كنواة روحية مثالية والثقافة الإسلامية التي هي فهم وتأويل تاريخي ومحلي
لهذه النواة.

أما مصطلح الحداثة فهو أيضا مصطلح يضم طبقات دلالية متعددة.
فهو يعني في مقام أول تحقيبا زمنيا. أي إشارة إلى العصور
الحديثة التالية للعصور الوسطى وللعصور القديمة حسب التصنيف الغربي الذي
اتخذ اليوم طابعا كونيا.

وهو -في مقام ثان- يعني
نواة فكرية أو رؤية للعالم تبلورت بعد انطلاق حركية الحداثة في أوربا
الغربية (إيطاليا-فرنسا-ألمانيا-إنجلترا) منذ القرن الخامس عشر، والتي يؤرخ
لها بالأحداث المفصلية في تاريخ أوربا: النهضة الفنية والأدبية والعلمية
بإيطاليا التي كانت نواة النهضة الأوربية التي تطورت في القرنين الخامس
عشر والسادس عشر الميلادي، والتي بلورت النزعة الإنسية (L’humanisme ) الأوربية في مرحلة أولى وبلغت ذروتها في حركة الأنوار (Les lumières
) في القرن الثامن عشر الميلادي كحركة فكرية قوامها العقلانية
والتجريبية والإيمان بالحرية وبقانون التقدم. والأحداث المفصلية الكبرى
للحداثة الأوربية بجانب حركة النهضة الفنية والأدبية والعلمية هي الإصلاح
الديني الذي دشنته الحركة البروتستانتية في القرن السادس عشر في أوربا.
الجوهر التحديثي للإصلاح الديني الذي نادى به مارتن لوثر، والذي انتشر
أولا في البلدان الجرمانية والسكندينافية التي كانت قد تشكلت فيها كنائس
دولة (Eglise d’Etat ) قوية، هو تحويل الإيمان الديني إلى تجربة إيمان شخصي ذاتي تأملي (foi reflexire
) تتحول فيها التجربة الدينية من سلطة خارجية آمرة إلى تجربة شخصية
يحضر فيها بقوة جانب حرية الاختيار والقرار الذاتي مقابل سلطة التبشير
وسلطة التقاليد والتراث الديني المؤسسي حيث لم يعد القربان (L’hostie ) إلا عجينا والرفات (Lesreliques
) إلا عظاما. أما الحدث المفصلي النوعي الآخر فهو الثورة الفرنسية سنة
1789. ويتمثل جوهرها في قلب طبيعة السلطة السياسية من الاعتماد على الحق
الإلهي إلى الارتكاز على الحق الإنساني، كما يتمثل في الإعلان عن حقوق
الإنسان والمواطن سنة 1789 وإقرار قانون نابليون. وهي إجراءات فرضت مبدأ
الذاتية أو الفردية الإنسانية كأساس ومقياس ومرجع، وفرضت مبدأ حرية
الاختيار الفردي كأساس للنظام السياسي مقابل الحقوق التاريخية والتراثية.
وقد عبر هيجل عن هذا التحول النوعي في الفكر السياسي في الغرب بقوله: "لقد
تم الآن اعتبار الحق والأخلاقية قائمين على أساس إرادة الإنسان، في حين
أنهما كانا في الماضي مدونين كأوامر متعالية مفروضة باسم الله عن طريق
الكنيسة والعهدين القديم والجديد أو على هيأة حق خاص في مدونات خاصة أو
اتفاقيات امتيازية خاصة"(1). ويستخلص هيجل الأسس الفكرية للحداثة المتمثلة
في أولوية مبدأ الذاتية الإنسانية بما يعنيه من إقرار بفردانية الفرد
وحريته ومسؤوليته وحقه في نقد ما يتلقى أو ما يفرض عليه من طرف سلط
التقليد، واستقلاليته في الفعل. وهذه الأسس الفكرية وجهت كل القطاعات
الاجتماعية وكل البنى الثقافية التي استقلت عن الكلية المسيحية السائدة في
المجتمع الأوربي سواء في العلم أو الفن أو الأخلاق أو السياسة أو التجربة
الدينية.

