لوحة بعنوان " أحلام الحرية"لـ موناز لفينا مرساداس—MUÑOZ LAVIÑA Mercedes
حينما نثير مسألة الرقابة في العالم العربي فكأنّنا نعطي مشروعية
للأنظمة السياسية والإجتماعية وربّما تعطي كثرة التنظير والتنقيب في
المسألة انطباعا غريبا مفاده أنّنا نغرق في حرّية التعبير والتصرّف وأنّ
هناك من يتربص بهذه الحرية أو يمارس الرقابة علينا فنمنع من التعبير مرة
ونزجر أحيانا. فكأنّنا نتمتّع بالمواطنة كالسويديين في حين أننا لم نبرح
مستوى الرعية.
هل الحرية قاعدة والرقابة هي الاستثناء؟ ألا يفترض الحديث عن الرقابة
وجود أدنى درجات الحرية؟ لا توجد في العالم العربي حرية كي تهاب من الرقابة
بل هناك رقابة شاملة تفرضها السلطة بقوة الحديد والنارلقمع الحرية. لا
تحتاج الأنظمة السلطوية إلى رقابة ذكية للتستّرعن أفعالها. فإن حاولت
أحيانا استعمال بعض الحيل القانونية لإسكات صوت أو سجن جسد فلانتفاء وجود
قضاء مستقلّ سرعان ما تعود إلى مهنتها الأصلية وهي البطش العلنيّ والمواجهة
العنفيّة المباشرة. قد رأينا كيف أطلقت بعض الأنظمة صفّارة النهاية وعلّقت
ما سمحت به تكتيكيا من شبه حريات بمجرّد أن أحسّت ببداية تشكيل ثقافة
حرية. أوقفت صحفيين، أغلقت صحفا، أطلقت النارعلى متظاهرين..ألغت حتى العمل
بدستورالبلاد وأعلنت حالة تـأهّب قصوى لمواجهة التّعدد.
الأخطر من ذلك كلّه هو نجاح تلك الأنظمة في تكوين وفرض ثقافة مراقبة
سياسية ودينية. لا يحتاج النظام إلى موظّفين كثيرين ليتلصّص على من لا يصوم
رمضان وعلى من تقاوم ارتداء الحجاب وعلى من يدعو صديقته إلى بيته أو
العكس، فعيون الجيران ساهرة لا تنام، تعمل ’بلوشي’، كما يقول التوانسة أي
’مجانا’. لا يمكن لشخص يحترم حريته ويدافع عنها أن تكون حياته طبيعية في
أيّ قطرعربي. فمفروض عليه أن يكون معارضا لنظام الحكم القامع ومنشقّا عن
المجتمع-الرقيب. في بلد غير ديمقراطي التوجّه،لا يسمح بحقّ التجمّع وحرية
الاعتقاد والتعبير.. في بلدان تقول دساتيرها إنّ دين الدولة هو الإسلام،
تلغيك الرقابة الدينية كهوية فردية حرّة، وتجعلك تعيش في سرية متعبة.
ليس سهلا أن تكون اليوم عربيا عقلانيا حرّا. لأنّ مجتمعك يُجرّم
العقلانية ودولتك تخاف من الحرية وثقافتك لا تعترف بالوعي الإنساني إلهاً
أسمى، فأنت مُراقب مُفتش مَأمور كما كان يقول برودون.
ليست هناك رقابة في العالم العربيّ، لسبب بسيط هو أنّه ليست هناك حرية.