لوسي، الاحفورة الاقدم التي تؤرخ لنشوء الانسان تترك مكانها لاحفورة اخرى اكثر قدم واهمية اطلق عليها اسم ادري وهي ايضا مستحاثة لانثى. المستحاثة الجديدة تعود الى ماقبل 4,4 مليون سنة، وتلقي اضواء مميزة على جذور الانسان. يقول عالم التشريح من متحف التاريخ الطبيعي في كلايفيلاند الامريكية، Yohannes Haile-Selassie, " الاكتشاف الذي قمنا به غير نظرتنا عن طريق تطور الانسان".
في بداية التسعينات من القرن الماضي شارك يوهانيس هايل-سيلاسيه في العديد من التنقيبات الاستكشافية في منطقة Afarsänkan الواقعة في شمال شرق اثيوبيا. خلال هذه التنقيبات جرى العثور على Ardipithecus ramidus, وهو نفسه الذي يطلق عليه اختصارا تعبير اردي. هذا الكائن ينتمي الى مجموعة البشر-القرود وكان يعيش قبل 4,4 مليون سنة. عثر المنقبين على لقى تعود الى 110 فردا، ولكنهم احتاجوا الى 15 سنة ليتمكنوا من جمع القطع الى بعضها، فتظهر الصورة التي اذهلت الجميع.
في مجلة Science العلمية نشر الباحثين مقالهم معلنين تفاصيل اقدم شبيه للانسان على وجه الارض. اكثر الهياكل كمالا كان يعود الى انثى وهي التي حصلت على اسم اردي. عندما كانت حية كان طولها 120 سم ووزنها 50 كيلو. اردي اقدم من لوسي بأكثر من مليون سنة، والتي كان يشار اليها على انه ام الانسان، وكانت تعود الى الفرع المسمى Australopithecus afarensis, وهو نوع عاش قبل 3,3 مليون سنة. لوسي تم العثور عليها في سبعينات القرن الماضي، ويبدو انها فقدت الان لقب ام الانسان لصالح اردي. اردي كانت بحجم الشمبانزي وحجم الدماغ يتساوى مع حجم مثيله لدى الشمبانزي. كانت تملك اذرع طويلة وسيقان قصيرة، ولكنها لم تستخدم اذرعها للدعم عند السير على الارض واقدامها كانت مناسبة خصيصا للسير المنتصب.
يقول Yohannes Haile-Selassie ان اردي كانت قادرة على المشي منتصبة على اطرافها الامامية عندما تمشي على الارض في حين تستخدم اطرافها الاربعة للتسلق على الشجر. بهذا الشكل كانت مؤهلة لاستغلال الارض والشجر على السواء.
حتى لوسي كانت قادرة على المشي المنتصب، غير ان العلماء كانوا لفترة طويلة متشككين فيما إذا كان سيرها المنتصب يتشابه مع انتصاب الانسان او انها ايضا تملك خصائص الحياة على الشجر. مع اكتشاف ادري اصبح الاحتمال الثاني اكثر ترجيحا. يقول:" لقد عثرنا على برهان على ان ادري، التي تشكل الجد الاقدم للوسي، قادرة على تسلق الاشجار، لديها ابهام يؤكد ذلك، ويشبه القرود اكثر".
من القرود الباقية على قيد الحياة يعتبر اليوم الشمبانزي هو الاقرب الى الانسان. التحليل الجيني يشير الى ان الجد المشترك معه كان يعيش قبل 6 ملايين سنة، ولكن لانعلم كيف كان شكله، إذ ان اردي مرحلة لاحقة له فقط. غير ان يوهانس يلاحظ ان اردي مؤشر على ان الجد الاخير المشترك لابد انه كان يفعل الشئ نفسه، انه لم يعش على الاشجار فقط (الكلام عن النوع).
لهذه الاسباب، فإن القول ان جدنا المشترك الاول سيكون اكثر شبها بالشبمانزي منه بالانسان هو امر خاطئ، إذ ان الشمبانزي استمر هو ايضا على التطور خلال هذه الملايين من السنين ولكن في إتجاه اخر.
بالتأكيد يوجد معارضين لهذه القراءة، كما هو الامر على الدوام. Lars Werdelin مختص التشريح في متحف التاريخ الطبيعي السويدي اشار الى ان اللقية هامة للغاية ولكنه ينظر بشك للاستنتاج القائل ان اردي تسير منتصبة، لعدة اسباب. يقول:" بشكل عام يمكن رؤية ان مساحة التقديرات في ترجمة ماتم العثور عليه فعلا، كبيرة للغاية. مثلا كان عظام الحوض مهشم للغاية ولم يجري العثور على عظام العمود الفقري وانما جرى بناء الاستنتاجات انطلاقا من كيفية تموضع عظمة العجز". ويشير ايضا الى ان مفاصل الركبة لدى اردي مستقيمة اكثر من اللازم لتتمكن من السير منتصبة. يقول:" عند الكائنات المنتصبة عادة توجد زاوية بين العظمة العليا والعظمة الدنيا (من عظام مفصل الركبة)، ولكن هنا لانراها". ويؤكد ان بقية بنية القدم توحي بأنها تُستخدم من اجل المسك وهو امر يتعارض مع كونها قادرة على السير المنتصب. ويقول :" لدي شعور انها كانت قادرة على المشي المنتصب، ولكنها لم تكن تنتصب انتصابا طبيعيا كاملا".
على العكس نجد ان مجموعة من العلماء على رأسها Tim White تستخلص ان اردي كانت تستخدم اقدامها لمسك الاغصان، من حيث ان بنيتها تناسب نمطين من الحياة، غير ان لارس ويردلين لايتفق معهم في ذلك ويقول :" انهم يرون مايريدون ان يروه".
ولكن مالذي دفع اردي للانتصاب وقد كانت تعيش في الغابات، حيث تحظى بالحماية والغذاء على رؤس الاشجار؟ هذا السؤال من الصعب الاجابة عليه، ولكن توجد فرضيات، احدها والاكثر قبولا ان سعي الذكور للمزيد من الجنس كان وراء لك. عند اغلب القرود اليوم يحصل القرد على شريك جنسي من خلال الصراع، حيث يقوم الذكر الفا بالبرهنة على جدارته في صراع دموي، ليحظى بالحق في تلقيح الحريم. هذه الطريقة تؤدي الى إنتصار من يملك انياب طويلة وعضو تناسلي قصير وصلب عند الانتصاب، إذ ان النجاح يتطلب سرعة في الايلاج من اجل انجاز اكبر عدد ممكن من عمليات التلقيح مع اكبر عدد من الحريم.
على العكس نجد ان الذكر الذي يملك انياب قصيرة يحتاج الى إستخدام تكتيك اخر للوصول الى انثى، مثلا ان يقدم لها هدية مثل الموز ويطالب بالجنس كبديل. مثل هذا السلوك نجده عند قرود البونوبو وحتى الشمبانزي. من هنا يشار الى ان بعض افراد اردي اصبحوا نشيطين في ملاحقة العطايا والهدايا للاناث، ومن حيث ان القرد الذي يملك اطرافه الامامية حرة يكون اكثر قدرة على استخدامها لحمل العطايا وإبهار الاناث. ومع الزمن لم تعد الانياب الطويلة ذات افضلية امام الاطراف الحرة، ليخسر القرد ذو الانياب امام القرد المنتصب. هذه النظرية تجد العضد في شكل حنك اردي كما في عادات الانسان، من سعيه للطعام وعادات إمتلاك الحريم ومحاولة ابهارهم بالمال.
غير ان مايتفق فيه كلا الطرفين على انننا توصلنا الى حلقة مهمة من حلقات تطور الانسان. يقول لارس ويرديلين:" ان هذه الحلقة تشير الى ان الانسان المبكر لم يكن صورة عن الشمبانزي كما كنا نتوقع، انه لم يكن صورة نمطية".
ومن كل ذلك نرى انه من الواضح ان هذه اللقية ستغير العديد من التصورات وستفتح ابواب النقاش والجدل لسنوات تماما كما فعلت لوسي على مر سنوات