ولذلك فإنه بجانب الحداثة
التاريخية كما تجلت عبر حقب تبلغ اليوم حقبة ما يسمى بما بعد الحداثة أو
الحداثة البعدية، أو كما تجلت عبر مناطق جغرافية (حداثة أوربية، حداثة
أنجلوساكسونية...) فإن بالإمكان الحديث عن حداثة معيارية أو نموذجية أي عن
بنية فكرية للحداثة. وتشخيص هذا الصنف الافتراضي من الحداثة يتطلب درجة
أعلى من التجريد لتصورها بمثابة بنية فكرية دينامية قوامها أربع
استراتيجيات كبرى يحددها المفكر الإيراني داريوش شيغان كما يلي: الانتقال
التدريجي على مستوى المعرفة من النظرة التأملية إلى التفكير المنهجي
التقني والتجريبي، وعلى مستوى الطبيعة من الأشكال الجوهرية إلى المفاهيم
الميكانيكية والرياضية التكميمية، وعلى مستوى الإنسان من الماهيات القبلية
الثابتة إلى الدوافع والغرائز الأولية؛ وعلى مستوى التاريخ من النظرة
الغائية الخلاصية إلى النظرة التاريخانية(2).

2 – الإسلام والحداثة: تحديات متبادلة:
وعلى الرغم من التفاوتات الدلالية المومأ إليها بين الإسلام
والحداثة في بعديهما المثالي والتاريخي فإن السمة الأساسية التي طبعت هذه
العلاقة هي التحديات المتبادلة المطبوعة بدرجات متفاوتة من التوتر.
فقد شكل ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي نقطة تحول
كبرى في تاريخ البشرية، حيث أحدث الإسلام ثورة وحيوية تاريخية كبرى في
مجتمعات الشرق الأوسط، تمثلت في انبثاق معنى جديد نافس المعاني القدسية
السابقة عليه واعترف بها واعتبرها تمهيدا له كرسالة خاتمة. وقد فجر
الإسلام في هذه المجتمعات حيوية تاريخية كبيرة على كافة مستويات الحياة
وأدى إلى نشوء إحدى الحضارات الإنسانية الكبرى التي مهدت للحضارة الغربية
الحديثة وغذتها بالأفكار والمخترعات والمكتسبات المعرفية.

غير أنه ابتداء من القرن
العاشر الميلادي بدأت هذه الحيوية التاريخية في الضمور إما نتيجة لعوامل
داخلية (الجمود العقدي والفكري، الصراعات الداخلية...) أو نتيجة عوامل
خارجية (التوسع والانتشار الجغرافي، هجوم البروليتاريات الخارجية بتعبير
توينبي: هجوم المغول والتتار وسقوط بغداد..).
وبموازاة ذلك بدأت الحيوية التاريخية، ابتداء من القرن
الخامس عشر، تدب في أوربا عبر النهضة والإصلاح والكشوف الجغرافية والثورات
السياسية والتطورات العلمية والفكرية، مما جعل أوربا الغربية بالخصوص هي
مركز العالم الحديث، ومصدر إشعاع وانتشار حضاري شامل، كما أصبحت مصدر تحد
كبير لكل الثقافات الأخرى، وعلى رأسها الثقافة الإسلامية. بل إن هذا
التحدي اتخذ ابتداء من القرن الثامن عشر، مع حاجة الحضارة الغربية الحديثة
إلى الانتشار والتوسع والبحث عن موارد وأسواق جديدة، صورة احتلال واستعمار
بمعنى أن الحداثة الغربية انتقلت إلى مرحلة ثانية من تطورها وهي تحولها
إلى قوى عسكرية تمارس الاحتلال وتفرض نموذجها بقوة السلاح والاحتلال مازجة
بشكل رفيع بين الاستعمار والتحديث.

