** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
' أزهار الشرّ'   I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 ' أزهار الشرّ'

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
free men
فريق العمـــــل *****
free men


التوقيع : رئيس ومنسق القسم الفكري

عدد الرسائل : 1500

الموقع : center d enfer
تاريخ التسجيل : 26/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 6

' أزهار الشرّ'   Empty
08112011
مُساهمة' أزهار الشرّ'

' أزهار الشرّ'   Bodler
النصوص المحذوفة ووثائق محاكمة


في مجلد واحد يقع في 920 صفحة من القطع الكبير، صدرت - لأول مرة
باللغة العربية - الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الفرنسي شارل بودلير، عن '
دار الشروق' القاهرية، من ترجمة وتقديم الشاعر رفعت سلام.
تتصدر
الترجمة ثلاث مقدمات مختلفة. يقدم الشاعر رفعت سلام - في مقدمته الأولى '
شاعر الشر الجميل' - تناقضات حياة بودلير مع ظروفه العامة والخاصة في منتصف
القرن التاسع عشر، خلال إنجازه لجذور الحداثة الشعرية الفرنسية
والأوروبية، والمرتكزات الأساسية لشعريته المتجاوزة لجميع المدارس الشعرية
السابقة عليه والمتزامنة معه، وتأسيسه للحداثة الشعرية في فرنسا وأوروبا،
وملامح هذه الحداثة وتجلياتها في نصوصه ورؤيته النقدية.
وترصد المقدمة
الثانية سيرة حياة بودلير تأريخيـّاً، بالتسلسل الزمني، متوقفةً عند أهم
محطات حياته الشخصية والشعرية والثقافية، وأزماته، وأهم أعماله الشعرية
ورسائله الكاشفة لعلاقاته ورؤاه الحياتية والفكرية.
وتمثل المقدمة
الثالثة مقالة بول فاليري الهامة بعنوان ' موقف بودلير'، التي يرصد فيها
أهمية بودلير القصوى في الأدب الفرنسي، والتحدي الذي واجهه في تأسيس حداثة
شعرية مفارقة لزمنه، وكيف استطاع إنجاز دوره الحاسم خلال سنوات إبداعه
الشعري المحدودة، بالمقارنة مع فيكتور هوغو على سبيل المثال.
وتتخلل المقدمات ألبومات صور بودلير: وجوه بودلير منذ بداياته إلى أعوامه الأخيرة، رسوم بودلير، رسوم كبار الفنانين لبودلير.
ويبدأ
المتن الشعري بقصائد ديوان ' أزهار الشر' في طبعته الثانية، التي أشرف
بودلير بنفسه على إصدارها عام 1861. وهي الطبعة الأخيرة التي صدرت في
حياته. بعده، يأتي ديوان ' البقايا' الذي أصدره بودلير في بروكسيل عام
1866، ويتضمن القصائد المحذوفة من ' أزهار الشر' بموجب الحكم القضائي الذي
صدر ضد الديوان - والتي لم تتضمنها الطبعة الثانية - فضلا عن القصائد
الجديدة التي كتبها بودلير فيما بعد الطبعة الأولى من الديوان الشهير. وتلي
ديوان ' البقايا' القصائد الإضافية المستمدة من الطبعة الثالثة من ' أزهار
الشر' التي طبعت بعد وفاة بودلير عام 1869، تليها قصائد متفرقة تنتمي
غالبًا إلى فترة شباب وبدايات بودلير الشعرية.
ويتضمن المتن الشعري كذلك مجموعة القصائد ' الهجائية' اللاذعة التي كتبها بودلير عن بلجيكا وأهلها، عقب خيبة أمله في رحلته إلى هناك.
كما
تتضمن الترجمة النص الكامل لديوان ' سأم باريس'، الذي يضم قصائد النثر
التي كتبها بودلير، وفقًا للترتيب الذي وضعه الشاعر قبيل رحيله، دون أن
يتسع له الوقت لإصداره بنفسه، مع مقدمة تاريخية للديوان كتبها المترجم.
وفيما
يلي المتن الشعري، يتضمن الكتاب عددا من الملاحق والوثائق الهامة: مشروعات
مقدمة ' أزهار الشر'، مشروعات خاتمة ' أزهار الشر' التي كتبها بودلير، دون
أن يستقر على الصياغة النهائية لها ونشرها بالفعل في مواضعها كما كان يخطط
قبل رحيله؛ فضلا عن الوثائق الكاملة لمحاكمة بودلير عن ديوانه ' أزهار
الشر'.
كما تتضمن الملاحق ' مشروعات، خطط، عناوين' متعلقة بديوان ' سأم
باريس'، وشهادات معاصريه من الكتاب والشعراء، وشهادات عدد من الكتاب
والشعراء المنتمين إلى الأجيال اللاحقة؛ مع ' إضاءات' القصائد، التي تتضمن
رصدًا لمسيرة القصائد منذ نسختها الأولى إلى نسختها الأخيرة، ورصد وتحديد
التعديلات التي أجراها بودلير على نسخها المختلفة، من طبعة إلى أخرى.
ويختتم
الكتاب بقاموس الأعلام والمصطلحات المتعلقة بزمن بودلير، القرن التاسع
عشر، الواردة خلال المقدمات والنصوص المختلفة. ونجتزىء هنا بعض مقتطفات من
المقدمة المهمة التي صدر بها الشاعر رفعت سلام الأعمال الكاملة للشاعر
الفرنسي الأشهر مع بعض القصائد التي تضمنتها هذه الترجمة الجديدة.
****
يقول سلام في مقدمته:
بعد
حوالي قرن ونصف القرن من صدور الطبعة الأولى من ' أزهار الشر'، يظل هذا
الديوان الصغير أكثر فعالية وحضورًا في الشعرية الفرنسية والعالمية من كل
معاصريه. ويظل بودلير أكثر حياةً وتأثيرًا من شعراء قرنه اللامعين.
لم
يكن أحد ليستطيع التنبؤ بذلك، بل لعل الاستخفاف نفسه لم يكن غائبًا عن بعض
كتابات معاصري بودلير إزاء صدور الديوان، إن لم نرصد التشفِّي والعدائية-
التي تصل إلى حدِّ الغِلّ - لدى بعض الصحافيين ضيقي الأفق. وبالفعل كانت '
المعاصرة'- بالنسبة إلى زمن بودلير- أكثر من ' حجاب' يُعمي البصر ويُشوش
على البصيرة.
فخلال حياته، كان معاصروه يميلون عمومًا إلى وضعه جانبا، في الركن، عقابًا له، باعتباره ' ولدًا خبيثًا'، أو كشخص ' غريب الأطوار'.
فالقرن
التاسع عشر هو قرن 'يكتور هوغو ولامارتين وشاتوبريان وجوتييه ودي موسيه
ودي 'يني، كقامات إبداعية شاهقة هيمنت على النصف الأول من القرن هيمنةً
ساحقة. وفي ظل تلك الهيمنة، صدرت الطبعة الأولى من ' أزهار الشر' ( 25
حزيران / يونيو 1857)، في 1100 نسخة.
فكيف كان لمعاصريه - شعراء ونقادًا
وصحافيين - أن يدركوا أن هذا الديوان الصغير، للشاعر الذي لم يتجاوز عمر
الشباب، سيكون ألمع ما أنتجه القرن، بما انطوى عليه من فتوحات لا تُستنفَد؟
لن يدرك ذلك سوى 'يكتور هوغو- ببصيرته الخارقة - حين كتب له: ' إنك تخلق رعشةً جديدةً في الشعر الفرنسي'.
وبعد
وفاته، في الثانية والأربعين من عمره، كان اعتقاد الأجيال التالية أنه
إنما عاش في الجحيم، حيث يشهد مصيره على استمرارية رهيبة للعذاب طوال
حياته. ولحظة الوفاة، لم يكن لديه سوى كلمة وحيدة، ' سُحقًا!'، وصورة
الشاعر الملعون التي يحملها معه إلى النهاية.

