جميل مرحبا بك
عدد الرسائل : 54
تاريخ التسجيل : 26/10/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | الكثير من الحيوانات تتعلم و لكن الأكثر ذكاءً ليس بالضرورة أفضل | |
الكثير من الحيوانات تتعلم و لكن الأكثر ذكاءً ليس بالضرورة أفضل
"لماذا البشر أذكياء جداً؟" , سؤالٌ يفتن العلماء . تاديوسز كاووكي , Tadeusz Kawecki عالم أحياء تطوري في جامعة فريبورج , يفضّل أن يلتف حول هذا السؤال . يتساءل د.كاووكي "إذا كان الذكاء عظيمٌ جداً , لماذا بقيت معظم الحيوانات غبية؟". د.كاووكي و من يتفق معه من العلماء , يحاولون أن يعرفوا لماذا تتعلم الحيوانات و لماذا تطورت بعض الحيوانات لتصبح أفضل في التعلم من حيوانات أخرى. خلال بحثهم , وجدوا سبب وحيد لهذا الاختلاف بين الحيوانات و هو أنَّ الذكاء يمكن أن يؤذي صحَّة الحيوان. إن التعلم منتشر بشكل جدير بالملاحظة في المملكة الحيوانية. حتّى دودة الخل المجهريّة , كينورهابدايتس إيليجانس , Caenorhabditis elegans, تستطيع التعلم , بالرغم من امتلاكها لـ302عصبون فقط!! . إنها تتغذى على البكتيريا , و لكن تصبح مريضة إذا تناولت أنواع معيَّنة منها . هذه الديدان لم تولد و لديها كِرهٌ غريزي للبكتيريا الضارة , فهي تحتاج الوقت لتتعلم كيف تتجنب المرض. العديد من الحشرات أيضاً جيدة في التعلم. قال ريوفن دوكاس , Reuven Dukas عالم أحياء في جامعة مكماستر , "الناس تعتقد أن الحشرات عبارة عن رجال آلية صغيرة تفعل كل شيء غريزيَّاً " . لقد اظهر بحث قام به د. دوكاس مع آخرون أن الحشرات تستحق الاحترام أكثر . لقد وجد د. دوكاس أن يرقة, إحدى أكثر الحشرات المفضلة في المختبرات , و هي ذبابة الفاكهة (دروسافيلا ميلانوغاستر) , تستطيع أن تتعلم كيف تربط بعض الروائح بالطعام , و روائح أخرى بحيوانات أو حشرات مفترسة . و في مجموعة أخرى من التجارب , اكتشف د.دوكاس أن ذكورً يافعة من الذباب قد تُهدِر الكثير من الوقت في محاولة مغازلة إناث غير مستعدة للتزاوج . فهذه الذكور تأخذ وقت حتى تتعلم مؤشرات معيَّنة تميِّز من خلالها الإناث المستعدة للتزاوج من تلك الغير مستعدة. يفترض د.دوكاس أن أي حيوان لديهِ جهاز عصبي , يستطيع التعلم. حتى في الحالات التي فشل العلماء في توثيق التعلم في فصائل معيَّنة , يعتقد أنه لا يجب التسرُّع في الحكم . و يتساءل د.دوكاس "هل السبب في أنني أستاذ سيء أم أنَّ الحيوان لا يتعلم؟". مع أن التعلم منتشر بشكل واسع في عالم الحيوان , لكن د.دوكاس يتساءل لماذا تُتعِب الحيوانات أنفسها في تطوير قابليّة التعلم لديها في الدرجة بالأولى . يقول : "لا يُمكنكَ أن تحكم ببساطة بأن التعلّم هو تكيُّف مع تغيُّرات البيئة المحيطة". من الممكن أن يكون التكيُّف مع تغيُّرات البيئة المحيطة بدون استخدام جهاز عصبي للتعلم . تستطيع البكتيريا أن تُبدِّل سلوكها لتساعد نفسها على البقاء . إذا أحسَّت جرثومة بوجود التوكسين , فتسبح مبتعدةً . و إذا أحسَّت بصنف جديد من الغذاء , تستطيع أن تبدِّل الجينات المعطلة فتجعلها فعالة و بالعكس و ذلك لكي تقوم بالتحول الغذائي المطلوب. يبدو أن التعلم يمتلك تأثيرات جانبيّة خطيرة حيث يجعل من تطوُّر هذه الكائنات محيِّرً أكثر . د. كاووكي و زملائه قد قدَّموا دليل لافت للنظر عن هذه التأثيرات من خلال دراسة الذباب حيث تطوّرت لتُصبح قادرة على التعلم بشكل أفضل. و لإنتاج ذباباتٍ أذكى , قدَّم الباحثون لها اختيار بين هلام بالبرتقال , أو هلام بالأناناس . يمتلك الطبقين رائحة شهيَّة . الذبابات التي حطَّت على الهلام البرتقالي اكتشفت أنه مزوَّد بدواء ضد الملاريا . لدى الذبابات ثلاث ساعات لتتعلم أن رائحة البرتقال الشهيّة متبوعة بطعمٍ مُقرِف. لاختبار الذبابات , قام العلماء بعد ذلك بتقديم طبقين من الهُلام , أحدهما برتقالي و الآخر أناناس . هذه المرَّة , لا يوجد في أي منهما أي دواء . استقرت الذبابات على الطبقين و تغذّت من كلاهما و قامت الإناث بوضع بيوضها . قال د.كاووكي : "الذبابات التي خاضت تجربة سيئة مع طبق البرتقال , يجب أن تتجنبهُ و تختار الأناناس". د.كاووكي و زملائه , جمعوا البيوض من طبق هلام الأناناس الخالي من دواء الملاريا , و استخدموها لإنتاج الجيل الجديد من الذباب . قام العلماء بتكرير التجربة على الذبابات الجديدة و لكن هذه المرّة تمَّ تزويد هلام الأناناس بدواء الملاريا بدل هلام البرتقال. استغرق الأمر 15 جيل , تحت هذه الظروف , بالنسبة للذبابات حتى تُصبح جينيَّاً مُبرمجة لتتعلَّم بشكل أفضل. في بداية التجربة , استغرقت الذبابات ساعاتٍ عدّة لتتعلَّم الفرق بين الهُلام المزوَّد بدواء الملاريا و بين ذلك الغير مزوَّد بهِ . مجموعة الذبابات السريعة التعلّم تحتاج لأقل من ساعة . لكن الذبابات دفعت ثمناً لتعلمها السريع. وضع د.كاووكي و زملائهُ يرقة ذبابة ذكيَّة في مواجهة مجموعة أخرى من الذباب. قاموا بجمع الحشرات و خلطها مع بعضها و منحها مئونة قليلة من الخميرة , و ذلك لمعرفة أي منها سينجو . قاموا بإجراء التجربة ذاتها و لكن جاعلين المنافسة بين المجموعة الجديدة الذكيّة من الذباب و أقربائهم الاعتياديين . نجا حوالي 50% من الذبابات الذكيّة و لكن كانت النسبة 80% من الذبابات العاديّة . عكس التجربة أثبت أن تكون ذكيَّا لا يعني أن تبقى على قيد الحياة . يقول د. كاووكي: "أخذنا مجموعة من الذباب و أبقيناها حتَّى 30 جيل مزوّدة بغذاء قليل , فيجب أن تتكيّف لتتطوَّر بشكل أفضل في هذه الظروف , و لكن ماذا حصل لقابليّة التعلم؟ لقد سقطت." . لم تقم القدرة على التعلم بإلحاق الأذى بالذبابات اليافعة فحسب . لقد أرسل د.كاووكي و زملائه تقريرهم إلى مجلة (Evolution) المُحتوي على نتيجة البحث و هي أنَّ ذباباتهم سريعة التعلّم تعيش بمعدّل وسطي 15% حياة أقصر من تلك التي لم تخضع للانتقاء في الهلام المزوَّد بدواء الملاريا. الذبابات التي مرّت بالانتقاء للحياة الأطول كانت أسوأ بـ40% في التعلم من الذبابات الاعتيادية , و يقول د.كاووكي: "نحن لا نعلم الآلية التي يسير هذا الأمر وفقها" . يأتي دليل آخر من تجربة أخرى , حيث وجد هو و زملائه أنّ من يطوّر أساليب جديدة بالتعلم , يدفع ضريبة لذلك . درَّب العلماء بعض الذبابات السريعة التعلم على أن تربط رائحة ما باهتزازات قويّة . "ماتت هذه الذبابات 20% أسرع من تلك التي لم يتم إجبارها أن تتعلم " كما قال . إن تشكيل ارتباطات عصبيّة يُمكن أن يُسبِّبْ تأثيرات جانبية ضارة . و من الممكن أيضاً أن تكون الجينات التي تسمح بتطوير أساليب التعلم بشكل أسرع و تبقيها لفترة أطول , تُسبب تغيُّرات أخرى. عندما تُغادِر الطيور أعشاشها بداية الأمر , تحتاج وقت لتتعلم كيف تجد الطعام و تتجنَّب الحيوانات المفترسة الأخرى , فمن المحتمل أن تتضوّر جوعا و تموت بسبب ذلك أو أن تُقتَل . يُناقش د.دوكاس في أنَّ التعلم يُطوِّر لمراحل أعلى فقط عندما يكون , كطريقة , أفضل للاستجابة للبيئة من الاعتماد على الاستجابات التلقائيَّة . "إنه جيد عندما تريد أن تعتمد على معلومات تكون مميزّة بالنسبة لوقتٍ ما و مكانٍ ما" . بعض أنواع النحل , كمثال , تتغذى على نوع واحد من الأزهار , و لكنها تستطيع أن تجد وفرة من الرحيق باستخدام مؤشرات تلقائيَّة . أنواع أخرى قد تكيّفت لتتغذى على أنواع عديدة من الأزهار , كل نوع يمتلك شكل مختلف و وقت إزهار مختلف . فيكون التعلم استراتيجيّة أفضل في هذه الحالة. لقد قام العلماء بعدة دراسات لاختبار هذه الفكرة . إحدى هذه الدراسات , و التي نُشِرَت هذه السنة في جامعة لندن , أظهرت أن التعلم السريع في مستعمرات النحل الكبير أدى إلى جمع كميّة أكبر من الرحيق وصلت لـ40% أكثر من المستعمرات ذات التعلم البطيء . يعتقد د.كاووكي في أن يكون كل صُنف منها قد تطّور حتى وصل لحالة توازن بين التكاليف و المنافع أو الفوائد الخاصة بالتعلم . تُثبت التجارب التي قام بها أن الذباب يمتلك الإمكانية الجينيّة ليُصبح أذكى على نحو هام و قيّم و ذلك في البيئة الطبيعية. و لكن فقط في مختبرهِ قد تحرّك التطوُّر فعلاً في ذلك الاتجاه . في الطبيعة , أي تحسُّن في تقنيات التعلم قد يُكلِّف كثيراً . يوافق د.كاووكي و د.دوكاس على أنَّ العلماء بحاجة لتحديد المبادلات بدقَّة و سيكون عليهم أن يقيسوا دور التعلم في حياة العديد من الأنواع . و بينما تتزايد معرفتهم بذلك , سيفهمون أكثر مقدرة الإنسان على التعلم . يقول د.دوكاس : "لقد وصل البشر إلى الحدود القصوى في كِلا الجانبين , القدرة على التعلم التي يمتلكها نوعنا البشري , و التكلفة المقابلة لتلك القدرة" . يتطلب الدماغ البشري , ذو الحجم الكبير بالنسبة لباقي الأحياء , 20% من السعرات الحراريّة في وقت الراحة . دماغ طفل مولود حديثاً , قد يُشكل خطر حقيقي على الأم و الطفل عند الولادة . و مع ذلك فإن الأطفال المولودين حديثاً , يكونون عاجزين تماماً , و يأخذ الأمر سنوات عديدة للطفل البشري حتى يتعلم ما يكفيه ليعيش وحده و دون عون من أحد. يقول د.كاووكي أيضاً أنه يجب أن نقوم ببعض التحريات لنعرف هل يدفع البشر أي تكاليف خفيّة مقابل قدرتهم الزائدة على التعلم . " نستطيع أن نتأمل و نفكر في إمكانيّة أن تكون بعض الأمراض ....هي نتاج للذكاء الذي نتمتَّع بهِ " كما قال . لا بُدَّ و أنّ فوائد التعلم قد كانت ضخمة فيما يتعلَّق بالتطور , لدرجة تخطي هذه التكاليف و الخسائر , كما يقول د.كاووكي. بالنسبة للعديد من الحيوانات , التعلم يقدِّم بشكل رئيسي فوائد في إيجاد الطعام أو إيجاد الشريك . لكن البشر أيضاً يعيشون في مجتمعات معقَّدة حيثُ يمتلك التعلم فوائد بشكل كبير . " إذا كنت تستخدم ذكائك للتفوق على مجموعتِكَ , فهناك إذاً سِباقٌ على التسلح " كما قال د.كاووكي . " لذلك لا يوجد مستوى أفضل بشكل حقيقي . عليك فقط أن تكون أذكى من الآخرين " .
| |
|