** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 عن التحدّيـات الفكريـة والعمليـة التي يطرحهـا الحـراك العربـي الراهـن أمــام قوى اليسـار العربــي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فدوى
فريق العمـــــل *****
فدوى


التوقيع : عن التحدّيـات الفكريـة والعمليـة التي يطرحهـا الحـراك العربـي الراهـن أمــام قوى اليسـار العربــي  I_icon_gender_male

عدد الرسائل : 1539

الموقع : رئيسة ومنسقة القسم الانكليزي
تاريخ التسجيل : 07/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 7

عن التحدّيـات الفكريـة والعمليـة التي يطرحهـا الحـراك العربـي الراهـن أمــام قوى اليسـار العربــي  Empty
07062012
مُساهمةعن التحدّيـات الفكريـة والعمليـة التي يطرحهـا الحـراك العربـي الراهـن أمــام قوى اليسـار العربــي

د. خالد حدادة: دكتوراه في طرائق تعليم
العلوم، على أطروحة بعنوان: "دراسة ابستيمية لتطور مفاهيم البصريات
عبرالتاريخ ولتطور تصورات التلامذة اللبنانيين في الميدان ذاته" – سنة
2004 انتخب أميناً عاماً للحزب الشيوعي اللبناني.








أصعب فترات الكتابة، تلك التي
تتم في المراحل الانتقالية. والأصعب في الكتابة أن يكون الكاتب مسؤولاً
سياسياً يحاصره الصراع بين التحليل والرؤية الفكرية والاكاديمية إلى حدٍ
كبير، من جهة، وموقع المسؤول السياسي من جهة ثانية، فلمَ تكون الأولوية؟
ألتحليل موضوعيٍّ للحالة العربية الراهنة، يدّعي الحياد، وفي ذلك تكبيل
للموقع المفترَض به أخذ القرار وتحديد الموقف، أم ان الأولوية تكون
للسياسي الذي يحاول دفع التحليل باتجاه تفسير أو تبرير الموقف، الذي
يُفترض إعلانه على خلفيته الفكرية والأيديولوجية.
الذي حَسَم هذا
النقاش الداخلي، هو أني، وفي الفترة التي كنتُ فيها أبدأ كتابة هذه
المقالة، كنتُ أقرأ في آخر عدد من مجلة "الحياة العلمية" ومحوره الأساسي
هو السؤال عن معنى الموت، وطبعاً من وجهة النظر البيولوجية وعلوم الطبيعة
الأخرى. ومع التقدم في قراءة المحور، دخل النقاش في اختلاف التعبير
العلميّ حول لحظة الموت وتحديداً كيف يتم إعلان الموت (طبياً) في الوقت
الذي لا تزال فيه ملايين الخلايا حية في جسم الإنسان؟ وفي ذلك تفسير
بيولوجي، يواجه التزاوج الطبيّ والدينيّ في إعلان الموت، وفي لحظة من
لحظات النقاش انقلب السؤال، ليصبح البحث عن معنى الحياة بديلاً من سؤال
معنى الموت، وفي ذلك استنتاج عن أبدية الحياة والبشرية منها، في إطارها
البيولوجي العلمي هذه المرة لا بمعناها الدينيّ المرتكز على مضمون
الآخرة...
وما دفعني إلى هذه المقارنة، هو بعض الدراسات التي ملأت
الصحف والمجلات في الحديث عن "الثورات" أو "الانتفاضات" العربية وحول
ولادة الحياة من "جسم ميت" كما كان قد أُعلن عنه في "دوائر الغرب" وحتى في
أعماق بعض المثقفين العرب وكتاباتهم.
معظم المثقفين الغربيين صوّروا
العالم العربي قبل عام 2010 بأنه "عالم ميّت"، وحكموا على الحراك العربي
بأنه صدمة حضارية، أي أن العقل العربي لم يكن قادراً على إنتاج شعارات
الحق والحرية والعدالة والكرامة، ولم يكن العقل العربي قادراً على إنتاجها
لأنها خاصيّة العقل الغربي. ولذلك فأن ما يجري في العالم العربي هو صدمة
حضارية للعقل الغربي نفسه (مثلاً كتاب: صدمة الثورات العربية لماتيو
غويدير Mathieu Guidère).
ويورد منصف المرزوقي في كتابه عن "سقوط
الديكتاتوريات" حديثاً عن أشهر جيولوجيّي النازا (NAZA) العالم العربي
الأصل فاروق الباز الذي قال إن "رواد الفضاء لم يشاهدوا من الفضاء إلاّ
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وباقي الأرض غارقة في الغيوم"
ويضيف المرزوقي، قبل العام 2010، كانت المجتمعات العربية كما المنطقة تبدو من الفضاء..سكْوناً يقارب الموت، وتصحُّراً قاتلاً..
والغريب ان المرزوقي نفسه، من موقعه المعارض لبن علي، كان إحدى مفاجآت الانتخابات التونسية فأخذ حزبه الموقع الثاني فيها...
هل
العالَم العربي حقاً كان مجتمعاً ميتاً وساكناً..وهل الحراك العربي يشكّل
صدمة حضارية كما يريد بعض المثقفين تصويره، كي يُعفوا أنفسهم من البحث عن
جذور هذا الحراك..؟ قبل الإجابة عن هذا التساؤل حول الجذور، لا بد من نقاش
سريع وموقف من الصفة التي نعتمدها، للحراك العربي الراهن...
إن معطيات
الإجابة تحدد، عبر تسمية ضد من تمّت الانتفاضات، وبالتالي من هو أو ما هو
المطلوب تغييره من قبل المنتفضين، وعليه ماهية هذه الانتفاضات..؟
الانتفاضات كلها من تونس، إلى مصر، إلى البحرين، إلى اليمن، إلى المملكة
الأردنية والسعودية إلى سوريا إلى لبنان إلى المغرب...
ولا نستثني كما
يفعل طرَفَا النقاش في أي من هذه الانتفاضات، رغم تقديرنا أن لكل واحدة
خصائصها، الناتجة من الأولويات والقوى وطبيعة النظام، وخلا ذلك من
الفروقات.
هذه الانتفاضات كلها قامت في وجه النظام الرسمي العربي
السائد، وبالتالي هذه الأنظمة القائمة...ولذلك فالعلم يكون أولاً بتحديد
الحالة السائدة المطلوب تغييرها، وبذلك نستطيع تحديد الاتجاه العام لهذا
التغيير...
من بديهيات القول، إن كل هذه الأنظمة القائمة، تتشارك في
تحمّل مسؤولية الكثير من الويلات ومعظمها تتشارك بالباقي منها.. فالنظام
الرسمي العربي، هو المسؤول عن ضياع الحق العربي في فلسطين والمسؤول عن منع
الشعب الفلسطيني من وعي قضيته وتطوير مقاومته بأشكالها المختلفة باتجاه
تلبية حقه بدولته وهويته، وبالعودة إلى بلاده... والأنظمة هي المسؤولة،
بما يتلاءم مع مصلحة برجوازياتها الحاكمة، عن ضياع كل أشكال التنسيق
والاتحاد، مرة بالتقوقع الكامل في الأطر القطرية، ومرات بالقفز فوق
الوقائع واقتراح أشكال غير ناضجة من الدعوات الفولكلورية...وهذه الأنظمة
وبالارتباط مع المنحى الوطني، تخلت عن سيادتها الاقتصادية بعد التخلي عن
السيادة الوطنية، وربطت اقتصادها بالنيوليبرالية و "بالكومبرادور"
العالمي، وبالتالي اعتمدت شروط المؤسسات النقدية الدولية، وتحوَّل الحكامُ
فيها عبر التحالف المثلث (السياسي، العسكري والأمني والبرجوازي المحلي)
إلى وسطاء للاقتصاد العالمي، بما حمل الأمراض السائدة في كل الدول الخاضعة
لهذا النظام الاقتصادي ولا سيما التابعة. وفقدت الأنظمة تدريجاً الفئات
الاجتماعية التي كانت ترهن عبر تحالفها السياسي، استقرار البلاد والتوازن
الاقتصادي والاجتماعي فيها، فالبرجوازية الوطنية اختفت ليتحول قسم كبير
منها من الاقتصاد المنتج إلى الاقتصاد الافتراضي، والقسم الآخر، انتقل إلى
مستويات هامشية خارج العمل الاقتصادي. والفئات المتوسطة، بسوادها الأعظم،
التحقت بالفئات الشعبية وعانت معاناتها.
فضلاً عن ذلك، وارتباطاً
بتحكّم المصارف التجارية (بديلاً عن المصارف المركزية الوطنية) في
اقتصاديات العالم، أُخضعت الثروة النفطية لهذه الأحكام، وأصبحت ثروة العرب
في المصارف التجارية الكبرى في العالم ولا سيما الولايات المتحدة
الأميركية، وبالتالي أصبحت ثروات العرب كلها في قبضة القرار السياسي –
الاقتصادي – للولايات المتحدة الأميركية. وارتبط رهن الثروة العربية كذلك
مع الاحتلال العسكري المباشر لمنابع النفط تحت شكل القواعد العسكرية، التي
تتحكم بآليات القرار الاقتصادي والسياسي، بما في ذلك "آليات التوريث" في
هذه الدول. وخضع قرارها بالكامل لمصلحة الولايات المتحدة أساساً وبشكل
ملحق للاتحاد الاوروبي...
وطبيعي في هذه الحالة أن تخضع هذه الثروة
وسياسة استثمارها للنظام الرأسمالي العالمي، وبالتالي أن تكون المدماك
الأساسي الذي تحاول فيه الرأسمالية العالمية معالجة جرائمها التي تتعمق
يوماً بعد يوم.
وطبيعي أن تنعكس هذه السياسات في الدول البترولية وفي
الدول الأخرى، سياسَة إفقار متمادية، وسياسة ضرب اليد العاملة والملكيات
الصغيرة والمتوسطة في الريف، وأن تُخضع الطبقة الوسطى لآلياتها الخاصة
وتهميشها وتهميش دورها في التوازن، وتُخضعها للبطالة كما الفئات الشعبية
الاخرى...
إلى هذين المحورين ينشدُّ حكماً المحور السياسي؛ فلضمان
سيطرة هذه الفئة الوسيطة، كان لا بد من تعميق ارتهانها للحلف الأمني –
العسكري، وكان لا بد بالتالي من زيادة مستويات القمع السياسي والنقابي،
وتغييب كل أشكال الحريات العامة والشخصية، في أنظمة انقسمت بشكل عام إلى
مَلكيات مطلقة وإلى جملكيات (جمهوريات ملكية)، تحمل بطبيعتها طموح
الملكية...
إنه نظام وأنظمة ميْتة هي التي ينتفض الشعب ضدها...إنه
تغيير لأنظمة مُدانة، وتغيير لتحالف طبقي – سياسي – أمني، جَوَّعَ وأفقَرَ
وهَمَّشَ البشر، وتخلى عن السيادة، ورهَنَ المنطقة للخارج. إذن فالخلاص
منه تقدُّم، والتغيير بهذا المعنى ثوري...
وهنا قد يسأل البعض: بأي اتجاه سيكون التغيير؟ وأي نظام سيكون البديل؟
سؤال حقيقي، ولكن هل يغيّر من طبيعة الانتفاضة لكونها وصلت أم لم تصل إلى نهاياتها؟
إن
ما جرى في العالم العربي، وللأسباب التي ذكرناها، هو حالة ثورية بامتياز،
مع تدقيق ضروري بأن ليست كل حالة ثورية تؤدي إلى الثورة أو إلى التغيير.
وهذا واقع، جرّبته الكثير من الثورات التاريخية في العالم من الثورة
الفرنسية إلى الثورة الروسية إلى غيرها...
أنها ثورات حددت مهامها:
بناء الدولة المدنية الديمقراطية ولو أن مواصفات هذه الدولة وُضعت
"بالمفرّق" لا بسلّة واحدة.. إن مقدّماتها (حالة الأنظمة السائدة)
وشعاراتها على اختلاف التثقيل الذي أُعطي لكل منها في كل دولة، هي شعارات
الدولة المدنية الديمقراطية ومواصفاتها: المواطنية، الديمقراطية، الحرية،
الكرامة، العدالة الاجتماعية، إدانة التدخل الخارجي، وموقف واضح من القضية
الفلسطينية.
*****
وإذا كانت الحالة حالة ثورية فمن قواها، وذلك قبل الحديث عن قيادتها..
المنطق،
بشكليه الجَدَلي والديكارتي، يؤدي هنا إلى نتيجة واحدة...فإذا كانت
الأنظمة التي يتم الانتفاض ضدها، هي تحالف طبقي–عسكري–أمني تقوده
البرجوازية الكومبرادورية، كما يحلو لسمير امين تسميتها، فأن القوى
المتضررة، التي عانت التهميش، وضُربت معالمها الخاصة والوطنية، من عمال
وفلاحين وموظفي قطاع عام ومأجورين وفئات مهنية (محامين، أطباء، مهندسين..)
وقسم من البرجوازية الوطنية هُمٍّش دوره، مع سيطرة رأس المال المالي ومع
ضرب أسس الاقتصاد الوطني المنتِج.. هي من الشباب وهم ربيع هذه الأمة.
أوَليس هؤلاء هم أزهار الياسمين للفايسبوك والتويتر وغيرها من وسائل
الاتصال؟
هنا يصبح ملحّاً الحديث بالعمق عن اتجاهين في بحث الانتفاضات أو الحالة الثورية:
الكثير
من المحللين والمثقفين، ولا سيّما من كان في الغرب، يحاول إعطاء تفسير
ثقافوي للثورات العربية، رغبة في عدم البحث عن أسبابها كاملة، بل حصرها
بجزئية علاقة النظام مع الحريات، واقتصارها أحياناً على بعض الأنظمة لا
عليها جميعاً (لأني أفتش كثيراً في ما كتبه بعض المحللين فلا أرى البحرين
والسعودية وأحياناً الأردن بين الدول التي تنتفض شعوبها). هي جزئية هامة
ولكن اختصار أسباب الحالة الثورية بها يجهض أبعادها ويسهم في إفراغها...
وطبيعي
أن تتردد التوصيفات ذات الطابع الثقافوي: الربيع العربي، الحرية، الكرامة،
العلمنة(أحياناً)، وغيرها مما يحرص حاملوها على إبعادها عن المضمون الطبقي
والاجتماعي لهذه الحالة العربية.
والاكتفاء بهذا التوصيف يستنتج حكماً،
من هم قوى الثورة: الشباب الجامعي القادر على التواصل عبر أدوات الاتصال
الحديثة..ولا نجد في هذا التوصيف حتى كلمة الشباب الجامعي القادر على
التواصل أو العاطل عن العمل، الذي همّشه النظام الاقتصادي، مثلاً.. فهو في
عُرْف هؤلاء المحللين: شباب جامعي فقط...ومن الطبيعي أن يأتي تفسير
الاصطفافات في هذا الحراك الذي على أساس "جماعوي" لا "طبقي"، كما أشار
فيصل درّاج في مقالته الأخيرة في "الطريق"...
وبالمعنى المشار اليه
سابقاً، فإن حصر الشعارات، بالطابع الثقافوي، يجد مبرراً للتهليل وللتعبير
لبعض الخطوات الشكلية التي اتخذها ملك العربية السعودية مثلاً، "فهذه خطوة
مباركة باتجاه الحريات والكرامة" (ليس كرامة وحرية النساء مثلاً) وتعمى
بصيرة المحللين هنا عن الممارسات المذلة والمهينة، من مثل جلد النسوة،
وحرية عمل المطاوعين، والتصرف المسيئ للأمة عبر رهن ثروتها للخارج...
وطبيعي
هنا أن تُستبدل بالتحالفات الطبقية تحالف الجماعات، الدينية والقومية
حيناً، أي الأقليات في مواجهة الأكثرية، (الترك والعرب في مواجهة الفرس،
المسلمون ضد المسيحيين، والشيعة في وجه السنة، وخلاف ذلك..) حتى الجماعات
في إطارها القطاعي، الشباب والنساء، الأطباء والمهندسون، هل هم كل الشباب؟
هل هم كل النساء؟ أيّ شباب هم الذين تحركوا، هل أبناء البرجوازية وكبار
قادة العسكر والأمن وملاّكو الأراضي الكبار في الريف و...كانوا جزءاً من
الحراك الثوري؟ (وهنا لا أتحدث طبعاً عن حالات خاصة قد ينتشي عليها البعض
ويمجّدها لإفحام المنطق الذي أتحدث به).
وإذا كانت هذه، من نتائج تحليل
بعض المثقفين العرب، فمن غير المستغرب فهم مثقفي الغرب ممن بادروا للبحث
في الانتفاضات والثورات العربية (كتاب: صدمة الثورات العربية) عندما
يشيرون إلى ثلاثة مواقع استقطاب في العالم العربي:
ــ العائلة والعشيرة
ــ الجيش والقوات المسلحة
ــ "الجامع" أو بشكل عام الدين.
ولذلك
عندما يعطي هؤلاء الإسلاميين دوراً حاسماً في هذه الثورات، فهم يبررون
كون هذه التحركات شكّلت صدمة حضارية للغرب؛ إذ كيف يمكن للعقل العربي
المرتكز على "الإسلاموية" أن يرفع شعارات الحق والحرية والعدالة
والديمقراطية، فهذه حكر على الوعي الغربي الذي صُدٍم بإمكانية وعي العرب
إياها...
وينضم هذا التحليل إلى معظم مثقفي العرب، بإبعاد أي احتمال
إيديولوجي وراء تلك التحركات مستكملين في ذلك نفي احتمال الطبقي في
خلفيتها...
في هذا الأطار، لا بد من التأكيد على أننا لا نقلل من أهمية
هذه العوامل المذكورة، ولكن بالنسبة لنا فأن هذه العوامل التي تحوّلت إلى
عوامل مكِّونة وأساسية لمجتمعاتنا ليست هي المحدِّدة، فهي في عملها تتغذى
من العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وإنْ يكن في إطار تطورات نهاية القرن
الماضي وخاصة أزمة الفكر الاشتراكي وعولمة الثقافة وثقافة صراع الحضارات
وما رافقها، قد تحولت إلى عوامل محدِّدة في الصراعات، وإنْ من غير المحتمل
أن تتحول إلى العوامل المحدِّدة فيها.
وفي هذا المجال يمكن العودة
تحديداً إلى التوصيف الذي يعطيه سمير أمين لقوى الثورة (مثال مصر)
وللتحليل السوسيولوجي للثورات العربية الذي عرضه جاك قبانجي في مجلة
"الطريق". وأهم ما يؤكده قبانجي هنا هو تأكيده على أن الالتباس في نهج
العفوية يشير إلى الالتباس في نهج الانتفاضة نفسها معيداً دون ان يصرّح في
ذلك إلى خضوع علماء الاجتماع العرب، والأخطر بعض القوى السياسية التي تقول
باليسار، لمنطق العولمة الاقتصادية وفلسفتها المرافقة بداعي صراع
الحضارات، ما دفع علماء الاجتماع لإعطاء فرصة للبحث في الأولويات التي
حددتها المراكز السياسية للعولمة، أي للإرهاب والتخلي عن النهج الطبقي
والاجتماعي للمجتمعات العربية. وفي هذا الإطار يمكن فهم دعوته المحقة
لعلماء الاجتماع العرب، وأضيف للقوى اليسارية العربية، لإعادة تكوين
سلّمها المفاهيمي لفهم المرحلة الراهنة، والانتفاضات ومسارها التاريخي
ومرتكزاتها النظرية، بمعنى آخر إعادة قراءة مهدي عامل ومعاصريه في بحثه
وتطوير هذه القراءة، لا ترجمتها إلى لغة حاضرة فقط.
*****
القضية
الثالثة هي فعل المفاجأة نفسه. لقد أصبح البناء على عنصر المفاجأة
واعتباره ثابتاً لا نقاش بديهيته، يمنع من دراسة جدية للانتفاضات, وأكثر
من ذلك يشكل خطراً على الانتفاضات نفسها وعلى مستقبلها...الاستعجال في
تبني "نظرية المفاجأة" وكأن العلم بالحدث الثوري، واعتباره هو المحدد
لتفسير الثورة، يلغي البحث في جوهر الحالة الثورية العربية ...
وهنا
عودة إلى لينين، ليس فقط بصفته منظّراً وحسب، بل بصفته قائداً لاحدى أكبر
الثورات التي طبعت القرن العشرين بطابعها أيضاً، فهو من قال بأن لا أحد
يستطيع توقُّع تاريخ الثورة، لأن لها تعقيداتها ومسارها الخاص.
وحتى في
ما بعد التحولات والثورات الديمقراطية نفسها، فأن ( نويل مامير Noêl
Mamère) قال بأن التحولات الديمقراطية نفسها تأخذ دائماً أشكالاً غير
متوقعة ، "فإسقاط الشعب البرتغالي لحكم سالازار جاء عبر احتضان الشعب
للانقلاب العسكري، وتقاطعت في أسبانيا الحركة الجماهيرية مع رمزية الملك
خوان كارلوس، وفي اميركا اللاتينية تقاطع بعض البرلمان مع المعارضة
اليسارية والنقابات ولاهوت التحرير..."
وفي العالم العربي، تأخذ هذه التحولات أشكالها الخاصة...
وهنا
تحديداً يجدر السؤال، هل هي الثورات الشعبية الأولى في التاريخ العربي؟
وهنا لا نعود إلى عصر القرامطة وثورات الزَنج والحشَاشين، بل نتحدث عن
التاريخ العربي الحديث، عن بدايات حركة التحرر العربية، بمكوناتها
السياسية والشعبية.
المثال الأبرز في التاريخ الحديث ربما تشكله الثورة
الجزائرية، لما كان لها من بُعد شعبي محتضِن، ولا نستثني أيضاً - كما يعمل
البعض - ثورات عبد الناصر والثورات العراقية والسورية، التي تقاطع فيها
العسكر مع الشعب بطموحاته( ولا تنفي التحولات المتسارعة يميناً في طبيعة
الأنظمة، احتضان الشعب للثورات في بداياتها).
إن محاولة منصف المرزوقي
و نويل مامير توصيف هذه الثورات، بأنها تقاطع فوالق ثلاثة، جيلية،
ديمقراطية واجتماعية، هو توصيف، يحاول الحكم على الثورات العربية من منظور
ما يُصطلح على تسميته بأنه منظور الديمقراطيات الغربية ورغم الاحترام
الكامل، للمحاولة التي هي من أولى المحاولات المواكبة للحراك، فلا يمكن
إلاّ تسجيل ثغرتين حاسمتين في هذا التوصيف، الأولى ثغرة تاريخية ناتجة من
عدم بذل جهد في تكوين البعد التاريخي، وأساساً ثغرة طبقية لمحاولة عزل
الحراك الشعبي وشعاراته عن طابع الصراع الاجتماعي الممتد في المجتمعات
العربية، وتكفي هنا العودة إلى جوهر مقالتيْ سمير أمين وجاك قبانجي.
وفي موازاة ذلك، نستذكر ما قاله فيكتور هيغو "الثورات الكبرى تولد من المآسي الصغيرة مثلما تتكون الأنهر من السواقي الصغرى".
من
العادل جداً تظهير الدور البطولي للشهيدين بو عزيزي وخالد السعيد،
باعتبارهما رمزين لثورتي تونس ومصر. ولكنَّ ظلماً مزدوجاً يلحق من خلال
حصر دورهما بمحاولة إظهارهما (أو إظهار بو عزيزي على الأقل) بمظهر اليائس،
الذي أقدم على حرق نفسه احتجاجاً، وفي ذلك أيضاً ظلم كبير لعشرات الشهداء
وآلاف الجرحى والمعتقلين من عمال وطلاب تونس ومصر وانتفاضاتهما ضد الظلم
والاستغلال، وضد إغلاق المصانع، وضرب الحقوق الاجتماعية، وتحوّل بعض هذه
الاحتجاجات إلى تحركات شعبية كبيرة كما انتفاضة يناير 1977 في مصر السادات.
وغريب
هنا كيف أن تحالف الأنظمة مع ما يسمى "الحركات الإسلامية المعتدلة" دائماً
يأتي في خلال أو بعد الانتفاضات الشعبية، وهو تساؤل لا يمكن أن نجد جوابه
إلاً في التحديد الاجتماعي للقوى الإسلامية وليس خارج هذا التحديد...
وفي
العودة إلى بو عزيزي وفهم وضوح الوضع التونسي، الذي أعطت الشرارة التي
أحرقت جسمه، شرارة الانطلاق للثورة التونسية، السؤال هل كان يمكن للفعل
نفسه أن يؤتي بالنتيجة ذاتها لولا نضج التناقضات السياسية، الأجتماعية
والوطنية في تونس، للدلالة وليس للمقارنة...لقد شارك البطل الأممي غيفارا
إلى جانب مجموعة صغيرة من المقاتلين في ثورة الشعب الكوبي ضد الديكتاتورية
ومن أجل التحرر، وعاد وقاد مجموعة ربما أكبر من المجموعة الأولى في محاولة
تغيير الوضع البوليفي، لماذا نجحت الأولى وأخفقت الثانية...؟
من
الطبيعي هنا أن نعود للتذكير بالاحتضان الذي أمّنه اليسار الكوبي والحزب
الشيوعي الكوبي تحديداً والنقابات وغيرهما للثوار الكوبيين، هذا الاحتضان
لم يتكرر بالفعالية ذاتها لمحاولة غيفارا في بوليفيا....إذن، كان لا بد
للبطولة الفردية من حاضنة طبقية، اجتماعية وشعبية كي تأخذ مداها...
بهذا
المنظار يمكن فهم تحليل سمير أمين للقاعدة الاجتماعية والسياسية للثورة
المصرية والتي أوردهما تفصيلاً في "الطريق" والتي أعطى فيها لليسار
الراديكالي (وليس الجديد كما يحلو للبعض الدعوة) وكذلك للشباب من ذوي
الاتجاهات الثورية، موقعاً أساسياً في قوى الثورة.
وكذلك في تونس، لبى
اليسار التونسي بمكوِّناته الإسلامية دوراً حاسماً في احتضان الانتفاضة
الشعبية وتأمين نجاحها. وفي كلا التجربتين التونسية والمصرية كما التجارب
الأخرى هو البادىْ في احتضان حركات الاحتجاج بينما كانت القوى الأخرى التي
ربما تكون في المباشر الأكثر استفادة (الإسلاميين)، كانت مترددة في تأييد
الثورة واحتضانها.
إذن ليست حركات معزولة عن مجتمعها وتاريخها؛ بل هي
ثورات ديمقراطية فعلية، تطرح في ما تطرح سلّماً جديداً للقيم الديمقراطية
والشعبية، سيجري حكماً درسه والاستفادة منه في العالم العربي والعالم كله.
وربما
تكون أهم النتائج، هي إعادة النظر بالديمقراطيات الغربية، بالتزامن مع
أزمة الرأسمالية وما تتعرض له اقتصاديات بلدانها في الولايات المتحدة
وأوروبا (المثال اليوناني حاضراً) ويدفع النقاش في الغرب اليوم حول حدود
هذه الديمقراطية والبحث بمفهوم جديد للديمقراطية، يبدأ بالديمقراطية
التشاركية، التي تخلع عن مفهوم الديمقراطية الغربية لباسها البرجوازي،
(الذي يعمل مثقفون عندنا اليوم على تقديسه) لصالح إعطاء بعدٍ اجتماعي
ومجتمعي للمفهوم الجديد للديمقراطية، يجعلها أقرب إلى المفهوم الاشتراكي
للديمقراطية بأبعادها الاجتماعية والسياسية، كما كانت حاضرة في ذهن فلاسفة
الاشتراكية قبل معضلة "الدولة الأشتراكية" أو "الاشتراكية المطبقة"...
وبعد
هذه الأسئلة - القضايا، لا بد من علاج "أسئلة الردة"، تلك التعليقات التي
تتردد هذه الأيام والتي تضع نفسها تحت عنوان "راحت السكرة وأتت الفكرة"
وبعضها الذي يراجع مواقفه التي أيّدت الانتفاضات وبدأ يورد تعليقات تقارب
الندم على التأييد، وبذلك عودة إلى سيادة العنف السلطوي أساساً وفي ما بعد
ردات الفعل المسلحة في معظم الانتفاضات، وفي مرجعية قمع انتفاضة البحرين
من قبل حماة الانتفاضات، من قوات المملكة العربية السعودية وقطر
وغيرهما...وكذلك في مرجعية الندم، مطالبة "الثوار" الليبيين (وتغطية
الجامعة العربية لهذه المطالبة) لتدخل الناتو لكي يكون "القوة الحاسمة
للثورة"، وتغطية بعض عشاق الربيع العربي من المثقفين تحت عنوان "ولو لم
يتدخل الناتو ماذا كان سيجري، هل ستنجح الثورة؟" وهنا معاندة لتاريخ
الثورات كله، فالثورات التي انتصرت، استعانةً بالخارج، هل يمكن لها أن
تصوغ مساراً مستقلاً؟ وفي نتاج "الناتو" استخدام تطورات ليبيا من قبل
البعض للمطالبة الصريحة أو المواربة بالتدخل الخارجي في سوريا، تحت حجة
الفارق في ميزان القوى العسكري وبالتالي اعتماد الحالة الليبية نموذجاً
لاعتماده في سوريا وربما في غيرها أيضاً...
إنه "ندم متناقض"، فالبعض
يستفيد منه لتعميم نظرته غير المتبنية أصلاً للثورات العربية والمشككة بها
تحت شعار انها كلها تدخل في إطار المخطط الأميركي "الشرق الأوسط الجديد"،
والبعض الآخر، ممن يتميز تحليله بقصر النفس "والصدمة" من "صعوبات التغيير"
ونتائج الانتفاضات متخذاً بشكل خاص من "قميص العلمانية" نظرة حق، لا تؤدي
في مضمونها إلاَ إلى باطل ضِيق النفس وقِصر النظر... وهنا طبعاً يتخذ من
انتخابات تونس ونتائج "حزب النهضة" وكذلك من الوضعية المتميزة للإخوان
المسلمين في مصر، نموذجاً لتبرير "الندم" والتشكيك بجدوى الانتفاضات...
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحزب الشيوعي اللبناني، وفي وثيقته المقدمة
إلى الكونفرانس التنظيمي التي أُعِدَّت قبل حزيران 2011، كان قد أشار إلى
الهجمة المضادة وهدفه من هذه الإشارة تسجيل حقيقة أن الحالة الثورية التي
يعيشها العالم العربي ليست خطاً مستقيماً متصاعداً، وأن هذه الحالة ليست
واحدة لا في التاريخ ولا في الجغرافيا، وانها كذلك ستكون متعرضة بالأساس،
لثورات وهجمات مضادة في الداخل ومن الخارج، وبالتالي استبق ذلك شعور
الاحباط والندم، بمقولة التنبيه إلى أن مسار الثورات دائماً متعرّج وصعب
وإمكانية الانتكاسة دائماً موجودة ولحظة القطيعة ليست دائماً متوافقة مع
لحظة انفجار التناقضات. مثبتاً بذلك أمرين، أولاً انه مع الثورات والشعوب
العربية في حركتها، وانه ثانياً واعٍ لتعرض هذه الثورات لمخاطر الانتكاسة
وخطر المصادرة...
وأول ما حدده هذا التقرير، هو أن هذه الثورات، فاجأت
المشروع الأميركي قبل إنضاجه وانها بخطوطها العامة، السياسية والاقتصادية
والوطنية، مواجهة لاستهدافات المشروع الاميركي، وهذا ما أكّد عليه، سمير
أمين عندما أشار إلى أن شعارات الثوار المنطلقة من "كرامة الوطن والمواطن"
ومطالبها الديمقراطية كانت تصل إلى مستوى "العداء للاستعمار"....
وأيضاً
في مجال آخر تؤكد كتابات المرزوقي، رغم تركيزها على ميدان حقوق الإنسان
وشعارَي الحرية والكرامة، على إظهار الموقف من القضايا الوطنية ورفض
التبعية للخارج.
عن هذه الثورة المضادة أو الهجمة المضادة، تحدث سمير أمين، محللاً تكوينها إلى ثلاث مكونات:
أولاً: الطبقة الحاكمة مشخصة بالبرجوازية (رأسماليين وأغنياء الريف وأثرياء الفساد)
ثانياً: الإخوان المسلمين والتيار السلفي (التمويل الخليجي+ سلطة رجال الدين بين الفلاحين)
ثالثاً: المؤسسة العسكرية : مع علامة استفهام؟؟
هنا
طبعاً يركز أمين على جوانب الثورة المضادة، كجناح داخلي للهجمة المضادة
المتمثلة بالقيادة الأميركية لقوى الهجمة مع الناتو ودول الخليج العربي
وتركيا كمراكز متقدمة أقليمياً لهذه الهجمة.
إن عناصر هذه الهجمة جاءت
تعديلاً سياسياً على "صراع الحضارات" الذي أثبت عقمه كاتجاه فلسفي سياسي
بعد تفجر أزمة الرأسمالية بجسدها الواهن الميت الذي يجتاح الولايات
المتحدة وخصوصاً دول منطقة اليورو (اليونان، اسبانيا،البرتغال،
ايطاليا....)
وفي العمق نجد بوادر هذا الحلف التاريخي في خطاب باراك
أوباما يوم 14 حزيران 2009 في جامعة القاهرة والذي حدد الخطوط العامة
لسياسة بديلة عن صراع الحضارات (كما عرض نويل مامير (Noêl Mamère وقد حاول
أوباما من خلاله، اقتراح سياسة حوار الحضارات، كنسخة اميركية عن سياسة
الفاتيكان والسينودوس الرسولي، وهي في كل الحالات نسخة مشوهة لهذا
السينودوس.
إن خطاب أوباما وضع اسس التحالف التاريخي، بين أميركا
والإسلام المعتدل في التعبير الأميركي وهو الذي يشمل التنظيمات الإسلامية
(غير الجهادية) من العدالة والتنمية (تركيا) إلى النهضة (تونس) إلى
الإخوان المسلمين في مصر والمشرق العربي ... ومن المفيد هنا التذكير أن
هذا التحالف كان يضم إلى هؤلاء الذين ذكرناهم ما يسمى "الأنظمة العربية
المعتدلة" في العالم العربي وفي مقدمها مصر وتونس..وهذا ما يؤكد نظرتنا
وتفسيرنا للارتباك الأميركي في التعاطي مع ما جرى في مصر وتونس، أقله في
البداية، وهذا ما يفسر أكثر الاحتضان السعودي، لرموز الديكتاتوريات
المنهارة وبعد الانهيار احتضانها لقوى الثورة المضادة في الداخل،
والاحتضان هنا يتضمن فعل التمويل طبعاً...
لقد حددت ورقة الحزب، الخطة المضادة، بسلسلة من المحاور التي توقعها الحزب :

أولاً: في البلدان التي نجحت فيها الثورات في تحقيق مهمة إسقاط الرئيس
والعنصر الأساسي في هذه الهجمة هو منع استكمال أهداف الثورة، واحتواؤها
وذلك عبر دعم العناصر التي تشكل، حسب تصنيف سمير أمين، قوى الثورة المضادة
(بقايا الأنظمة + القوى الأسلامية +....)
ثانياً: تشديد عوامل
التحرك في البلدان القليلة التي تتمتع بالمواصفات السياسية – الاجتماعية –
الأمنية للنظم الديكتاتورية، ولكنها لم تكتسب صفة الأعتدال بمعناها
الأميركي (سوريا).
ثالثاً: تحصين موقع الدولة الصهيونية والتصدي
لأي مشروع، يضعف هذا الدور، وذلك من جهة، عبر تعزيز التواجد العسكري
الأميركي والأطلسي المباشر (محاولة تأخير الانسحاب من العراق+تعزيز
القواعد العسكرية المتواجدة أصلاً في الخليج العربي + التفكير ببناء قواعد
جديدة كما في الكويت أو اليمن..) من جهة ثانية، خلع القناع الأميركي حول
الدولة الفلسطينية والتصدي المباشر، لكل مطالبة بتحقيق الحقوق الوطنية
للشعب الفلسطيني...
أما الخطر الرابع للهجمة، فقد أخذ كل أبعاده في قمع
أيّ تحركات في إطار الخليج العربي، كما جرى دموياً ومن الخارج في البحرين،
أو قمع بذور الانتفاضة في السعودية والأردن وسواها من البلدان التي تشكل
جزءاً من هذه الهجمة المضادة.
ومن المفيد هنا أن نفتح هلالين لنشير إلى
ان مفهوم الاعتدال الذي يتغنى به بعض العرب، هو حسب المفهوم الأميركي –
الغربي، ما يتصف به الموقف المعتدل تجاه العلاقة مع قضية فلسطين وبشكل خاص
من يقبل بشكل أو بآخر بنهج التطبيع مع العدو الإسرائيلي..
لا بد من
الإشارة هنا، إلى ان هذه الهجمة بدأت سريعاً بالتمظهر بأشكال مختلفة،
ونقول أيضاً انها حققت بعض الخطوات باتجاه إجهاض المضمون الحقيقي
للانتفاضات العربية...
وإحد أهم جوانب هذا النجاح يتمثل في تقديم
"الإسلام المعتدل" كجزء مكون وأساسي في الثورات العربية (علماً انه لم يكن
كذلك في الأساس) ومساعدته على تظهير قوته الجماهيرية (التي لا بد من
الاعتراف بوجودها) عبر الانتخابات التي جرت في تونس وما يجري التحضير له
في مصر...
والجانب الثاني من النجاح، هو في تقديم مجلس التعاون
الخليجي كقوة حاسمة داخل الجامعة العربية ما مكنها، دون أي اعتراض، من سحق
انتفاضة شعب البحرين من جهة ومن فرض تغطية عربية لاعتداء الناتو على ليبيا
وكذلك تحاول اليوم وبجهد كبير إعادة تكرار ما جرى في ليبيا، في ما خص
سوريا..
وكي لا يتم تصنيف ما نقوله في إطار "الموقف الإيديولوجي"
المسبق، لا بد من أن نعود إلى كيفية تعامل قوى الثورة المضادة، بإسلامييها
وعلمانييها، مع المراحل اللاحقة من انتفاضة الشعوب العربية.
وأبرز ما
يعبر عن ذلك، هو تصريحات السيد الغنوشي، زعيم حزب النهضة التونسي نفسه
الذي أكد على صداقة تاريخية تربط حزبه بالولايات المتحدة الأميركية.
كما
لا بد من الاشارة إلى التصريحات المتعددة لقيادات "الإخوان المسلمين" في
سوريا والتي لم تستبعد الحل السلمي مع الكيان الصهيوني من برنامجها وهذا
ما يفسر أيضاً تردد الإخوان المسلمين في مصر عن المشاركة في التحركات
الشعبية ضد العدو الصهيوني وتضامناً مع الشعب الفلسطيني وبشكل خاص في
مظاهرة طرد السفير الأسرائيلي.
هذا في مجال السياسة العامة، وفي مجال
الشعار الأبرز للانتفاضات الشعبية، أي في موضوعة "الديمقراطية" كما يحضرنا
هنا سريعاً الانكشاف السريع لمقولة "الاتجاه الديمقراطي" عند القوى
الإسلامية، عبر التصريح الذي نقلته راديو "سوا" عن الغنوشي نفسه، عندما
قال، يوم الثاني من تشرين الثاني 2011، بعد الانتخابات من انه "أخذ قراراً
بطرد السفير السوري وإغلاق السفارة السورية" وليس للسيد الغنوشي أي موقع
حكومي، ورغم فوز حزبه بحوالي 40% من الأصوات فإن حزبه لم يشكل حكومة بعد،
وبالتالي لم يكوِّن التحالف الأكثري الذ ي سيحكم معه ...فبأي حق يأخذ
قراراً هو من حق الحكومات وحدها وليس الأحزاب، إن هذا يعني عودة بلباس
ديني هذه المرة لسياسة الحزب الواحد؟ طبعاً هي عينة، لا نستطيع الحكم من
خلالها وحدها ولكنها كافية لتزرع المخاوف وتؤكد ما هو موجود منها أصلاً...
كما
يؤكد أكرم بلقائد في Le monde diplomatique تشرين الأول 2011 على بداية
تبلور النهج الاقتصادي للهجمة المضادة، مستعرضاً هنا حاجة كل من مصر وتونس
إلى ما يقارب 23 مليار دولار لمواجهة الاستحقاقات الاجتماعية لما بعد
"الثورة"، ولافتاً إلى التوجه الأميركي - الغربي لقيادة هذين البلدين،
لاعتماد سياسة الخصخصة والمضي قدماً فيها كأساس لتجاوز الأزمات الإقتصادية
(أي منطق وداوني بالتي كانت هي الداء) وبالتالي فالنصيحة الأميركية، كما
يؤكد بلقائد، هي "الدخول إلى أبعد، في الانفتاح الليبرالي لمواكبة التحول
الديمقراطي".
وهنا يوافق بلقائد ملاحظة سمير أمين، على موقف الأحزاب
الإسلامية المعتمد على اقتصاد السوق كونهم يمثلون الطبقة البرجوازية
"الكومبرادورية" حسب تعبير أمين وحسب استعارة بلقائد نفسه للنص مع
تبنّيه...
وإذ تجاوزنا، مصر وتونس، وعدنا إلى الوضع السوري وقوى المعارضة العلمانية فيه تلقفنا تصريحات ومواقف على لسان بعض ممثلي تياراتها:
وأكثر
ما لفتني خلال اليومين الماضيين (من تاريخ كتابة المقالة) هو ما سمعته من
السيد برهان غليون، عشية عيد الأضحى المبارك. إن السيد غليون نصّب نفسه،
وهو عملياً لم يقدم نفسه بعد "كثائر"، رئيساً للبلاد عدا عن كونه زعيماً
للمعارضة والثورة!. وإذا كان يُغفر للسيد الغنوشي بعضاً من ثغرات قراراته،
فأن لا شيء يغفر للسيد غليون، الذي يقدم نفسه ممثلاً للديمقراطية
المفترضة، أن يدّعي صفة (زعامة المعارضة) ويصادر أخرى (زعامة البلاد) وهو
بعد في أول الطريق، إذا ما افترضنا أن لديه طريقاً خاصاً مستقلاً عن
"الأجندة" الغربية.
وكي لا نبقى في الشكل، لا بد من العودة إلى مضمون
الخطاب، حيث قدم السيد غليون تصور المجلس الوطني لسوريا ما بعد الأسد،
وصوّرها دولة "مدنية ديمقراطية" ومن حظه العاثر أن الناس سيسألونه إذا كان
شركاؤه في المجلس الوطني (وللاسلاميين وزن حاسم فيه) يوافقونه الرأي، وإذا
كانوا يوافقونه (وهم أثبتوا دائماً انهم جماعة براغماتية بامتياز) ألن
يعودوا عن التزاماتهم ويتصرفوا كمصطفى عبد الجليل، في المنظر المهين
لإعدام القذافي دون محاكمة (وهو يستحق محاكمة قاسية) أو بإنجازه التاريخي
بإعادة مبدأ تعدد الزوجات الذي كان القذافي قد منعه؟
أم انه سيقف مذهولاً أمام ما يماثل تصريحات الغنوشي بالتشكيك بعلمانية تونس وتقديمها دولة إسلامية؟
وهل
تتجلى ديمقراطية غليون والمجلس الانتقالي، بتجاهله لحقوق المعارضة
الديمقراطية الوطنية بالداخل، هيئة التنسيق والجبهة الشعبية للتغيير،
وبشكل خاص تنسيقيات الحركة الشعبية (غير القوى المسلحة) التي تتمحور حول
تكتلات المعارضة كلها وبالتالي الحركة الشعبية.
أم أن "المجلس
الانتقالي" كما سابقه الليبي، سيكتفي بشرعية، يعطيها من لا يملك لمن لا
يستحق، عبر الاعترافات الدولية والعربية المنسقة والموجهة في إطار الخطة
الأميركية، الهادفة إلى تأجيج الصدامات المسلحة في سوريا كما في غيرها،
وهذا ما عبر عنه الناطق باسم الخارجية الأميركية عندما دعا المعارضة إلى
عدم الاستجابة لمطلب تسليم سلاحها والتمسك به، وكذلك تصريحات السيد عبد
الحليم خدام التي تتجه بذات المسار. أوليس في ذلك اعتراف بمقاومة مسلحة
تتحمل بالمشاركة مع النظام، مسؤولية الدم والقتل الذي سال من الشعب والجيش
السوري...
وفي هذا الإطار نعود إلى ما قاله بعض قادة المعارضة
الديمقراطية في الداخل السوري عن هذا الموضوع، السيد منذر خدام اعتبر في
مقالة يوم 16 تشرين الأول 2011 في جريدة "النهار" اللبنانية أن الانتفاضة
الشعبية في سوريا شكلت "نكزة" قوية في رأس المعارضات السورية التي "أبقت
على كل حمولتها الفكرية والسياسية وعدة شغلها القديمة، وأكد على أن العامل
الحاسم يبقى الداخل مع تأييد سياسي خارجي، لا كما معارضة الخارج، على حد
قول منذر خدام، التي تعتمد على تدخل عسكري خارجي (وهو ما صرح به السيد
غليون في "خطاب الأمة").
ويؤكد السيد منذر خدام أن الضغط التركي،
الفرنسي أبعدَ معارضة الداخل عن التشاور في إطار مؤتمر اسطنبول. وأكثر من
ذلك فأنه يشير غامزاً من وطنية غليون نفسه "ربما لعلاقات برهان غليون
الفرنسية أثر في تغيير موقفه من لقاء الدوحة إلى اسطنبول"
وكذلك يؤكد
فايز سارة، في "النهار" 17 تشرين الأول 2011، على أن الحراك الشعبي في
الشارع السوري يجب أن يبقى الأساس، في رده على مؤتمر اسطنبول وبيان
"المجلس الانتقالي".
وعلى النقطة ذاتها يركّز السيد قدري جميل باسم
الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي حيث يدعو لحماية الحراك الشعبي، في
مواجهة قمع النظام وفي مواجهة تدخلات الخارج (المؤتمر الصحفي لقدري جميل
15 تشرين الأول 2011).
لن نغرق أكثر في ذكر المواقف والتفصيلات، التي
تحدد الهجمة المضادة، بقواها ومشروعها وأطرافها وشعاراتها وتحالفاتها. رغم
أهمية هذه التفصيلات، ينبغي أن نؤكد أن قوى هذه الهجمة، هي نفسها قد حددت
إطارها...وفي كل الحالات فأن التفصيل السابق سيساعدنا حتماً على الإجابة
على سؤالين أساسيين، يتعلقان بمعالم المرحلة المقبلة من جهة وبشكل خاص دور
اليسار في هذه المرحلة...
*****
بهذا التوصيف السابق، يمكن إعادة
التأكيد على أننا في العالم العربي نعيش حالة ثورية وإن لم تصل حتى الآن
إلى مرحلة التغيير الديمقراطي...
ولأنها حالة ثورية، تهدد طرفين:
النظام العربي بالأنظمة السائدة من جهة ومن جهة أخرى التحالف التاريخي
المكون للهجمة المضادة، لكونها تهدد المشروع الرئيسي لرأس هذه الهجمة، أي
مشروع إعادة تشكل الشرق الأوسط .....
إذن نحن نمر في مرحلة انتقالية
مكلفة، مرحلة تتبلور فيها الطموحات المشروعة للشعب العربي، في الحرية
والديمقراطية والتحرر والعدالة الاجتماعية، وتتبلور معها شراسة الهجمة على
هذه الحقوق، من قبل طرفين، متفقين في معظم الأحيان ومختلفين حيناً مع
توافق على قمع الحركة الشعبية أو تعديل وتحويل أهدافها.
وتختلف حكماً
معالم هذه المرحلة الانتقالية باختلاف البلدان العربية. حيث تأخذ في مصر
وتونس، كما أشرنا سابقاً، شكل الأحتواء وإجهاض مطالب الثورة بالاكتفاء
بعملية إبعاد الرئيس، دون تغيير جذري في طبيعة الأنظمة الحاكمة سواء منها
السياسية أم بشكل خاص النظام الاقتصادي.
أما الحالة الأكثر دموية فهي المثالين الليبي والسوري مع اختلاف طبيعة كل منها وطبيعة الحركة الشعبية في كلا البلدين.
جوهر
المواجهة، هي استمرار النظام في إعطاء أولوية للنمط الأمني في التعاطي مع
الحركة الشعبية، وبالتالي تدوير مفاهيم الإصلاح إلى حد جعلها ثورة لا قيمة
لها ومن جهة أخرى، محاولة الهجمة المضادة، ادعاء تبنّي مطالب الحراك
الشعبي وتزوير هذه المطالب وجعل التدخل الخارجي العنوان الأبرز لهذه الخطة
وصولاً إلى إمكانية التدخل العسكري، الذي يحل تدريجاً مكان الحركة الشعبية
ومطالبها، كما جرى في ليبيا وكما يجري التحضير له في سوريا، مع الصعوبة
التي تنتج عن عدم القدرة على تكوين إجماع عربي ودولي حول هذا الموضوع من
جهة ومن جهة أخرى بسبب التركيبة الديموغرافية والموقع الجيوسياسي لسوريا،
في موقع الصراع الرئيس للعرب مع المشروع الصهيوني – الأميركي...
ويركز
كتاب (صدمة الثورات العربية) على انه إذا "استطاع الشباب إسقاط
الديكتاتوريات والوزارات وتغيير حكومات و لم يغيروا لا المجتمع ولا
العقليات". ولتبرير الحالة، يذكر كاتب الكتاب ماتيو غويدير Mathieu
Guidère ، ان السبب في عدم اكتمال عملية التغيير هو انها "حركة دون
ايديولوجيا" و"دون قائد"، وما ساد هو فقط "ايديولوجيا الغضب". وفي هذا
النص، مبالغة واتهام. وقد أشرنا سابقاً إلى تخطي الحراك " لايديولوجيا
الغضب"، من خلال الشعارات التي رفعت. وفي المواجهة مع الحراك الشعبي،
تنعكس قوى المواجهة في الداخل، عبر نوعين من التفسير ومن الشعارات :
الأول،
يحاول تجاوز القضية الوطنية بكل مفاعيلها، حاصراً نضال الشعوب والفقراء
"بالحرية والديمقراطية" كقيمة لذاتهما وبذاتهما. هذا الحصر وإن كان يستهدف
القضية الوطنية والصراع مع العدو الصهيوني بأبعاده المختلفة، فإنه أيضاً
يستهدف القضية الاجتماعية الاقتصادية لكونها إحدى أهم خلفيات التحرك
الشعبي في العالم العربي. وفي إهمال هذين العاملين يجد من يعطي هذا
التفسير في الداخل، وكأن دول الاستعمار قديمها وجديدها أصبحت بديلة "الأم
تيريزا" بعد وفاتها..
أما الثاني، فهو الذي يحصر تفسيره بنظرية
المؤامرة، وكأنّ كل ما يجري في المنطقة هو في إطار الخطة الأميركية لإخضاع
القوى والأنظمة "الممانعة"، ويتناسى هذا الطرف في تبريره لموقفه من الحركة
الشعبية، ان "الأنظمة الوطنية" شهدت تحولات كثيرة في النمط الاقتصادي
السائد، وكذلك في علاقتها بجمهورها مما أفقدها الجزء الأساسي من قاعدتها
الاجتماعية الواسعة التي تكونت في المرحلة الأولى من مراحل حكم هذه
الأنظمة، وبشكل خاص في سلسلة الضمانات والتقديمات التي جرت على مستوى دور
القطاع العام، في التربية والصحة والضمان الاجتماعي والملكية الاقتصادية
والإصلاح الزراعي، هذه الخطوات التي جرت في بدايات المرحلة الناصرية وحكم
البعث، وهي المرحلة التي اتسمت بالتحالف مع الاتحاد السوفياتي السابق
ومختلف تقديماته.
ويتناسى هؤلاء أيضاً أنه في مقابل التخلي التدريجي عن
هذه التقديمات ازداد الاتجاه نحو مسارين متلازمين: في السياسة تعميق تحالف
الأمن مع البرجوازية مقابل حقوق الشعب في الديمقراطية والعدالة، والثاني،
هو ضعف البرجوازية الوطنية وتحولها إلى النمط البرجوازي الرجعي
الكومبرادوري، كما يؤكد على ذلك سمير أمين.
*****
ولقد اشرنا في عدة
مواقع في ردِّنا على هذا الطرف، إلى انه يعمد إلى التقليل من كون
التناقضات الداخلية للنظام، أصبحت تمثل مرحلة توازي بخطورتها خط التهديد
والتدخل الخارجي، إنْ لم نتفوّق عليها.
وفي كل الحالات وفي إطار هذه
المرحلة الانتقالية، يتفق هذان الطرفان، المتناقضان، على أهمية تحوير أو
إجهاض المطالب الشعبية المحقة من خلال، إعادة تدوير المطالب وإهمال ما هو
وطني واجتماعي بالنسبة إلى الطرف الأول، وحصر كل التعبئة في إطار المؤامرة
الخارجية، كما يسعى الطرف الثاني.....
والخطر الرئيس في إطار هذه
المرحلة الانتقالية هو استعادة مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط، لاندفاعته
مستفيداً من تعنت الأنظمة وإصرارها على نمط إعادة انتاج نفسها على حساب
الشعوب وقضاياها وبشكل خاص على حساب السيادة والاستقلال الحقيقيين، حيث
إنّ تجربة ليبيا، تؤشر لصوملة جديدة وبأحسن الحالات لنموذج مشوّه أيضاً
لما يجري في افغانستان، ومحاولة الدفع بالوضع السوري إلى وضعية قتالية،
تفتح الباب أمام إمكانية تفتيت حقيقية، تتوافق مع جوهر المشروع الأميركي.
*****
الجزء
الأخير هو ما يتعلق بدور اليسار، سواء خلال الفترة الماضية وكذلك خلال
مرحلة الحراك الثوري الأول، وفي هذه المرحلة الانتقالية بالذات، وبالتالي
علاقة دور اليسار بمستقبل الحراك الثوري العربي.
ومسبقاً، سنؤكد اننا
في هذه المقالة، لن نكون إلا ملتزمين باليسار ولن نعتمد سياسة النقد الذي
يبرر الوجود والذي يصل أحياناً إلى "الشتيمة" بحق قوى اليسار العربي لنبرر
وجودنا وموقعنا...
إن هذا الاسلوب، الذي يسود، ومنذ سنوات، كتابة ومنطق
بعض اليساريين العرب، والذي يبرر نفسه بالهجوم على اليسار وليس على
الانظمة والبرجوازية، إنما هو منطق "انتهازي" بمعنى ما، أي انه بأخذه
مسافة عن "اليسار"، الذي غالباً ما يُطلَق عليه اسم "اليسار التقليدي"،
يقترب بالمسافة عينها من الانظمة العربية وأكثر من ذلك، يبرر تقاربه مع
المشروع المضاد ومن "موقع يساري"...

ولذلك فإنَّ تناولنا لدور اليسار سينطلق من عدة ثوابت:
الأول: إن أزمة المنطقة والوضع الحالي يتحمّله تحالف المشروع الأميركي – الصهيوني مع أنظمة المنطقة الرجعية وهذا ما أكدناه بداية.
الثاني:
إن بعض الأنظمة التي لم تكن جزءاً من هذا المشروع، ولكنها كانت على
المستوى ذاته في ممارسة القمع تجاه شعوبها، ولعدم الثقة بهذه الشعوب،
تتحمل من موقعها، مسؤولية أساسية بالمستوى الذي وصلت إليه الازمة.
الثالث:
إن اليسار، مستمر في ازمته التي أخذت ابعاداً مثلثة: عالمية، اقليمية
ومحلية وفي مستويات مثلثة ايضاً، فكرية سياسية وتنظيمية في خلال العقود
الثلاثة الماضية.
الرابع: إن امكانات، القوى السياسية الأخرى، في
المعارضة التقليدية للأنظمة ومن قبل المساومة التاريخية المعلنة في خطاب
أوباما الذي ألقاه في جامعة القاهرة، وبشكل خاص القوى الإسلامية، هي
امكانات كبيرة مرتكزة على دعم أنظمة الخليج وتركيا، ومرتكزة أساساً على
تحالفها مع البرجوازية الرجعية وبشكل خاص على مصادرتها للفكر الديني
السائد ونطقها باسمه. ولذلك فمن غير العادل إطلاقاً وضع اليسار المأزوم في
سباق مع هذه القوى والحكم على موقفه وليس على قدراته فقط، انطلاقاً من هذه
الوقائع....
إن هذه الثوابت تؤكد، أن المرحلة الانتقالية التي يمر بها
العالم العربي، ستكون حتماً مرحلة طويلة، قد تتعرض فيها الحالة الثورية
لنكسات متتالية وقد تشهد بلادنا حالة قمع جديدة، قد تكون سمة القوى
السياسية التي قد تسود، بدعم خارجي، البلاد خلال الفترة المقبلة..
وهذا
لن يغير أبداً من قناعتنا بأن ما جرى في العالم العربي، هو حالة تقدمية بل
سيضاعف من تطلبنا تجاه اليسار وخطته، لتجاوز هذه المرحلة باتجاه المستقبل.

وفي
مراجعة سريعة، مرتكزة على تجربة المرحلة الأولى من الحراك الثوري العربي،
وبشكل خاص تجربتي مصر وتونس، يتضح تماماً (مقالات سمير أمين، وجريدة
اللوموند المشار لها سابقاً والكثير من الكتابات..) أن الذي تميز بموقف
حاسم منذ بدايات الحراك، هو اليسار الراديكالي وكذلك الأحزاب الشيوعية
التقليدية، التي بغضّ النظر عن ميزان القوى، كان موقفها في هذه اللحظة
التاريخية، موقفاً مؤيداً للانتفاضات ومشاركاً فيها (راجع بيانات ومواقف
الأحزاب الشيوعية في مصر وتونس) وإن بمستوى متفاوت من الفاعل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

عن التحدّيـات الفكريـة والعمليـة التي يطرحهـا الحـراك العربـي الراهـن أمــام قوى اليسـار العربــي :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

عن التحدّيـات الفكريـة والعمليـة التي يطرحهـا الحـراك العربـي الراهـن أمــام قوى اليسـار العربــي

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: استـــراجيــات متحـــــــــــــــولة يشاهده 478زائر-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: