كيف نكتب عن علاقة الجنس بالدين؟ من أي باب ندخل في لب هذا الموضوع
المعقد والشامل؟ كيف نصل الى الاستنتاجات الوافية حول موضوع يعتبر الى جانب
الاكل اهم الامور في الحياة؟ بل كيف نفسر صورة الجنس الضائعة بين المقدس
والمدنس؟ تلك هي المعضلة.
لنبدأ من حيث طُرد ادم وحواء من الجنة وسكنا الارض. هل سقطا بسبب
المعصية ام لسبب آخر؟ يقال إن الله طردهما بعدما كساهما، لكن المفسرين
التقليديين لم ينظروا الى الطرد في وصفه برهانا على الاغواءات او الفحش
الجنسي، بل ان السرد ينص صراحة على ان الاتحاد الجنسي بين آدم وحواء حصل
لاحقا.
لم تحدَّد الثمرة التي أكلتها حواء على نحو مؤكد باعتبارها تفاحة، بل قد
تكون تينة او خوخة ذات رمزية جنسية. وقد أدرك آدم وحواء بعد أكلها أنهما
عاريان فأعدا لنفسيهما مآزر من أوراق التين لستر عورتيهما. هكذا في البدء
كان الجنس، وهكذا الجنس كان.
اسطورة الصعود والنزول
في افريقيا ثمة اسطورة يجري تداولها في اوساط الـ اشانتي الغانيين (من
غانا)، تفسر اصل الجنس والعائلة ربما لا تختلف عن الاسطورة التوحيدية. قيل
انه منذ زمن هبط رجل وامرأة من السماء، وطلع ايضا رجل وامرأة من الارض، وفي
وقت لاحق ارسل الإله الاسمى ثعبان الاصلة وبنى بيته في النهر. في البدء
كان الرجال والنساء يتعايشون معا من دون اتصال جنسي، ولم تكن لديهم فكرة عن
الحمل والولادة. وذات يوم سألهم الثعبان ما اذا كان لديهم اطفال، وبعدما
أجابوه بالنفي ابلغهم أنه سيعلمهم كيف يتم الحمل. جعلهم يصطفون ازواجا،
وجها لوجه، ثم رش الماء على بطونهم بالترافق مع تلاوة طقسية، ثم طلب اليهم
ان يعودوا الى بيوتهم ويتضاجعوا. من هذا المثال الذي يرمز الى القضيبية
تعلم هؤلاء الجماع وانجبوا الاطفال الأوائل في الكون.
بين التوراة والحكايات الافريقية نجد رمزي التفاحة والثعبان، والبلاغة
المشتركة تكمن في الاسطورة التي تحاك عن الجنس سواء في التوراة او في
القصص. اقترن بالجنس بالأسطورة والأسطورة بالدين والدين بالجنس، هكذا
دواليك في عالم لا ندري كيف جرى بناؤه. اسقطت التفاحة (او الثمرة) آدم
وحواء وقيل إن حواء هي التي اكلتها، وصارت رمز الرغبة في العالم مثلما كان
الدراقن رمزا اساسيا للانثى، كذلك المشمش في الهند، والرمان في اليونان
القديمة. واعتبر الارز رمزا انثويا، كما كان يستخدم سابقا في طقوس الطهارة.
قصة سقوط آدم وحواء من الجنة تبين ان الجنس والدين هما من اكثر
الاهتمامات شيوعا بين البشر. وهما متعارضان في اغلب الاحيان، فالاول جسداني
زائل، والثاني روحي سرمدي. وكلاهما يشغل حيزا مختلفا. وهذا ما يبينه
الكاتب جيفري بارندر في دراسته عن الجنس في اديان العالم . يقول انه رغم
توافر عدد لا يحصى من الكتب التي تناولت الاديان في العالم، يبدو ان جل هذه
الاعمال تقريبا يستخف بالعناصر المرتبطة بالجنس على وجه التحديد، رغم
الاعتراف بأهمية الجنس في ما يخص الدين. كما ان العديد من الدراسات
المقارنة التي تناولت اسفار الاوبانيشادية في صدد الطقوس الخاصة بالاتصال
الجنسي، غالبا ما تحذف من النصوص المترجمة. وهناك نصوص حول اليوغا تنزع الى
اهمال التمرينات الجنسية التي يمكن استخدامها، وكذلك النظريات
الفيزيولوجية المتصلة بالسلوك الجنسي، والتي تشكل العنصر الأساسي المكوّن
لطرائق اليوغا الهندية والصينية.
البغاء... مقدّساً
التقارب بين الدين والجنس يبدو أشد وضوحا في الهند، حسبما ورد في
الملاحم والنصوص الهندية الكلاسيكية، إذ اعتبرت أن العلاقات الجنسية، خارج
نطاق الرباط الزوجي، في ما يخص الرجال طبعا، امرا مقبولا في وصفه جزءا لا
يتجزأ من الحياة. فقد كان ثمة محظيات من منزلة رفيعة، مكرسات لإشباع
الحاجات الشهوانية لدى الذكر، وكانت الفتيات بمنزلة الهيتيري عند اليونان، و
فتيات الغيشا لدى اليابانيين. كن على ثقافة عالية، وينبغي ان تدفع الدولة
لمعلميهم. ومن المهام التي كن يضطلعن بها الرقص، الغناء، التمثيل، الخياطة،
تنسيق الازهار، وسواها من الفنون المنزلية. ويتوضح ان تاريخ البغاء قد
اولته الديانات القديمة احتراما قبل ان ينقلب تحقيراً وإنكارا. فقد كان
هناك البغاء المقدس حيث كان يقام لفض بكارة العذراء احتفال مقدس تمنح
الفتاة فيه نفسها لمن منحه الاله قوة الاخصاب وقدسية الجنس، ولم تكن الفتاة
تحصل على اكتمال انوثتها الا بمنحها نفسها لهذا الشخص، ويحق لها بعد ذلك
الزواج.
البغاء المقدس، على ما نعلم، هو تلك العلاقة الانفصالية ذات الطبيعة
المختلفة عن الحب العذري، وهي تقابل بالتفعيل والجانب الجسمي في مقابل كبت
الجانب النفسي أي التعلق الوجداني بالآخر.
لم يبق البغاء المقدس على سمت واحد، فقد تبدل بتبدل انماط الحياة. تلفت
الدراسات الى احتجاز العذارى في المعابد إذ كانت وظيفتهن الترفيه عن الكهنة
من جانب ومضاجعة الحجاج من جانب آخر لقاء اجر، وقد تطور البغاء المقدس
فأصبح من حق البغي المقدسة ان تحتفظ بجزء من مال بغائها ليعينها عند
الزواج.
في ملحمة المهابهارتا كان الملك يوديشترا يحظى ليس فقط بعدد من الزوجات،
بل كان يبعث تحياته الى النساء المتأنقات. ومن جهة اخرى تبرز التوترات في
الحياة وفي التعاليم الهندية من خلال ما ذكر في الملاحم ايضا من حملات
مضادة للبغاء العادي. فقد كانت تفرض رقابة صارمة على المباغي وصالات
الشراب، لانها تتسبب بالاذى للملكة. اما الديفا - داسيز (أي خادمات الله)
فكن محظيات من منزلة رفيعة، مكرسات لخدمة الالهة في المعابد الهندوسية. هذه
الممارسات ترقى الى عهود غابرة، حين كانت الفتيات يتلقين دروسا في فنون
الاثارة الشهوانية حتى يصبحن مؤهلات لخدمة زوار المعبد لقاء اجر، لان
واجباتهن كانت تشتمل على الرقص والغناء، وغالبا ما كان يُنظر الى الرقص في
وصفه عملا لا اخلاقيا، الى ان ساهمت الاصلاحات الحديثة في نزع هذه الصفة
عنه.
لقد ساءت سمعة البغاء المقدس في المعابد الهندية، وبات الحجاج يتشكون
احيانا بسبب اغواءات فتيات المعبد التي كانت تلهيهم عن العبادة. اما إلغاء
البغاء في المعابد فتقرر على يد البريطانيين وبدعم من الاصلاحيين الهندوس،
وترافق ذلك مع حظر حرق الارامل.
الكتاب الاشهر في الثقافة الهندية والذي صوّر الشهوانية بحذافيرها هو
الكاماسوترا ، أي مذهب الشهوة او الحب ، واقتبس عنه الكثير من الكتاب واهل
الفن. يؤكد هذا الكتاب انه ينبغي للنساء ان يتعلمن فنون الغرام كما الرجال
تماما. ويسرد فنون الباه التي يتعلق معظمها بالتدبير المنزلي، بما في ذلك
طبعا القراءة والشعر واتقان اللغة الرمزية والملغزة. اما في ما يخص الرجال
فيقر بضرورة ان يكونوا مهرة في انواع الرياضة واستخدام السلاح والمراهنة.
ويمكن المحظيات ان يكن بارعات في هذه الفنون، كما يمكن النساء المتزوجات ان
يزدن من جاذبيتهن عبر الالمام بهذه الطرائق، حتى اذا انفصلن عن أزواجهن
وجدن وسيلة يعتمدن عليها. يعنى الجزء الرئيسي من الكاماسوترا بتقديم امثلة
حول عملية الاتصال الجنسي، مميزا بين الشريك المناسب وغير المناسب. ويتطرق
ايضا الى انواع العناق، والتقبيل في مختلف اشكاله، والهصر والخمش والعض.
ويورد تفاصيل عن وضعيات متعددة الانماط، بعضها يتميز بمهارة بهلوانية
ويتطلب الكثير من التدريب. وتتجلى هيمنة الذكر حين ينعم الرجل بمضاجعة
امرأتين في وقت واحد او نساء عديدات معا. ويمكن المرأة ان تتخذ دور الرجل
حين يكون متعبا من قبيل التغيير. غير ان الممارسة الفموية مقتصرة على
الخصيان المتنكرين بهيئة ذكور او اناث. وهنالك اجزاء اخرى من الكاماسوترا
تبحث في موضوع المغازلة، من خلال زرع الثقة في الفتاة الساعية الى الظفر
بقلب رجل، وعلى يد فتاة اخرى، وكذلك موضوع الخطبة وانماط الزواج.
لقد تركت الكاماسوترا اثرها في الفنون والرسم وصنوف الادب، واستمرت
حوالى الف عام نموذجا ادبيا معياريا حول الجنس، كان ملموسا في الانواع
الادبية، بما في ذلك الشعر التعبدي. اما التانترا فقيل انها اعادة اكتشاف
لاغوار المرأة. وبحسب الشعائر اليوغية فإن المرأة اليوغية تمارس التمرينات
وهي عارية، وتمثل الاعضاء الجنسية، من وجهة نظرها، القوى الكونية التي يرمز
اليها بعضو شيفا الذكوري. وسعى بعض التانتريين الى المضي ابعد من حدود
الطقوس الجنسية العادية التي كان الهندوس يؤدونها، معتبرين ان المحرمات
كانت صائبة في ما يخص آخرين وينبغي تحطيمها بغية احراز قدرات استثنائية. ان
السمة العامة للجماع التانتري هي احتجاز المني، الذي كان يعتقد ان له قوة
سحرية. فاذا ما بقي محتبسا في الجسد، لن يكون هناك خوف من الموت.
ما نجده عن الجنس في الهند يختلف عنه لدى البوذيين، اذ كان الجنس مثار
خوف عند هؤلاء لانه قد يغدو ندا للسكينة التي ينشدها الراهب بطريقته التي
اختارها لنفسه في انكار الذات. وكم من قصص رويت عن قمع الرغبات الجنسية،
وعن فتنتها لدى الرهبان البوذيين، وتأثرت مجتمعات الصين واليابان بالطقوس
البوذية، والتغيرات التي طرأت عليها، ومن بين هذه الطقوس التي كان لها
تأثيرها في الجنس، ولو بشكل هامشي، طقس عبادة الشاي الذي ادخل في القرن
الثالث عشر ليصبح بمنزلة طريقة ذات فاعلية لتدريب النساء الشابات على قواعد
اصلاء الموقد.
العالم العائم
استخدم تعبير العالم العائم في اليابان في اواخر القرن السابع عشر
للدلالة على المجتمع السعيد ولكن غير المستقر. وثمة امثلة بارزة عن الاوكيو
او الفن القصصي لعالم المومسات، ظهرت في مؤلفات ايهارا ساياكاكو الذي رصد
القضيتين الاكثر حضورا في العالم وهما المال والجنس. فروايته الاولى، الرجل
الذي انفق عمره في ممارسة الحب ، تحكي عن بطل كان يطوف البلاد، ممارسا
العشق مع آلاف النساء ومئات الغلمان. وفي روايته الاكثر واقعية، خمس نساء
عاشقات لمحبوب واحد ، كان سايكاكو شاعريا وشعبيا في آن واحد. وبدلا من
البلاط ثمة البيوت وغرف الاستحمام والمسارح والمباغي وبيوت العامة. وفي
روايته مرآة الحب الذكوري، عالج سايكاكو قضية اللواط. فقد كان لتنامي
الحياة الرهبانية البوذية دور في شيوع الجنسية المثلية بين المعلم
والمريد.وقد اعتبر صاحب الرواية ان المعابد البوذية بمنزلة ملاذ مفضل
لممارسة الجنسية المثلية.
اشتملت كتب الاوكيو على كتابات مبهجة، واحيانا داعرة. مع ذلك، هناك على
ما يبدو، اعمال مشابهة تعارض تلك التي تنطوي على نية صريحة لـ تشجيع
الفضيلة ومعاقبة الرذيلة وسادت الكثير من الرسوم الجنسية في اليابان. وقد
رسم اوتامارو مغنيات ومومسات وسابحات عاريات. وكانت هذه الاعمال تصور فتيات
بيوت الشاي وهن عاريات الصدور، او هنّ يدخنّ بنهم، او ينغمسن في المتع
الجنسية. وثمة لوحات لمتعبات ذاهبات الى السرير. كان هذا العالم العائم
بمنزلة رد على شكلانية الحياة المنزلية التي يتخللها المنع والقمع. وحدهم
رجال الطبقات العليا في وسعهم تحمل نفقات الخليلات والمحظيات، بينما يجد
رجال الطبقة الوسطى متنفسهم عند فتيات الغيشا او لدى المومسات. كانت فتاة
الغيشا بارعة، راقصة، وعلى نحو ادق كانت راقصة ومغنية ومحترفة. وكان ارتياد
بيت الغيشا يوفر التسلية لكنه لا يمنح بداهة الحق في الجماع. ولهذا كان
يترتب على الرجل ان يوقع عقدا تغدو فتاة الغيشا بموجبه خليلته.
الجنس لدى اليهود
كانت مواقف قدماء العبرانيين من الحياة في وجه عام ومن الجنس طبيعية على
الفطرة، وكانت دينية من ناحية قبول الجنس في وصفه من عند الله. واعتبرت ان
الله دائما فوق البشرية بطريقة غير تقليدية. فبدلا من ان تنظر الى الانسان
في وصفه مقياسا لكل الاشياء، صورته هو نفسه في حضرة الاله. كانت الغاية من
الاتصال الجنسي عند اليهود وسيلة للحفاظ على النوع. نجد في الدين اليهودي
ميتولوجيات جنسية غريبة، من الختان الى قصة زليخة ويوسف وصولا الى العبادة
القضيبية، وبيّن فيلم قادش ما يكتنف الاصولية اليهودية حيال الجنس. تبدو
الامور معقدة ولا تحتمل، فأنبياء اليهود، على ما تقول الحكايات، لهم فحشهم
في النوازع الجنسية. ربما لا يصدق القارئ ان يكون ثمة نبي من الفاحشين في
الجنس على نحو يتجاوز الاعراف. لكن ما ينبغي التنبه اليه ان الجنس من
المقدسات في غالبية الاديان. خير دليل على ذلك نشيد الاناشيد الذي كانت
مكانته في شرعة الكتاب المقدس اليهودي موضع نزاع حتى اتى رجال اللقاء
الكبير وفسروه تفسيرا روحانيا . ودار النقاش حول الكتاب هل هو قصيدة حب، او
انه حكاية مجازية عن العلاقة بين الله واسرئيل، تقدم الانساني - المقدس
بلغة رمزية. وقد سادت وجهة النظر الاخيرة وقيل ان السفر كتبه سليمان بإلهام
من الروح الالهي.
عند قدماء العبريين كانت توجد طوائف من النسوة يزاولن البغاء في المعابد
وكن يعتقدن انهن يجلبن الخير والبركة لمن يتصل بهن. وظل هذا التقليد
الديني سائدا الى ان حرّمه سفر التثنية.
وعند قدماء الكنعانيين كانت توجد طائفة من النسوة وهبن جسومهن للبغاء
المقدس. ومن اشهر انواع البغاء المقدس عند الشعوب ما كان يجري عليه العمل
في معابد بابل وقد افاض المؤرخ اليوناني هيرودوت في وصف هذا النظام، فذكر
ان كل بنت تولد في تلك البلاد كان يجب ان تذهب الى معبد الالهة ميليتا حيث
تقدم نفسها لرجل اجنبي عن البلاد. فكانت تجلس في ساحة المعبد حتى يمر بها
اجنبي ويضع على ركبتيها قطعة فضية من النقد. وكان يعتقد ان هذا الضرب من
العبادة نوع من القربان، وانه مصدر خير وبركة للفتاة نفسها.
النبي المزواج
ماذا عن الجنس في الاسلام؟ كيف كانت صورته؟ الواقع ان الاسلام عنى بهذا
الجانب الفطري من حياة الانسان، ووضع فيه من القواعد والاحكام والتوجيهات
ما يضمن اداءه لوظيفته. تركز الاراء التي كثيرا ما تعتمد في العالم غير
الاسلامي على زيجات محمد المتعددة، مدعية ان ذلك لا يتناسب مع مرتبته كنبي.
فالدين والممارسة عند النبي محمد اساسيان لفهم العلاقات بين الدين والجنس
في الاسلام، الا ان هذه الوقائع ينبغي توثيقها بالاستناد الى القرآن
والسيرة النبوية وكذلك الاحاديث النبوية. يتكرر القول ان محمدا كان لديه
الكثير من الزوجات، وتبين الوقائع انه لم يتزوج حتى بلغ الخامسة والعشرين
من العمر، وخديجة أولى زوجاته وكان عمرها اربعين عاما. ومن بين زوجات محمد،
عائشة هي الوحيدة لم تكن متزوجة من قبل، وكانت الثالثة بينهن.
الجنس في الاسلام له قصصه التي لا تنتهي ولا يكتمل الحديث عنها بمقالة
او كتاب. ذلك لأن الجنس يحضر في كل شيء وقد اشتمل القرآن على آيات عديدة
عالجت العلاقات بين الجنسين، فهناك آيات تقول بالزواج من واحدة الى اربع
نساء. ويتردد القول تقليديا ان هذا الاقرار قد منح بعد مقتل عدد كبير من
الرجال في معركة احد مخلّفين وراءهم أرامل ويتامى بائسين. وكما هي الحال
لدى شعوب كثيرة، كان الهدف من الزواج إنجاب ذرية. ثمة نقطة ينبغي التركيز
عليها اذا قارنّا بين الجنس في الدين الاسلامي والجنس في الدين المسيحي
وحتى في الدين اليهودي، فكثيراً ما ارتبط اسم محمد بتعدد الزوجات وقيل انه
ولد مختونا. أما المسيح بحسب ما تقول الميتولوجيا الدينية فقد ولد من سيدة
عذراء، او ولد من غير اب، ولهذا دلالته في الجنس. كان يسوع يهوديا وكانت
كلماته عن الجنس والزواج مأخوذة من الجذور التاريخية العبرية. اكد يسوع
حالة الزواج الاحادي في اعتبارها مفروضة من الرب. ان المثال الذي ضربه عن
الوحدة الزوجية وعدم الافتراق كان متوازيا مع مثله الاخرى. فهو لم ينتقد
فعل الرغبة الجنسية فحسب، بل انتقد ايضا هذا الفعل في الخيال. ولن تناقش
قضايا الجنس والزواج بصورة واسعة في الكنيسة القديمة، لكن موقفها انطوى على
إعراض عن الدنيا وهي شاطرت الكثيرين من مناوئيها مشاعر الغنوصية والعداء
للجنس. صحيح ان الكنيسة لم تدن الزواج لان المسيح باركه، الا ان الزواج عدّ
ادنى درجة من العذرية، وكان التبتل مثال من يود ان يكون كاملا، لكن
العلمانيين طرحوا آراءهم لمواجهة محاولات الاكليروس تنظيم حياتهم.
الجنس عند العرب
في المقابل يبدو الجنس عند العرب غريبا وغرائبيا وبمعزل عن الاحاديث
الشريفة وتفسيراتها التي قدمها فقهاء الشرع. فقد ظهرت اعمال ادبية ضخمة
تناولت كل جوانب الحياة. واتسعت صناعة الادب عندما امتد الاسلام ليشمل
الشرق الاوسط. وقد شكل بلاط هارون الرشيد خزانا من الحكايات الظريفة
النادرة، وقصص الغرام التي نهلت منها حكايات الف ليلة وليلة الشهيرة. وعلى
رغم مما تشتمل عليه هذه من مغامرات جنسية، وتصور النساء غالبا وهن يتمتعن
بالجنس كما الرجال، فانها ليست في أي حال مرجعا جنسيا، وانما هي انعكاس
للحياة والخيال الجامح المتحرر من كل قيد.
ان ظهور المؤلفات الجنسية في العالم العربي والإسلامي يرجع الى بداية
القرن الثالث الهجري. ورغم ان اسباب هذا النوع من الكتابات متنوعة ومختلفة،
فقد لخصها احدهم في النقاط الاتية: تطور الحضارة العربية والإسلامية
وامتزاجها بالحضارات الشرقية، الهندية والفارسية على وجه الخصوص. وقد ادى
التثاقف الى حركة ترجمة واسعة شملت المؤلفات الجنسية كذلك".
قدوم الجواري من مختلف انحاء الإمبراطورية الاسلامية ساهم في انتشار
تقنيات وممارسات جنسية جديدة دخيلة. وتطور الذوق في ما يتعلق بجمال المرأة،
وساهم في ذلك وجود طبقة مترفة تعيش البذخ والمجون، وفي بحث مستمر عن
الجديد في الميدان الجنسي. وهذا ما يبين ان معظم المؤلفات الجنسية كتبت
استجابة لرغبة الامراء والملوك والاعيان. هذه العوامل ادت مجتمعة الى
انتشار الخطاب الجنسي، والمعروف انه يمتد من الجاحظ الى ابن كمال باشا صاحب
كتاب"رجوع الشيخ الى صباه".
كان هناك مراجع مختصة بموضوعات الجنس، في مصر على وجه الخصوص، حتى ان
العلامة والمؤرخ جلال الدين السيوطي نسب اليه تأليف كتاب "تفسير الجماع"،
ومما فيه دعاء "الحمد لله الذي زين صدور العذارى بالنهود...". وثمة عناوين
اخرى لكتب جنسية بينت كيف يمكن الرجال والنساء ان يحققوا المتع عبر الجنس.
ويذكر السيوطي ما قاله العرب من اسماء عضو الرجل وعضو المرأة وهي تبدو
مضحكة اذ ما قرأها المرء اليوم، وتخفي عنفا لفظيا وصوتيا وسلوكيا. فكأن
الجنس عند العرب عراك وليس شغفا وحبا واتصالا. ورغم ان كتاب السيوطي عن
الجنس بطرفيه الرجل والمرأة، الا انه يركز كثيرا على المرأة الكاملة
الاوصاف. يذكر في كتابه "الكنز المدفون": "قال بعض العرب: افضل النساء
اطولهن اذ قامت واعظمهن اذا نامت". وفي "تحفة العروس" نقرأ ان اعرابيا جلس
في حلقة يونس بن حبيب فتذاكروا النساء فقالوا للاعرابي أي النساء افضل
عندك، فقال: البيضاء العطرة، اللينة الخفرة، العظيمة القاع، المشهية
للجماع، اذا ضوجعت انّت، واذا تركت حنّت".
في القرن التاسع عشر كتب الشيخ النفزاوي من تونس، "الروض العاطر" ويشتمل
على قصة غرامية خيالية وارشادات جنسية. ويفتتح بالدعاء: "الحمد لله الذي
جعل اللذة القصوى للرجل في الاعضاء الطبيعية للمرأة، وقدر ان تمنح الاعضاء
الطبيعية للرجل المتعة القصوى للمرأة". لكن الكتاب، في سياقه اللاحق، ينفي
ان تكون المرأة قادرة على الشعور باللذة الا اذا طاف بها الذكر، ويؤكد ان
الرجل لا يعرف الراحة والهدوء ما لم يتحد بالمرأة. ويواصل الكتاب عرض
موضوعاته وقصصه المشابهة لحكايات الف ليلة وليلة. وبعد بحث موجز للخصائص
البدنية التي تتطلع النساء الى توافرها لدى الرجال، يروي حكاية مفعمة
بالتصوير الحي للمضاجعات التي تتم بين مهرج البلاط وزوجة الوزير حمدونة
التي تطارحه المتعة بالكفاءة نفسها، ثم يلي ذلك وصف لامراة فاتنة، وقصة
زنجي يسعى الى إغواء زوجة الوزير وتنتهي به الحال الى بتر اوصاله واعدامه.
اكثر من ذلك، فالميتولوجيا الاسلامية تزخر بأوصاف الحور العين والجنس في الجنة.
يقول الكاتب المغربي عبد الكبير الخطيبي ان كتاب "الروض العاطر" ليس
بالضبط نصا خليعا، كما يفهم الغرب الخلاعة على الاقل، أي كلاما قذرا، لا
قداسة له. انه تركيب خاضع لتقاطع مكثف بثلاثة قوانين، هي القانون الحمدلي،
والقانون الحكائي، ثم ثالثا القانون الرمزي. القانون الحمدلي يفتتح النص
ويختمه. والقانون الحكائي وهو قانون النادرة والطرفة والمكيدة، ومحدد
الكلام المتعارف عليه اثناء التحادث وجريان الزمن الحكائي، وهو الذي يزين
حكمه، او يطور حجة شبقية بأسلوبوظيفي. القانون الرمزي الذي يدل على بلاغة
اللعب بالكلمات. ولنص النفزاوي خاصية نادرة (وهذا ما جعله شعبيا) تستند الى
لغته السهلة التي تقلص المسافة بين الادب الشفوي والادب المكتوب، كما ان
معرفة النفزاوي تعتمد على الطب الشعبي. وقد ركزت على الجانب الحسي في
الموضوع، عارضة احواله وابوابه، مطعمة بنظرات اجتماعية، ووصفات طبية
علاجية، ومسوغات دينية، مدونة في كتاب.
والكتاب يظهر قدرة النفزاوي في توظيف الكلام في وصف الجنس بل انه يختم
الحكاية الجنسية بالحكمة المقدسة، او أن بلاغته هي في معنى آخر مشرعنة.
وهذا يذكرنا بـ"نشيد الانشاد" الذي ورد في الكتاب المقدس والذي وضع، رغم
تأكيده الشؤون الدنيوية، نواظم ذكورية وصارمة للعلاقات بين الجنسين، يحتوي
بين دفتيه نصا غنائيا وغراميا، يبدو اكثر انسجاما مع البيئة الهندوسية،
كالقصائد الغرامية لـ"كريشنا" او لـ"رادا"، كما قورن مع غيتا غوفيندا.
ويلعب الجنس دورا مسيطرا في التصور الشعبي الاسلامي للجنة والنار، الامر
الذي يجعل هذا التصور موضع اهتمام وذلك لسببين: الاول، الاعتقاد ان في
الجنة متسعا لكل متع الجنس، والثاني، ما تنطوي عليه صور النعيم والجحيم.
تناولت احاديث الرسول بدورها شرح الامور المتعلقة بالثواب والعقاب، موضحة
كيفية اكتساب رضى الله ورضوانه في الدنيا والاخرة. وتبعا للسيوطي، فالعبد
المؤمن يتزوج بسبعين حوراء، الى جانب زوجاته الادميات، ولا تقتصر النشوة
على الحور، بل تنعم الازواج الادمية بمتع الحب الالهي. وعكفت بعض الدراسات
التاريخية الجادة على ابراز بعض اوجه الشبه بين التراثين الاسلامي والمسيحي
في مسألة الحياة الاخرى. الاسلام من جانبه يقدم استمرارا مدهشا من الحياة
الدنيا الى الحياة الآخرة عبر رؤية كلية غنية بأدق التفصيلات، بحيث يجعلها
عقيدة صحيحة ثابتة. في حين يفسر بعضهم ان المسيحي يكون في الفردوس غير
جنسي، على حين ينعم المسلم في المقابل باللذة المطلقة. ويرجع السبب في ذلك
الى ان البعث في المسيحية يعد جزءا من سر المسيح حيث يعتبر الانجيل الحياة
الآخرة غر خاضعة للمعرفة او الخيال. وعند اليهود، السعادة في الحياة الآخرة
تتوقف على ازمنة الخلاص. ويقتصر التلمود - أكثر النصوص دقة في المعتقد
اليهودي - على الاشارة الى ان الحياة الآخرة تخلو من الطعام والشراب
والتناسل والتجارة والغيرة والكراهية والمنافسة. يستقر المؤمنون فحسب،
تكللهم التيجان لينعموا بالحضور الالهي، فهناك وعد ما لكنه محجوب تماما.
ويحض الاسلام على تحقيق الرغبات وليس العكس، ولا يقمع الغريزة، ففي
الجنة تلبّى كل رغبات الانسان وتؤخذ برمتها على محمل الجد، وقال بعضهم ان
الاسلام اعطى الحرية الجنسية لجمهوره، وقمعه في السياسة او صادرها منه.
تحولات
لقد تبدلت الثقافة الجنسية عبر العصور، واكثر من ذلك كشفت اعمال
الأنتروبولوجيين بين الشعوب البدائية عن اتجاهات جديدة في صدد الاتصال
الجنسي، ولعب الرجال والنساء في مجتمعات متنوعة ادوارا مختلفة. وعثر على
كميات ضخمة من الادب الذي يتناول الموضوعات الجنسية، بصرف النظر عن الطابع
الخيالي للاوصاف، وعن الغرابة في التعبير. وكانت رواية دي اتش لورنس، عشيق
الليدي تشاترلي ، احدى الروايات الاكثر شهرة، وبقيت لفترة طويلة ممنوعة في
البلاد التي كتبت فيها. وكتب لورنس في مقدمة طبعة متأخرة، عن الطاقة
الجنسية المثيرة للعواطف وللذكريات الكامنة وراء الكلمات التي يطلقون عليها
اسم الفاحشة.
هذا غيض من فيض عن الجنس في اديان العالم، ولا يبدو أن هذا الغيض يغلق الباب.
الجـــنــــس