"مباراة الأمراء": مأزق "الخلافة السياسية" في دول الخليج
محمد عز العرب الإثنين 30 يوليو 2012
على الرغم من أن قضية الخلافة السياسية يفترض أن تكون محسومة في النظم
الملكية بحكم وضوح آليات انتقال السلطة، وتوفير الإعداد المسبق للمرشحين
للوصول إلى سدة الحكم، بل وتقنينها في الدساتير الوطنية، حيث تتسم أنظمة
الحكم الخليجية بأنها أنظمة ملكية تعتمد على انتقال السلطة في البلاد بين
أفراد الأسرة الحاكمة (عائلية السلطة)، ويسير هذا التناقل والتوارث للسلطة
في خط الأبوة، وينحصر في الذكور دون الإناث، فإن هناك بعض الحالات التي لا
تحترم فيها هذه القواعد.
فقد كان الملمح السلمي هو نمط الخلافة السياسية المتبعة في عدد من الدول
الخليجية، غير أنه تم استخدام العنف في خلافة عروش هذه النظم، فيما يعرف بـ
"انقلاب الأمراء"، أو "انقلابات القصر"، أو "ثورة القصر"، أو "انقلاب أبيض
من الداخل"، أو حتى "صراعات دموية". ويلاحظ أن هذه الظاهرة لها سوابقها في
الممارسات السياسية الملكية، بما يجعلها واحدا من أهم الملفات البالغة
الأهمية التي تواجه دول الخليج في حدود الأمد المنظور، لاسيما مع انشغال
الأنظمة بتكريس سلطتها، وتثبيت إقدامها، وتخشى حدوث تغييرات لا تصب في
مصالحها بعد تداعيات ثورات الربيع العربي، التي تهب رياحها من كل اتجاه.
ومن هنا، يتوقع أن تشهد عدد من دول الخليج تنافسا بين أبناء الأسرة
الحاكمة لشغل المراكز المؤهلة لكرسي السلطة، والتي قد تأخذ أشكالا مختلفة،
بحيث تأخذ شكل مباراة كرة قدم من نوع خاص، يركز فيها اللاعبون (الشيوخ) على
تقوية مراكزهم عبر الاستناد إلى قاعدة عائلية وانتماءات قبلية، باعتبارها
خط الدفاع، والإمساك ببعض ملفات الحكم باعتبارها خط الوسط الانتقالي بين
الوضع الحالي والوضع المستقبلي، والحيازة لأوراق ضغط، يقتضي ظهورها فقط في
اللحظة الحاسمة لخط الهجوم.
إن الطرف الأقوى هو الذي يحدد معظم أو أهم قواعد المباراة التي تدار على
أرضية "مجلس العائلة الحاكمة"، أو "هيئة البيعة" أو غيرها. وقد يؤدي
الأسلوب الذي يستخدمه اللاعبون (الشيوخ) في المباراة إلى تبلور عملية
انتقال السلطة، سواء بشكل خشن أو ناعم. فقد نشهد في بعض الحالات الخليجية
نمطا "صفريا"، بمعنى أن أي شىء يكسبه لاعب لابد أن يخسره اللاعب الآخر، وهو
ما يؤدي إلى الصراعات الحادة داخل العائلات الحاكمة. على العكس من النمط
السابق، هناك مباريات "غير صفرية"، فليس ما يكسبه لاعب يكون بالضرورة على
حساب الآخر. وبالتالي، توجد مساحة للتنسيق والتعاون بين الأمراء، والتوصل
إلى حلول، وسط للخروج من مأزق الخلافة، حيث إن البديلين مطروحان: المكسب
معا، أو الخسارة معا.
أشكال الخلافة إن عملية انتقال السلطة لا تسير وفق نهج واحد في دول الخليج، وإنما تتخذ
أشكالا مغايرة وحالات مختلفة، سواء الوراثة بالأبوة أو الأخوة، أو العمومة.
يحدث انتقال السلطة في السعودية على أساس خط الوراثة من الأخ لأخيه في
أبناء الملك عبد العزيز آل سعود. ويتمثل انتقال السلطة في سلطنة عمان من
الأب إلى الأبن في أسرة بوسعيد، مع وجود بعض الأبناء الذين اغتصبوا عروش
آبائهم. في حين مر انتقال السلطة في قطر من أبناء أسرة آل ثان دون انتظام
من الأب إلى الأبن في أكثر من حالة، وإلى أبناء العم أو غيره من أعضاء
الأسرة في أكثر من حالة أيضا.
أما انتقال السلطة في البحرين، فيتم من الأب للابن من أسرة آل خليفة، في
حين يتسم انتقال السلطة في الكويت بأنه دائري تناوبي بين أبناء أسرة آل
الصباح بفرعيها "آل الأحمد، وآل سالم". وتختص الحالة الأخيرة بالإمارات، إذ
تم ترسيخ عرف دستوري بوراثة السلطة في أبناء الشيخ زايد، حيث يكون رأس
الدولة هو حاكم إمارة أبو ظبي، باعتبارها أكبر الإمارات في المساحة، وعدد
السكان، ومركز السلطة السياسية، والثروة النفطية.
ورغم أن الخلافة وراثية في الإمارات السبع، فإنها صارت انتخابية (بشكل غير
مباشر)، حيث يقوم المجلس الأعلى المكون من الأمراء السبعة لهذه الإمارات
بانتخاب رئيس الدولة من بينهم.
أزمات الخلافة في الخليج تواجه دول الخليج أزمات مختلفة، فيما يتعلق بانتقال السلطة من السلف إلى
الخلف، سواء تعلقت بعدم وجود خليفة واضح للحاكم الحالي، أو صراعات مكتومة
بين أبناء الأسر والعائلات الحاكمة، أو ضعف الحراك الجيلي في قمة هرم
السلطة، أو تدخلات الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية لصالح جناح في مواجهة
جناح آخر، أو تصاعد أدوار أبناء العائلات والقبائل التي كانت يوما في
السلطة وطامحة في اقتسام الكعكة، وغيرها من الأزمات التي تطرأ بدون مقدمات،
وتطرح سيناريوهات مفاجئة.
1
- الخلافة السعودية إن المشكلة الأساسية التي تواجه مسألة الخلافة في المملكة السعودية الآن
هي التقدم في السن بين أبناء الملك عبد العزيز، فضلا عن اعتلال الصحة،
الأمر الذي يعرض المملكة لانتقالات متوالية في رأس السلطة في مدى زمني
متقارب، مما قد يؤثر سلباً فى الاستقرار والتماسك الداخلي بسبب التنافس
الذي قد يصاحب كل انتقال جديد للسلطة. دفع ذلك البعض إلى الاقتراح بضرورة
انتقال السلطة إلى جيل الأحفاد (الجيل الثالث)، وهم أمراء في الخمسينيات
والستينيات من عمرهم، ويتمتعون بالخبرة والقدرة معا، لاسيما وأن التحديات،
سواء الداخلية أو الإقليمية أو الدولية، أصبحت تحتاج إلى دماء جديدة وقيادة
شابة تستطيع حمل هذا العبء على كاهلها، بدلا من انتظار ظهور أزمة متكاملة
الأركان.
وقد حاول النظام الحاكم في السعودية تجنب الأزمات المرتبطة بنقل الخلافة،
وانتقال السلطة قبل وقوعها، من خلال استحداث سلسلة من الإجراءات النظامية،
والتي تمنع وقوع أزمات بين أبناء الأسرة السعودية الحاكمة مستقبلاً. ففي
أكتوبر 2006، أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز أمراً ملكياً يقضى بإنشاء
"هيئة البيعة" (تتألف من 35 عضوا، 16 منهم من أبناء المؤسس، والـ 19
الباقون من الأحفاد) في محاولة لإشراك فروع الأسرة بقرار الخلافة. وبموجب
الأمر، فإن هذا النظام الجديد لا يسرى على الملك وولى العهد الحاليين. لذا،
فإن هيئة البيعة لم تسنح لها الفرصة لتلتئم لتسمية الملك الجديد، وسيكون
غياب الملك عبد الله أول اختبار لها.
