الأقـصى ودمـشـق واسطنبول



















يفيدنا التاريخ أن مدينة القدس في العهود الأخيرة من
تاريخ الدولة العلية "العثمانية" خضعت مباشرة للأسِتانة (العاصمة اسطنبول)
والصدر الأعظم للدولة. وكانت أوضاع القدس تـُبحث مباشرة في ديون السلطان.
وقبل ذلك كانت تخضع مباشرة لولاية دمشق، وذلك لأهمية هذه المدينة التي
تحتضن ثالث الحرمين وموطن إسراء ومعراج خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد بات واضحا للجميع أنَّ العلاقة بين القيادة السياسية-الشرعية للأمة
وبين حالة المدينة المقدسة لا تخفى على أحد، ومدينة القدس والمسجد الأقصى
المبارك ما انتكست هذه الانتكاسة إلا يوم أن فككت الدولة العثمانية وجيء
بأنظمة على ظهر الدبابات قادت الأمة كرها وغصبا وأثخنت فيها القتل وهدر
الكرامات، وتبنت من الطروحات والأفكار ما هو غريب عن واقع وفقه وعقيدة هذه
الأمة، حتى طفح الكيل، فخرجت تكفر بهذه الأنظمة "اللعوب" التي تعمل في أحسن
أحوالها كأنظمة وظيفية تخدم العم سام، سواء كان من المعسكر الشرقي أو من
المعسكر الغربي، عاملة على هدم أركانها غير عابئة بحجم التضحيات التي تقدم
لوقف هذه العصابات الحاكمة للأمة من خلال اللافتات الغربية والشرقية.




النظام في سوريا توحش تجاه شعبه وتبدّت حوله معالم هشاشته
وضعفه وحجم الدعم الذي يتلقاه من أنظمة وحركات وأحزاب تتماهى معه عقيدة
وسياسة، وبتخبطه الأخير قصف أراضي تركية في مسعى مفضوح للتخفيف من هجمات
الجيش الحر على المليشيات الداعمة لهذا النظام العلوي –العلماني- المناكف
لعقيدة أهل السنة والجماعة، والرافض لكل مقترح يوقف نزيف الدم السوري
الأبي.
لقد نجم عن هجمات الجيش السوري وقصفه بلدة تركية رد فعل عنيف من جهة
الأتراك ينذر بإشعال المنطقة برمتها وتورط كل من إيران وروسيا بهذه الحرب،
ومن ثم اختيار "المؤسسة الإسرائيلية " اللحظة المناسبة لضرب أهداف في العمق
الإيراني تمشيا مع الخطوط الحمراء التي طرحها رئيس الوزراء "بنيامين
نتنياهو"، والتصرف النهائي في المسجد الأقصى للإعلان عن بناء هيكلهم
المزعوم،مستغلين حالة الفوضى الشاملة التي ستصب في المنطقة. ومن ثم جر
الناتو إلى هذه الحرب التي لن تتوقف على بوابات دمشق فحسب، لتدخل شعوب
المنطقة في أتون حرب ستنهي وجود كيانات سياسية وتؤسس لمرحلة جديدة، لكنَّ
هذه المرحلة لن يخرج من أتونها إلا فوضى تضرب الأرض شرقا وغربا، ولن تنتهي
إلا بعد أن تأكل نيران الفتنة حظها المقسوم من أجساد الخلق ومن مدنيـّتهم.
لقد أثبتت القيادة السورية حجم الران والغشاوة التي غطت عيون قادتها منذ
اللحظة الأولى لاندلاع الثورة، واستعملت سياسة القهر والقتل والقصف الجوي
لأبناء شعبها مستذكرين قصص نيرون الذي أحرق روما.
بشار وزمرته يريدون حرق دمشق والمنطقة، ولعل الأيام ستكشف لنا من هو الذي
خطط لضرب الداخل التركي من أجل تأجيج الشعب التركي وجره إلى حرب مع
المنطقة.
دمشق ومليشياتها المتجبرة التي تقتل الشعب السوري صباح مساء لا يهتمون
بالمسجد الأقصى المبارك.. ولعل الحرس الجمهوري الإيراني ومليشيات حزب مقتدى
الصدر وحزب الله اللبناني الذي تنتصب ولايته للمرشد في ايران يطمعون أن
يحرروا المدينة المقدسة ويعيدوا للدولة الفاطمية وجودها، إذ كانت لها
كيانات سياسية في فلسطين التاريخية وكان لهم موطئ قدم في جنوب البلاد.
من الأستانة انطلقت شرارة العودة إلى الذات وأكملت طريقها إلى القاهرة، ولا
بدَّ من أن تحط رحالها في الفيحاء لتغلق دائرة مفتوحة منذ أن سقطت عاصمة
الدولة العلية وتحولت الحياة المدنية في تركيا الدولة والعاصمة إلى دويلة
علمانية تمخر في بحر الغرب.
من دمشق خرج عماد الدين زنكي وبعده ابنه نور الدين محمود لتحرير البلاد
والعباد من أغلال الشهوات ومتعها الحرام، وأسسا لدولة الدنيا والدين وأسست
لتحرير القدس عبر مشروع ومشوار طويلين.
اليوم الأمة على عتبات أن تتحرر دمشق من العبودية لآل الأسد وأتباعهم من
الروافض ومن ربوع العالم العربي ستخرج جحافل التحرير لتحرر المسجد الأقصى
المبارك من فساد المستوطنين اليهود الذين باتوا يدنسون جنباته الشريفة صباح
مساء، مسابقين الزمن لفرض حقائق على الأرض، ونحن وإن كنا على يقين أن
الأقصى بترابه وهوائه ملك خالص لهذه الأمة، فإن اعتماد "المؤسسة" على الغرب
وواشنطن ووجود علاقات عربية وإسلامية مع هذا الغرب تتميز بالحميمية
والولاء عند البعض وبالشراكة العسكرية عند الآخر، يجعلنا نقول إن التقديرات
والتحليلات تزداد تعقيدا كلما اقتربنا من المشهد الإسرائيلي صاحب النفوذ
الصهيوني في العالم وفي الاتحاد الأوروبي وواشنطن.
إن واجب تركيا الآن أن تتريث وتعتمد الصبر حتى لا تُجرّ إلى غابة من
المؤامرات تستنزف الطاقات وتعيد إنتاج نظام يرفضه الشعب السوري وتتقبله
الدول الغربية والمؤسسة الإسرائيلية، فيما تبقى القدس حبيسة الاضطهاد
الإسرائيلي ويبقى الأقصى مدنسا ليقسموه والأمة في غفلتها لاهية عما يحيط
بها من أحداث تلعق جراحها وتئن من آلامها.