المصالحة الفلسطينية في ظل المراهنة على المشروع الأمريكي
د. حسن صنع الله
2012-01-30
سؤال مهم وكبير يجب أن يدور في خلد كل مواطن فلسطيني بسيط ،
وهو كيف يمكن أن تتم المصالحة الفلسطينية التي بات ينتظرها الشارع
الفلسطيني، في ظل وجود سلطة تعلق آمالا كبيرة على مفاوضات وهمية وعبثية
ومتعثرة منذ أعوام، وكيف يمكن أن تبني مصالحة مع فصيل لا يملك مسارا واضحا
للقضية الفلسطينية، وكيف لأي فصيل كان أن يخدم مصالح الشعب الفلسطيني في ظل
تبني واضح للموقف الأمريكي الإسرائيلي، وكيف للشعب الفلسطيني أن يثق بفصيل
ما ويأتمنه على مصالحه إذا ما تبين أن هذا الفصيل قد تحول ليصبح مجرد
مرتزقة؛ بيد الاحتلال الإسرائيلي، وكيف لهذا الفصيل أن يقنع الشعب
الفلسطيني انه لا يتبنى الموقف الأمريكي الإسرائيلي ورئيسه يعلن أن حصول
فلسطين على عضوية الأمم المتحدة لا يناقض عملية التفاوض العبثية مع الجانب
الإسرائيلي. ألا يعلم هؤلاء أن مفاوضات عبثية لأكثر من عقدين من الزمان أدت
إلى تهويد الحيّز المكاني في فلسطين، ألا يعلم هؤلاء ان هذه المفاوضات قد
قضت على أمكانية إقامة الدولة الفلسطينية، وان تكون القدس عاصمتها، الا
يعلم هؤلاء أن أي دولة عتيدة قد فقدت أي تواصل جغرافي بفعل الاستيطان بفعل
السياسة الإسرائيلية أحادية الجانب تحت غطاء هذه المفاوضات العبثية.
لقد استغل الجانب الإسرائيلي ما يسمى بعملية التسوية من
اجل تنفيذ مشاريعه الاستيطانية والتهويدية، فقد كانت المفاوضات تدور من
جانب واحد وهو الجانب الإسرائيلي الذي كان يفاوض نفسه بنفسة، لان الجانب
الفلسطيني لا يملك إرادة سياسية، فقد رسم الاحتلال الحدود كما يراها وليس
كما يريدها الفلسطيني، وقد ساعدت اوسلو المحتل على مضاعفة المستوطنين في
الضفة الغربية والقدس مرات كثيرة، فكما تشير المعطيات كان عدد المستوطنين
في الضفة قبل عقدين من الزمان نحو مائة وخمسة آلاف مستوطن وتضاعف هذا العدد
بفعل أوسلو إلى ثلاثمائة الف في حين وصل عدد المستوطنين في القدس إلى
مائتي ألف، وقد قام الاحتلال خلال هذه الفترة ببناء ما يزيد على 20 ألف
وحدة استيطانية في القدس، في حين تم بناء ما يزيد على 32 ألف وحدة
استيطانية في الضفة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة؛ كيف لمن لا يملك
الإرادة السياسية أن يملك خيار المصالحة؟ وكيف يمكن توحيد الصف الفلسطيني
في ظل تمسك السلطة في رام الله بالمشروع الأمريكي وخيار أوسلو الكارثي؟
الشعب الفلسطيني بات على قناعة مطلقه ان المفاوضات العبثية لست خيارا
استراتيجيا، وان العودة إليها يمثل خضوع للاملاءات الإسرائيلية التي تسعى
إلى تشتيت وحدة الصف الفلسطيني وضرب جهود المصالحة التي أصبحت محل إجماع
فلسطيني، وعليه؛ ألا تمثل العودة إلى هذه المفاوضات العبثية نقضا للإجماع
الفلسطيني الداعي إلى المصالحة ورفض مفاوضات الجرافات والاستيطان والتهويد
والتنسيق الأمني.
صحيح أن الانقسام الفلسطيني هو صفحة سوداء في تاريخ الشعب الفلسطيني، وقد
أضر هذا الانقسام بوحدة وسمعة النضال الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ولكن
الأكثر سوادا في تاريخ الشعب الفلسطيني هو الدخول في مفاوضات عبثية تبيِّض
صفحة المحتل، وتعطيه الفرصة للاستمرار في مشروعه التهويدي على طريق إنهاء
مشروع التحرير الوطني الفلسطيني إلى الأبد. والأكثر سوادا أن يدعي المفاوض
انه يحافظ على الثوابت الفلسطينية، وهو يفاوض المحتل عليها، وان يغتال
الشرعية الفلسطينية بتفرده بالقرار السياسي المسلوب الإرادة.
إن المستفيد الوحيد من المفاوضات العبثية هو الاحتلال الإسرائيلي،
فالمفاوضات أصبحت بالنسبة له أداة لإدارة الصراع مع الجانب الفلسطيني، إلى
حين يتم تهويد الحيّز المكاني الفلسطيني وتفريغ فلسطين التاريخية من سكانها
بالكامل، وبناء وطن لهم في الأردن كما يخطط له الساسة داخل المؤسسة
الإسرائيلية وعليه فإن القبول بمبدأ المفاوضات مع هذا المحتل هي فرصة
لتحسين صورته الكولونيالية الاحتلالية أمام العالم والشريك في هذه الجريمة
التاريخية هو المفاوض الفلسطيني، لذلك من حق كل فلسطيني أن يقول أن الفئة
التي تفاوض الاحتلال لا تمثل الشعب الفلسطيني، وان الخيار الاستراتيجي
للشعب الفلسطيني هو الوحدة التي تحفظ الثوابت الفلسطينية التاريخية والتي
تضمن التحرر الكامل وغير المشروط بخيار التسوية العبثية، وما دون ذلك لا
يمكن اعتباره إجماعا فلسطينيا بأي حال من الأحوال.
ومن هنا لا يوجد قداسة لأي فصيل فلسطيني إذا ما وقع بنفس الفخ الذي وقع به
المفاوض الفلسطيني الحالي، فهؤلاء يكسبون ثقة الشعب الفلسطيني بحفاظهم على
الثوابت وعلى طهارة مشروع التحرر الفلسطيني، أما من يخضع لسياسة الترويض
والوقوع في فخ المشروع الأمريكي، فليعلم أن الشعب الفلسطيني لن يرحمه، كما
أن التاريخ لن يرحمه أيضا.
بناء على ما تقدم، فلا يمكن لنا إلا أن نعتبر العودة إلى المفاوضات إلا من
باب نسف المصالحة الوطنية الفلسطينية وانقلابا على ما يمكن أن يحقق إجماعا
فلسطينيا، فالجانب الإسرائيلي أعلن مرارا انه لن يعترف بهذه المصالحة، ولن
يقبل التفاوض مع السلطة في ظل وجود مصالحة مع حركة حماس، وعليه فان عودة
المفاوضات السرية بين السلطة والمؤسسة الإسرائيلية يوحي بان الجانب
الفلسطيني المفاوض قد أذعن لمطالب الجانب الإسرائيلي، وان المصالحة ما هي
إلا مجرد مراوغة تصب في دائرة المحاولات المتكررة لترويض حركة حماس، وإلا
ما معنى أن تقوم حماس بالتزام بخطوات المصالحة في الوقت الذي تستمر فيه
السلطة في سياسة الانقسام من اعتقال ومتابعة لكوادر حماس في الضفة، وتنسيق
امني منقطع النظير مع المؤسسة الإسرائيلية، وأخيرا أن تتوج هذه السياسات
باستئناف المفاوضات السرية في ظل سياسات الاستيطان والتهويد والتطهير
العرقي.