وقد عانت كل الثقافات
التقليدية بدرجات متفاوتة، ومن بينها الثقافة الإسلامية، لكن بشكل أكثر
عنفا، هذا العنف المزدوج والمختلط. وبعبارة أخرى فإن المجتمعات الإسلامية
وذلك منذ الحملة الفرنسية على مصر 1798، تلقت صدمة الحداثة مختلطة بصدمة
الاستعمار أو استمرأت صدمة الحداثة بنكهة الاستعمار. وربما كان هذا المزيج
الأصلي هو إحدى أقوى أسباب ازدواجية رد فعل هذه المجتمعات ضد الحداثة،
واختلاط التحديث بالتغريب في متخيلها. ولقد عاشت هذه المجتمعات الحداثة
بوصفها عنفا وعدوانا وقوة ظالمة، وإن كانت بنفس الوقت محملة بمظاهر التقدم
التقني والمعرفي والطبي وتحسين المواصلات وتنظيم المدن وأساليب تدبير
الحكم... إلخ.

وقد شكل ظفر الحداثة
الغربية وتحولها إلى قوى كونية صدمة أعمق لكل أنماط الوعي التقليدي، وأحدث
فيه شروخا عميقة واختلالات في الرؤية. إذ ولد في الثقافات التقليدية -بما
فيها الثقافة الإسلامية- أزمة وتوترا ومزقة عميقة، إضافة إلى ما سببه من
خدوش نرجسية. فالثقافة الإسلامية تقوم على مركزية الإسلام وتميز الرؤية
الإسلامية وتفوقها وريادتها، وهي رؤية تصطدم بالواقع اليومي في كل لحظة
وتتولد عنها أشكال من شقاء الوعي. وهذا التوتر الحاد بين النرجسية
الثقافية والدونية الحضارية ما يفتأ يغذى -سواء على مستوى الثقافة ككل، أو
على مستوى الوعي الفردي- كل أشكال التوتر والتمزق والرفض، وأعنف أشكال رد
الفعل، ومظاهر الوعي المقلوب (fausse conscience
) في الربع الأول من القرن الماضي كان ماكس فيبر قد طرح تساؤله الإشكالي
الكبير: في أي سياق وفي أية شروط برزت في الحضارة الغربية دون سواها،
ظواهر عقلنة اتخذت، كما يظهر، مدلولا كونيا؟ أو بعبارة أدق ما السر في أن
بعض مظاهر العقلنة ونوياتها الأولى ظهرت العديد من الثقافات القديمة، في
الإسلام، وفي بعض الفرق الدينية في الهند، لكن العقلنة الاقتصادية
والإدارية والثقافية لم تترسخ وتصبح قاعدة اجتماعية حافزة إلا في الغرب
الرأسمالي وحده؟(3)

وفي فترة مقاربة طرح شكيب
أرسلان (1869-1946) السؤال الحاد والتراجيدي الذي يعبر عن شقوة الوعي
الإسلامي تجاه التطورات الصادمة التي حدثت في العصر الحديث والتي جعلت
المسلمين –الذين من المفترض أن يكونوا في
وضعية ريادية- في وضعية دونية، وجعلت غيرهم من الكفار والمشركين وأهل
الكتاب روادا طليعيين للبشرية: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟.

غير أنه إذا كان السؤال
صريحا وواضحا ويتضمن اعترافا بالواقع فإن الإجابات المتوالية دارت في
مجملها حول رد واحد: لقد تأخر المسلمون لأنهم ابتعدوا عن دينهم. وأصبح هذا
الجواب هو المحور الذي تدور حوله -بدرجات متفاوتة- جل أنماط الوعي
الإسلامي الحديث والمعاصر. وهذا الجواب هو المسلمة الضمنية البعيدة التي
تولدت عنها كل أشكل رد الفعل الإسلامي المعاصر، لأنه جواب يتضمن إدانة
ضمنية للتاريخ والتطور، وكأنه ليس من المطلوب مواكبة تطورات التاريخ، وكأن
المسلمين بانسياقهم مع متطلبات التطور قد تخلوا عن دينهم أي عن ذاتهم
ونواة هويتهم وقوام تطورهم الحقيقي.

