البرادعي والديكتاتوريات العربية
رأي القدس
4/3/2010
عندما يصف الدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق
لوكالة الطاقة الذرية السياسات الغربية في منطقة الشرق الأوسط بأنها فاشلة
كليا بسبب دعمها لأنظمة ديكتاتورية فاسدة، فان على السياسيين في الولايات
المتحدة الامريكية وبريطانيا الاستماع الى هذا الرجل وتقييمه للامور بشكل
جاد.
الدكتور البرادعي لا يمكن وصفه بأنه انسان متطرف معاد للغرب
وحضارته، مثلما جرت العادة في وصف أي مراقب ينتقد السياسات والساسة
الغربيين، بل هو العكس من ذلك تماما، والا لما جرى اختياره رئيسا لوكالة
الطاقة الذرية التي تعتبر أهم وكالات المنظمة الدولية المتخصصة، ولما فاز
بجائزة نوبل للسلام.
الدول الغربية، والولايات المتحدة الامريكية على
وجه التحديد، تدعم أنظمة ديكتاتورية قمعية فاسدة في الشرق الأوسط تحت ذريعة
الحفاظ على الاستقرار، ولكن الحقيقة مغايرة لذلك تماما، ففساد الانظمة
وديكتاتوريتها يسهلان على الانظمة الغربية تطبيق مشاريعها في الهيمنة على
ثروات الشعوب، ودعم الاحتلال الاسرائيلي للاراضي المحتلة.
بقاء اسرائيل
دولة عظمى متفوقة عسكريا، ومجهزة بكل أنواع اسلحة الدمار الشامل، بما في
ذلك اكثر من مائتي رأس نووي، هو العنوان الرئيسي للاستراتيجيات الغربية في
المنطقة، وقد تبين بشكل واضح ان هذه الاستراتيجيات لا يمكن ان تعطي ثمارها
الا في ظل وجود أنظمة ديكتاتورية فاسدة.
فاذا أخذنا مصر على سبيل المثال
في هذا المضمار، فان وجود ديمقراطية حقيقية فيها تفرز برلمانا يمثل الشعب
المصري ومواقفه وأحاسيسه، ويحاسب الحكومة على سياساتها ومواقفها، ويقاوم
الفساد في اطار من الشفافية، ولو وجدت هذه الديمقراطية ومؤسساتها في مصر،
من المستحيل ان تستمر السياسات الحالية المصرية في الارتهان بالكامل
لواشنطن وسياساتها، والتطبيع مع اسرائيل، وفرض الحصار على قطاع غزة، والصمت
عن العدوان الاسرائيلي عليه، وبيع الغاز المصري لاسرائيل بأسعار زهيدة
للغاية.
الدكتور البرادعي كان محقا تماما عندما قارن بين موقف الحكومات
الغربية من الانتخابات في ايران ونظيراتها في مصر والدول العربية الاخرى،
فالدول الغربية، اقامت الدنيا ولم تقعدها بسبب حدوث بعض شبهات التزوير في
الانتخابات الرئاسية الايرانية الاخيرة، ودعمت بشكل سافر المعارضة
الايرانية ومطالبها، ولكنها لم تفعل ذلك مطلقا عندما جرى تزوير الانتخابات
الرئاسية والبرلمانية المصرية الاخيرة بشكل فج وبدائي، والسبب ان الحكومة
المصرية تنفذ كل ما تؤتمر بفعله من قبل واشنطن واوروبا من حيث مساندة فرض
الحصار على غزة، ودعم الاحتلال الامريكي للعراق، والمشاركة بفاعلية في
الحرب على الارهاب.
هناك تناقض فاضح في المواقف والسياسات الغربية تجاه
المسألة الديمقراطية، فبينما تتباهى هذه الدول ليل نهار بارثها الديمقراطي،
وحضارتها الليبرالية، ومحاربتها للفساد، نراها تفعل العكس تماما عندما
يتعلق الامر بالعالمين العربي والاسلامي، وهذا تناقض معيب يكشف عن احتراف
للخديعة والنفاق والمواقف المزدوجة.
لا نعتقد ان انتقادات الدكتور
البرادعي هذه التي اطلقها في مقابلته مع صحيفة 'الغارديان' البريطانية ستجد
آذانا صاغية، لا لأنها ليست جديدة ومعروفة للساسة الغربيين فقط، وانما
ايضا لان هؤلاء قد عقدوا العزم على منع وصول الديمقراطية الى العالمين
العربي والاسلامي بكل الطرق والوسائل، اللهم الا اذا جاءت هذه الديمقراطية
بأنظمة تتعايش مع اسرائيل رغم اعتداءاتها واحتلالاتها، وتفتح آبار النفط
على مصراعيها امام الشركات الغربية ووفقا لشروطها.
مثل هذه الازدواجية
في المعايير سترتد سلبا على الغرب على المدى الطويل، لان البديل سيكون
التطرف، والاسلامي بالذات كأحد عناوينه، وهذا ما يفسر ازدياد قوة تنظيم
'القاعدة' رغم مرور عشر سنوات على اطلاق الحرب على الارهاب، وخسارة اكثر من
الف مليار دولار فيها حتى الآن، علاوة على آلاف الجنود قتلى وجرحى.