ممدوح فراج النابي
في مئوية نجيب محفوظ/ سعيد مهران ومرحلة الواقعية النقدية
12/12/2011
|
نجيب محفوظ |
-1-
لم ينفصل إبداع نجيب محفوظ – في مجمله - عن واقعه ، لا بوصفه راصدًا لحركته
وتحولاته فقط ، بل أيضًا بانتقاده وكشف سلبياته ، وكل هذا يأتي في إطار
نظرة محفوظ النقدية لواقعه ، وسعيه الحثيث بوصفه مبدعًا يكشف سوءته ليلتفت
القائمون ، ويقوموا بواجبهم ، وليس معني هذا أن إبداع نجيب محفوظ يدخل في
الأدب الخطابي والدعائي ، بل على العكس حيث رؤية محفوظ النقدية دائمًا
يُحمِّلها لشخصياته ، لتقول ما يريد أن يقوله ، حسبما ترسم النظرية النقدية
معالم الشخصية الروائية ، فالبطل الروائي عند ميخائيل باختين " عبارة عن
وجهة نظر محددة عن العالم ، وعن نفسه هو بالذات "(1) . وبمفهوم أوسع كما
يقول ميشال زيرفا إن الشخصية الروائية هي " كائن رمزي يدل على فكر الكاتب ،
وتكون مكونًا من مكونات الرواية التقنية "(2).
نشر نجيب محفوظ « اللِّصّ والكِلاب » أول مرة عام 1961، وتكاد تكون الرواية
الوحيدة القصيرة ضمن مجمل إبداعه ، وقد جاءت الرواية في سياق تاريخي حافل
بالتحولات التي أعقبت ثورة 1952 ، وما بدأ تطبيقه من شعارات الثورة على
الواقع العياني خاصة مبادئ العدالة والاشتراكية ، وهو ما تحقّق منه الكثير
لكن استغل البعض هذا لتحقيق مصالح فردية فتضخمت ثرواتهم أكثر من ذي قبل (
أيام الإقطاع ) وهو ما يُعدُّ بمثابة نقيصة وقعت فيها الثورة وعلى الأخص
القائمين عليها . في ظل هذا السياق المتأزم ظهرت رواية نجيب محفوظ ، ولا
يمكن بحال من الأحوال فصلها عن هذا السياق أو حتى قراءة شخصيتها المحورية "
سعيد مهران " بعيدة عن هذا السياق . ويقول غالي شكري مُحدِّدًا مرجعية
الرواية وسياقها الخارجي:
" تنتقل بنا (الرواية) من الجو الملحمي إلى قلب التراجيديا مباشرة. ذلك أن
التغيير المنشود قد تم في مناخ أقل ما يوصف به أنه شديد الاضطراب، فلا
تنظيم سياسي يقود تطلعات الجماهير إلى الاشتراكية، والقرارت الفردية تنزل
من عل فلا يتحقق منها ما يتحقق إلا بالقهر ودون مراجعة، والمنتمون الثوريون
يعجزون عن المشاركة في تصحيح ما يستوجب التصحيح... وفي ظل هذا الغياب
الشامل للتنظيم والديمقراطية جنبا إلى جنب القرارات العلوية التي لا يتسق
مضمونها مع أدوات التنفيذ للدولة القديمة المهيمنة، يقع المنتمي في أزمة
جديدة عنيفة بين الوجه الذي علمه الثورة وانضم إلى صفوف الطبقة الجديدة
الوليدة وخان، وبين الوجه الرابض في أعماقه للكتاب والمسدس." (3)
صنَّفَ النقاد رواية « اللص والكلاب » بأنها تُمثِّلُ لمرحلة الواقعية
النقدية (4) ، وهو تصنيف صحيح ، فالرواية في مجملها تُقدِّمُ المجتمع
المصري بعد حركة الضباط الأحرار إثْر التحولات التي أصابت الشخصية المصرية ،
تلك الشخصية التي آمنت بمادئ الثورة وهتفت لها ، لكنها فؤجئت وفجعت بأن
المستفدين من ثمار الثورة لا الذين خرجت الثورة من أجلهم أو تلبية لأوجاعهم
، وإنما استفاد بها طبقة المنتفعين ، والتي استغلت المناخ السائد في غيبة
أنظمة الدولة وعلى رأسها الديمقراطية التي نادت – للأسف – الثورة بها .
فظهر أمثال رءوف علوان كنموذج حي على علو هذه الطبقة وتبوأها أعلى المناصب
في أجهزة الدولة " رئيس تحرير جريدة الزهرة " والأدهي أنه اعتبر نفسه
واحدًا من المدافعين عن مبادئ الثورة وشعاراتها. وربما يكون هذا عاملاً
مهمًا من جملة العوامل التي أسهمت في انهزامية البطل واستسلامه ، وقبلها
عنصرًا فاعلاً في عشوائية الهدف الذي حاد عن تحقيقه سعيد مهران- الانتقام
من الخائنين- فأودي بحياة الكادحين ( البواب عندما أراد قتل رءوف علوان ،
والرجل الذي حل في الشقة بدلاً من عليش ونبوية).
هكذا عكست الرواية بصغر حجمها ، تفسخ القيم في المجتمع ، وانحطاط الإنسان ،
الذي صار يعبث بأخيه الإنسان من أجل تحقيق مصالحه ، وكأننا أمام اختبار
حقيقي لمقولة هوبز " الإنسان ذئب لأخيه الإنسان "(5). ومن ثم صارت الخيانة
العنوان الأكبر للرواية بدءًا من خيانة الإنسان لأخيه الإنسان وصولاً
لخيانة الإنسان لنفسه ومبادئه التي آمن بها . ومن الطبيعي أن يكون رد الفعل
الانتقام لهذه الخيانة . وبهذا نصبح أمام ثنائية الجريمة " الخيانة "
والعقاب " الانتقام " لكن للأسف هو عقاب فردي ، لذا كانت النتيجة تلك
النهاية المأسوية التي انتهي بها سعيد مهران ، الاستسلام والدخول في دائرة
العبث واللامعني ، فمادام هو عَجَزَ في أن يجعل للحياة معنيًّ وقِيمةً كما
حَلُم ، فعليه أنْ يَنْسَحِبَ منها ، حتى معني الإنسانية افتقده ،
فالإنسانية في نظره ، صارت إنسانية رءوف علوان ، ذلك المفهوم الأناني
المكيافيلي الذي صاغه رءوف علون من أجل الوصول ، وما أن حقق مأربه تنصلَّ
عمن يعرفهم بما فيهم سعيد مهران الذي جسَّد له مبادئه النفعية من قبل ودخل
السجن ، في حين ظل هو ينمو ويصعد حتى وصل إلى القمة ، والأدهي أنه راح
يدافع عن الاشتراكية ومبادئ الثورة التي كان يؤمن بها سعيد مهران لكن
هيهات!!
-2-
يكشف نموذح سعيد مهران بكل أزماته وإحباطاته ، فداحة الواقع الذي تفسخت
قيمه ، ومن جانب آخر كشفت عن عوار تطبيق مبادئ الثورة وعلى الأخص
الاشتراكية والعدالة ، فسعيد مهران من نشأته هو ممثل لهذه الطبقة المطحونة
التي تآكلت بفعل الطبقة الإقطاعية ، فأبوه يعمل بوابًا لعمارة الطلاب ،
وأمه ماتت مريضة من الإهمال داخل أحد المستشفيات دون عناية أو اهتمام ، وما
أن مات أبوه كان عليه أن يدرس ويعمل فعمل خلفًا لأبيه بوابًا ، لكن الحاجة
اضطَّرته أول الأمر للسرقة ، وما أن عَرِفَ الطالب آنذاك رءوف علوان ، حتى
شجَّعه بأن ما يفعله هو الصواب واعتبار الفعل ( السرقة ) في حد ذاته «
فعلاً بطوليًا » مادامت من فيلات الأغنياء ، وراح يُلقِّنه المبادئ
الاشتراكية فآمن بها ، ومن ثمّ استمرأ السرقة ، وكوَّن فريقًا يرأسه يضمُ
عليش والمعلم طرانة ، وتوالت سرقاتهم التي كانوا يقتسمونها مع رءوف علوان ،
وقد جاءت أفكار سعيد علوان لتتواءم مع الأفكار الرائجة آنذاك في السياق
الواقعي المرجعي حيث الثورة توزَّعُ ثروات الأغنياء على الفقراء ، للقضاء
على الإقطاع والاحتكار وكافة أشكالِ الاستغلال . في ظل هذا السياق شبَّ
سعيد مهران ، وهو يرى أجهزة الدولة تُجْهِزُ على الأغنياء ذوي الإقطاعات
والأملاك فضلاً على حشو أستاذه لعقله بالأفكار الاشتراكية ، وهو المأزوم
بفقد والديه بسبب الفقر . لكن جاءته الخيانة من حيث لا يدري من زوجته
نبوية وعليش تلميذه الذي علّمه ، فدخل السجن ليتزوج الاثنان ، ويتجرع هو
ويلات السجن ، فما أن يقضي العقوبة ويخرج مع بداية السرد حتى نري شخصًا آخر
، يُصِّرُ على الانتقام من هؤلاء الخونة ( نبوية وعليش ، ورءوف علوان )
وكأنَّ بانتقامه من هؤلاء ينتقم من استبدادية المجتمع الذي أفرزه وراح ضحية
لمبادئه الخاطئة .
وإذا كان انتقامه من عليش ونبوية جاء بدافع خيانتهما له والتحريض عليه
لدخول السجن، ثم في مرحلةٍ لاحقةٍ لرفض ابنته سناء الذهاب معه ، بل
والتنكُّر له بفضل الصورة المشينة التي رسمها المعلم عليش وزوجته له في
مخيلتها . فإن انتقامه من رءوف علوان يأتي كردِ فعلٍ لاستبدادية المجتمع
الذي لم يكن رحيمًا به ، ويُمَثِّلُ رءوف علون صُورةً مصغرةً لهذا المجتمع
الذي عاني من استبداديته ، وعند قتله – كما يعتقد - يكون قد تخلّص من
الحمل الثقيل الذي لا يستطيع المشي به فرءوف علوان في نظره "خان مبادئ
الثورة وقيم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وصار خادعًا للشعب وماكرًا
كبيرًا ، يزيف الحقائق التي من أجلها دخل سعيد السجن ومكث فيه سنوات عدة،
أربع منها كانت بسبب الغدر والكيد الخادع" (6). فكان قرار الانتقام ، رغم
أن رءوف علوان لم يتنكر له مثل زوجته وابنته وعليش بعد خروجه من السجن ، بل
على العكس رحَّبَ به واستضافه في قصره – بناه في نفس أماكن القصور التي
كان يسرقها سعيد مهران بتخطيط من رءوف علوان ، في إشارة دالة على سقوط
الشعارات - وقدَّم له النقود ( ورقتين من ذات الخمسة جنيهات ) . لكن بعد
أقل من أربع ساعات يَهْجِمُ سعيد مهران على القصر والمفاجأة أن رءوف كان
بانتظاره ، واستغلها فرصةً ليفرضَ سطوته من جديد إما التبليغ عنه فيُقْبضُ
عليه أو عدم رؤيته مطلقًا " إن رأيتك مرة أخري فسأسحقك كحشرة ......"(7)
( الرواية ص: 16) ، وزاد عليها أن استردَّ النقود التي أعطاها له في أول لقاءٍ.
-3-
أول صورة من صور استبدادية المجتمع، تتجلَّي بعد خروج سعيد مهران من السجن
مباشرة ، وتتمثَّلُ في الشعور بالوحدة (8) الذي قابله " مرة أخري يتنفس
نسمة الحرية ، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يطاق . وفي انتظاره وجد بدلته
الزرقاء وحذاءه المطاط ، وسواهما لم يجد في انتظاره أحدًا ، هي الدنيا تعود
، وها هو باب السجن الأصم يبتعد منطويًا على الأسرار اليائسة ، هذه
الطرقات المثقلة بالشمس ، وهذه السيارات المجنونة ، والعابرون والجالسون ،
والبيوت والدكاكين ، ولا شفة تفتر عن ابتسامة "( الرواية : ص 3) . شعورُ
سعيد مهران بالوحدة ضاعفَ الإحساس بوطأة المجتمع واستبداديته ، كما أن
الحصارَ الذي فُرِضَ على نبوية وعليش من قبل الشرطة خشية انتقام سعيد منهما
، زاد من هذا الإحساس وكأن المجتمع يريد أن يكون حليفًا ونصيرًا للخائن ،
ليس معني هذا أننا مع انتقام سعيد من هؤلاء الخونة ، ولكن نحن في سياقِ
نصٍّ وشخصية روائية مأزومة وشديدة الأزمة ، نبحثُ عن الظروف التي ساهمتْ في
معاناة البطل والوصول به إلى هذه الإشكالية و تلك الأزمة .
كما أن حماية الخفراء لهم ( أي الخونة ) ضاعف الإحساس لديه بأن المجتمع
وأجهزته (الخفراء والمعاونيين) يستبدان به ويقسوان عليه ؛ لذا ما أن فشل
التهديد بعودة الابنة والأم ، أعلن عزمه على الانتقام الذي لا بديل له
للخونة وأعوانهم ، ولهذا كان طبيعيًا بعد المواجهة مواجهة عليش وابنته (
وانكارها له ) وتأييد الجالسين الذين استقوي بهم عليش ومنهم المخبر ، بأن
تبقى البنت مع أمها ، كما قال بياظة ، حيث " البنت[.....] تعيش في رعاية
ونعيم "
( الرواية ص : 7) . أن يلوذَ على الفور بالشيخ علي جنيدي الذي كان أبوه
مريدًا له ، وكثيرًا ما صحبه لمجلسه وأذكاره التي تقام في الساحة ، فالشيخ
بساحته هو الملاذ الحقيقي من هذا العالم العبثي الذي يتفنن يومًا بعد يوم
في إظهار عبثيته وسخريته في وجهه. وكأنَّ عالمَ الشيخ جنيدي- رغم محدوديته -
مناقضٌ لعالمِ الزيفِ والخداعِ والخيانةِ الذي واجهه أول ما خَرَجَ دون
ابتسامة فلقيها عند الشيخ ، هكذا ألقي بحموله على الشيخ ورفض أيضًا أن
يتنكر منه ، فأخبره صراحةً أنَّه خارجٌ لتوه من السجن ، وفي إشارةٍ بالغةٍ
يقولُ له الشيخ :" أنت لم تخرج من السجن .." (الرواية :ص 9) وكأنَّ
العَالَمَ الذي خرج إليه هو السجن وليس الذي قُيْدتْ حريته فيه من قبل، بل
يدخل في حوارٍ من طرفٍ واحدٍ زاعمًا أن الشيخَ يَسْأَلُه لكن الشيخ لم يكن
يسأله شيئًا بل كان يأمره بأن يتوضأ للصلاة في حين سعيد يتخيّلُ أمر الشيخ
له سؤالًا يجيب عنه ، هكذا :
- خُذْ مصحفًا واقرأ..
- غادرت السجن اليوم ولم أتوضأ ...
- توضأ واقرأ..
فقال بلهجة جديدة شاكية :
- أنكرتني ابنتي ، وجفلت مني كأنيّ شيطان ، ومن قبل خانتني أمها !
فعاد الشيخ يقول برقة :
- توضأ واقرأ...........
فقال بإصرار ...
- ومالي ، النقود والحلي ، استولي عليها ، وبها صار معلمًا قد الدنيا ، وجميع أنذال العطفة أصبحوا من رجاله ....
- توضأ واقرأ..
بعبوس وقد انتفخت عروق جبينه :
- لم يقبض علىَّ بتدبير البوليس ، كلا كنت كعادتي واثقًا من النجاة ، الكلب وشي بي ، ثم تتابعت المصائب حتى أنكرتني ابنتي ..."
( الرواية : ص 9)
من هذا الحوار نكتشفُ عِدة دلالات لها أهميتها في معرفة الحالة التي
وَصَلَ إليها سعيد مهران بعد خروجه من السجن ، ومن ثمَّ النتيجة التي وصل
إليها ألا وهي الانتقام :
1- الحوار يشي وكأننا أمام متحدثٍ واحدٍ رغم وجود متحدثيْن اثنين : سعيد مهران والشيخ جنيدي . « »
2- جملة الشيخ جنيدي ثابتة لم تزدْ عن فعلي الأمر « خُذْ واقرأْ »، ثم
تبدَّلتْ توضأ بخذ ، على طول الحوار ، في حين أن إجابات سعيد تغيَّرت
وكأنها أمام أسئلة متعددة من الممكن أن نصوغها نحن ليكتمل الحوار من قبيل [
متى غادرت السجن ؟ ما موقف ابنتك عند لقائها بك ؟ لما فعلت هذا ابنتك ؟
مَنْ أخذ مالك؟ مَنْ أبلغ عنك ؟.. وغيرها من الأسئلة التي تعكس الإجابات .
3- كشفت الانسيابية في الحوار من قِبل سعيد مهران ، وتسلسل الإجابات أننا
أمام شخص في حالة وعي كامل بما يقول لكنه مسستلم للإجابة ، لأنه في حالة
ماسة وشديدة لمن يسمعه خاصة بعد تنكُّر الجميع له وشعوره بالوحدة ، فظمأه
لأن يشعر به الآخرون جعله يستسلم لأوامر الشيخ وكأنها أسئلة تشعره بمن يسأل
عن حاله ، وهو ما افتقده منذ أن خرج من السجن .
4- إقرار سعيد بكل ما حدث منه ، وما حدث له يكشف عن رغبة صادقة في أن ما
حدث له ليس له فيه يد . الآخرون مسئولون عنه وليس هو ، هو ليس بأقل من ضحية
للمجتمع وأفراده الذين قادوه إلى مثل هذه الأفعال ، ولهذا يأتي العزم منه
على الانتقام .
لم تكن صورة رءوف علوان بما أصبح فيه من وجاهةٍ ومال وسلطان ( رئيس تحرير)
بأقل تأثيرًا واستبدادية علي سعيد مهران الذي هو تلميذٌ له ، وتشرَّب
أفكاره ، لكن رءوف علون تنكَّر له كليةً ، فما أقسي ! أنْ يقولَ له " ليس
اليوم كالأمس ، كنت لصًا وكنت صديقًا لي في ذات الوقت لأسباب أنت تعِرفُها .
ولكن اليوم ليس كالأمس إذا عدت إلى اللصوصية فلن تكون إلا لصًا فحسب"
الرواية : ص 13) . ورغم التعاطف الذي أبداه له عند استقباله بعد خروجه من
السجن وحدبه عليه بالنقود ، إلا أنه انقلَّب عليه فجأة ؛ ليُظْهِرَ له
الوجه الآخر وجه السُّلطة، فكما قال " اليوم ليس كالأمس "، في إشارة دالة
إلى حجم التغير الذي حلَّ على رفيق السَّرِقة
( حتى ولو كانت بالتبرير أو التشجيع ) وهو ما لاحظه جيدًا سعيد ، حيث
مظاهر الثراء باديةً عليه ، فصار واحدًا مثل الذين كان يسرقهم سعيد بتحفيز
من أستاذه ، فسرقة الأغنياء تُعَدُّ بطولة كما كان يقول له ، وما أن فَطِنَ
علوان لنظرة سعيد إليه ووضعه ضمن الباشوات الذين سرقهم من قبل ، استعدَّ
له وانتظره في المساء عندما قرَّر سعيد علوان سرقته تطبيقًا لمقولة أستاذه
نفسه إن سرقة الأغنياء بطولة . ومن ثم بدأت المساومة على التخلَّص منه
كليةً ، فعرف سعيد مهران أن رءوف علوان يوَدُّ طي صفحة الماضي فقرَّر
الانتقام منه وقتله ، لكن للأسف لم يُصَبْ هو وإنما أصيب البواب في مفارقة
عجيبة تؤكد أن الضحية دائمًا من الطبقة الكادحة أما طبقة مصاصي الدماء
فدائمًا النجاة حليفًا لها ( تكرَّر الموقفُ مرتين الأولي عندما قرَّر قتل
نبوية وعليش ، فنجيا وقتل شخصًا آخر ، وها هي المرة الثانية ينجو رءوف
علوان ويُقْتَلُ البواب ).
الصورة الثالثة من استبداد المجتمع وقسوته على سعيد مهران ، تتمثَّلُ في
تنكّرِ ابنته له عندما خرج من السجن ، فهو لم يُصَدِّقْ هذه الجفاوة في
الاستقبال منها والتي وصلتْ إلى حدِ التنكُّر نفسه ، وهذا ما تجلَّي في هذا
المشهد :
" .. وعندما ترامي وقع الأقدام القادمة خفق قلب سعيد خفقة موجعة ، وتطلَّع
إلى الباب وهو يعضُ على باطن شفتيه . مسح تطلع شيق و حنان جارف جميع عواصف
الحنق ، وظهرت البنت بعينين داهشتين بين يدي الرجل ، ظهرت بعد انتظار طال
ألف سنة . وتبدت في فستان أبيض وأنيق وشبشب أبيض كشفَ عن أصابع قدميها
المخضوبتين .. وتطلَّعت بوجه أسمر وشعر أسود مسبسب فوق الجبين فالتهمتها
روحه وجعلت تُقَلِّبُ عينيها في الوجوه بغرابة ، وفي وجهه خاصة باستنكارٍ
شديدٍ لشدة تحديقه ولشعورها بأنها تُدْفع نحوه ، وإذا بها تُفرمل قدميها في
البساط وتميل بجسمها إلى الوراء . لم ينزع منها عينيه ولكن قلبه انكسر ،
انكسر حتي لم يبق منه إلا شعور بالضياع ، كأنها ليست بابنته ، رغم العينين
اللوزيتين والوجه المستطيل والأنف الأقني الطويل ونداء الدم والروح ما شأنه
؟ أم هو الآخر قد خان وغدر ؟ وكيف له رغم ذلك كله بمقاومة هذه الرغبة
الجامحة في ضمها إلى صدره حتى الفناء ؟
- وقال المخبر بضجر دون اكتراث :
- أبوك يا شاطرة !
- وقال عليش بوجه لا يبين عن شيء :
- سلمي على بابا ...
كالفأرة ! مم تخاف ! ألا تدري كم يحبها ! ومدَّ نحوها يده ولكنه بدَّل
الكلام شرق فازدرد ريقه ، وابتسم في رقة وإغراء . وقالت سناء : لا . وتحركت
لتتسلل راجعة لولا الرجل وراءها وهتفت ماما فدفعها الرجل برقة وهو يقول :
- سلِّمي علي بابا ...
وتجلت في الأعين نظرات اهتمام ، وشماتة . وآمن سعيد بأن جَلْد السجن ليس بالقسوة التي كان يظنها وقال متوسلاً :
- تعاليْ يا سناء ............
ولم يعد يحتمل رفضها فقام نصف قومة ومال نحوها فهتفتْ :
- لا ...
- أنا بابا .
فرفعت عينيها إلى عليش سدرة مستغربة فقال سعيد بإصرار :
- أنا بابا ، أنا ، تعاليْ ...
فأبتْ واشتدَّ ميلها إلى الوراء . جذبها نحوه بشيء من القوة . صرخت . ضمها
إلى صدره فدافعته باكية . ومال نحوها ليلثم – رغم هزيمته ويأسه – فاها أو
خدها ولكن شفتيه لم تلثما إلا ساعدها المتحرك في عصبية غير راحمة .
- أنا بابا ، لا تخافي ، أنا بابا ...
وأفعمت رائحة شعرها روحه بذكري أمها فتقبضت أساريره ، وإزدادت البنت مدافعة وبكاءً حتى قال المخبر :
- على مهلك البنت لا تعرفك ...
فتركها تجري يائسًا ، ثم اعتدل في جلسته وهو يقول بغضب :
- سوف آخذها ..
ومضت هنيهة صمت قبل أن يقول له بياظة :
- هدئ نفسك أولاً ...
- فقال لابد أن تعود إلىّ بإصرار ..........."
( الرواية : ص 6)
يكشف هذا المقطع الطويل ، عن فتور العلاقة بين الأب والابنة ، رغم حالة
الاندفاع من قبل الأب نحو ابنته إلا أن الابنة تواجه هذا بصدودٍ أَصَابَ
الأبَ بالغضب ، ومع هذا فحاول الأب استعادة البنت إليه لكن كانت استبدادية
أفراد المجتمع أقوي تأثيرًا مما أبداه من عاطفة وحنان وحب جياش تجاهها ، لم
تقتصر الاستبدادية على تنكُّرِ البنت له بُنَاءً على ما سمعته من عليش عن
أبيها ، وما تَرَسَّخَ في ذهنها من صورة قمئية له ألصقها السجن به ( وهذا
ما دفع رءوف علوان لقطع علاقته به ، من جراء هذه الصورة ) بل زاد عليها
تأييد الحاضرين لرفض عليش تسليم البنت ، وفق تصورات من قبيل ( أن البنت
تعيش في رعاية وراحة ، أو عليه أولاً أن يبحث عن طريق مستقيم يعيش منه ،
وغيرها...) .
هكذا تكوَّنت علاقته بالواقع الذي خَرج لتوه من السجن إليه ، فصارت أشبه
بعلاقة صدامية ( ربما أرغمه الواقع على أن يبادله صدام بصدام ) ، وكأنَّ
الواقع الجديد ( الثورة وإنجازاتها التي تحققت على الواقع العياني ، وهو ما
تبلَّور عمليًا في صورة رءوف علوان وما حدث له من تغيير وهو صاحب الفلسفة
العجيبة عن أصحاب الفيلات والقصور) يرفضه ، أو بمعني أدق لا مكان فيه ، ومن
هنا كان ملاذه الشيخ على جنيدي ، ولكن لأنه غير مستعد لأن يتخلَّي عما
بداخله ( وهو ما يتنافي مع عالم الشيخ جنيدي ) يتركه الشيخ بعد أنْ يَئِسَ
من أن يصلح داخله فأوامر الشيخ الوضوء والصلاة ، بمثابة التطهير له لكنه
رفض أن يتلقف الهدية التي أرادها الشيخ له . فكان المكان الثاني الذي
يتواءم مع طبيعته عالم نور ، تلك الفتاة الساقطة التي تعمل كبائعة هوي ،
فيلتقيها عندما يذهب إلى أصدقائه المعلم طرزان ، وجلسائه في المقهي، ويعرف
أنها مازالت على علاقاتها المتعددة ، ويعرف من المعلم أنها مازالت صيَّادة
وهذه المرة ابن صاحب مصنع ، فيتفق معها على الإيقاع به وسرقة نقودة ،
وبالفعل تؤدي الدور أفضلَ أداءٍ ، ولكنها عندما تعلم رغبته الحقيقية في
الانتقام والقتل تأبي وتحثُّه جاهدةً على الابتعاد من هذه الفكرة ، إلا أنه
يراوغها ويذهب للانتقام ممن تسبَّبوا في سجنه ، حتي يضيق عليه الخناق
-بعدما تعددت جرائمه – من رجال الشرطة ، وما أن تأخرت نور حتى يساوره الشك
من جانبها ، فيضطَّرُ إلى تَرْكِ شقتها ، ويلجأ إلى الشيخ على جنيدي ، ومن
ساحته إلى المقابر حيث الاستسلام ، وفي المقابر تدور معركة غير متكافئة
بينه وبين رجال الشرطة يوقن فيها عدم قدرته على الصمود ، فيستسلم لهم "...
وغاص في الأعماق بلا نهاية. ولم يعرف لنفسه وضعا ولا موضوعا ولا غاية.
وجاهد بكل قوة ليسيطر على شيء ما، ليبذل مقاومة أخيرة. ليظفر عبثا بذكرى
مستعصية. وأخيرا لم يجد بدا من الاستسلام فاستسلم بلا مبالاة... بلا
مبالاة..." ( الرواية : ص 47)
وقد جاء هذا الاستسلام العبثي بلا مبالاة ، لأن الحياة التي خرج ليحياها
أصبحت حياةً عقيمةً ليستْ بأقلِ عبثية من ميتته ، مادام يعيش فيها هؤلاء
الخونة ، أو بتعبيره هؤلاء الكلاب الغادرة " وأخيرا جاءت الكلاب وانقطع
الأمل، ونجا الأوغاد ولو إلى حين، وقالت الحياة كلمتها الأخيرة بأنها
عَبَثٌ ومن المستحيل تحديد مصدر النباح الذي ينطلق مع الهواء في كل موقع
ولا أمل في الهروب من الظلام بالجري في الظلام، نجا الأوغاد وحياتك عبث" (
الرواية : ص 47) . وبهذا أوقن سعيد مهران أن حياته في مجتمع هؤلاء أفراده -
من على شاكلة - رءوف علوان وعليش سدرة وبياظة ، ونبوية لا معنيّ لها
ولا قيمةً أيضًا . فكيف يَعِيشُ بين هؤلاء الذين اغتنوا على حساب الأخرىن،
وزيّفوا المبادئ، وداسوا على القيّم الأصيلة ؟! في صورة مناقضة لحاله ، هو
ذلك البطل الإشكالي بتعبير لوكاتش ولوسيان جولد مان فهو " شخصية متأزمة
تعيش مأزقا مصيريا..... يحمل البطل قيّما أصيلة يحاول أن يغرسها في المجتمع
الذي يعيش فيه إلا أنه يصاب بالخيبة والفشل عندما يحتك بواقعه المنحط الذي
تسوده القيم الكمية الزائفة والوساطة المادية التبادلية. ولم يستطع تغيير
واقعه على الرغم من محاولاته الخاطئة التي كانت تُصِيبُ الأبرياء فقط دون
أعدائه. إن سعيد مهران لم يستطع أن ينجز الأفكار والمبادئ التي كان يؤمن
بها والتي تعلمها من رؤوف علوان؛ لأن الواقع كان مهترئا تسوده السلبية
المتدهورة، كما أن هذا الواقع الذي يحاول أن يفجر فيه سعيد مهران أفعاله هو
واقع غير مكتمل وغير منجز، تعبث به أيدي الإجرام والخيانة والغدر"(9).
حاول أن يواجه لكنه فَشَلَ فهو فردٌ ومقاومته أخذت تفتر بعدما تبدّلت القيّم التي تشرَّبها
( حتى لو كان جزءًا منها يخدم منافع ومصالح ذاتية ) ، ووجد أن السبيل
الوحيد الذي يُخَلَّصُهُ من كل تلك الأفكار وتناقضاتها – التي عصفت به – هو
الاستسلام ، أما جانب المقاومة التي أبداه أولاً هو لتعزيز هذا الاستسلام ،
وأنه لم يأتِ عن خنوعٍ وإنما عن يأسٍ ومللٍ من جدوي الحياة نفسها ، فكان
إطلاقه الرصاص العشوائي تأكيدًا للمقاومة فليصب مَنْ يصيب رغم ندمه على قتل
الأبرياء دون إصابة من استهدفهم ( أثناء محاولتي قتل عليش ورءوف) .
وتعكس رغبته الصادقة في البحث عن مكان في الأرض يَنْعَمُ بالطمأنينة ، يأوي إليه
( لاحظ لجوءه إلى ساحة الشيخ على الجنيدي بعد كل عملية يقوم بها رغم فشلها )
عن أن القتل الذي قام به دُفِعَ إليه ، حيث كانت لديه رغبة صادقة لو أخذ
ابنته أن يصفح لكن ما أجّج فعل الانتقام ذاته هو تنكر الذين خانوه له ،
فأشعل فتيل الانتقام بداخله وزاد عليه تنكر ابنته له ، وهو ما دفعه لأن يظن
بأن يكون عليش وزوجته نبوية هما من حرضاها على نبذه . ومع كل ما مرَّ به
من مصائب وحوادث إلا أن الجانب الذي ظهر وكان أكثر نضجًا هو فلسفته
العميقة في الحياة ، والتي كانت ثمرة من ثمرات القهر الذي عاني منه منذ موت
أمه مريضة دون أن يوفِّرَ لها العلاج ، وصولاً إلى الخيانات المتكررة في
حياته والتي كان أنكاها من تلميذه وزوجته
( عليش سدرة ونبوية ) ، فهو يري مثلاً أن المأساة الحقيقية هي "أن عدونا
هو صديقنا في الوقت نفسه " ( الرواية : ص 17) ، ومن هذه الفلسفة أيضًا "..
لكي تصفو الحياة للأحياء يجب اقتلاع الخبائث الإجرامية من جذورها .."(
الرواية : ص 21) ، أبعاد هذه الفلسفة مستقي من سياقٍ عاشه مارس عليه فعله
بل كان الفعل في حد ذاته لتغير شخصية سعيد مهران برمتها . وتتحول إلى هذه
الشخصية الإجرامية رغم أنها كانت – من قبل - في إجرامها تتمثل لللقيم
الاشتراكية ، بل إن واحدًا مثل رءوف علوان برَّر لها ما تفعله يدخل في سياق
العمل البطولي ، لكن بعد خروجه من السجن تغيَّر كلُّ شيءٍ وصار الفعلُ
إجراميًا بقتله أبرياء وإن كان لا يقصدهم لذاتهم ، ومن ثم طارده المجتمع ،
فتحوَّل من مدافعٍ عن حقوق هؤلاء الفقراء الذين هو واحد منهم ، أيًّا كانت
وسيلةَ الدفاع مشروعة أو غير مشروعة ، إلى قاتل لهؤلاء الفقراء ، ومن ثم لا
نتعجب من هذا الوصفِ الذي وصفه به جميل حميداوي بأن سعيد مهران " رمز
للوطنية الصادقة والروح الشعبية الحقيقية والنضال الاجتماعي المستميت من
أجل المبادئ والقيم الأصيلة. وقد كان بمثابة نبراس يستضيء به الكثيرون من
أبناء الشعب الكادح والمقهور في حياتهم التي يسودها النفاق الاجتماعي
والابتزاز اللامشروع باسم النضال. إن شخصية سعيد مهران لهي شخصية متمردة عن
قيم المجتمع ومبادئه الزائفة التي طالما دنست كرامة الإنسان وأنفته"(10).
فوطنيته لأنه كان حاملاً لمبادئ تحقق العدالة والمساواة للجميع ،ويمكن
القول أن سرقاته كانت من أجل تحقيق هذا المبدأ الأصيل الذي غرسه في ذهنه ،
خاصة أن أستاذه كان يلقنه ويشجعه ويحثه بأن ما يفعله " فعلاً بطوليًا " ،
حتى في محاولة انتقامه من علي سدرة ونبوية ورءوف علوان ، كان الانتقام في
حد ذاته كقناعة شخصية بأن هؤلاء يجب التخلص منهم لأنهم أشرار ومن ثم يجب
القضاء عليهم ليستريح المجتمع
الهوامش والمراجع :
- ميخائيل باختين : " شعرية دويستفسكي "، ترجمة نصيف التكريتي، دار توبقال للنشر،ط1 ،1986، ص 67.
2 - حميد لحميداني :" بنية النص السردي : من منظور النقد الروائي" المركز الثقافي العربي ، ط 3، 2001،.ص 48
3 - المنتمي دراسات في أدب نجيب محفوظ، منشورات دار الآفاق الجديدة ، بيروت، لبنان، ط3، 1982، ص: 356.
4 - راجع في هذا جميل حميداوي :" اللص والكلاب والعبث الوجودي لنجيب محفوظ" ، ص 28
5 - تعد نظرية توماس هوبز في العقد الاجتماعي واحدة من النظريات التي
تفترض النزعة الأنانية للإنسان ، مثلها مثل النظرية المكيافلية فطبيعة
الإنسان عند هوبز أنانية وعدوانية ، وهذه الأنانية هي التي دفعت الأفراد
للصراع والعدوان . راجع عن فكرة العقد الاجتماعي وأبرز المنظرين لها : ،
يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة الحديثة، دار المعارف، مصر، ط1، 1957.
6 - جميل حميداوي : مرجع سابق ، ص 6.
7 - نجيب محفوظ : "اللص والكلاب " ، ضمن الأعمال الكاملة ، المجلد الثالث ، طبعة بيروت ، مكتبة لبنان ، ط أولي 1991.
8 - يتوازى هذا الشعور مع شعور بطل صنع الله إبراهيم " تلك الرائحة "
فالراوي لم يجد له عنوانًا يسجله في القسم ، كما يتوازي أيضًا افتقاد
الاحساس بالأخرىن معه فلا ابتسامة هنا أو هنا تفتر عنه الشفاه ، راجع
المشهد الاستهلالي لرواية تلك الرائحة ، طبعة مكتب يوليو د.ت ، وهذا
التوازي ينطوي عاى دلالة خطيرة وهامة تتمثل بأن الوسائل القمعية التي تمارس
على المسجون في السجن ، تدفع السجين للبحث عم يلوذ به بعد خروجه لكن
الصورة الذهنية للسجين رغم تغير هذه الصورة بتغير دوافع السجن نفسها تجعل
الأقارب يجفلون من المسجون ، وقد عكس صنع الله إبراهيم هذا بحرفية في
روايته خاصة موقف رفض الأخ ضمان أخيه بحجة أنه سوف يذهب إلى المصيف ، أو
الصديق الذي كذَّب بأن أخته معه ولا يمكن استضافته عنده .
9 - جميل حميداوي : مرجع سابق .28
10 - السابق نفسه :ص 29.
ممدوح فراج النابي
ناقد وأكاديمي مصري
elnaby_55@yahoo.com More Sharing Servicesشارك|
Share on facebookShare on emailShare on favoritesShare on printمقالات اخرى للكاتب