لكن بموازاة هذا الجواب
الإسلامي الذي دفع في اتجاه الراديكالية والتطرف واعتماد العنف واتهام
المجتمعات الإسلامية بالجاهلية الجديدة ورفض مقومات الحداثة الفكرية،
والدعوة إلى ضرورة إرجاعها بالعنف إلى جادة الطريق الإسلامي، تبلور في
الوعي الإسلامي والعربي المعاصر على وجه الخصوص جواب نهضوي في صيغة قومية:
وهو أن سبب تأخر المسلمين هو عدم أخذهم بالحضارة الحديثة والصناعة
الحديثة، والتنظيم السياسي الحديث، والثقافة الحديثة.

لكن السياق التاريخي الذي
سار فيه خط التطور والذي تميز بعدوانية الغرب متمثلة في الاستعمار
الكلاسيكي الاحتلالي والاستعماري الجديد، وتلاحق العدوان الغربي على
العالم العربي والإسلامي منذ احتلال فلسطين مرورا بالهجوم الثلاثي على مصر
في 1956 ودعم الغرب لإسرائيل في الحروب العربية الإسرائيلية، كل ذلك ساهم
في إلقاء الظلال على هذا الحل النهضوي القومي ورجح في الوجدان العربي
الإسلامي العام تبلور وعي إسلامي راديكالي ذي ملامح دفاعية وهجومية معا
يغلب عليه التوظيف السياسي للدين، وتحويله إلى ايديولوجيا سياسية
راديكالية تناهض الحداثة والنظم السياسية المحلية وتدعو إلى الجهاد
واستعمال العنف، وتبرر التكفير، وتقدم تأويلا للإسلام ينحو نحو إدانه
الحياة وتحريم متعها ومباهجها، وتغليب الاعتبارات الأخروية على الاعتبارات
الدنيوية. بل إن بعض الاتجاهات التقليدية المتشددة ذهبت إلى حد الرفض
والتكفير معتبرة المعازف حراما، والرقص حراما، وكرة القدم حراما، والتصوير
حراما، والتماثيل حراما، كما اعتبرت تعطر المرأة زنا، ووشوشة الحلي فتنة
أمرا مكروها(4)، وحرمت مشاهدة التيليفزيون(5)، وكي بنطلونات النساء(6)،
واعتبرت الاحتفال برأس السنة الميلادية أمرا قريبا من الكفر(7)، وأنكرت
كروية الأرض وحركيتها(8).

وفي مجال الفكر السياسي
بلغت التحريمات ذروتها إذ اعتبر الدستور طاغوتا والديمقراطية طاغوتا
والأحزاب طاغوتا، والقومية طاغوتا، والمجالس النيابية طاغوتا، والإنسانية
طاغوتا، والأمم المتحدة طاغوتا، والشعب طاغوتا، والأغلبية طاغوتا، والوطنية
طاغوتا.
وفي المغرب فسنجد أن بلدنا على الرغم من انخراطه في الحداثة
منذ بدايات القرن الماضي، فإنه شهد مقاومات كبيرة للحداثة بمختلف
مستوياتها سواء من طرف الجمهور العام أو من طرف النخب التقليدية
(الفقهاء). وكانت السلطة المخزنية هي أقرب الفئات الاجتماعية إلى تفهم
مطالب التحديث التي داهمت البلاد.
وخلال نصف القرن الماضي، أي بعد الاستقلال شهد المغرب
تحولات ثقافية ناتجة عن توسع التعليم العصري ونشوء الجامعات، لكن طبيعة
الصراع السياسي في هذه الفترة بين الحركة التقدمية والقصر دفعت النظام
السياسي إلى مراقبة التحديث الفكري ودعم التقليد وتقويته على مستوى
التعليم وتنظيم مؤسساته التمثيلية من حيث أنه يشكل السند الثقافي
للمشروعية السياسية، بل تم أحيانا -وذلك في تناسق مع الاستراتيجية
الأمريكية في المنطقة العربية آنذاك- توظيف وتشجيع تيارات إسلامية لمعارضة
التيارات والأفكار الاشتراكية التي اكتسحت النخب والجامعات والحقل الثقافي
والمجال السياسي.

وابتداء من ثمانينات
القرن الماضي بدأت نتائج هذا الوضع الثقافي وهذه السياسة تؤتى أكلها حيث
بدا أن المجتمع، والحقل الثقافي والتعليمي والحقل السياسي في المغرب، حقول
مؤطرة بفكر اورتوذوكسي متشدد يبلغ أحيانا حد الانفجار الداخلي العنيف أو
حد إنتاج وتصدير العنف الديني إلى الخارج، وإلى المجتمعات المؤوية للهجرة
المغربية.
فخلال العقد الأخير ظهرت اتجاهات دينية متطرفة رافضة بشدة لمظاهر
التحديث السياسي والثقافي(9) ترى أن الديمقراطية كفر لأنها تعني إعطاء
السيادة للشعب في التشريع والحكم والتحليل والتحريم، وهو أمر يتعارض في
نظره مع الدين، ومع قوله تعالى: "ولا يشرك في حكمه أحدا"، كما يرى أن
الأحزاب السياسية علمانية، وأن البرامج السياسية مجرد أكاذيب ومزايدات،
وأن الاشتراكيين زنادقة، وأن الضرائب أكل لأموال الناس بالباطل.. وأن
المفكرين طائفة المرتدين والملحدين وعصابة الطاغين والطاعنين في الدين.

في نفس الفترة وزع منشور
في الدار البيضاء يعتبر المجتمع الذي نعيش فيه مجتمعا كافرا لأنه استبدل
القوانين الإسلامية بالقوانين الوضعية، ولأنه مجتمع فشا فيه الفساد
والانحلال، وأن أفراد هذا المجتمع "وحكوماته مرتدون مارقون، والمظاهر
الإسلامية في هذا المجتمع مظاهر كاذبة مضللة منافقة. فشيوخ الدين ممالئون
للسلطان الكافر" والمساجد مساجد ضرار، والحكام كفرة يجب الخروج عليهم
وقتالهم بالسلاح، وبالخداع، والاغتيال. كما يجوز قتل من تترس به الكافر
(من جنود وشرطة وجيش)، وقتل النساء والأطفال (لأن أولاد الكفار من
الكفار)، واستباحة أموالهم غصبا وسرقة ونهبا، واستحلال نساء الكفار (أي
المسلمين الذين يعيشون في ظل النظام الوضعي) باسترقاقهن وسبيهن، واستباحة
دم جميع النصارى واليهود وأهل الملل الأخرى الذين يعيشون في بلادنا التي
هي بلاد حرب فهؤلاء حربيون وليسوا مستأمنين أو معاهدين أو أهل ذمة(10).

هذا الفكر المتشدد الرافض
للحداثة ومكتسباتها التنظيمية والفكرية هو جزء من ثقافة ارتكاسية عمت
العالم الإسلام كرد فعل على عنف الحداثة وعلى مفاعيلها التفكيكية، وعلى
عدوانية الغرب حامل الحداثة ورائدها وعلى احتقاره للثقافات الأخرى
باعتبارها ثقافات متخلفة. لكن هذه الثقافة الرافضة للحداثة هي من زاوية
أخرى انعكاس لدرجة تطور هذه المجتمعات وضعف استيعهابها للمكتسبات العقلية
والفكرية للحداثة، ولانكراس فهوم وتأويلات اجترارية متوارثة للمتون
الدينية وللتفاعل بين إسلام أسيوي محمل بطقوس الثقافات المحلية ونظرة
بدوية متشددة أذكتها الطفرة النفطية ومكنتها من وسائل الانتشار الواسع عبر
المراكز والمدارس والجمعيات والخيريات والمجلات والجرائد والقنوات
الفضائية.

أهم معالم هذه البنية الفكرية الارتكاسية ذات الوظيفة الحمائية والدفاعية هو:
- الخلط بين التواريخ، وعدم مراعاة تسلسل الأزمنة،
- الخلط بين الماهوي والتاريخي
- أمثلة الماضي والتماهي المتخيل معه وتدفق الماضي على الحاضر والحنين الدائم إلى الأصول.
- الانتقال من الرفض الجزئي إلى الرفض الكلي للآخر، للعالم الحديث، وللفكر الحديث.
- إعطاء الأولوية للرموز والشكليات على حساب الاهتمام بالمقاصد الروحية العميقة.
- تغليب المنطق الدعوي والتكفيري والتعبئة الايديولوجية على
منطق التفكير والحوار والتحول التدريجي من مقصد التربية والتحليف وإصلاح
النفوس إلى دعوة للانتقام والتكفير وتجهيل المجتمع.
- الأدلجة السياسية للتراث وتحويل القوة الروحية للدين إلى
ايديولوجيا سياسية تعبوية تتـنـزل من الروحي والأخلاقي والمثالي إلى أتون
الصراعات اليومية والمناورات السياسية المتقلبة(11).
- النظرة المقلوبة للتاريخ باعتبار التاريخ البشري سيرورة انحطاط لا سيرورة تقدم.
- أدرمة التجربة الدينية وتطوير جوانب التخويف والترهيب والتهويل وتقديم صورة متشددة عن الخالق جل وعلا.
- شحذ الأحكام المسبقة حول تفوق اللغة العربية على كل
اللغات، والثقافة الإسلامية على كل الثقافات، واعتبار العرب والمسلمين
أفضل من كل الشعوب الأخرى(12).
- الخلط بين الإسلام بمعنى نص الكتاب، والإسلام بمعنى
التراث المدون للمسلمين عبر التاريخ، والإسلام بمعنى التجربة التاريخية
للمجتمعات الإسلامية وللدول الإسلامية، أو الخلط بين الإسلام المعياري
والمثالي والإسلام التاريخي، ومحاولة إدخال الثاني إلى الأول أو تعميم
الأول ليشمل الثاني.

يمكن أن نميز في هذه
البنية الثقافية والفكرية بين الوسائل والغايات، بين الآليات والمقاصد،
بين الوعي واللاوعي، كما يمكن أن نعتبرها بنية غير استيفائية ولكنها
تمكننا على الأقل من محاولة تلمس الثوابت الكبرى لرد الفعل الإسلامي تجاه
العصر الحديث.
وهذه البنية متعددة الأبعاد والوظائف (والتي ذات بعدين
دفاعي وهجومي، تبريري وتفسيري) تبلورت وتكرست بالتدريج منذ عصور الانحطاط
وتوقف الحيوية التاريخية والفكرية في العالم الإسلامي منذ القرن العاشر
الميلادي حيث ظل العالم الإسلامي خارج الأحداث الكبرى المؤسسة للعصور
الحديثة: النهضة الإصلاح الديني – الكشوف الجغرافية والاكتشافات العلمية – الثورات السياسية –
الثورات التقنية والصناعية الكبرى عبر ثلاثة أو أربعة أجيال من
الثورات: البخارية والكهربائية والإليكترونية والجينية، وكذا خارج الثورات
الفكرية النوعية التي جاءت بها الحداثة في فهم الظواهر الاجتماعية
والإنسانية كما جسدها تطور العلوم الاجتماعية والإنسانية.
هذه البنية هي بالتأكيد بنية تاريخية وليست بنية عضوية كما
يدعي بعض المستشرقين الذين يسمون الإسلام عقدة وتاريخا بالجمود (من أمثال
إرنست رنان).
فليس الإسلام هو العائق عن التطور والتقدم والحداثة، فقد
أثبت قدرته عبر التاريخ بتحقيقه لأكبر نهضة حضارية عرفها العالم قبل
الحضارة الأوربية الحديثة وذلك خلال القرون الأولى لانطلاقه. ولكن المشكل
يقوم في الجمود الفكري للمسلمين ولنخبهم الثقافية والسياسية وعدم قدرة هذه
النخب على الخروج عن السياجات الدغمائية التي رسمتها الأورتوذوكسية
الدينية بتوافق مع السلط السياسية.

لكن تحريك السواكن لن
يتحقق إلا بانفتاح النخب الثقافية والدينية والنخب السياسية على الفكر
العصري وعلى نظام المعقولية في العالم الحديث لتطوير تأويلات وقراءات
تحررية وتنويرية للمتن الإسلامي، وإخضاعه للفحص النقدي وللقراءة التاريخية
وتحريره من هيمنة التأويلات والمعاني التي تراكمت عبر القرون وتحولت إلى
مقدسات إضافية لا يجوز فحصها ونقدها، وذلك في أفق مصالحة الإسلام مع
العصر، والخروج من حالة "الاستثناء الحضاري".
وأول خطوة يتعين القيام بها في هذا الباب هي إبراز أن هذا
الاستعمال الكثيف، الحركي، الدوغمائي والتحريمي الميال إلى العنف، والذي
يتخيل ويقدم نفسه على أنه الفهم الصحيح للإسلام، إنما هو قراءة بين قراءات
عديدة، قراءة تقوم على تعنيف تأويلي للمتن الديني في اتجاه التشدد في
الأحكام وتعسير الممارسات، وتمجيد التدين الشكلي، وتغليب المعايير النقلية
على الاجتهادات العقلية، وادرمة التجربة الروحية بالتهويل والوعيد... وأن
هذا التأويل ليس التأويل أو الفهم الوحيد للإسلام، وأن وراء كل ذلك عوامل
ذاتية في الجمود الفكري الطويل وسياقات واستراتيجيات سياسية محلية ودولية،
وأن هذه الاتجاهات تتضمن آلية سوسيولوجية لاواعية لإذكاء سلطة وسيطرة
الفقهاء ورجال الدين عامة وكل وسطاء المقدس، في إطار تسخير السلطة الروحية
لصالح سلطة سياسية معينة، إضافة إلى ارتباطه واندغامه بسلط سياسية محلية
في بعض البلدان الإسلامية التي نهجت استراتيجية تصدير العنف الداخلي
وتقنيته وتنفيسه إلى الخارج.

فمقابل فكرة الفهم الصحيح
والتأويل الصحيح التي تفترض مطلقية الحقيقة، يتعين تطوير فكرة تعددية
المعنى، ونسبية الحقيقة، ودحض فكرة واحدية المعنى انطلاقا من معطى الكثافة
الرمزية للنص الديني. فالنص القرآني كثيف الدلالة شكلا ومضمونا. فبنيته
السيميائية كثيفة وغنية تتراكب فيها بشكل رفيع عدة مستويات دلالية محددة:
التنبؤ-الحكمة-السرد القصصي-الترتيل
والتسبيح-الوعظ-التشريع-الإقناع-الجدال مع الآخر-والاستهزاء به(13)...
إلخ. وكثافته لا تنحصر في تعددية وكثافة مستويات وظائف الخطاب بل أيضا في
كثافة المدلولات والمضامين.
والمتن الإسلامي متن كثيف وغني، متعدد الدلالة نعثر فيه على
الآيات الحربية أو آيات السيف، لكن أيضا وبشكل قوي آيات السلم والسلام
والتسامح، مظاهر التشدد وآيات التفتح، مظاهر الأورتوذوكسية لكن بنفس الوقت
مطالب الحوار ونسبية الحكم... إعطاء الأولوية للآخرة لكن بنفس الوقت
الدعوة إلى الاهتمام بالدنيا والاستمتاع بها وإلى الاهتمام بالإنسان الذي
وهبه الله الحياة وجعله مناط الاستخلاف، إقرار حقوق الله لكن التنصيص بنفس
الوقت على حقوق الإنسان وواجباته.

إننا نعيش اليوم التبلور
الجنيني لمعالم هذا الإسلام المستنير المتصالح مع عصره القادر على
الاستجابة لتحديات الحداثة، والذي هو في طور الخروج من دائرة الارتهان
الأورتوذوكسي و"الاستثناء الحضاري" ليتحول إلى حافز للحداثة ورائد للتجديد
والتطور والإبداع الحضاري والإقبال على الحياة، التوازن بين الدين
والدنيا، بين الدنيا والآخرة، كما كان في قرونه الأولى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الإسلام وتحديات الحداثة :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الإسلام وتحديات الحداثة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» هندام الإسلام وهندام الحداثة ومسألة الخلاص
» عرض كتاب الثورة و الحداثة و الإسلام لعبد المجيد الشرفي
» انتفاضات العالم العربي (39) فضل الإسلام السياسي والأصولي في نشر أفكار الحداثة
» انتفاضات العالم العربي (39) فضل الإسلام السياسي والأصولي في نشر أفكار الحداثة
» الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي وائل خلاق

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: