انهم يتاجرون بنا
جواد غسال
الأربعاء 06 يونيو 2012 - 21:25
غدا
يطلبونكم من جديد إلى صناديق الاقتراع، فنحن لسنا سوى مجرد خزان بشري يلوح
به من "يعرف من أين تؤكل الكتف" متى يشاء، تلوح به الدولة في "المزادات
الدولية"، وحين تنوي تلميع صورتها المشينة، وتلوح بها الأحزاب السياسية
متى تشاء، أو حين تنوي الرفع من نسب المشاركة وخفضها، ففي السياسية لا
يوجد محايد، إما فاعل أو مفعول به، وما دمنا لا نمارسها تلجأ إلى ممارسة
نفسها بنا... لقد تحول كل شيء إلى تجارة تحتمل الربح والخسارة...
وكم
أحزن على دماء كثيرة حينما تصبح أوراق في أيدي انتهازيين، كم أحزن على دم
بن بركة حين يصبح ورقة رخيصة في أيدي حزب الاتحاد الاشتراكي، تشبه
"الجوكير" يتم التلويح بها لحظة الضعف أمام الخصوم السياسيين، أو حين يصبح
الاتحاد ورقة محروقة، أدت دورها في العراك السياسي. ويتم التلويح بها كلما
اقترب موعد من مواعيد الانتخابات، أو لحظة من لحظات تشكيل الحكومات، ليكيل
منها الاتحاد من المقاعد ما يرضي به "مناضليه"...ولا أعتقد أن الحزب ينسى
البيان الذي نشره ردا على عائلة بنبركة وهو في مقاليد السلطة سنة 2001،
حين أكد تقديم شكوى أمام قاضي التحقيق بسلا، لجعل عائلته تنكفئ بعدما
اعتبرت أن الاتحاد لم يفعل اي شيء لبنبركة في بيان لها، لكن لم تسجل أية
دعوى، فحزب بنبركة كان منشغلا بغنائم التدبير الحكومي... ولم يلوح بقضية
الرجل إلا حين اقتربت الانتخابات....
واليوم يلجأ الاتحاد الى
التلويح بالأسطوانة المشروخة، "الحداثة" في مواجهة "الظلامية"
و"الرجعية"،وكأن الاتحاد لم يكن على وشك التحالف مع ما يسميه "ظلاما" حين
اقتضدت الضرورة السياسية ذلك... ورقة جديدة في مواجهة اكبر انتكاسة يتعرض
لها الاتحاديون، في محاولة تصدير خلافاتهم، بعدما خرجوا من الحكومة
واستداروا فلم يجدو خلفهم أي شيء،... وحين خرج الفساد من ثنايا الحزب في
فضائح عليوة وبنعلو وفضائح التسيير المتعثر... دون أن تحرك في حقهم مسطرة
المتابعة لمدة عقد من الزمن...
هذا النموذج بتفصيل محدود، تنطبق
قواعده السياسية على العديد من الملفات، يتم استغلالها بين الفينة
والأخرى، يتم استغلال حرب الريف، وسنوات الجمر والرصاص وأحداث 16 ماي،
والأمازيغية، والقرب من الملك، ويستغل فقر الشعب...تستغل الحرية الفردية
والحداثة والديمقراطية وحقوق الانسان، ومفاهيم صارت أوراق يلوح بها الجميع
لحظة الحاجة...
فبأي وجه يسعى رفاق الأمس إلى الحديث عن كرامة
الشعب المغربي خلف اللافتات الأمامية للمسيرات الاحتجاجية، وهم الذين
قادوا المغرب إلى الباب المسدود، وحين التفتوا وجدوا شيئا ما أشبه بحزب،
هَرَمٌ هَرِم تآكلت هياكله، واشتعل الشيب في رؤوس قيادته، واشتدت الفتنة
وهي تطل برأسها في صراع الأجيال، وقاعدة ضاقت بأهلها، يطالبون بالتناوب
التوافقي على قيادة وردة دبلت تتساقط أوراقها، ولم يعد بين حامليها سوى
التغني بماضي أصبح من المقدسات، ونضالات رحل الذين قدموا تضحياتها،
واستفاذت بها جملة من الانتهازيين...؟
ومتى كان حزب الاتحاد
الاتشراكي ينخرط في احتجاجات من هذا النوع، وهو الذي كان يطالب في سنته
الأولى من قيادة حكومة التناوب بمساحة زمنية كافية للانتقال بالمغرب إلى
وضعية أفضل، قبل انتقاد سياساته الحكومية، (متى كان) يقف خلف لافتات كتبت
بتوجيهات تحضى بأكثر من شبهة، بعدما أجبروا الآموي على التحرك في
الاحتجاجات وهو الذي يدري أن عليه أن يشتغل بمنطق التعلميات حتى لا تثار
ضده ملفات الفساد في نقابته، خصوصا تلك المتعلقة بالاختلاسات وعقارات
النقابة التي بنيت على ظهور الكادحين والعمال والمقهورين، ودون الأموي
بعضها في أسماء الأقرباء...؟
الكرامة التي يبحث عنها هؤلاء لم
تتحقق بين ظهراني النقابات التي ظلت تمتص دماء العمال، واستشرى فيها
الفساد وكانت مطية لمجموعة من الانتهازيين، دون أن نسمع محاكمة تطال أحدهم
بما اقترفت يداه في حق الضعفاء، فحتى التقرير الذي أصدر عن استفادة نقابي
من فيلا وتجيزاتها في احدى النقابات، من شركة تقوم بالتدبير المفوض
بالرباط، لم يطله التحقيق...
لا أدافع عن الحكومة الحالية، وهي
الشبيهة بالطفل الوليد لم تتضح معالم محياه بعد، تتخبط كما يتخبط في
الحركات العشوائية الأولى، قد تصيب أحيانا وقد تفشل أخرى، كما يقف نفس
الطفل فيخطو واحيانا يسقط، لكن المغرب في غنى عن الانتهازية والانتهازيين،
ويستحق أفضل من هذا الفضاء السياسي، الذي تحول إلى معهد تطبيقي في تخريج
المسرحيين، يستطيعون لعب الأدوار مهما تناقضت في وثيرة مثيرة، ف"مأساة
العالم الذي نعيش فيه تكمن في أن السلطه كثيرا ما تستقر في أيدي العاجزين"
كما يقول برنارد شو.