نظّم
المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات في الدوحة يوميْ 18 و 19 أيار/
مايو 2011 مؤتمرًا علميًّا هامًّا بعنوان "العرب وتركيا: تحدّيات الحاضر
ورهانات المستقبل". وشارك في أعمال المؤتمر نخبةٌ من الباحثين الأكاديميين
والمختصّين من مشرق الوطن العربي ومغربه من المشهود لهم بالكفاءة
الأكاديمية والمهنية العالية.
بحَث مؤتمر العرب وتركيا الذي
نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العلاقات الاستراتيجية بين
العرب وتركيا وأُسسها التّاريخية وآفاقها المستقبليّة وناقشها بموضوعية
ومنهجية.
وتناول محاور التاريخ
والسّياسة و الاستراتيجيا والاقتصاد والطّاقة والمياه، فضلاً عن المحور
الاجتماعي. وتوزّعت أعمال المؤتمر على سبع جلسات على مدى يومين، واختتم
أعماله بمائدة حوارية مستديرة ترأّسها مدير عام المركز الدكتور عزمي بشارة.
ومنذ جلسة افتتاح المؤتمر التي
ترأّسها د. عزمي بشارة وقدم لها الدكتور عبد الوهاب القصاب منسق المؤتمر،
حاول الباحثون الإجابة عن تساؤل مفاده: "أين يقع رهان المستقبل في
العلاقات بين العرب وتركيا؟".
وفيما يلي عرضاً مركّزاً
للأوراق والمداخلات العلمية التي قدّمها الباحثون والتي غطّت كافّة جوانب
التي تناولها المؤتمر والتساؤلات التي حاول الإجابة عنها.
الجلسة الافتتاحيةد. عزمي بشارة: هناك تقاطع استراتيجي وجوهري في العلاقات العربية التركية أكّد
د. عزمي بشارة في كلمته الافتتاحية للمؤتمر أنّ اللقاء هو جزءٌ من رؤية
المركز و استراتيجيته في التعامل مع القضايا العربية وأنّ مسألة العلاقات
العربيّة التركيّة هي أحد مفاتيح العلاقات الإقليميّة، ليس فقط من منطلق
أهمية دراسة دولة إقليمية كبيرة كتركيا ووجود تقاطع حضاري وتاريخي
واقتصادي واستراتيجي معها، وإنما أيضًا لأنّ دراسة العلاقة مع تركيا في
غياب كيان سياسي عربي موحّد تعلمنا الكثير عن أنفسنا.
وذكّر أنه عندما عقد المركز
مؤتمر العرب وإيران (يوميْ 19 و20 كانون الأول/ ديسمبر 2010) كان الهدف من
عقد المؤتمر العلمي، بحضور مختصّين عرب، هو محاولة معرفة ما إذا كان هناك
كيانٌ اسمه "العرب"، له مصالح وتطلّعات قبل أن يبدأ أيّ حوار مع
الإيرانيّين، وينطبق ذلك أيضا على مؤتمر "العرب وتركيا"؛ لأنه ليس هناك
-على حدّ قوله- اتّفاقٌ على ما هي الـ "نحن" العربية التي تشكّل الطّرف
العربي في العلاقة مع تركيا. وبالتالي تطلّب الأمر عقد مؤتمر علمي يفترض
وجود "نحن" افتراضيّة تحاول أن تحدّد مصالحها ورؤيتها انطلاقا من رؤية
المفكّرين والباحثين العرب.
وأوضح بشارة أنه منذ أن ولت
تركيا أنظارها شطر العالم الإسلامي والشرق، تدفّق سيلٌ من المقالات
الصحافية التي جعلت عقد مؤتمر علمي لتدارس الحالة التركية حتميّة من أجل
تفكيك بعض الأساطير والشعوذات وخطابات الأماني التي تنتشر في الصحافة
عندما يحتلّ الموضوع موقعاً محورياً.
وتساءل: كيف نتعامل مع هذه
التطوّرات حين تنشأ؟ هل نُسقط عليها خيباتنا أو آمالنا ونبحث عن الدولة
(الإسلامية) التي تقوم بالدّور الذي يحلم به العالم العربي ؟ وكيف جعل
خطاب الأماني دولة أمّة مثل تركيا تمثّل هذه الدولة، لا سيّما في الفترة
الثانية من حكم حزب العدالة والتنمية؟
وشدّد بشارة على أنّ المسؤول
عن اقتراب تركيا من العرب، هو بالضبط عدم فهم إسرائيل للتطوّرات في تركيا
ومعنى وصول حزب حقيقي لديه رأي عام حقيقي للسّلطة ومصدر شرعيّته من الشّعب
التركي. ذلك أنّ إسرائيل لم تفهم الوضع الجديد وتعاملت معه بغير حذر وبنوع
من الدهشة والخطاب الوعظي تجاه تركيا. وكذلك فعلَ الاتّحاد الأوروبي رغم
أنّ حزب العدالة والتنمية نفّذ شروط الاتّحاد للانضمام إليه.
وأشار إلى أربع أو خمس محطّات
لتنامي الدور التركي في القضايا العربية، منها حالة سفن أسطول الحريّة،
فضلاً عن محطّات أخرى أظهرت استقلالية تركيا في صنع القرار وتأثيرها في
الرّأي العام العربي وإنعاشها لآماله حيال الدور التركي، ومنها قرار
البرلمان التركي بعدم استخدام الأراضي التركية في الحرب على العراق، وكذا
سلوك أردوغان في دافوس أمام الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، وغيرها.
توازن في المستقبلواعتبر بشارة أنّ السّنوات
العشر المقبلة سوف تشهد تحوّل الشّعوب من الخيال إلى الواقع عبر تحوّل
الرأي العام العربي إلى عامل فاعل على السّاحة السياسيّة بعد الثورات، وهو
ما من شأنه أن يوازن الصّورة قليلاً؛ ويدلّل على ذلك بما يحدث في الوطن
العربي من سعْيٍ لبلورة الرّأي العام العربي بأشكال وصياغات متعدّدة كرأي
عام أو حركات، يمكن أن يقوم نتيجة له فضاءٌ مصري أو فضاء
مصري-ليبي-سوداني-تونسي، وربما تنضمّ إليه اليمن.
واختتم الدكتور بشارة مداخلته
بالقول إنّ ثمّة حلُمًا في أن يتشكّل كيانٌ سياسي عربي اتّحادي على المدى
البعيد، يصبح قطباً في المعادلة الإقليميّة وربّما الدولية، بحيث تكون
الأمور أكثر توازناً، وأنّ دور المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في
هذا التحوّل المأمول هو التمهيد لهذه الحالة عبر تنسيق الأجندات البحثيّة
العربية لتحديد تصوّر ما لكيانيّة ثقافيّة سياسيّة عربيّة تلعب دورها الذي
يجب أن تلعبه في التاريخ، منوها إلى أنه ولأوّل مرّة يتمّ بحث هذا الأمر
في خضمّ آفاق مفتوحة وبالإنتاج الفكري الذي سوف يساهم في خلق هذه الجماعة
العلميّة العربية لتفكّر بكيانيّة عربية بشأن علاقاتها مع الإيرانيّين
والأتراك.
الجلسة الأولى: المحور التاريخي في العلاقات العربية التركيةد. وجيه كوثراني: نظرة جديدة لدى المؤرخين العرب والأتراك حيال العلاقات المشتركة تحدّث
الدكتور وجيه كوثراني في مداخلته ضمن الجلسة الأولى للمؤتمر والتي تناولت
المحور التاريخي في العلاقات العربية التركية، مقدّمًا ورقةً عنوانها
"إشكاليات في التأريخ العربي للدولة العثمانية ومجتمعاتها"، أبرز من
خلالها نظرتين سادَتا بين المؤرّخين العرب حيال التاريخ العثماني:
أ) نظرة
قوميّة عربية تَرى في الدولة العثمانيّة استعماراً. وقد ساد هذا الإدراك
في كتب التاريخ التي صدرت في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن
الماضي، ولاتزال سائدة حتى اليوم.
ب) نظرة إسلاميّة، ترى في الدولة العثمانية دولة الخلافة وهي دولة شرعيّة.
وأشار د. كوثراني إلى أنّ
سبعينيات القرن العشرين شهدت ظهور بواكير نظرة جديدة للتاريخ لدى كلّ من
المؤرّخين العرب والأتراك، فليس المؤرّخون العرب وحدهم من حرّفوا التاريخ
العثماني ولكنّ المؤرّخين الأتراك أيضاً ( وبالأخصّ في أوائل الحقبة
الكمالية). وبدءاً من الثمانينيات، ظهرت كتاباتٌ جديدة تنظر للتاريخ
التركي نظرةً موضوعية، استهلّها المؤرّخون الأتراك أنفسهم، وبدأ جيلٌ من
المؤرّخين العرب أيضاً يعيدون النّظر في التاريخ العثماني انطلاقاً من
أداتين معرفيّتين:
- الوثائق، سيّما سجلاّت المحاكم الشّرعية وسجلاّت جباية الضّرائب.
- الاستعانة بمفاهيم
أنثروبولوجية ومبادئ المدرسة البنيوية التي سادت في أوروبا، والتي دفعت
المثقّفين لاستخدام مفاهيم جديدة في قراءة الوثائق.
وأوضح د. كوثراني أنه استعان في قراءته للتاريخ العثماني بعدّة مفاهيم وهي:
- مفهوم الدولة السّلطانية.
- جدلية العلاقة بين العصبيّة والدّعوة الدّينية.
- وسائط السلطة (السلطات
الوسيطة بين المجتمع والهيئة الحاكمة)، ومنها المؤسّسة الدينية وفروعها
والمؤسّسات التعليمية والطّرق الصوفية والزّوايا والروابط وتنظيمات الحرف
في المدن.
سيار الجميل: العرب يفتقدون لمعرفة حقيقية بالوقائعفي
مداخلته التي كان عنوانها "الحركة الدستورية التركيّة والأيديولوجيا
الكماليّة وتداعياتهما على العرب"، وصف د. سيار الجميل معرفة العرب بهذا
التاريخ بـ"المهزوزة" و "الضّعيفة" و "المتشرذمة". ونَفى أن يكون للعرب
رؤيةٌ حقيقيّة للوقائع، ذلك أنّ العرب ليسوا "متشرذمين" سياسياً فحسب
وإنّما "متشرذمون" فكرياًّ أيضاً. وشدّد على أنّ التّجارب أثبتت أنّ العرب
دخلوا في حوارات مع الأتراك دون معرفة بهم، ففشلوا. ولا يرجع د. الجميل
سبب فشل حوارات العرب مع تركيا لكون هؤلاء يعلمون عن العرب أكثر ممّا يعلم
العرب عنهم، وإنما لأسباب عدة لخّصها فيما يلي:
- العرب غير موحّدين في تصوّرهم لما هو تركي.
- ينطلق العرب من سياسات ومن أيديولوجيات وليس من حقائق، وهو الأمر الأخطر في نظره.
وشدّد على أنّ مسألة الدستور
شغلت العرب والأتراك غير أنّ تجربة الأتراك في الحركة الدستوريّة أفضل،
ليس فكرياً فقط وإنّما سياسياً أيضاً.
وأوضح د. الجميل أنّ العرب هم
أوّل من فكّر في الدستور وليس الأتراك، وأوّل تجربة دستورية كانت في تونس
ثمّ في مصر ثمّ الدولة العثمانية ثمّ إيران ثم المشروطية الثانية، واستنتج
أنّ العرب أحقّ بالقول إنهم طالبوا بالدستور قبل الآخرين.
د. محمد نورالدين: العلاقات العربية التركية في منعطف حاسم لاحظ
د. محمد نورالدين في ورقته المعنونة: "العرب والدّور المستقبلي لتركيا"،
أنّ العلاقات العربية التركية تمرّ بلحظة حرجة وحسّاسة وضبابيّة وأنه
لابدّ من دراسة كلّ الاحتمالات التي يجب أن ينطلق منها العرب في علاقاتهم
مع الأتراك، وفي ضوء الواقع العربي الجديد.
وأضاف أنّ تركيا كان لديها
عمقٌ استراتيجي واحد؛ ومن خلال مواقف أحمد داود أوغلو وكتاباته بدأ يبرز
مضمون هذا العمق الاستراتيجي وماهيته، حيث يجري الحديث عن كومنولث إسلامي
يشكّل فيه العرب عنصراً أساسياً من الاستراتيجية التركية الجديدة، فيما
أنّ المجال العربي أكثر تعبيراً عن رصيد العمق الاستراتيجي، لأنّ العرب هم
آخر قوميّة انفصلت عن الدّولة العثمانية، وظلّوا إلى آخر وقت متمسّكين
بالرّابطة مع تركيا.
واعتبر نور الدين أنّ النّموذج
التركي يشكّل فرصةً للمجتمعات العربية في محاولة صياغة منظومة للعلاقة بين
واقعها وهويّتها؛ وبعد الثّورات العربية ومع ظهور ثقل وزن للجماعات
الإسلامية من تونس إلى مصر إلى سوريا، فإنّ التجربة التركية قد تكون مصدر
إلهام وليس مصدر استنساخ مع ما يطرحه هذا الأمر من أسئلة كثيرة.
الجلسة الثانية: المحور السياسيد. محمد السيد سليم: تركيا بديل استراتيجي إقليمي مهمجاءت
ورقة الدكتور محمد السيد سليم بعنوان : "موقع تركيا من البدائل
الاستراتيجية الدولية للوطن العربي في ظلّ التحوّلات الثورية العربية"؛ في
بداية جلسة المؤتمر الثانية والتي تناولت المحور الاستراتيجي السياسي في
العلاقات العربية التركية؛ لتطرح أهميّة تعريف البديل الاستراتيجي، وفحْوى
الجدل العربي بشأن البدائل الاستراتيجية بعد نهاية الحرب الباردة، وما هي
شروط البديل الاستراتيجي العربي؟ وما هي فرصة تركيا فيه وما هو الدّور
العربي؟ وكيف أثّرت الثّورات العربية في خيارات تركيا؟
وقال السيد سليم إنّ البديل
الاستراتيجي هو شريك ذو قدرة ورغبة على المدى البعيد، ونشترك معه في القيم
والتوجّهات السياسية، كما يشترط وجود توافق وطني داخل البديل الاستراتيجي.
ورأى السيد سليم أنّ أهميّة
البديل الاستراتيجي تكمن في أنه يتنافى مع الاندماج غير المشروط مع قوى
العولمة، وأنّ تعدّد البدائل الاستراتيجيّة في الوطن العربي يزيد من هامش
الحركة والقدرة على اتّخاذ قرار سياسي مستقلّ. وبتقديره فإنّ النّقاش
العربي انتهى إلى ماهيّة الشّروط لتوفير البديل، والمطلوب منه توضيح
الأهداف العربية من هذه الشراكة، وأن تساهم جميع الأطراف في بناء البديل
الاستراتيجي على قاعدة التنوّع وليس التبعيّة، ولابدّ أن يتوفّر التوافق
العربي المسبق على الهدف من وجود بديل استراتيجي.
وأشار السيد سليم إلى أنّ
البدائل الاستراتيجية للعرب محدودة وأنّ تركيا بديلٌ استراتيجي إقليمي
مهمّ، بشرط تحديد الأهداف وكيفيّة الاستفادة منه، وبناء علاقة استراتيجية
على أساس الندّية وليس الانبهار.
د. فرح صابر: تركيا تسعى لتشكيل أطر جديدة لأمنها القوميأكّدتْ
د. فرح صابر في ورقتها التي عنونتها: "البدائل الاستراتيجية لتركيا وموقع
الوطن العربي منها" أنّ تركيا تسعى استراتيجيًّا إلى تشكيل أطرٍ جديدة
لأمنها لقومي وتحاول استثمار هذه الأطر الجديدة من أجل تعزيز قدراتها
ودعمها.
بالنّسبة إلى السّياسة
الخارجية التركية، ترى د. فرح أنها تحاول بناء توازن بين التّفاعلات
الخارجيّة والداخلية، وهي محاولات بدأت في عهد الرئيس تورغوت أوزال ووزير
خارجيته إسماعيل جيم. وشهدت هذه المرحلة بداية بناء أطر سياسيّة جديدة مع
العالم العربي، على أساس ضرورة تنويع خيارات تركيا الاستراتيجية من أجل
تعزيز عمقها الاستراتيجي دون الانفصال سياسياً واستراتيجيًّا عن الولايات
المتحدة الأميركية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ التوجّه التركي في عهد
أردوغان بدأ يميل إلى اتّخاذ مواقفَ مستقلّة نسبيًّا. وقد نبّه غزو العراق
للكويت في حرب الخليج الثانية ومن ثمّ الحرب على العراق في 2003، تركيا
إلى ضرورة البحث عن خيارات استراتيجيّة بديلة، من خارج الدائرة الأميركية
وحلف الناتو، والذي كان سابقًا يتناغم مع الأيديولوجيا القوميّة
العلمانيّة المتشدّدة في تركيا. وتمّت مراجعة هذه العلاقات مع تنامي شعور
تركيا بأنّ لها إمكانيّاتٍ أكبر لبناء فضاءات جديدة لها إقليميًّا وبشكل
مستقلّ، سواء في البلقان أو القوقاز أو آسيا الوسطى وكذلك العالم العربي،
من دون أن يكون أيّ محور بديلا عن الآخر، كما أنّ الدّبلوماسية التركية
ترى أنها قادرة على لعب دور مركزي في المنطقة العربية أو في أوروبا.
محمد عبد القادر: منطقة الشرق الأوسط ستمنح تركيا دورا نشطايرى
الأستاذ محمد عبد القادر في ورقته "تحوّلات السّياسة الخارجية التركية في
عهد حزب العدالة والتنمية إزاء الدول العربية" أنّ التحوّلات السياسيّة
الخارجيّة التركيّة من الناحية النظرية هي تجسيد لنظريّة التحوّل الحضاري
والعمق الاستراتيجي والعثمانيّة الجديدة التي ينكرها وزير الخارجية التركي
داوود أوغلو.
ويشير عبد القادر إلى أنّ
أوغلو يَرى أنّ موازين القوى متبدّلة، وبالتالي على تركيا أن تتحرّك
بمقتضى ما سيكون وليس ما كان، ومن ثَمّ يرى أنّ التأسيس لدور تركي جديد
يتجلّى من خلال محور إسلامي يضمّ مصر وإيران وباكستان، وهناك محورٌ آسيوي
(الصّين واليابان وروسيا) وعمق استراتيجي، إضافةً إلى دورٍ تركي على
السّاحات الإقليميّة لتصبح تركيا دولةً مركزيّة تقف على مسافة واحدة من
جميع الدّول في المنطقة، وترشّح نفسها من خلال القوّة النّاعمة متمثّلةً
في الثّقافة والاقتصاد. و إذا ما تمّ تعزيز العلاقات التركية مع مصر يمكن
أن يتعزّز الدّورُ التركي إقليميًّا ولكن دون قطع علاقات تركيا مع الغرب.
واعتبر عبد القادر أنّ تركيا
تتحرّك حاليًّا وفق استراتيجيّة المشاركة الفعّالة التي تعتمد على نهج
تصالحي قائم على سياسة إطفاء الحرائق، وقد بدأت مجالس الحوار الاستراتيجي
التركيّة تنعقد مع أكثر من دولة عربية؛ فضلاً عن استراتيجيّة الاعتماد
المتبادل والتّنسيق بين تركيا والقوى العالمية لتصبح تركيا لاعبًا دوليًّا
مهمًّا في العالم، مشيرًا في هذا الإطار إلى أنّ روسيا أصبحت شريكًا
اقتصاديًّا قويًّا لتركيا التي كانت أوّل دولة من حلف الناتو تُجري
مناورات عسكريّة مشترَكة مع روسيا.
د. هشام قروي: الإسلاميون في تركيا استطاعوا تنقيح الدستور وفق الشروط الأوروبيةركّز
د. هشام قروي على مناقشة "ما بعد الكماليّة" من زاوية: ما الذي سيستفيد
العرب منه؟ مبيّناً أنّ الكمالية لها معنييْن، الأوّل خاصّ يخاطب
المحافظين والإسلاميّين السّلفيّين، والثاني هو المعنى العام الذي استوعب
الدولة ودخل في منافسة على المؤسّسات وسعى إلى استيعاب الإسلاميّين.
فالكماليّة هي أيديولوجية
تغريبيّة علمانيّة فرضت ديمقراطيّةً إقصائيّةً سنواتٍ طويلة، حيث تمّ
الانتقال إلى التعدّدية بعد موت مصطفى كمال بشكل سلمي، غير أنّ العلمانيّة
فرضت بشكل نخبوي وقيّدت الثقافة الإسلامية، بل واجهتها وحاربتها.
وأكّد القروي أنّ السّياق
التركي الديمقراطي الوصائي أدّى في النهاية إلى انقلابات عسكريّة وتسلّط
المؤسّسة العسكرية كوصيّ على العلمانية. ورأى أنّ العلمانية لا تكفي لقياس
مستوى الدّيمقراطية، فهناك معايير أهمّ هي التعدّدية والحرّيات المدنيّة
ونزاهة الانتخابات والتّداول على السّلطة، فتركيا تصنّف "دولةً حرّة
جزئياً".
من ناحية أخرى، شدّد القروي
على أنّ فترة ما بعد الكماليّة في النّصف الثاني من القرن العشرين شهدت
ثلاثة انقلابات عسكرية، إلاّ أنّ العمليّة الدّيمقراطية كانت في عهدة
السّلطة القضائيّة منذ الستّينيات. ويرى القروي أنّ الإسلاميّين في تركيا
استطاعوا تنقيح الدّستور وفق الشّروط الأوروبية، حيث تمّ توظيف التّعديلات
التي تُقيِّد دور العسكريّين في العمليّة السّياسية.
وشدّد على أنّ الإسلاميّين في
تركيا لا يرغبون في فرض نظام أصولي، وإنّما الاستفادة من الدّيمقراطية
للوصول إلى الحكم، وبقاؤهم في السّلطة حاليًّا سببه عدم إقصائهم من قبل
العسكر. وخلص القروي إلى أنّ الدّيمقراطيّة في تركيا ليست مكتملة لكن لا
بدّ من الاستفادة منها.
الجلسة الثالثة: المحور الاستراتيجيالدكتور مصطفى اللباد: شعبية تركيا في العالم العربي تضاعفت بعد أسطول الحرية في
الجلسة الثالثة التي استمرت في تناول المحور الاستراتيجي السياسي في
علاقات العرب وتركيا، تحدّث الدكتور مصطفى اللباد في بداية ورقته :"واقع
العلاقات وآفاقها وتداعياتها على القضيّة الفلسطينية والوطن العربي" عن
أهميّة مراكز الأبحاث.
وأشار إلى أنه يرى أنّ في
علاقة العرب بتركيا مثل إيران إشكاليّة تكمن في أنّ العرب منقسمون حيالهما
ويصنّفونهما إمّا في خانة "الملاك" أو "الشّيطان"، ولابدّ من التحرّر من
هذه الثنائية، فكلّ دولة لها مصالح ترسم سياساتها وفقها. ولابدّ أن تكون
النظرة العربيّة علميّة، وبالتالي أن يرسم العرب سياسة تنجح في تحقيق
التّوافق وتحديد مصالح كلّ طرف.
واعتبر اللباد أنّ شعبيّة
تركيا بلغت منذ أيار/ مايو 2010، بعد قضيّة أسطول الحريّة، ذروتها في
العالم العربي. واعتبر أنّ الانحدار الذي حدث في العلاقة التركيّة
الإسرائيليّة يعود إلى أبعاد متعدّدة لها أسقف ثلاثة: داخلي وإقليمي ودولي.
ورأى أنّ العلاقات بين تركيا
وإسرائيل مرّت بثلاث مراحل، الأولى بدأت في عام 1949 حين اعترفت تركيا
بإسرائيل، والثانية عام 1996 حين حدث التغيّر في السّياق الإقليمي،
والثالثة ابتدأت عام 2008 حين حدث الافتراق وتدهور العلاقة بين البلدين
بناءً على ما حدث في فلسطين وقضيّة أسطول الحريّة.
ويتابع اللباد أنّ إسرائيل قد
عملت على تطويق الدول العربية من خلال شبكة علاقاتها بدائرة محيطه التي
تشمل إثيوبيا- تركيا- إيران والسّودان منذ الخمسينيّات.
محمود محارب: إسرائيل تفاجأت بالثورات العربية ركّز
الباحث الدكتور محمود محارب في مداخلته "إسرائيل وتركيا والدول العربية:
الدور والمكانة وبسط النّفوذ والعلاقات والتحالفات- رؤية من الداخل" على
تقييم مرحلتين أساسيّتين -في نظره- في العلاقات التركية الإسرائيلية، وهما
فترة ترقّي العلاقات التركية الإسرائيلية في أواخر خمسينيّات القرن
الماضي، ومن ثَمّ المرحلة الجديدة في العقد الأخير وتوتّر العلاقات بين
البلديْن.
كما أوضح الباحث أنه في عام
1948 طرح مؤسّس إسرائيل بن غوريون على نفسه وعلى الكيان الإسرائيلي سؤالا
وهو: كيف يمكن أن تحافظ إسرائيل على نفسها في قلب العالم العربي؟ واتّضح
أنّ قادة إسرائيل ومنذ تأسيسها تعاملوا مع دولتهم على أنها دولة غير
عاديّة، ولذا قامت سياستهم على فرض الأجندة الإسرائيلية من خلال
المواجهات. وفي سعيها لفرض أجندتها على العالم العربي، سعت لتكون متفوّقة
على الجميع في الجوار، من ناحية أسلحتها المتطوّرة والسّلاح النّووي، كما
استعانت بتطوّرها الاقتصادي، وبمجتمعها، حيث قامت المؤسّسة العسكرية بحجزه
وتحشيده عبر الدّعاوى التي تبنيها على مصلحة إسرائيل القومية.
وأوضح محارب أنّ إسرائيل عملت
منذ البداية على أن تكون ذخراً وسنداً للولايات المتّحدة الأميركية وليس
عبئا عليها في أمر مصالحها في المنطقة. لذلك، وفي الصراعات التي جرت في
المنطقة، عملت إسرائيل على أن تندمج مع السّياسة الأميركية في كلّ مرحلة
ضدّ العالم العربي.
وقال إنه منذ الاحتلال
الأميركي للعراق حدث نوعٌ من الدّعم للأكراد في العراق من قبل إسرائيل
وأميركا، ولم يعجب هذا الأمر تركيا، فهؤلاء الأكراد يدعمون حزب العمّال.
كما أنّ إسرائيل لم تقف مع تركيا في بعض المسائل الحيويّة لتركيا كمسألة
قبرص. وفي السّنوات الأخيرة، أخذت إسرائيل تُماطل في تسليم الأسلحة
والطائرات من دون طيّار لتركيا.
ولخّص الباحث الأسباب التي ساهمت في تغيّر علاقة إسرائيل بتركيا وتدهورها في النّقاط التالية:
- وصول نخبة جديدة إلى الحكم في تركيا منذ العام 2002.
- الاحتلال والبطش الإسرائيلي تجاه المناطق الفلسطينيّة.
- التّقارب التركي السوري.
- تعزيز تركيا لعلاقتها مع إيران.
- مماطلة إسرائيل وتسويفها في تزويد تركيا بالأسلحة التكنولوجية والطائرات من دون طيّار.
- قضيّة أسطول الحريّة وإهانة السفير التركي في إسرائيل.
وبالنّسبة إلى الثورات
العربية، يؤكّد محارب أنّ إسرائيل تفاجأت بها وكانت معارضة لها، فهي تعتقد
أنّ هذا خطر من ناحية قيام نظم ديمقراطيّة ستغيّر من استراتيجيّة الخضوع
إلى المواجهة.
وصال العزاوي: تركيا كيان متعدّد الأبعادأكّدت
د. وصال العزاوي في مداخلتها : "تركيا والاتّحاد الأوروبي بين جدليّة
الرّفض ورهانات القبول" أنّ العلاقة بين تركيا وأوروبا اليوم هي انعكاس
للعلاقات الأوربيّة التركيّة ذات العمق التاريخي التي تدور في مجملها حول
امتداد تركيا الأوروبي وعلاقتها مع كلّ دولة أوروبيّة على حدة.
وسألت الباحثة في البداية:
ماذا تريد تركيا لتركيا؟ وأجابت أنّ تركيا كيانٌ متعدّد الأبعاد. فمنذ
بداية التسعينيات من القرن الماضي تنوّعت سياستها الخارجيّة تجاه الانفتاح
متعدّد الجهات أو الكرسي الدّوار، مع تعدّد المراسي للقائمين على السّياسة
الخارجيّة التركية، إضافةً إلى أنّ كلّ الحكومات المتعاقبة التي مرّت على
تركيا عكست طموحًا متعدّد الصّيغ والأهداف، كما أنّ النّخب السياسيّة
التركية بدرجة أو بأخرى كانت ترى دومًا أنّ مشاكلهم لا تحلّ إلاّ في أحضان
الغرب.
كما بيّنت أنّ علاقة تركيا
القويّة بالاتّحاد الأوروبي بدأت منذ مرحلة مصطفى كمال أتاتورك الذي قال
إنّ الحضارة التي يجب أن ينشأ في ظلالها الجيل التركي الجديد هي حضارة
أوروبا، لأنها حضارة القوّة.
وترى أنّ التيّارين الإسلامي
والعلماني في تركيا متّحدان في الالتصاق بالغرب، وهذا ما يؤكّده أحمد
أوغلو في كتابه "العمق الاستراتيجي"، حين حاول أن يشرح أنّ العلاقة بين
أوروبا وتركيا تنبع من علاقة بين بنيتين متحرّكتين ويجب أن تستند على
مستويات مختلفة.
الجلسة الرابعة: المحور الاقتصاديسمير عيطة: قوّة مؤسّسات الدولة في تركيا مكّنتها من التعرّض لتسونامي الثوراتخصّصت
الجلسة الرابعة من مؤتمر "العرب وتركيا" لتناول الجوانب الاقتصاديّة في
العلاقات بين الجانبين، وابتدأ د. سمير عيطة بحثه المعنون: "العرب وتركيا
من شاحنات التبادل التجاري إلى قطار الصعود الاقتصادي والتّنمية
الاجتماعية"، بالتركيز مباشرةً على الثورات العربية. وفي تفسيره لها، يشير
إلى أنّ البلدان العربية في السّنوات الماضية شهدتْ نمواً ديموغرافياً
ملحوظاً، والذي خلق جيلاً من الشّباب يبحث عن العمل وظروف معيشيّة أفضل،
وهو الآن يخرج للمناداة بالحريّة من المحيط إلى الخليج، ممّا يعكس
التّنمية غير المتوازنة في الدول العربية، ولذلك انطلقت الاحتجاجات
العربيّة من المناطق المهمّشة (سيدي بو زيد - درعا).
ويقارن الباحث هذه الأوضاع مع
أوضاع تركيا، فيجد أنّ تركيا شهدتْ نمواً شبابياً مماثلاً، ولا تزال تشهده
حتى الآن، إلاّ أنّ بنية الدولة فيها ومؤسّساتها، كما موقعها في المنظومة
الدولية، سمحت لها باحتواء آثار هذا النموّ، بل نجحت في الانتقال من
انهيار اقتصادي وأزمة اجتماعية وسياسيّة كبرى إلى ديناميّة دولة صاعدة
مؤثّرة في محيطها وفاعلة على الصّعيد العالمي. هذه الدينامية هي التي
تمكّنها اليوم من التعامل واللعب على عامل الزمن مع تحدّيها الكبير الماثل
في الفارق التّنموي بين مناطقها الغربيّة وتلك الشّرقية التي عرفت حرباً
أهليّة دامية قامت - ولا تزال على وتيرة خافتة - على أساس معضلة
"الهويّة": الكرديّة مقابل التركيّة.
ورأى عيطة أنّ قوّة مؤسّسات
الدولة في تركيا هي مِن العناصر الأساسيّة التي مكّنتها من مواجهة
التسونامي الشّبابي بنوعٍ من اللّيونة. وحصل تداولٌ لافت على السّلطة بين
النّخبة العلمانية النّاظرة دوماً إلى أوروبا والغرب، المهيمنة على
المؤسّسة العسكرية وذات التوجّهات القوميّة القاسية، وبين نخبة جديدة
"إسلاميّة" تعتمد على "نمور الأناضول" (رجال الأعمال من مناطق وسط تركيا
ذوو التوجّهات الإسلامية)، وتتعامل مع المعطيات الداخلية والخارجية بحنكة
سياسيّة نتجتْ عن تجربة طويلة. أيْ أنّ الدّولة التركية قدرت إذن على
"التغيير بدل الإصلاح".
وبحسب رأي الباحث، فقد دعمت
تركيا تطوّر قطاعاتها الإنتاجية، مستفيدةً من موجة إعادة تموضع الصّناعات
الأوروبية والأميركية نحو البلدان ذات اليد العاملة الرّخيصة، على حساب
القطاعات الريعيّة. ووجد د. عيطة أنّ الاختلاف بين الدول العربية وتركيا
لافتٌ، بين سياسة المضاربات العقارية على نموذج دبي من ناحية وسياسات
التنظيم العمراني التركية من ناحية أخرى.
د. هدى حوا: حضور متزايد للأتراك في العالم العربيبدأتْ
الدكتورة هدى بحثها عن "منطقة التّجارة الحرّة العربية ـ التركية كنمط من
أنماط الشّراكة الاقتصادية بين تركيا والوطن العربي" بالتأكيد على أنّ
الحضور التركي في العالم العربي ازداد وبشكل متسارع منذ بداية القرن، وأن
العامل الاقتصادي احتل في هذا الحضور مكانة هامّة، خاصّة مع الزّيادة
الكبيرة في المبادلات التجارية والاستثمارات. فقد استطاعت تركيا زيادة حجم
التبادل التجاري مع الدول العربية من لا شيء تقريباً في بداية الثمانينيات
من القرن العشرين إلى 30 مليار دولار أميركي في عام 2000 ومن ثمّ إلى 130
مليار دولار في عام 2007.
وبحسب د. حوا فقد رافق ذلك عمل
على التأسيس للحريّة التجارية بين تركيا والدول العربية وتوسيعها من خلال
اتّفاقيات تجارة حرّة ثنائية وصولاً إلى السّعي نحو إنشاء منطقة تجارة
حرّة عربيّة تركيّة. ولدى تركيا 6 اتّفاقيات تجارة حرّة مع دول المشرق
والمغرب العربيّين.
ورأتْ الباحثة أنه لكي نفهم
أسباب اندفاع تركيا نحو المشرق العربي علينا فهمُ الأوضاع الداخلية
التركية، لأنّ السياسة التجارية التركية هي امتدادٌ لنموّ اقتصادي داخلي.
فتركيا دولة ناشطة في مجال التّجارة، لذلك فهي في حاجة إلى الاستثمارات.
فزيادة التّجارة التركية ليس مع العرب فقط وإنّما مع أفريقيا والكثير من
الدول، ممّا قد يجعل من تركيا صينَ الشّرق الأوسط.
د. منير الحمش: قضية لواء اسكندرون ستبقى في وجدان الشعب السوريانطلق
الدكتور منير الحمش في بحثه من وجهة نظر رغبة الطّرفين في إقامة علاقات
متميزة ومبنيّة على المصالح المشتركة. وأشار إلى أنّ قضية لواء اسكندرون
ستبقى في وجدان الشّعب السوري، رغم اعتقاد البعض أنّ سوريا بعلاقاتها
الاقتصادية والسّياسية تجاوزتْ قضيّة اسكندرون.
ويؤكّد الباحث أنّ تحرير
التّجارة بين سوريا وتركيا كان في مصلحة الجانب التركي. وقد أدّى ذلك إلى
مصائبَ على الاقتصاد السوري، إذ تمّ إغلاق العديد من المصانع السورية
خصوصا في قطاع المنسوجات والمفروشات. وشرح الحمش كيف تأثّر الاقتصاد
والشّعب السوري بهذا الاختلال في التجارة، مبرزًا أنّ الاحتجاجات التي
تشهدها مدينة سقبا حالياً هي على خلفيّة إغلاق تلك المصانع، فهي مدينة
تعتمد على صناعة الأثاث في ورشات صغيرة، وبعد غزو الأثاث التركي للأسواق
السورية، تمّ إغلاق هذه الورشات. ويشدّد على أنّ كلّ الاحتجاجات التي قامت
في سقبا كانت بسبب عطالة وبطالة العمال الذين أغلقت ورشاتهم.
كما يرى الدكتور الحمش أنّ
العلاقات الاقتصادية لا يكفي أن تقوم على الرغبة وإنما على أساس عادل
ومتكافئ ومراعاة الظّروف الاقتصادية لكلّ دولة، لأنّ الاقتصادات العربية
والتركية تعمل تحت ظلّ العولمة.
الجلسة الخامسة: محور الطاقةعصام الجلبي: النفط مرتكز أساسي للعلاقات الاقتصادية و السياسية بين العرب وتركيا خصّصت
الجلسة الخامسة من المؤتمر لمحور الطاقة في العلاقات العربية التركية،
وألقى الأستاذ عصام الجلبي في ورقته الضوء على الإرث التاريخي للدّور الذي
لعبه النّفط في صياغة العلاقة بين الغرب والإمبراطوريّة العثمانية، وكيف
كان سببا رئيساً من أسباب انهيار هذه الدولة، كما كان عاملاً رئيساً في
رسم حدود دول المشرق العربي. وعرّج على جيوستراتيجيا شبكات الأنابيب
الناقلة للنّفط، بدايةً من شبكة أنابيب نقل النّفط العراقي عبر سوريا
ولبنان والأردن وفلسطين، وصولاً إلى تزايد قناعة الحكومة العراقيّة ببناء
خطّ أنابيب النّفط العراقي التركي الذي شكّل في وقتٍ ما ضمانة لاستمراريّة
تصدير النّفط العراقي بعد توقّف المنافذ الأخرى لأسباب سياسيّة أو
عسكريّة. ثمّ ألقى الضّوء على الآثار الاقتصادية لهذا المشروع، معرِّجاً
على تصدير العراق لمشتقّاته النّفطية المصنّعة الفائضة عن حاجته إلى تركيا
عبر أسطول ضخم من الشّاحنات التي شكّلت بدورها ما يشبه خطّ الأنابيب
المتنقّل.
عبد المجيد عطار: إسرائيل تطمح للعب أدوار محورية في سوق الغاز بدأ
الأستاذ عبد المجيد عطار مداخلته بالتركيز على أنّ العالم العربي وبلدان
جنوب البحر الأبيض المتوسّط تضم الكثير من موارد الطاقة (النّفط والغاز
الطبيعي) التي تحتاج إليها حاليا أوروبا، الأمر الذي يعطيها موقعا
جيوستراتيجيا هاما في مجال الطاقة.
لكن الدول العربية رغم هذه
الثّروات التي تثير الأطماع، تهتزّ داخليا كما أنها دول هشّة على جميع
الجبهات السياسية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأشار إلى تراجع وزن
العرب في معادلة الطّاقة في المنطقة والعالم، مؤكّدًا أنّ الهدف الرئيس
الآن هو أن نرى كيف يمكن وقف هذا التّراجع. حيث نلاحظ في المنطقة صعوداً
تدريجياًّ للنّفوذ الإيراني، التركي، والإسرائيلي:
- الأوّل من خلال مواقفه السّياسية التي تحاول تجاهل تهديدات الغرب
وأوامره، إذ أنّ إيران ودول منطقة بحر قزوين تملك أيضا المستوى نفسه من
موارد الطّاقة و تتنافس مع العالم العربي.
- الثاني له نموذج سياسي واقتصادي ديناميكي ومستقلّ، و موقف
جيوستراتيجيا في المنطقة بين جنوب البحر الأبيض المتوسّط والعالم العربي
وكتلة الشّرق الأقصى وآسيا من جهة، وأوروبا من جهة أخرى. كما تتميّز تركيا
أيضا بنموّ اقتصادي قويّ ويمكن أن نرى احتياجاتها من الطّاقة تتضاعف بحلول
عام 2020. وهي في الوقت نفسه تعتبر نقطة عبور للطّاقة إلى أوروبا، وتعتزم
استغلال هذا الموقع الاستراتيجي.
- وسط هذه المنطقة، يبدو أنّ إسرائيل حقّقت اكتشافاتٍ كبيرة للغاز
الطّبيعي جنوب البحر الأبيض المتوسّط وتخطّط حتى للعب دور حاسم في المنطقة
بوصفها دولة مصدّرة للغاز.
عمرو كمال حمودة: الدول العربية تملك احتياطات ضخمة من الغاز قدّم الدكتور مصطفى اللباد
ورقة الأستاذ عمرو كمال حمودة: "مشروع الغاز العربي كبنية ارتكازية عربية
تركية"، والذي أعاقته ظروف صحّية عن حضور أعمال المؤتمر. وأكّدت الورقة
على أنّ دول الوطن العربي تمتلك قدرًا كبيرًا من احتياطي الغاز العالمي،
أبرزها قطر والجزائر ومصر. وقد نشطت تجارة الغاز العربي، سواء عبر خطوط
أنابيب أو مسالا بوساطة الناقلات خلال العقود الثلاثة الماضية بشكل واسع.
إلاّ أنه وبسبب سياسات الأنظمة العربية، وخاصّة نظام الرئيس المصري
المخلوع حسني مبارك، لم يتمّ إنتاج سياسات حكيمة للاستفادة من ثروات
الغاز، وهو ما يجسّده التعاون المصري مع إسرائيل التي وضعت تصوّرًا منذ
عام 1989 لاستهلاكها من الغاز مدة 25 عاما على أساس استهلاك يومي قدره 240
مليون قدم مكعّب، وعلى هذا الأساس تمّ التّفاوض مع الحكومة المصريّة
لتموينها بالغاز الطبيعي المصري بوساطة خطّ أنابيب.
الجلسة السادسة: محور المياهناجي حرج: أزمة سوريا والعراق مع المياه في تفاقم مستمر رأى
الأستاذ ناجي حرج في مداخلته ضمن الجلسة السابعة التي خصّصت لمحور المياه
في العلاقات التركية العربية، أنّ سوريا والعراق تواجهان أزمةً مائيّة
آخذة في التفاقم بسبب التّدنّي في كميّة ونوعية المياه الواردة عبر نهريْ
دجلة والفرات إلى مستويات لا تفي باحتياجاتهما الأساسية. وأوضح أنّ السّبب
الرّئيس لذلك، بعد العوامل الطبيعيّة، يعود إلى ما عملت تركيا على تنفيذه
من إنشاءات على منابع النهرين ضمن مشروع "الغاب GAP. حيث بدأت التأثيرات
السلبية لتلك المشاريع تظهر للعيان في مختلف مناحي الحياة في البلدين
وبخاصّة في العراق منذ سبعينيات القرن الماضي، الأمر الذي بات يشكّل
تهديداً لأمن البلدين الغذائي.
وبحسب الباحث، فقد احتلّ هذا
الموضوع أهميّة كبيرة في مختلف اللّقاءات والاجتماعات التي عُقدت بين
البلدان الثلاثة في ثلاثة عقود مضتْ، إضافةً الى إدراجه على جداول أعمال
اجتماعات اللّجان المشتركة للتّعاون الاقتصادي والفني. كما شُكّلت عام
1980 لجنةٌ فنيّة مشتركة ضمّت البلدان الثلاثة، وكانت مهمّتها الأساسيّة
التوصّل إلى اتّفاق مُرضٍ لجميع الأطراف بشأن حصص المياه.
ومن الناحية القانونية، أكّد
الباحث أنّ الانتفاع من مياه دجلة والفرات يرتكز على قواعد القانون الدولي
والاتّفاقات القائمة بين البلدان الثلاثة وجميعها تؤكدّ حقّ كلّ دولة يمرّ
جزء من المجرى المائي الدولي في أراضيها، في الانتفاع بذلك الجزء بطريقة
لا تؤدّي إلى إلحاق الضّرر بالحقوق العادلة للدّول الشّريكة الأخرى.
وأكّد الأستاذ ناجي أنّ تركيا
رفضت تطبيق قواعد القانون الدولي، كما رفضت تطبيق الاتّفاقيات الخاصّة،
وهو ما أدّى إلى تحول قضيّة المياه من قضيّة للتعاون المشترك إلى قضية
متنازع حولها.
طارق المجذوب: مسيرة التكامل العربي-التركي لن تكون سهلة قدّم
الباحث الدكتور "طارق المجذوب" بحثاً عنوانه: "استشراف مُستقبل التعاون
المائي بين العرب وتركيا". ورأى فيه أنّ تدشين المحطة الكَهْرومائيَّة
لسدّ أتاتورك في 25/6/1992، وبدء تنفيذ أعمال سدّ بيرجيك (في الجانب
التركي من نهر الفرات)، قد نبَّها سوريا والعراق مرّةً أخرى إلى خطورة
مسألة المياه التي أصبحت عنصراً مهماً من عناصر الحياة فيهما. ويهدف سدّ
أتاتورك الذي يُكوِّن الجزء الأهمّ من مشروع جنوب شرق الأناضول «الغاب»
إلى إحداث تغيير اقتصادي عميق في منطقة تبلغ مساحتها 73،863 كلم2 (أي 9،5%
من مساحة تركيا)، تقع بين المجريين العلويين لكلّ من دجلة والفرات،
وتسكنها غالبيّة كرديّة.
يرى الباحث أنّ هذا المشروع
الذي وُضع، في البداية، كردّ اقتصادي تركي على مطلب حزب العمّال
الكردستاني (PKK)بحقّ تقرير المصير، أصبح، في نظر سوريا والعراق، وسيلةَ
ضغطٍ سياسي. فتركيا اعتبرت أنّ الماء ثروة وطنية بالإمكان استغلالها
لصالحها، كما يستغلّ العرب النّفط وفق مصالحهم. أمّا بالنّسبة إلى سوريا
والعراق فقد شكل مشروع «الغاب» عمليّة إرباك وتهديد تتعارض مع القانون
الدولي الخاصّ بالأنهار الدوليّة.
ورأى الباحث أنّ للتّعاون
التركي-السّوري أهميّة حيويّة للوطن العربي، فالعلاقات التركيّة-السوريّة
تُعزِّز فرصاً كبيرة للتعاون التركي-العربي بدلاً من الخلاف والنـزاع
المُستمرَّين.
وبحسب رأي الدكتور المجذوب،
فإنّ الخطوة الأولى النّاجعة تبدأ بالمياه، لأنّ للمياه ارتباطات وتأثيرات
سياسيّة، ولأنّ النجاح في قطاع المياه يُغري بالانتقال إلى قطاعاتٍ أخرى.
فالرّوابط الاقتصادية والمُتبادلة تُوفِّر للتّعاون أساساً يرتقي من خلال
العمليّة السياسيّة، ومن ثَمّ يُنظّم التعاون عن طريق تزويد الدّول
بالأسباب المُوجبة لتلافي النـّزاع. فمصالح الوطن العربي وتركيا تقتضي
تنمية التكامل في اقتصاداتهما، والتغلُّب على عوامل الضّعف والتخاذل
والتردُّد، والاستفادة الجماعيّة من الطاقات والثّروات المُتوافرة لديهما.
ولدى تركيا المياه الوفيرة نسبياً، إلاّ أنّها تفتقر إلى الطاقة. ولدى
الوطن العربي الطاقة الوفيرة، إلاّ أنّه يفتقر إلى المياه. ولدى العرب
والأتراك قضايا مُشتركة عدّة يُمكن أن يتعاونوا على حلِّها بعد التسلُّح
بالنيّة الحسنة والإرادة الصادقة.
وتوصّل الباحث إلى خلاصة
تتمثّل في أنّ مسيرة التكامل العربي-التركي لن تكون سهلة، ولكنّها تستحقّ
المحاولة إن كانت مُحصَّنة بالتّصميم على تجاوز العقبات واستخدام بعض
المؤسَّسات للتغلُّب على الانتكاسات. وربّما تكون البداية بإنشاء
«المجموعة التركيّة-العربيّة للمياه والزّراعة والطاقة».
الجلسة السابعة: المحور الاجتماعيجمال باروت: سياسات أثنية فرنسية لخلق مسألة طائفية في سوريا استهلت
الجلسة السابعة التي تناولت المحور الاجتماعي في العلاقات العربية التركية
بورقة الأستاذ جمال باروت (الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة
السياسات) الذي عالج في بحثه العلاقة بين نشأة الحدود السياسية الدولتية
التي أنتجتها معاهدة لوزان( 1923)، وبين تطوّر المشكلات الكردية والكلدو-
آشورية والأرمنية. وركّز بحثه على تداعيات ذلك على المجال الوطني السّوري
الخاضع حينها إلى الانتداب الفرنسي. وقارب باروت في بحثه معاهدة لوزان
بكونها مشابهة لمعاهدة وستفاليا (1648) التي تؤرّخ لظهور الدولة الحديثة،
أو الدولة- الأمّة (أو الدولة القومية كما تسمى أيضا) بعد حروب المئة عام
والعشرة أعوام في أوروبا الإمبراطورية، وذلك برسمها مفاهيم الحدود
الدولتية السيادية والجنسية وحقوق الأقليات. وسلّط الضّوء بشكل خاصّ على
العلاقة بين قيام العهد الجمهوري التركي على النّمط الصلب الكلاسيكي
للدولة-الأمة وبين نشوب مسألة الأقليات. وناقش البحث تضافر هذه التساقطات
والتداعيات مع السياسة الأثنية الفرنسية الساعية لخلق كيان كردي-كلو آشوري
في الجزيرة السورية "الحسكة" لمواجهة الثقل الوطني للمدن الداخلية
السورية. وربط ما بين تدفّقات الهجرة وبين تلك السياسة الأثنية الساعية
لاستقبالها واستخدامها، ممّا حوّل الجزيرة السورية المحدودة العمران يومئذ
إلى استقبال هجرات كثيفة كرديو وكلدو-آشورية بنى بها الفرنسيون الجزيرة
السورية، ونقلوها من حالة التبدّي وشبه التصحّر إلى حالة العمران. لكنهم
استخدموا المجتمع الجديد في استراتيجياتهم، ولاسيّما ضدّ العهد الوطني
الأوّل (1937-1939) في تشجيع قيام حركة انفصاليّة على خلفيّة تحفّظ اليمين
الفرنسي والجمهوري الفرنسي المعتدل في إبرام المعاهدة الفرنسية-السّورية.
عقيل محفوض: العرب في تركيا عامل تواصل وتأزيمألقى حمزة المصطفى الباحث في
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بحث الدكتور عقيل بعنوان "العرب
وتركيا: محور تواصل أم تأزيم"، بسبب تعذّر حضور الدكتور عقيل لأسباب طارئة.
وأبرزت الورقة أنّ "العرب في
تركيا" من المفردات الإشكاليّة في العلاقات بين العرب وتركيا، ومثلها
مفردات أخرى ك: "الأمن" و"الحدود" و"الذاكرة التاريخية" و"المكانة"، و
غيرها، و تتّسم بوضعٍ "مُلتبس" لجهة الاسم والمعنى (القومي) و ديناميات
الهويّة وطبيعة العلاقة مع الدولة في تركيا من جهة، وسورية والمنطقة
العربية من جهة أخرى.
وناقش الباحث "العرب في تركيا"
ودورهم في العلاقات العربية - التركيّة، انطلاقاً من إشكالية رئيسة تتمثّل
في السّؤال التالي: هل يشكّل "العرب في تركيا" محور تواصل وتقارب في تلك
العلاقات، أم محور تأزيم وتنافر؟ وخلص إلى أنهم بأوضاعهم وكيفياتهم
الرّاهنة وبالتّفاعلات المحيطة بهم، (هم) "عامل تواصل"، ولكنهم بحقيقتهم
وبالدينامية التاريخية والقوّة الكامنة والرهانات القائمة لديهم وفي
محيطهم، هم أيضاً "عامل تأزيم". والواقع أنّ دورهم يتشكّل بكيفيّة وسطيّة
"بين - بين"، بين التّواصل والتأزيم.
واعتبر محفوض أنّ إشكالية
الدّراسة تكمن في عملها على تقصّي الطبيعة العامة لـ "العرب في تركيا"
وتحليلها بوصفها ظاهرة أثنية مركّبة، وتأثير ذلك في أوضاعها "الذاتية"،
ووزنها النسبي في جدول السّياسات العامّة في تركيا، والدّور القائم أو
المحتمل في دفع العلاقات أو التّفاعلات العربية - التركية نحو التشكّل بين
حدّين أو حالين مفترضين وهما التواصل والتّقارب أو الت