كما تطرق النظام الجديد إلى الأزمات المرتبطة بالقدرات الصحية للملك، بحيث
تنقل السلطة إلى ولى العهد، بالإضافة إلى بعض الأزمات المفاجئة، ومنها
حالة وفاة الملك، وولى العهد في الوقت نفسه، حيث نصت المادة الثالثة عشرة
على أنه "في حالة وفاة الملك وولى العهد في وقت واحد، تقوم الهيئة خلال مدة
لا تتجاوز سبعة أيام باختيار الأصلح للحكم من أبناء الملك المؤسس عبد
العزيز آل سعود، وأبناء الأبناء، والدعوة إلى مبايعته ملكاً على البلاد،
وفقاً لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم. ويتولى المجلس المؤقت للحكم
إدارة شئون الدولة لحين مبايعة الملك".
غير أن واحدة من الطرق العملية المستقبلية المطروحة هى موافقة العائلة على
ولي عهد منتظر من الجيل الثالث لتدريبه، استعدادا لليوم (قريبا على
الأرجح) الذي يصبح فيه سلمان هو الملك. وستكون الطريقة الأخرى هي هيكلة
الحكومة، بحيث يتولى الملك وولي العهد أدوارا أكثر رمزية، بما يتناسب مع
قابلياتهما البدنية المحدودة، وقدراتهما العقلية المتراجعة. فثمة ضرورة بأن
يتخلى الملك عن منصب رئيس الوزراء، ويترك شئون صنع القرارات في أيدي أشخاص
أصغر سنا.
فالإشكالية هنا تتعلق برحيل آخر الأبناء الأحياء للملك عبد العزيز، ويتعين
أن يتولى الحكم أحد الأحفاد. ومن أبرز رموز الجيل الجديد في المملكة خالد
الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، وحاكم المحافظة الشرقية الأمير محمد بن
فهد، ورئيس الحرس الوطني متعب بن عبد الله، ونائب وزير الداخلية محمد بن
نايف الذي يقوم بدور وزير الداخلية الفعلي، والمسئول عن ملف مكافحة
الإرهاب. إن السباق المحتمل بين الأمراء من جيل الأحفاد قد يطرح تساؤلا حول
تماسك عائلة آل سعود، ومن ثم استقرار البلاد، لأن مسألة رأس الهرم السياسي
غير واضحة.
2
- الخلافة العُمانية لكن عملية الخلافة السياسية تمثل إشكالية رئيسية في الحالة العُمانية، إذ
إن المذهب العُماني الرسمي الإباضي لا يشرع أن يعين الحاكم السلطان قابوس
وليا للعهد، وإلا انتفت معه أهم دعائم هذا المذهب، والذي يرفض مبدأ
الوراثة. إذ يرى أن الحاكم يصل إلى السلطة عن طريق الاختيار لا التعيين،
وهو ما يجعل هذا المذهب الإسلامي الأقرب للديمقراطية، مقارنة بغيره من
المذاهب الإسلامية. ومن ثم، يجد السلطان نفسه مقيدا بهذا المبدأ الحاكم،
حيث لم يعين وليا للعهد، الأمر الذي يتطلب اختيار السلطان الجديد بطريقة
تشاورية، ويحظى بمباركة أسرة بوسعيد، ويوافق عليه شيوخ الإباضية، أو أن
يلتزم مختلف الأطراف بوصية السلطان الراحل.
والتطور الوحيد الذي حدث في هذا الإطار هو صدور القانون الأساسي في عام
1996، الذي اكتفى بالإشارة فقط إلى أن تكون الوراثة من ذرية "تركي بن سعيد
بن سلطان" (أسرة البوسعيد البالغ عددهم بين 50 إلى 60) من الذكور، بما يفتح
المجال أمام إمكانية تولى أي منهم للسلطة، دون اشتراط الأخوة للحاكم.
وقد تعددت الترشيحات لخلافة قابوس، مع كل وعكة صحية يتعرض لها، أو غياب عن
الأنظار.ووفقا لما تنص عليه المادة السادسة من النظام الأساسي للدولة،
"يقوم مجلس العائلة الحاكمة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد
من تنتقل إليه ولاية الحكم. فإذا لم يتفق مجلس العائلة الحاكمة على اختيار
سلطان البلاد، قام مجلس الدفاع (يضم مسئولين عسكريين وأمنيين، ورؤساء
المحكمة العليا، ورئيسي المجلسين الاستشاريين) بتثبيت من أشار به السلطان
في رسالته إلى مجلس العائلة".
ويعني ذلك أن العائلة الحاكمة سوف تضطلع بمهمة اختيار السلطان القادم. وإن
لم تنجح، فيقع على عاتق المؤسسة العسكرية ترجمة وصية السلطان قابوس التي
يرشح فيها الشخص الذي يخلفه، وهو ما فعله، وأرسل منها ثلاث نسخ، منها
اثنتان في يد شخصين يعيشان في مسقط (تشير بعض المعلومات غير الرسمية إلى
أنهما وزير المكتب السلطاني سلطان بن محمد النعماني، والمفتي العام للمذهب
الإباضي)، وثالثة الرسائل توجد في لندن ومودعة في إحدى الخزانات المصرفية.
إلا أن استقرار وتثبيت دعائم السلطان الجديد مرهون بمدى ولاء قيادات الجيش
له، وتعاون زعماء القبائل معه، وتمتعه بقبول مجتمعي في ولاية ظفار بجنوب
البلاد.
ووفقا لتحليلات غربية، تبرز المشكلة الأساسية في ظل غياب مرشح، يحدث توافق
عليه من جانب الأسرة الحاكمة، أو بروز ملامح خليفة قادم من خارج الأسرة
الحاكمة، مثل ترجيح بعض التحليلات كفة فهد بن محمود آل سعيد، نائب رئيس
الوزراء، والمستشار القانوني للسلطان قابوس. وإن كان الخيار الأقرب للخلافة
في سلطنة عمان سيظل منحصرا في الأبناء الثلاثة للمرحوم طارق بن تيمور عم
السلطان، والذي شغل منصب رئيس الوزراء الوحيد للبلاد في أوائل السبعينيات
من القرن الفائت، وهم شهاب بن طارق، الذي خدم كضابط في القوات البحرية
الملكية في التسعينيات، ويتسم بالجدية والحزم، وهيثم بن طارق الذي يعمل في
وزارة الخارجية منذ عام 1986، ثم تولى منصب وزير التراث والثقافة فيما بعد،
لكن أقوى المرشحين لخلافة قابوس هو أسعد بن طارق، ممثل السلطان الخاص،
وكان القائد الأعلى لفوج المدرعات، ويتمتع بدعم الجيش.
غير أن مصالحهم التجارية المتنوعة، بدءا بالعقارات، وانتهاء بالسياحة،
يمكن أن تشكل عائقا في طريقهم للوصول إلى كرسي السلطة، وهو ما يتم التعبير
عنه في الشارع العماني بالقول "حين تكون لك مصالح تجارية، يكون لك أعداء".
ومن هنا، فإن هناك اتجاها في الأدبيات يشير إلى احتمال تنافس حاد داخل
الأسرة الحاكمة في سلطنة عمان في مرحلة ما بعد قابوس، بحيث يمكن أن يدعم
الجيش مجموعة أو جناحا، وأجهزة الأمن ترجح مجموعة أو جناحا آخر. لذا، يبرز
التحدي الأكبر لخليفة قابوس.
3
- الخلافة القطرية كما أن قطر تقدم نموذجا مختلفا لمأزق الخلافة السياسية في دول الخليج، عبر
انقلاب أبيض من الداخل، حيث تولى حمد بن خليفة آل ثان السلطة في 27 يونيو
1995 عقب انقلاب قصر ضد والده. ويعد هذا الانقلاب أول انقلاب ناجح في دول
الخليج، منذ انقلاب خليفة ذاته (حاكم قطر السابق) قبل ما يقرب من ثلاثة
عقود. وخلال السنوات الماضية، أحدث الأمير حمد تغييرات عدة في هيكل السلطة
في البلاد، حيث قام بتغيير ولى العهد مرتين. ففي المرة الأولى، قام بخلع
نجله مشعل من منصبه كولي للعهد، وأسند المنصب لنجله الثاني جاسم. وفى المرة
الثانية، أسند ولاية العهد لابنه تميم، بما يجعل كرسي الخلافة في قطر
"حائرا"، لاسيما وأن التجربة التاريخية تشير إلى وقوع انقلابات وانقلابات
مضادة، وإن كانت سلمية.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن هناك ثلاثة سيناريوهات حاكمة لمستقبل عملية
الخلافة السياسية في قطر. السيناريو الأول هو الأكثر احتمالا، ويرجح
استمرار خلافة الشيخ تميم للأمير حمد بن خليفة، إذ يستند عدم تفريط حكم آل
ثان للتهديد والخطر، في ظل تداعيات الربيع العربي على منطقة الخليج. ومن
أبرز مؤشرات هذا السيناريو إسناد الأمير حمد لخلفه تميم بعض الملفات، وتحمل
المسئوليات، وهو ما دعا ولي العهد لتأسيس الحرس الأميري كقوة مستقلة عن
الجيش، فيما يحمل تشابها مع الحالة السعودية في وجود الحرس الوطني، فضلا عن
توثيق التحالفات داخل المؤسسة العسكرية بما يضمن الولاء له في مرحلة
خلافته لوالده، ويعتمد على دعم أخيه جوعان، الضابط في القوات المسلحة.
غير أن هذا السيناريو يواجه تحدي عدم وجود ضمانات بالولاء من جانب المؤسسة
العسكرية للشيخ تميم. فقد نشرت قناة العربية على موقعها الإلكتروني في 20
أبريل 2012، خبرا يتناول مسألة وقوع محاولة انقلابية فاشلة، نفذها اللواء
حمد بن علي العطية، ثم سرعان ما اختفى الخبر، ولم تظهر تعليقات رسمية قطرية
تثبت أو تنفي هذا الخبر. ولم يكن هذا الخبر هو الأول من نوعه، بل انتشرت
خلال عام 2011 روايات مختلفة عن انقلاب داخل المؤسسة العسكرية التي يسودها
الغضب من سياسات الأمير حمد الموالية للولايات المتحدة وإسرائيل.
أما السيناريو الثاني، فيتوقع حدوث صراعات داخل الأسرة الحاكمة بين ولي
العهد الحالي الشيخ تميم، وأبناء الأمير حمد غير الأشقاء، فيما يطلق عليه
سيناريو "عودة الأبناء الكبار"، وهم مشعل، المعروف بعشقه للخيول، والشيخ
فهد الملتزم بالعمل الدعوي، وهو ما يكسبه رضاء الإسلاميين في قطر، ثم الشيخ
جاسم الذي قضي سنوات في ولاية العهد، ويتمتع بشعبية كبيرة، وأن تخليه عن
موقع الرجل الثاني في الدولة يعود إلى عدم ترحيبه بظهور اجتماعي لوالدته،
وممارستها دورا سياسيا، ويتمتع بعلاقات قوية مع أخويه مشعل وفهد، وبقبول
داخل العائلة، مما يجعله خيارا راجحا، في حال حدوث صراع على السلطة، لاسيما
في حالة توافق الآراء مع بقية الإخوة، وهم خالد، وخليفة، وثاني، والقعقاع.
يعزز احتمال حدوث هذا السيناريو هو الزلازل المستمرة التي تتعرض لها أسرة
آل ثان من تمرد الابن على الأب، وصراع الأشقاء وأبناء العم في سبيل الوصول
إلى كرسي السلطة.
لكن هناك إعاقات لتحقق هذا السيناريو، منها عملية التحصين التي ينسجها
الشيخ تميم لتفادي الطعنات من الخلف، فضلا عن تمتعه بدعم والده ووالدته،
ونجاحه فيما أخفق فيه أخوه جاسم في بناء علاقات سياسية، وتوازنات داخل
المؤسسة العسكرية.
في حين يشير السيناريو الثالث إلى أن من يخلف الأمير الحالي هو رئيس
الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم، في حال احتمال حدوث صراع على السلطة بين
الشيخ تميم وإخوته، لاسيما أنه يحظى بدعم أمريكي وغربي. كما أنه يمكن أن
ينجح في الحصول على دعم من الفرع المنتمي إلى شيخ قطر السابق، أحمد بن علي
الذي أزيح من قبل أب الأمير الحالي. غير أن هذا السيناريو ضعيف، ولا يمكن
المراهنة عليه، لأن قوى أفرع عائلة آل ثان لا تمكن حمد بن جاسم من تولي
الحكم.
4
- الخلافة الكويتية أما بالنسبة للكويت، فلم تشهد منذ حصولها على الاستقلال أزمة سياسية حادة
خاصة بأزمة "ترتيب بيت الحكم"، باستثناء الأزمة التي شهدتها البلاد في
يناير 2006، حينما توفى جابر الأحمد الصباح، وعين سعد العبد الله الصباح
ولى العهد أميرا للبلاد. وفى ظل التدهور الشديد للحالة الصحية للأمير
الجديد، فقد أثيرت عدة تساؤلات اتصلت بمدى قدرته على القيام بمهام منصبه
الجديد، خاصة في ظل عدم قدرته على أداء اليمين الدستورية.
وتشير المادة الثالثة لقانون التوارث في البلاد إلى أنه "يشترط لممارسة
الأمير صلاحياته الدستورية ألا يفقد شرطا من الشروط الواجب توافرها في ولى
العهد. فإن فقد أحد هذه الشروط، أو فقد القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته،
فعلى مجلس الوزراء بعد التثبت من ذلك أن يعرض الأمر على مجلس الأمة في
الحال لنظره في جلسة سرية خاصة. فإذا ثبت للمجلس بصورة قاطعة فقدان الشرط
أو القوة المنوه عنهما، قرر بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم انتقال
ممارسة صلاحية الأمير إلى ولى العهد بصفة مؤقتة، أو انتقال رئاسة الدولة
إليه نهائيا".
كما تنص المادة الرابعة من القانون ذاته على أنه "إذا خلا منصب الأمير قبل
تعيين ولى العهد، مارس مجلس الوزراء جميع اختصاصات رئيس الدولة لحين
اختيار الأمير بذات الإجراءات التي يبايع بها ولى العهد في مجلس الأمة".
وقد نجح مجلس الأمة الكويتي في حسم هذه الإشكالية، من خلال اللجوء إلى
قانون توارث الإمارة ، حيث تم بالإجماع إعفاء سعد العبد الله السالم الصباح
من منصبه كأمير للبلاد، وتنازل لصالح صباح الأحمد الصباح، وهو ما يؤكد مدى
قوة وتماسك الأسرة الحاكمة الكويتية، وقدرتها على احتواء الأزمات، ومدى
احترامها لنصوص الدستور. علاوة على ذلك، حدث تكريس لمبدأ فصل ولاية العهد
عن رئاسة الحكومة، حيث أشارت بعض التحليلات إلى أن القرار الصادر في عام
2003-الخاص بفصل منصبي رئاسة الوزراء عن ولاية العهد، حيث تم إسناد منصب
رئاسة الوزراء لصباح الأحمد الصباح، نظراً لتدهور الأوضاع الصحية لسعد
العبد الله- هو قرار مؤقت.
لكن ثمة مخاوف من أن تشهد الساحة السياسية الكويتية في الفترة المقبلة
صراعاً بين جناحي أسرة آل الصباح الحاكمة، وهما جناح الأحمد وجناح السالم،
لتصعيد بعض الشيوخ لمناصب حكومية بارزة لاقتناص منصب ولي العهد في مرحلة ما
بعد "حكم الشيخ نواف الأحمد"، الذي يفترض أن يحكم البلاد بعد الأمير
الحالي صباح الأحمد. وقد بدأ عدد من الصحف الكويتية، مثل القبس، المعروفة
بعلاقاتها مع الشيوخ في الأسرة الحاكمة، في تسليط الضوء على الخلافات بين
الشيخ أحمد الفهد والشيخ فهد سالم العلي من جانب، والشيخ ناصر المحمد، رئيس
الوزراء السابق، وبين كل هؤلاء الشيوخ ورئيس الحكومة الحالي، الشيخ جابر
المبارك.
5
- الخلافة الإماراتية أما بالنسبة لمسألة الخلافة في الحالة الإماراتية، فقد حسمها مؤسس الدولة
زايد بن سلطان آل نهيان قبل وفاته، من خلال التراضي بين أبنائه. لكن مسألة
الخلافة تتخذ مستويين، الأول يشمل البلاد ككل، حيث اختار زايد نجله الشيخ
محمد نائباً لولى العهد، الشيخ خليفة، رئيس الدولة الحالي، وذلك حسماً
لمسألة الخلافة، في حالة رئاسة ابنه خليفة للدولة والإمارة. أما المستوى
الثاني، فخاص بالإمارات ذاتها، حيث إن كل إمارة لها حاكم خاص. فعلى سبيل
المثال، بعد وفاة "مكتوم بن راشد"، حاكم دبي في يناير 2006، انتقل الحكم
إلى ولى العهد محمد بن راشد (وزير الدفاع). وهكذا، ينطبق انتقال السلطة على
بقية الإمارات الأخرى، مثل الشارقة، وعجمان، والفجيرة، وأم القيوين.
لكن هذه السلاسة في انتقال السلطة لم تسر على رأس الخيمة، حيث حدثت أزمة
في في يونيو 2003 ، حين وقع انقلاب من قبل "سلطان بن صقر القاسمي"، الابن
الأصغر لحاكم رأس الخيمة ضد أخيه. وقد حظي هذا الانقلاب بدعم وتأييد
الحكومة الاتحادية في أبو ظبي، حيث اضطر الجيش للتدخل ليفرض قرار صقر
بالقوة، ودعم التغيير، والحفاظ على استقرار الأوضاع في الإمارة، والتي
اقترحت على الأسرة الحاكمة في الإمارة اعتبار ما حدث عملية خلافة مقبولة.
وبوجه عام، فإن العنصر الحاسم في مسألة الخلافة في دولة الإمارات هو
الاتفاق، أو التضامن بين حكام الإمارات السبع، رغبة في نجاح واستقرار
التجربة الاتحادية.
6- الخلافة البحرينية أما مسألة الخلافة السياسية في الحالة البحرينية، فلا تمثل قلقا للنظام
الحاكم، رغم أن البحرين تمثل نموذجا للأقليات الحاكمة في المنطقة العربية،
على أساس أن الأسرة الحاكمة سنية والأغلبية المحكومة شيعية. لكن العامل
التاريخي يشير إلى أن انتقال السلطة يبدو وجها من السلمية والسلاسة، مقارنة
بغيرها من دول الخليج، ولا يتوقع حدوث صراعات سلطة، سواء بين ولي العهد
الأمير سلمان، وعم والده الشيخ خليفة بن سلمان، رئيس الحكومة من جانب، أو
بين ولي العهد وأخيه غير الشقيق، الشيخ ناصر، نظرا لأن خلاف الحكم قد يؤدي
إلى تهديد وضع الدولة، وليس فقط استقرار النظام الحاكم.
خلاصة القول إن مباراة الخلافة السياسية في دول الخليج يلعب كل
طرف فيها ليفوز، أو ليخرج بمكاسب، وسيظل هناك دائما مجال واسع للافتراضات
أو التساؤلات حول أجواء المباراة في كل حالة خليجية على حدة، بما فيها
احتمال تغير المشهد في اللحظة الأخيرة (الوقت بدل الضائع) عبر صعود
"القادمين من الخلف". ويعني أنه في أثناء انشغال الأمراء الأكثر بروزا
وتأهيلا في فعاليات المباراة فيما بينهم، ينطلق أحد الامراء من الخطوط
الخلفية، مستغلا المساحات الخلفية، وانشغال المدافعين بالمهاجمين، ويسجل
هدفا، أي شغل كرسي الحكم. غير أن مسألة الخلافة تتطلب ترتيب البيت الخليجي من الداخل،
عبر الحفاظ على الروابط العائلية، ووضع معظم أفراد الأسرة الحاكمة الذين لا
يشملهم خط الوراثة في مراكز عليا في النظام السياسي، أي قدرة النظام على
استيعاب القوى السياسية والتعبير عنها، سواء في شكل أو تنظيمات شبابية، أو
مؤسسات تجارية، أو أجهزة إعلامية، أو أبنية أهلية، بما يضمن الاستقرار
العائلي، تمهيدا لتحقيق الاستقرار السياسي، الذي يتطلب رسم خريطة طريق
جديدة، في علاقة شيوخ الأسر الحاكمة بأبناء المجتمع.
الإثنين أكتوبر 22, 2012 2:52 pm من طرف وردة