******
حياةٌ بائسةٌ عاشها بودلير في قلب القرن التاسع عشر، على
الصعيد الشخصي، فيما بين 9 نيسان ( أبريل) 1821، تاريخ ميلاده، و31 آب (
أغسطس) 1867، يوم وفاته. حياةٌ مرتبكةٌ، قلقةٌ، متوترةٌ، متخبطةٌ وعصيبةٌ،
تبدأ بوفاة أبيه وعمر بودلير 6 سنوات، لتتزوج أمه - بعد عام واحد من الترمل
- بأحد العسكريين اللامعين، الصارمين، ضيقي الأفق.
لم يكن الرجل
معاديًا للطفل المشاكس، لكنه لم يكن يعرف سوى التربية العسكرية، باعتبارها
المثل الأعلى لكل تربية وسلوك، والمستقبل العسكري أو البيروقراطي باعتباره
المستقبل المأمول الذي ينبغي لابن زوجته أن يعمل من أجله.
أما شخصية
بودلير، فتتكشف مبكرًا مضادةً - بطبيعتها الأولية - لهذا النمط من التفكير
والحياة والسلوك، والنفور العميق من ' المؤسسة' على إطلاقها: المدرسة،
والمنزل البرجوازي، والزواج، والوظيفة، وبقية المؤسسات، لا بحثًا عن مؤسسة
بديلة، بل عن التحرر من كل مؤسسة.
وفي المواجهة الأولى، يتم طرد بودلير من المدرسة. شخصيةٌ مضادة، مناقضة، معاكسة.
ومجتمع يقوم على مؤسسات متراتبة، وقواعد وقوانين وأخلاق وأعراف ما أنزل الله بها من سلطان.
******
يبدأ
الصراع بين الشاعر والجنرال بحصول بودلير على شهادة البكالوريا. ويخطط
الجنرال لابن زوجته مستقبله كدبلوماسي، اعتمادًا على نفوذه لدى السلطات
العليا. لكن بودلير يصمم على تكريس نفسه للأدب. يعيش حياة بوهيمية ولا يحضر
أية محاضرات في كلية الحقوق التي سجل فيها. عالمه الأثير هو عالم الشخصيات
الأدبية لتلك الفترة، والعاهرة سارة، التي سيكتب عنها قصيدته ' ليست لديَّ
كعشيقة لبؤة'. أما العائلة، فيشتعل قلقها من تراكم ديونه، وحياته
البوهيمية، وعدم اكتراثه بالارتباط بوظيفة.
ويقرر الجنرال وضع الخطة '
الإصلاحية' لهذا الناشز، ويتم دفعه إلى القيام برحلة ' تربوية' بحرية
طويلة، يقيم خلالها في جزيرة موريشيوس، بعد تعرض الباخرة لعاصفة واضطرارها
إلى الرسو في الجزيرة. لكنه يقرر عدم استكمال رحلته، والعودة إلى الوطن: '
لا أظن أنني أعود والتعقل في جيبي'.
لكن هذه الرحلة ' التربوية'
الإجبارية الفريدة ستصبح مصدرًا للعديد من القصائد الهامة اللاحقة، وستمنح
شعر بودلير مذاقًا ' استوائيًّا' لاذعًا. لكنها - خارج هذا الإطار الشعري -
ستبدو بلا جدوى ' تربوية'. فمؤسسة الأسرة - التي تبنت فكرة ' إصلاح' الابن
الضال - لم تدرك المفارقة: أن الابن ' الضال' مضادٌّ لكل ' إصلاح' بالمعنى
البرجوازي التقليدي، ولكل أخلاق رائجة، وأنه - على النقيض - يبحث عمَّا
يتجاوز هذه القيم، أو ما يهدرها، أو ينفيها.
*****
في 25 حزيران (
يونيو) 1857، تصدر الطبعة الأولى من ' أزهار الشر'. وبعد أيام، تنشر جريدة '
لو فيغارو' مقالاً يحرض على ملاحقة الديوان قضائيًّا. وبعد يومين فحسب من
نشر المقال، يتم بالفعل تقديم بودلير وناشريه ـ بوليه - مالاسي ودبرواز-
إلى المحاكمة بتهمة انتهاك الأخلاق العامة وانتهاك الأخلاق المسيحية.
وتطالب النيابة العامة بحذف 10 قصائد، ست منها بدعوى إهانة الأخلاق العامة،
وأربع بدعوى إهانة الأخلاق المسيحية.
وتقضي محكمة الجنح بأن بودلير
وناشريه ' مذنبون'، وتغريم بودلير 300 فرنك، وكل من الناشرين 100 فرنك، مع
حذف القصائد الست المتهمة بإهانة الأخلاق العامة، وعدم الاعتداد بتهمة
إهانة الأخلاق المسيحية.
لكن بودلير يكتب إلى أمه: ' إني سعيد تقريبًا
لأول مرة في حياتي. فالكتاب جيدٌ تقريبًا، ولسوف يبقى، هذا الكتاب، شهادةً
على قرفي وحقدي على جميع الأشياء'. فهو لم يعنه من الحُكم سوى أمرين: بنية
الديوان - الصارمة فنيًّا - التي اهتزت بفعل حذف ست قصائد، والغرامة
الباهظة التي لم يكن بمقدوره سدادها، و' تتجاوز قدرات الفقر مضرب الأمثال
للشعراء'، كما كتب في رسالته إلى الامبراطورة. أما بعض مقالات التشهير
والنميمة الصحافية، التي سبقت وصاحبت وأعقبت المحاكمة، فلم تستوقفه طويلاً،
رغم غيظه منها.
والمفارقة أن الأم لم تهرع لنجدة ابنها ماليًّا، المهدد
بالحبس لمدة عام إن لم يدفع الغرامة. كم هي بعيدةٌ بعيدة، في تلك اللحظة.
كما لم ينجِده الوصي على أمواله، بدفع الغرامة من ميراثه الواقع تحت
سلطانه، ليُضطر بودلير إلى مخاطبة الامبراطورة نفسها، لتخفيض الغرامة إلى
مبلغ معقول. فعليه أن يخوض المعركة وحيدًا إلاَّ من الدعم المعنوي والثقافي
لعدد محدود من الأصدقاء الكتاب.
لكن الحُكم كان حافزًا - في المقابل -
على إصلاح الخلل البنيوي للديوان، بالانكباب على الكتابة من جديد، بما يسد
الفراغ البنيوي في الديوان بعد حذف القصائد الست المدانة. وفي بضعة شهور،
كُتبت ' الرحلة'، ' البجعة'، ' رقصة جنائزية'، ' العجائز السبع'، ' خصلة
الشَّعر'، ' القناع'، ' الهيكل العظمي الكادح'.. بما يكشف أن الفراغ
البنيوي قد تم تجاوزه بزلزلة داخلية أكثر عمقًا؛ فهذه القصائد ليست فحسب
الأكثر رحابة في أزهار الشر، بل أيضًا الأجمل في الديوان، وربما في الشعر
الفرنسي.
وأيضًا، كشف الحُكم عن اتساع وعمق الهوة الفاصلة بينه وبين العالم المحيط؛ هوة لا يمكن القفز عليها، أو ردمها، أو التغاضي عنها.
ولا
أوهام لديه في ذلك، ولا رغبة في إقناع أحد بشيء، أو تفسير شيء، أو تبرئة
نفسه من شيء. حالةٌ من الرواقية الواعية والغريزية في آن: ' قال البعض لي
إن هذه الأشعار يمكنها أن تؤذي؛ فلم أبتهج بذلك. وآخرون، من ذوي الأرواح
الطيبة، قالوا إنها قد تفعل خيرا؛ وذلك لم يحزنّي'. لا بهجة، ولا حُزن.
إنه
إيمانه العميق والنهائي بأن ' فرنسا تمر بمرحلة من السوقية. فباريس، مركز
وإشعاع الحماقة الكونية'، وأن ' الفرنسي حيوان قن، مُدجَّنٌ إلى حد أنه لا
يجرؤ على عبور أي حاجز. انظروا إلى ذوقه في الأدب والفن. إنه حيوانٌ من
السلالة اللاتينية، لا تزعجه القذارة في بيته، وفي الأدب هو آكل بُراز. إنه
مولعٌ بالغائط'.
وسيكون على معاصريه أن ينتظروا وفاته، ليعثروا في
أوراقه على تصوره لدور الأديب في الحياة: ' الأديب هو عدو العالم'؛ ولهذا
فـ ' الأمم لا تنجب العظماء إلاَّ مُرغمة. فلن يكون المرء عظيمًا ـ إذن -
إلاَّ إذا انتصر على أمته كلها'.
وسيكون عليهم أن يدركوا- بعد وفاته -
جدية صورته عن نفسه، ليست صورةً بقدر ما هي كشف ذاتي لأعماق شخصيته التي
حيرتهم: ' إنني أتمتع بإحدى الشخصيات المحظوظة التي تستمد البهجة من
الكراهية، والتي تتمجد في الاحتقار. ومزاجي المولع - بصورة شيطانية -
بالحماقة يجعلني أجد ملذات خاصة في تحريف البهتان. طاهرًا كما الورق،
بسيطًا كالماء، مدفوعًا إلى الورع مثل مقدّمة القربان، غير مؤذ كضحية، لن
يزعجني أن أُدعَى ماجنًا، سكيرًا، ملحدًا وقاتلاً'.

******
يرصد مؤرخو الأدب - لأسباب تاريخية وأدبية - تأخر الحركة
الرومانتيكية الفرنسية عن نظيراتها في المانيا وانكلترا، حيث نشر لامارتين
أول مجموعة شعرية رومانتيكية عام 1820 بعنوان ' تأملات شعرية'، فيما لم
تصعد الرومانتيكية إلى المسرح الفرنسي إلاَّ مع ' هرناندي' لهوغو عام 1830.

لكن سيكون لبودلير أن يعيد الاعتبار إلى الأدب الفرنسي إزاء الآداب
الأوروبية. فانطلاقًا منه، أصبح الشعر الفرنسي محط اهتمام الأوساط الأدبية
بالقارة، ليصبح الرائد الذي تقتفي خطاه - بفعل كشوفاته واكتشافاته الشعرية
والنظرية - حركاتٌ وأصواتٌ شعريةٌ على امتدادها، فضلاً عن فرنسا، متخطيًا '
الجروح التي لا تندمل' بفعل الرومانتيكية، منتقلاً بالشعر- بصورة حاسمةٍ
ونهائية - إلى ' الحداثة'.
**********
وهنا مختارات من بعض قصائد بودلير:
ترجمة: رفعت سلام
قصائد
إلى القَـارئ


الْحَمَاقَةُ، وَالْخَطَأُ، وَالْفُجُورُ، وَالشُّح
تَحْتَلُّ أَرْوَاحَنَا وَتَسْتَوْلِي عَلَى أَجْسَادِنَا،
وَنُغَذِّي نَدَامَاتِنَا الْمَحْبُوبَة،
مَثْلَمَا يُغَذِّي الشَّحَّاذُونَ هَوَامَّهُم.

خَطَايَانَا عَنِيدَةٌ، وَنَدَمُنَا بَلِيد؛
وَنَدْفَعُ ثَمَنًا بَاهِظًا لاعْتِرَافَاتِنَا
وَنَعُودُ مُبْتَهِجِينَ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُوحِل،
مُعْتَقِدِينَ أَنَّ دُمُوعًا زَهِيدَةً تَغْسِلُ أَوْسَاخَنَا.

عَلَى وِسَادَةِ الشَّرِّ إِبْلِيسُ الْمُعَظَّم
الَّذِي يُهَدْهِدُ طَوِيلاً أَرْوَاحَنَا الْمَسْحُورَة،
وَمعْدَنُ إِرَادَتِنَا النَّفِيس
تَبَخَّرَ تَمَامًا عَلَى يَدِ هَذَا الْكِيميَائِيِّ الْعَلِيم.

هُوَ الشَّيْطَانُ الَّذِي يُمْسِكُ بِالْخُيُوطِ الَّتِي تُحَرِّكُنَا!
فَنَجِدُ الْفِتْنَةَ فِي الأَشْيَاءِ الْمَقِيتَة؛
وَنَنْحَدِرُ كُلَّ يَوْمٍ خُطْوَةً إِلَى الْجَحِيم،
بِلاَ هَلَعٍ، عَبْرَ الظُّلُمَاتِ الآسِنَة.

هَكَذَا كَفَاجِرٍ بَائِسٍ يُقَبِّلُ وَيَلْتَهِم
الثَّدْيَ الشَّهِيدَ لِعَاهِرَةٍ عَتِيقَة،
نَخْتَلِسُ - فِي الطَّرِيقِ - لَذَّةً مُحَرَّمَةً،
نَعْتَصِرُهَا بِقُوَّةٍ كَبُرْتُقَالَةٍ قَدِيمَة.

مُتَرَاصِّينَ، مُتَزَاحِمِينَ، كَمِلْيُونِ دُودَةٍ مَعَوِيَّة،
يُعَرْبِدُ فِي عُقُولِنَا حَشْدٌ مِنَ الْجِنّ،
وَعِنْدَمَا نَتَنَفَّسُ، يَنْحَدِرُ الْمَوْتُ إِلَى رِئَاتِنَا،
نَهْرًا خَفِيًّا مَعَ الأَنَّاتِ الصَّمَّاء.

وَإِذَا مَا كَانَ الاغْتِصَابُ، وَالسُّمُّ، وَالْخِنْجَرُ، وَالْحَرِيق،
لَمْ تُوَشِّ بَعْدُ بِرُسُومِهَا الهَازِئَة
اللَّوْحَةَ التَّافِهَةَ لِمَصَائِرِنَا الْبَائِسَة،
فَلأَنَّ أَرْوَاحَنَا ـ لِلأَسَفِ - لاَ تَمْلِكُ الْجُرْأَةَ الْكَافِيَة.

لَكِن بَيْنَ أَبْنَاءِ آوَى، وَالْفُهُودِ، وَكِلاَبِ الصَّيْدِ،
وَالْقُرُودِ، وَالْعَقَارِبِ، وَالْعُقَابِ، وَالأَفَاعِي،
وَالْوُحُوشِ العَاوِيَةِ، وَالنَّابِحَةِ، وَالْمُزَمْجِرَةِ وَالزَّاحِفَة،
فِي مَعْرَضِ الْوُحُوشِ الشَّائِنِ لِخَطَايَانَا،

هُنَاكَ مَا هُوَ أَكْثَرُ بَشَاعَةً، وَفَظَاظَةً، وَقَذَارَة!
رغْمَ أَنَّهُ لاَ يُصْدِرُ حَرَكَاتٍ وَاضِحَةً وَلاَ صَرَخَاتٍ فَادِحَة،
وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُحِيلَ الأَرْضَ إِلَى أَطْلاَل
وَيَبْتَلِعَ فِي إِحْدَى تَثَاؤُبَاتِهِ الْعَالَم؛

إِنَّه الضَّجَر!- تِلْكَ الْعَيْنُ الْمَغْرَوْرِقَةُ بِدَمْعٍ لاَ إِرَادِي،
تَحْلُمُ بِالْمَشَانِقِ وَهيَ تُدَخِّنُ النَّارجِيلَة.
تَعْرِفُه، أَيُّهَا الْقَارِئُ، هَذَا الْوَحْشَ الرَّهِيف،
- أَيُّهَا الْقَارِئُ الْمُنَافِقُ،- يَا شَبِيهِي،- يَا شَقِيقِي!


بَركَـة

عِنْدَمَا تَجَلَّى الشَّاعِرُ فِي هَذَا الْعَالَمِ الضَّجِر،
بِقَرَارٍ مِنَ الْقُوَى الْعُلْيَا،
أَشْهَرَت أُمُّه المَذْعُورَةُ الطَّافِحَةُ بِالتَّجْدِيف
قَبْضَتَيْهَا نَحْوَ الرَّب، الَّذِي يُشْفِقُ عَلَيْهَا:

- ' آه! لِمَ لَم أَضَع حَشْدًا مِنَ الْحَيَّات
أَفْضَلَ مِنْ إِرْضَاعِ هَذَا الْمَسْخ!
فَاللَّعْنَةُ عَلَى لَيْلَةِ الْمَلَذَّاتِ الْعَابِرَة
الَّتِي حَمَلَت فِيهَا بَطْنِي كَفَّارَتِي!

' وَطَالَمَا أَنَّكَ اخْتَرْتَنِي مِنْ بَيْنِ كُلِّ النِّسَاء
لأَكُونَ مَوْضِعَ اشْمِئْزَازِ زَوْجِيَ الْحَزِين،
وَلأَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ رَمْيَ هَذَا الْمَسْخِ الضَّامِر
فِي النَّارِ، مِثْلَ رِِسَالَةِ حُب،

' سَأَصُبُّ كَرَاهِيَتَكَ الَّتِي تُثْقِلُنِي
عَلَى الأَدَاةِ اللَّعِينَةِ لِشُرُورِك،
وَسَأَقْطَعُ تَمَامًا هَذِهِ الشَّجَرَةَ الْبَائِسَة،
فَلاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْمُو بَرَاعِمُهَا الْمَوْبُوءَة!'

هَكَذَا تَبْتَلِعُ زَبَدَ كَرَاهِيَتِهَا،
وَإِذْ لاَ تَعِي الأَقْدَارَ الأَبَدِيَّةَ الْمَرْسُومَة،
تَرُوحُ تُعِدُّ بِنَفْسِهَا فِي قَاعِ الْجَحِيم
الْمِحْرَقَةَ الْخَاصَّةَ بِالْجَرَائِمِ الأُمُومِيَّة.

لَكِن، تَحْتَ حِمَايَةِ مَلاَكٍ خَفِيَّة،
يَسْكَرُ الطِّفْلُ الْمَحرُومُ بِالشَّمْس،
وَفِي كُلِّ مَا يَشْرَبُ وَيَأكُل
يَجِدُ الرَّحِيقَ وَمَاءَ الْحَيَاةِ الْوَرْدِي.

يَلْعَبُ مَعَ الرِّيحِ، يَتَكَلَّمُ مَعَ الْغَيْم،
يَنْتَشِي بِالإِنْشَادِ لِطَرِيقِ الصَّلِيب؛
وَالرُّوحُ الَّتِي تَتْبَعُه فِي طَوَافِه
تَبْكِي مِنْ رُؤْيَتِهِ سَعِيدًا مِثْلَ عُصْفُورِ الْغَابَة.

أَمَّا مَنْ كَانَ يَهْفُو إِلَى حُبِّهِم فَيُرَاقِبُونَه بِوَجَل،
أَو، مُجْتَرِئِينَ عَلَى سَكِينَتِه،
يَبْحَثُونَ عَمَّا يَدْفَعُه إِلَى الْعَوِيل،
وَيُمَارِسُونَ عَلَيْهِ وَحْشِيَّتَهُم.

وَفِي الْخُبْزِ وَالْخَمْرِ الْمَرْصُودِ لِفَمِه
يَمْزِجُونَ الرَّمَادَ وَالْبُصَاقَ الْقَذِر؛
وَبِنِفَاقٍ يَرْمُونَ كُلَّ مَا يَلْمَس،
وَيَلُومُونَ أَنْفُسَهُم عَلَى وَضْعِ أَقْدَامِهِم عَلَى خُطَاه.

وَتَصْرُخُ زَوْجَتُه فِي السَّاحَاتِ الْعَامَّة:
' طَالَمَا يَرَانِي جَمِيلَةً إِلَى حَدِّ الْجَدَارَةِ بِالْعِبَادَة،
فَسَأَتَّخِذُ مِهْنَةَ الْمَعْبُودَاتِ الْقَدِيمَة،
وَمِثْلَهُنَّ، أُرِيدُ أَنْ أَتَحَلَّى بِالذَّهَب؛

' وَسَأَسْكَرُ بِالنَّاردِينِ وَالْبخُورِ وَالْمُر،
بِالرُّكُوعِ، بِاللَّحُومِ وَالْخُمُور،
لأَعْرِفَ قُدْرَتِي - وَأَنَا ضَاحِكَةٌ - عَلَى اغْتِصَاب
الْقَرَابِينِ السَّمَاوِيَّةِ مِنَ الْقَلبِ الْمُعْجَبِ بِي!

' وَعِنْدَمَا أَضْجَرُ مِنْ هَذِهِ الْهَزْلِيَّاتِ الْكَافِرَة،
سَأَضَعُ عَلَيْهِ يَدِي الْهَشَّةَ الْقَوِيَّة؛
وَأَظَافِرِي، الشَّبِيهَةُ بِأَظَافِرِ الْخَفَافِيش،
سَتَشُقُّ طَرِيقَهَا حَتَّى قَلْبِه.

' وَمِثْلَ عُصْفُورٍ صَغِيرٍ يَرْتَعِشُ وَيَرْتَجِف
سَأَنْتَزِعُ هَذَا الْقَلْبَ الأَحْمَرَ مِنْ صَدْرِه،
وَلأُشْفِي غَلِيلِيَ الْغَبِي،
سَأَرْمِيه لَه عَلَى الأَرْضِ بِازْدِرَاء!'

إِلَى السَّمَاءِ، حَيْثُ تَرَى عَيْنُه عَرْشًا رَائِعًا،
يَرْفَعُ الشَّاعِرُ الْوَادِع ذِرَاعَيْهِ فِي وَرَع،
وَالْبُرُوقُ الشَّاسِعَةُ لِرُوحِهِ الصَّافِيَة
تَحْجُبُ عَنْهُ مَرْأَى الْحُشُودِ الْهَائِجَة:

- ' مُبَارَكٌ أَنْتَ، يَا رَبُّ، يَا مَنْ تَمْنَحُ الأَلَم
كَتِريَاقٍ سَمَاوِيٍّ لِقَذَارَاتِنَا
وَكَالْجَوْهَرِ الأَنْقَى وَالأَرْقَى
الَّذِي يُهَيِّئُ الأَقْوِيَاءَ لِلْمَلَذَّاتِ الْقُدْسِيَّة!

' أَعْرِفُ أَنَّكَ تَحْتَفِظُ بِمَكَانٍ لِلشَّاعِر
فِي صُفُوفِ الأَبْرَارِ مِنَ الأَفْوَاجِ الْمُقَدَّسَة،
وَأَنَّكَ تَدعُوه إِلَى الْحَفْلِ الأَبَدِي
لِلْمَلاَئِكَة، وَالْفضَائِلِ، وَالسِّيَادَة.

' أَعْرِفُ أَنَّ الْعَذَابَ هُوَ النُّبْلُ الْفَرِيد
الَّذِي لَنْ يَأكُلَه أَبَدًا التُّرَابُ وَلاَ الْجَحِيم،
وَلِكَي أَضْفُرَ إِكْلِيلِيَ الرُّوحِي
لاَ بُدَّ مِنْ تَغْرِيمِ الأَزْمَانِ وَالأَكْوَان.

' لَكِنَّ الْمُجَوْهَرَاتِ الضَّائِعَةَ لِبَالمِيرَا الْقَدِيمَة،
وَالْمَعَادِنَ الْمَجْهُولَةَ، وَلآلِئَ الْبِحَار،
الَّتِي أَعَدَّتْهَا يَدُك، لَنْ تَسْتَطِيعَ الْوَفَاء
بِهَذَا التَّاجِ الْجَمِيلِ، الْبَاهِرِ الْوَهَّاج؛

' لأَنَّه لَنْ يُصْنَعَ إِلاَّ مِنْ نُورٍ صَافٍ،
مُسْتَقًى مِنْ نَارٍ مُقَدَّسًَةٍ لِلأَشِعَّةِ الأُولَى،
وَإِزَاءَهَا لَن تَكُونَ الْعُيُونُ الْفَانِيَةُ، عَلَى رَوْعَتِهَا الْكَامِلَة،
سِوَى مَرَايَا مُعْتِمَةٍ نَائِحَة!'


طَـائر القطرَس

كَثِيرًا مَا يَصِيدُ الْبَحَّارَةُ، لِلتَّسْلِيَة،
طُيُورَ الْقَطْرَس، الطُّيُورَ الْبَحْرِيَّةَ الْهَائِلَة،
الَّتِي تَتْبَعُ، كَرِفَاقِ سَفَرٍ كَسَالَى،
السَّفِينَةَ الْمُنْسَابَةَ عَلَى اللُّجَجِ الْمَرِيرَة.

وَمَا إِنْ يَرْمُوا بِهِم عَلَى سَطْحِ السَّفِينَة،
حَتَّى يُجَرْجِرَ مُلُوكُ السَّمَاءِ هَؤُلاَء، الْحَمْقَى الْخَائِبُون،
أَجْنِحَتَهُم الْكَبِيرَةَ الْبَيْضَاءَ إِلَى جَانِبِهِم
بِشَكْلٍ يُرْثَى لَه، مِثْلَ الْمَجَاذِيف.

هَذَا الْمُسَافِرُ الْمُجَنَّحُ، كَم هُوَ أَخْرَقُ وَضَعِيف!
هُوَ، الْجَمِيلُ مُنذُ قَلِيلٍ، كَم هُوَ مُضْحِكٌ وَقَبِيح!
أَحَدُهُم يُشَاكِسُ مِنْقَارَه بِغلْيُون،
وَالآخَرُ يُقَلِّدُ، وَهوَ يَعْرُجُ، الْعَاجِزَ الَّذِي كَانَ يَطِير!

وَالشَّاعِرُ شَبِيهٌ بِأَمِيرِ الْغُيُوم
يَغْشَى الْعَاصِفَةَ وَيَهْزَأُ بِالسِّهَام؛
مَنْفِيًّا عَلَى الأَرْضِ وَسْطَ صَيْحَاتِ السُّخْرِيَة،
تَعُوقُه أَجْنِحَتُه الْعِمْلاَقَةُ عَن الْمَسِير.


سُـمُوّ

فَوْقَ الْمُسْتَنْقَعَاتِ، فَوْقَ الْوِدْيَان،
وَالْجِبَالِ، وَالْغَابَاتِ، وَالْغُيُومِ، وَالْبِحَار،
فِيمَا وَرَاءَ الشَّمْسِ، فِيمَا وَرَاءَ الأَثِير،
فِيمَا وَرَاءَ حُدُودِ الأَفْلاَكِ الْمُرَصَّعَةِ بِالنُّجُوم،

تَنْسَابِينَ، يَا رُوحِي، بِرَشَاقَة،
وَمِثْلَ سَبَّاحٍ بَارِعٍ يَنْتَشِي بِالْمَوْج،
تَشُقِّينَ بِبَهْجَةٍ أَغْوَارَ الْفَضَاء
بِشَهْوَةٍ رُجُولِيَّةٍ فَوْقَ الْوَصْف.

فَلْتُحَلِّقِي بَعِيدًا عَن هَذَا الْعَفَنِ السَّقِيم،
وَلْتَتَطَهَّرِي فِي الأَثِيرِ الأَعْلَى،
وَلْتَشْرَبِي، مِثْلَ شَرَابٍ صَافٍ وَسَمَاوِي،
النَّارَ الْمُنِيرَةَ الَّتِي تَغْمُرُ الْفَضَاءَاتِ النَّقِيَّة.

وَرَاءَ الضَّجَرِ وَالأَحْزَانِ الْكَبِيرَة
الَّتِي تَنُوءُ بِوَطْأَتِهَا عَلَى الْوُجُودِ الضَّبَابِي،
سَعِيدٌ مَنْ يَسْتَطِيعُ، بِجَنَاحٍ قَوِي،
الانْطِلاَقَ إِلَى الْحُقُولِ الْمُضِيئَةِ السَّاكِنَة!

مَنْ تَقُومُ أَفْكَارُه، مِثْلَ الْقُبَّرَات،
بِانْطِلاَقٍ حُرٍّ فِي الصَّبَاحِ إِلَى السَّمَاوَات،
- مَنْ يُحَلِّقُ فَوْقَ الْحَيَاةِ، وَيَعِي بِلاَ عَنَاء
لُغَةَ الزُّهُورِ وَالأَشْيَاءِ الصَّامِتَة!


تجـاوبَات

الطَّبِيعَةُ مَعْبَدٌ فِيهِ أَعْمِدَةٌ حَيَّة
تُصْدِرُ أَحْيَانًا كَلِمَاتٍ مُبْهَمَة؛
هُنَاكَ يَمْضِي الإِنْسَانُ خِلاَلَ غَابَاتٍ مِنْ رُمُوز
تَرْقُبُه بِنَظَرَاتٍ وَادِعَة.

وَكَأَصْدَاءٍ مَدِيدَةٍ تَمْتَزِجُ فِي الْبَعِيد
فِي وِحْدَةٍ مُعْتِمَةٍ وَعَمِيقَة،
شَاسِعَةٍ مِثْلَ اللَّيْلِ وَالضِّيَاء،
تَتَجَاوَبُ الْعُطُورُ، وَالأَلْوَانُ، وَالأَصْوَات.

هُنَاكَ عُطُورٌ نَدِيَّةٌ مِثْلَ أَجْسَادِ الأَطْفَال،
رَهِيفَةٌ كَالْمَزَامِير، وَخَضْرَاءُ كَالْبَرَارِي،
- وَأُخْرَى مُتَهَتِّكَةٌ، خِصْبَةٌ وَمُفْحِمَة،

لَهَا أَرِيجُ الأَشْيَاءِ اللاَّنِهَائِيَّة،
كَالْعَنْبَرِ، وَالْمِسْكِ، وَاللّبَانِ وَالْبخُور،
الَّتِي تُغَنِّي فَورَاتِ الرُّوحِ وَالْحَوَاس.

رَبةُ الشِّـعر العليلة

يَا رَبَّةَ شِعْرِيَ العَلِيلَةَ، وَا أسَفَاه! مَاذَا جَرَى لَكِ هَذَا الصَّبَاح؟
عَيْنَاكِ الْغَائِرَتَانِ مُفْعَمَتَانِ بِالرُّؤَى اللَّيْلِيَّة،
وَعَلَى سِحْنَتِكِ يَنْتَشِرُ، وَاحِدًا وَرَاء الآخَر،
الْجُنُونُ وَالرُّعْبُ، وَالْبُرُودَةُ وَالسُّكُوت.

فَهَل صَبَّت الشَّيْطَانَةُ الْخَضْرَاءُ وَالْعِفْرِيتُ الْوَرْدِي
عَلَيْكِ الْخَوْفَ وَالْحُبَّ مِنْ جِرَارِهِمَا؟
هَل أَغْرَقَكِ الْكَابُوسُ، بِقَبْضَةٍ مُسْتَبِدَّةٍ عَاصِيَة،
فِي أَعْمَاقِ ' مِينتُورن' خُرَافِيَّة؟

كَم أَوَدُّ أَنْ تَغْشَى الأَفْكَارُ الْقَوِيَّة دَائِمًا
صَدْرَكِ الَّذِي يَفُوحُ بِأَرِيجِ الْعَافِيَة،
وَأَنْ يَنْسَابَ دَمُكِ الْمَسِيحِيُّ فِي دَفْقَاتٍ إِيقَاعِيَّة

مِثْلَ الأَصْوَاتِ الْمُوَقَّعَةِ لِلْمَقَاطِعِ الْقَدِيمَة،
الَّتِي يُهَيْمِنُ عَلَيْهَا بِالتَّنَاوُبِ أَبُ الأَغَانِي
فُويبُوس، وَبَان الْعَظِيمُ سَيِّدُ الْحَصَاد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

' أزهار الشرّ' :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

' أزهار الشرّ'

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
»  ' أزهار الشرّ'
» المالينخولي السّعيد (3) في جينيالوجيا الشرّ الجمعة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 بقلم: ياسين عاشور
» الله وإبليس: لغز الشرّ والعذاب
» في القرابة بين محور الشرّ ودار الحرب
» المسألة الدينية عند كانط (1) الشرّ الجذريّ في الطبيعة الإنسانية

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: