يتساءل
الكاتب شاكر نوري في مقدمة كتابه ( منفى اللغة ) الصادر مؤخراً عن مجلة
دبي الثقافية: " ماذا لو كان أدباء كبار مثل ميلان كونديرا، هكتور
بيانكيوتي، ايميل سيوران، صموئيل بيكت، اندريه ماكين، يوجين يونسكو قد
حرموا من الإقامة في الأراضي الفرنسية.. هل يمكن أن نتخيل الأدب الفرنسي
دون مؤلفاتهم؟".
ويواصل: "في عام 1948 كتب مؤلف روماني شاب يدعى يوجين يونسكو مسرحيته
الشهيرة (المغنية الصلعاء) التي ما زالت تعرض على خشبة المسرح منذ ما يزيد
على نصف قرن في الحي اللاتيني. وعلى لسان شخصياته السيد والسيدة مارتين
يصرخان: كم هو شيء عجيب وكم هو شيء عجيب! أليس عجيباً أن يواصل كتاب أجانب،
وبعد مرور نصف قرن، اختيار اللغة الفرنسية لكتابة أعمالهم المسرحية
والروائية في الوقت الذي يتراجع فيه الاقبال على قراءة وترجمة الأدب
الفرنسي في العالم، وفي الوقت الذي لم تعد فيه باريس عاصمة للفنون؟".
بهذه الإشكالية يفتتح الكاتب والمترجم العراقي شاكر نوري كتابه الضخم
الصادر مؤخراً والذي كرسه لمجموعة حواراته مع كتاب وأدباء فرانكفونيين
بعنوان ( منفى اللغة) عن مجلة دبي الثقافية بـ(438) صفحة.
ويسأل المترجم عن أسباب اختيار اللغة الفرنسية لكتابة أعمال مؤلفين لم
يعيشوا في محيط اللغة الفرنسية "قد نفهم ان الكتاب الفرانكفونيين) في
المغرب وأفريقيا وجزر الانتيل قد عاشوا في قلب اللغة الفرنسية أو عاشوا
ازدواجية اللغة على الأقل. ولكن من الغريب أن يأتي كتاب وأدباء ينحدرون من
بيئات وعوالم مختلفة تماماً الى اللغة الفرنسية. ولعل مثال الكاتب التشيكي
الشهير ميلان كونديرا خير دليل على ذلك".
ويبدأ المترجم بتناول قضية الأدباء العرب الذين يكتبون باللغة الفرنسية
والذين حفروا لهذا الأدب، بحسبه، سطوراً منيرة أمثال: محمد ديب ، مالك
حداد، محمد خير الدين، عبد الكبير الخطيبي، عبد اللطيف اللعبي، جورج شحادة،
أمين معلوف، الطاهر بن جلون، رشيد ميموني.
يطرح نوري سؤاله عن الأدب الذي يبدعه هؤلاء بالفرنسية ان كان يعد اضافة الى
الثقافة العربية أم انه مساهمة في خلخلة الهوية؟ ويدخل من خلاله الى مشروع
الفرانكفونية الذي تجتهد فرنسا من أجل توسيعه لأغراض (سياسية) على حد
تعبير الكاتب، حيث بدأ المشروع بالتحرك من أجل تنفيذ مشاريع من شأنها نشر
اللغة الفرنسية وثقافتها باستعمال أساليب متعددة مثل شبكات التلفزيون عبر
الأقمار الصناعية، إضافة الى الكتب والصحف التي تسعى الى الدخول القوي في
ثقافة الآخر والذي قد يؤدي الى خلخلة مكونات الهوية العربية في المستعمرات
الفرنسية القديمة ومنها المغرب العربي.
ويضم الكتاب حوارات موسعة مع أدباء وكتاب فرانكفونيين أمثال: الطاهر بن
جلون، جورج شحادة، صلاح ستيتية، عبد الكبير الخطيبي، أمين معلوف، ياسمينه
خضره، مالك شبل، عبد الوهاب المؤدب، بو علام صنصال، أندريه ماكين وغيرهم
الكثير تناولت آفاق منجزهم الفكري والأدبي والخوض في غمار العديد من
القضايا الراهنة في عصرنا كالموقف من قضية الارهاب وكيفية تعامل الكاتب
الفرانكفوني مع هذه النقطة الحساسة اضافة الى تجربة الكتابة باللغة
الفرنسية وأبعادها والأسباب التي جعلتهم يكتبون بلغة (المنفى).
(اللغة منفاي) الاصطلاح الذي وضعه الكاتب الجزائري كاتب ياسين في إحدى
حوارات الكتاب، لكن هذا المنفى "أبدع مئات الأعمال الأدبية من شعر وقصة
ورواية ومقالة، وأصبح وثيقة نادرة عن شعب رزح تحت نير الاستعمار الفرنسي
سنوات طويلة".
انشغلت مقدمة الكتاب أيضاً بتسليط الضوء على فكرة ان كانت الكتابة باللغة
الفرنسية قد أضرت الابداع العربي في منطقة المغرب الكبير، وهل يمكننا
اعتباره جزءاً من الأدب العربي ومدى تقبل القاريء لأدب مكتوب بلغة غير لغته
على الرغم من ان الكاتب ذو أصول عربية، وقضايا عدة تناولت اشكاليات أبرزها
قضية الرواية المغربية الحديثة المكتوبة بالفرنسية، بخصوص ان كانت هذه
الرواية تلعب دوراً في تشكيل وعي الناس وتجاربهم، وهل تفتح الكتابة
بالفرنسية المجال أمام الكتاب المغاربة لتناول المحرمات التي لا يمكن
للكاتب العربي الاقتراب منها بالعربية؟ ومدى اختلاف طريقة التعامل مع النص
الأدبي في اللغتين.
والكاتب شاكر نوري اعلامي عراقي مغترب عمل في التدريس والصحافة، حصل على
شهادتي البكالوريوس والماجستير في الآداب واللغة الانجليزية من جامعة بغداد
عام 1972 والدكتوراه من جامعة السوربون عام 1983 وعمل استاذاً للسينما
العربية في جامعة السوربن، وأمضى سنوات في العمل الاعلامي في باريس. من
مؤلفاته: السينما العراقية (1945-1980) ، غارودي في المحرقة، وصيتي للقرن
الـ21 روجيه غارودي، الجن والمتاهة حوارات مع ألن غرييه، محاكمة برودسكي،
كلاب جلجامش (رواية)، المنطقة الخضراء (رواية).