الطيور اليوم تملاء السماء والاشجار وتحمل الى نفوسنا المتعة بمنظرها وشجوها الجميل. غير ان الامر لم يكن كذلك على الدوام، ففي العصور الاولى لنشوء الطيور ، كانت ضخمة للغاية، تماما كالديناصورات الذي انحدرت عنهم، وكانت لاتطير، وقادرة على قتل الحيوانات الكبيرة وابتلاعها بالكامل.
قبل خمس ملايين سنة، وعلى ارض الارجنتين، حدث على الاغلب ان مجموعة من الحيوان المسمى Brachytherium وهي حيوانات منقرضة تشبه الحصان الحالي، كانت ترعى بسلام في المراعي الهائلة. لم تنتبه افراد هذه المجموعة لطائر هائل مختبئ بين الاحراش. الطائر يحرك رأسه ببطء من اجل ان يحدد موقع الهدف بدقة.
فجأة ينطلق الطائر بسرعة كبيرة. في خلال بضعة ثوان تصل سرعته الى 50 كيلومتر في الساعة. مجموعة الحيوانات تنطلق من الرعب في جميع الاتجاهات، في حين يقوم الطائر بالتركيز على الاضعف. في النتيجة يلحق الطائر به ويضربه بقدمه ويجعله يتقلب على الارض، ليقوم بمنقاره بالقبض على عنقه ويقتله. بعد ذلك يرفع الضحية بمنقاره الى الاعلى ويضربه بالارض بضعة مرات حتى يحطم كل اجزائه، ليبتلعها بعد ذلك بمجملها.
هذا الطائر الهائل يعود لمجموعة Phorusrhacidae, والتي ظهرت قبل خمسة وخمسين مليون سنة وكانت مختصة بقتل الحيوانات الكبيرة نسبيا. هذه المعلومات تقدمها لنا جماجم وعظام تم العثور عليها عام 2004 قرب مدينة كمالو في جنوب الارجنتين. الجمجمة ممزقة بمخلب حاد والعظام تشير الى ان هذا الطائر كان صيادا قويا وسريعا.
الباحثون يقدرون ان هذا الطائر كان سرعته تصل فقط الى الخمسين كيلومترا في الساعة، في حين ان اقدامه القوية قادرة على تحطيم العظام تماما كما يفعل اليوم الطير السكرتار والذي يعيش في سهوب افريقيا، عندما يقوم بإصطياد الحيات.
الطائر العملاق كان صيادا هائلا ولكنه لم يكن الوحيد من نوعه. لدينا العديد من الامثلة على انواع اخرى من الطيور كانت اكبر واضخم واثقل واكثر وحشية بالمقارنة مع جميع الطيور الموجودة حاليا وعددها حوالي 10 الاف نوع. بعض انواع طيور ماقبل التاريخ انقرضت قبل بضعة ملايين السنين، في حين ان البعض الاخر انقرض قبل بضعة مئات من السنين فقط.
على جزيرة مدغشقر كان يعيش طائر يسمى "الطائر الفيل" او (الرخ)، اكبر هيكل عُثر عليه لهذا الطائر كان إرتفاعه ثلاثة امتار وبيضته بحجم الكرة المستخدمة في كرة القدم الامريكية. اخر ثلاثة نماذج لهذا النوع ماتت قبل حوالي 350 سنة ولازال بالامكان العثور على قشور بيوضهم حتى اليوم. محتمل ان هذه الطيور هي التي وصفها ابن بطوطة في مذكراته الشهيرة. من تحليل الاحماض الامينية والكربون في القشور ظهر ان طعام هذه الطيور كان من نباتات الاراضي المائية (اراض لم تصل الى مستوى تسميتها بالمستنقعات)، وكان يفضل الشجيرات على الاعشاب الطرية ، وبالتالي كانوا يعيشون على الساحل وليس في داخل الجزيرة الجافة. لقد انقرض بعد قدوم الانسان الى الجزيرة المعزولة، قبل 1500-2000 سنة.
معرفة نظام الطعام لدى الرخ قضية مهمة لتفسير اسباب انقراضهم. كافة الدلائل تشير الى انهم عاشوا الى جانب الانسان مئات السنوات، ولذلك من الصعب تفسير اسباب انقراضهم. ان يكونوا قد انقرضوا بسبب تزايد الصيد من المستعمرين الجدد امر بعيد الاحتمال لاننا لم نجد اماكن تجمع عظامهم تدل على حدوث عمليات ذبح واسعة. إضافة الى ذلك فإن اطراف واسعة من الجزيرة كانت غير مسكونة عندما انقرضوا.
لهذا السبب، فإن التفسير الاكثر احتمالا هو مجموعة من العوامل جميعها يدخل فيها قدوم الانسان: صيده لهم، احراقه للاحراش، وتغير البيئة، مما ادى الى جفاف الاراضي واختفاء الجزر الصغيرة وسط الاراضي المائية. مجموع هذه العوامل اصبحت "القش الذي قصم ظهر البعير".
الرخ هو قريب بعيد لانواع من الطيور لازالت حية حتى اليوم مثل كيوي، kasuar, emu, وتعيش في استراليا ونيوزيلندا وغوينيا الجديدة. هذه الاماكن، مثل مدغشقر، كانت مقفلة امام بقية الحيوانات الاخرى الامر الذي اتاح للتطور ان يأخذ توجها اخر.
بعد انقسام القارة كوندوانا Gondwana, قبل حوالي 82 مليون سنة، انعزلت نيوزيلندا وبقية الجزر عن بقية القارات الكبيرة. منذ ذلك الوقت اخذ التطور اتجاها اخر لدى الاحياء على تلك الجزر. لقد تمكنت الطيور ان تتطور وتملئ الفراغ الذي حدث بسبب انقراض الديناصورات قبل 65 مليون سنة. على القارات، نجد ان الثدييات هي التي تطورت وملئت الفراغ.
الانعزال البيئي اعطى الطيور فرصة ان يتطوروا الى احجام كبيرة. اكبر انواع الطيور كانت Dromornis stirtoni. هذا الطير كان موجودا قبل مابين ستة الى ثمانية مليون سنة في استراليا، وكان وزنه يصل الى نصف طن وكان يشبه طائر الامو مع عضلات هائلة. ولكن، يجب النظر اليه على انه نوع من الوز، إذ انه اكثر قربا من الوز المعاصر. غير انه لم يكن مثل الوز العادي، إذ كان يملك اقدام غليظة للغاية ورأسه بحجم رأس الحصان ومنقار يتجاوز كل التوقعات، قادر على تمزيق ضحيته. لايوجد اي شك في افراد هذه الفصيلة كانت من الطيور المفترسة ، ولكن البيلوجيين لاعلم لهم بعادات الطعام لدى هذه الفصيلة. انهم لايعلمون فيما إذا كانوا يصيدون ضحيتهم ام مجرد يبحثون عنها بعد موتها. من المحتمل ان يكون كلاهما، وبالتالي يقومون بالدور الذي يقوم به الضباع.
البيلوجيين يعرفون سبعة انواع تنتمي الى هذه الفصيلة، ومن المحتمل ان بعضهم كان نباتيا جزئيا او كلياً، إذ يتم العثور على الدوام على احجار صغيرة الى جانب هياكلهم العظمية. حتى اليوم لازالت الطيور الاكلة للاعشاب تستخدم الحجارة الصغيرة في معدتها من اجل سحق الطعام النباتي الذي يصعب هضمه في منظومتها الهضمية. إضافة الى ذلك فإن اقدام هذه الانواع غير مجهزة لتقتل، وموقع اعينهم يعطي منطقة نظر عريضة، وهي ملامح خاصة بالطيور الغير مفترسة.
اخر طير من هذه الفصيلة مات قبل 30 الف سنة، تماما بعد قدوم الانسان الى استراليا. ونفس الامر حدث مع طائر الموا، (Moa), ولكن ليس قبل القرن الخامس عشر.
بعض هياكل طائر الموا كانت تشير الى ان طوله يصل الى 3،6 متر ووزنه الى 250 كيلو، في حين ان هياكل اخرى كانت اصغر بكثير. هذا الاختلاف في الاحجام اثار على الدوام تساؤلات الباحثين. قبل بضعة سنوات توصل البييلوجيين الى ان هذه الفوارق الكبيرة بين هياكل طيور الموا لابد ان تعني انهم ينتمون الى انواع مختلفة من انواع الموا. دراسة جديدة للحمض النووي في عظام طيور الموا اعطت تفسيرا اخر كليا لهذا الاختلاف في الاحجام. تحليل الحمض النووي اشار الى ان الهياكل الكبيرة تعود للاناث في حين ان الصغيرة ذكور. كانت احجام الاناث تصل الى ثلاثة مرات اكبر من حجم الذكور.
وعلى الرغم من طير الموا لم يكن يحتاج ان يخاف حيوانا اخر، الا انه لم يكن يستطيع ان يأكل بسلام. لقد كانوا مضطرين الى النظر على الدوام الى السماء خوفا من اكبر نسر في ذلك الوقت: Harpagornis moorei. كانت اجنحته تمتد الى ثلاثة امتار ومخالبه حادة كمخالب النمر. لقد عثر الخبراء على آثار مخالب هذا الطير على اجساد طيور الموا والتي تشير الى انهم تعرضوا لهجومه، حيث ترك علامات مخالب رجله اليمنى على عظم الفخذ في حين كان يخنق الموا بالقدم اليسرى.
غير ان اكبر الطيور القادرة على الطيران من طيور ماقبل التاريخ هو الطائر المسمى Argentavis magnificens, والذي كان قبل سبعة ملايين سنة يملك اجنحة طولها سبعة امتار. لقد كان وزنه قريبا من الحد الاقصى الممكن ليقدر على الطيران، ولسنوات طويلة كان احجية امام البيلوجيين، لتفسير كيف كان قادرا ان يبدء الانطلاق والتحليق. كان وزنه 70 كيلو تقريبا، وكان كبيرا الى درجة كان ينبغي ان لايستطيع الارتفاع.
عام 2007 جرى تطوير برنامج كمبيوتري لدراسة كيفية تحليق هذا الطائر. الموديل اظهر ان هذا الطير كان بإمكانه الطيران فقط إذا قفز من مناطق مرتفعة. في الايام الساكنة الهواء يحتاج إما ان يقفز من ارتفاع عشرين مترا، من على حافة حادة او ان يركض لمسافة 30 مترا على منحدر زاويته 10 درجات، تماما بدات الطريقة التي يتبعها الاطفال اليوم من اجل تحليق طياراتهم الورقية او النورس القطبي Diomedeidae. في ذات الوقت تظهر التحليلات ان قوة عضلات الطائر العملاق اضعف من ان يتمكن من الطيران بشكل نشيط، في حين كان على الاغلب ينزلق لمسافة 300 كيلومتر مستغلا التيارات الحارة.
احد الطيور الاخرى الذي لازال يشكل معضلة هو البطريق العملاق Icadyptes salasi, والذي لازلنا لانعلم الكثير عنه. مجموعة من الباحثيين الدوليين بقيادة العالمة الامريكية Julia Clarke, عثرت عام 2007 على مستحاثة عظمية لاثنين من البطريق الضخم المنقرض قرب خط الاستواء في منطقة صحراء اتاكوم العائدة لدولة بيرو، وهي من اكثر المناطق جفافا في العالم. المذهل ان المستحاثات تعودان لفترة جيلوجية حارة في تاريخ الارض قبل مابين 36-42 مليون سنة.
البطريق العملاق لم يكن قادر على الطيران، ولكن اكبر طير بحري على الاطلاق كان قادر على الطيران ويسمى Osteodontornis. جناحه كان بطول ستة امتار ورأسه كان من الكبر بحيث انه كان مضطرا الى سحبه للخلق وابقائه بين اكتافه خلال التحليق فوق سواحل كاليفورنيا قبل 25 مليون سنة.
كان منقاره يملك اسنانا حادة كالمنشار، تساعده على التقاط الاسماك والاخطبوط من سطح البحر. وجود الاسنان علامة غير معروفة لدى الانواع الاخرى من الطيور، المنقرضة او الباقية على الحياة على السواء، ولكنها من بقايا فترة التحول عن الديناصورات، وعلى مايبدو تأخرت بالزوال لدى بعض الانواع. اليوم يسيطر الطيور على السماء بنجاح كبير بعد ان تمكنوا من اقلمة بنيتهم " الديناصورية" للحاجات الفعلية الممكنة بأفضل الاساليب.