عالمنا العربي بين مطرقة الطائفية الإيراني وسندان الملكية السعودية
مركز الراسات المعاصرة
2011-12-18
منذ مدة ونحن نلحظ أن هناك حربًا باردة تدار بالخفاء بين
إيران وحلفائها من جهة وبين السعودية وحلفائها من جهة أخرى، ولكن أوارها
اخذ يبرز للعيان بشكل ملحوظ بعد انطلاقة الربيع العربي، ومما لا شك فيه أن
الولايات المتحدة مع المؤسسة الإسرائيلية والاتحاد الأوروبي يعملون ليل
نهار على إذكاء نار الحرب الطائفية بين إيران ودول الخليج العربي، ولكن رغم
النفوذ الأمريكي في الخليج العربي إلا انه يمكن القول أن السبب الرئيس في
هذه الحرب الباردة، التي يمكن في كل لحظة أن تتحول إلى حرب شاملة في
المنطقة، هي الدكتاتورية السعودية المتوجسة من الثورات العربية والنفوذ
الإيراني، والشعوبية الإيرانية الصفوية التي تتسلح بالتشيع ونصرت أهل البيت
من اجل تحقيق طموحها في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
لقد بدأ النجم الأمريكي الأوروبي يأفل في منطقة الشرق
الأوسط، فالنفوذ الأمريكي بدأ بالتراجع، والاتحاد الأوروبي يمر بأزمة
اقتصادية عاصفة قد تؤدي إلى تفكك منطقة اليورو برمتها، فأوروبا العجوز
أصبحت مريضة وأمريكا أنهكتها ما تسمى الحرب على الإرهاب، وها هي تخرج من
العراق تجر أذيال الهزيمة، دون أن تنجح في وضع حد للنفوذ الإيراني هناك،
وهذا أكثر ما يقلق دول الخليج العربي وعلى رأسهم العائلة الحاكمة في
السعودية، وعليه فأن الولايات المتحدة التي فقدت معظم خيوطها في المنطقة
تحاول استخدام فتنة الطائفية كطلقة أخيرة من أجل إنقاذ ماء وجهها أمام
المجتمع الدولي، فما يراه الأمريكي هو أن المنطقة ارض خصبة لإذكاء حرب من
هذا النوع، فإيران الشيعية تاريخها يؤكد أنها ترفض أن تعيش في جلباب أي
دولة سنية، فقد تحولت إيران إلى دولة شيعية عام 1502 بعد أن كانت تتبع
المذهب الشافعي، ولكن تحولها هذا جاء بعد أن رفضت أن تعيش في الجلباب
العثماني، وعليه يمكن القول إن هذا التحول الإيراني كان من اجل انقاد
الشعوبية الفارسية من الذوبان في التراث العثماني، وليس كما يظن البعض انه
كان انتصارا للحق ولأهل البيت، وقد ثبت أن المراسلات التي كانت تتم بين
الدولة الصفوية والعثمانية كانت تحترم شعوبية كل دولة، فالفرس كانوا
يراسلون الأتراك بالتركية والأتراك يراسلونهم بالفارسية.
أما السعودية وبقية دول الخليج العربي فلديهم تخوفات من المد الشيعي الذي
بدأ يجتاح المنطقة، فإيران لا تخفي أنها تسعى لنشر روح ثورتها في العالم
العربي والإسلامي، كما ولا تخفي أنها تسعى للسيطرة على بيت المقدس، وهي أن
كانت تزعم أنها تسعى لذلك من اجل الانتصار لمظلمة الشعب الفلسطيني، إلا أن
الحقيقة تؤكد أن هنالك أسبابا أخرى تكمن وراء السيطرة على بيت المقدس، فبيت
المقدس هي قلب العالم الإسلامي، ومن خلال السيطرة عليها يمكن السيطرة على
جميع الأقطار العربية والإسلامية، فأن تعجل إيران القضية الفلسطينية في راس
سلم أولوياتها فان ذلك يساعدها على كسب قلوب العرب والمسلمين، وهذا ما حصل
فعلا في حرب تموز عام 2006، حيث بدأنا نشهد في الشارع العربي والإسلامي
دعما منقطع النظير لإيران وحلفائها في العالم العربي والإسلامي على المستوى
الشعبي، وهذا ما تعول عليه إيران في نشر أجندتها ألا وهو كسب رهان الشارع
العربي، ولكن على ما يبدو فان الثورات العربية ودخول إيران في تناقضاتها
الطائفية وانكشاف حربها الباردة مع دول الخليج العربي وعلى رأسهم السعودية
وتورطها في الملف البحريني والسوري سيضع حدا لهذا الانتشار الذي حققته بعد
حربها مع المؤسسة الإسرائيلية بالوكالة عن طريق حزي الله اللبناني.
من ناحية أخرى الحراك السعودي الرسمي مع حلفائه من دول الخليج والغرب لا
يسعى إلى إنقاذ الشعوب العربية من النفوذ الإيراني الشيعي، بقدر ما هو حراك
من اجل انقاد مصالح الدكتاتوريات الملكية والنفوذ الغربي في المنطقة،
فالسعودية وباقي دكتاتوريات الخليج لا تقل سوءا عن إيران، والثورات في
الخليج العربي ورياح التغيير في الخليج العربي ستأتي لا محالة، فإيران التي
دعمت التحول الديمقراطي في تونس ومصر واليمن، تدخلت من اجل نصرت شيعة
البحرين على حساب أهل السنة هناك، وهذا لا يعني أننا لسنا مع تحرر شعب
البحرين من الحكم الملكي، ولكن عندما ترى الازدواجية الإيرانية في التعاون
مع هذه الثورات لا يمكن أن تبرأ إيران من أجندتها الطائفية، خصوصا حينما
نرى كيف تعاملت هذه الدولة مع ثورة الشعب السوري، فإيران التي دعمت شعب
البحرين تدعم في نفس الوقت نظام الأسد العلوي المستبد الذي يقتل أبناء
شعبه، بدعوى أن نظام الأسد نظام ممانعة ويدعم المقاومة، متهمة ثورة الشعب
السوري بأنه يقودها مجموعة من الإرهابيين بدعم "وهابي- صهيوني أمريكي"،
وهذا في نظرنا هو الطائفية بعينها، فإيران، وان قالها ملك الأردن خوفا على
ملكه لا على شعوب المنطقة، تسعى فعلا إلى إيجاد هلال شيعي في المنطقة يضم
كل من إيران، عراق، سوريا ولبنان، وهذا الحلف الآن تحاول إيران إنقاذه بكل
ما أوتيت من قوة ، من خلال منع انهيار النظام السوري، وعليه فإن الأخبار
غير المؤكدة عن دخول قوات مقتضى الصدر وقوات من حزب الله اللبناني إلى
سوريا للقتال إلى جانب نظام بشار الأسد بعد توالي الانشقاقات داخل صفوف
الجيش السوري، تهدف إلى مساعدة بشار في البقاء في السلطة، من اجل المحافظة
على نفوذ إيران هناك.
أما بالنسبة للنظام السعودي فحربه في البحرين ضد النفوذ الإيراني لا تهدف
أيضا إلى خدمة الشعب البحريني، فالهدف كما هو واضح أيضا طائفي، وعلى ما
يبدو فأن الحل الأمثل أمام شعب البحرين للخروج من فتنة الطائفية هو اقتسام
السلطة وتداولها من خلال نظام يضمن حقوق جميع الفئات، لا أن تكون البحرين
ارض معركة للنفوذ الإيراني السعودي الغربي، فالسعودية التي تدعم الثورة في
سوريا وقفت ضد ثورة الشعب التونسي والمصري، ولا يمكن بأي حال من الأحوال
تجاهل أن السعودية وحلفاءها من دول الخليج متورطون مع أمريكا ودول الغرب في
تأجيج هذه الحرب الطائفية.