** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
التوأمــــان - رواية I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 التوأمــــان - رواية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سبينوزا
فريق العمـــــل *****
سبينوزا


عدد الرسائل : 1432

الموقع : العقل ولاشئ غير العقل
تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..

من اقوالي
تاريخ التسجيل : 18/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5

التوأمــــان - رواية Empty
17102011
مُساهمةالتوأمــــان - رواية

التوأمــــان - رواية 2011-08-18-12-53-20








التوأمــــان - رواية
محمد شاكر السبع
-
قال
أكثر مـــن واحد إن حكاية التوأمين كاظم وكاظمية مختلقة ابتدعها أحد
الظرفاء الذين تعج بهم المدينة ،وإنه لا ينبغي الوثوق بوقائعها ،غير إن
كثيرين مــن الموثوق بهم أكدواإن هذين التوأمين عاشا فــي المدينة سنوات
عديدة ،وإنه يمكن التحقق مــن وجودهما لـو راجع المعترضون سجلات الجيش
الشعبي . صحيح إن تلك السجلات لا تذكــر كاظميــةإذ إن الجيش الشعبي لم يقم
بتدريب الإناث علــى السلاح لإرسالهن إلى جبهات القتال،إلا إنهم سيعثرون
بسرعة علــى أسم كاظــم المنكود الطالع . كمــا أكــد أولئك الموثوق بهم:
صحيح إنهما لم يولدا في أحد أحياء المدينة ، إنما قدما إليها من وراء نهر
العريس، يعني من أعماق الصحراء الكائنة بين هذا النهر وحتى التلال الكذابة.
من بوسعه إنكار أو تأكيد هذا الأمر؟
لكن الموثوق بهم يروون:
لم يلفت ظهور التوأمين في شوارع وأحياء المدينة انتباه أحد فمظهراهما لا
يختلفان عــن مظاهر بؤساء ومساكين المدينة الآخرين . فــي أحــــد الشتاءات
القاسية البــرد رأى أهل المدينة فتاة شديدة السمرة حتى تكاد تكون سوداء
وتعابير وجـه قريبة الشبه برسوم إنسان
النياندرتال فــــي كتاب التأريخ القديم للصف الرابع الأبتدائي ، تقود
حمارا علــــى ظهره زكيبة كبيرة مليئة بالفحم . قبل أن تعبر جسر الكحلاء
اشترت نسوة محلة الماجدية كل ما
تحويه الزكيبة مـن فحم .عرفت كاظمية السوداء شوارع المدينة وأزقتها خلال وقت ليس
بالطويل. حازت على رضا وعطف نسوة المدينة لهدوئها وبساطتها وتسامحها في أسعار
بيع الفحم،كما إنها لم تكن ثرثارة وليست لديها أسئلة تمس خصوصيات تلك النسوة.كانت
تدخل المدينة مـــع حمارها بصمت ، وتدرج فـــي شوارع المدينة وأزقتها بصمت
وتبيـع فحمها بكلمات قليلة ، وتعود مــع حمارها إلى ما وراء نهر العريس
بصمت بعد أن تكون قد مرت بسوق الخضروات لشراء قوت اليوم التالي .
لم تشبع كاظمية فضول نسوة المدينة اللواتي كن متحرقات لمعرفة كـل شيء عـــن
بائعة الفحم السوداء . لم ييأسن وبدأن بأسئلة بسيطة لجرها إلى ثرثرة طويلة
:
- من أين تأتين بهذا الفحم الجيد ؟
- نصنعه أنا وأخي .
- من أي شيء تصنعاه ؟
- من شجيرات الصريم والطرطيع .
- من أين تعلمتما هذه الصناعة ؟
- من والدينا .
- وأين والداكما الآن ؟
- رحلا عن الحياة منذ أن كنا أنا وأخي صغارا .
لـم تستطع النسوة الفضوليات مواصلة طرح الأسئلة لأن كاظمية قد جرت حمارها بعيدا.
لـــم تعترف تلك النسوة بالهزيمة وكن ينتظرن وقتا آخر. لكــن ذلك الوقت طال أكثر مما
ينبغي . فيما بعد اكتشفت الكثيرات مـن تلك النسوة إنهـن بحن بأسرارهن لكاطمية ، غيـر
إنهن لم يقلقن أبدا لأن كاطمية غير ثرثارة وعصية على البوح بشيء.مـع ذلك فقد عرفت
تلك النسوة إن بائعة الفحم السوداء تعيش مــع أخيها التوأم كاظم فـــي
جمالي مــن الطين بسقف منحدر إلــى الجانبين مغطى بحصران مـــن القصب
المغطاة بالطين أيضا، وكان
لحمارها زريبة صغيرة تقيه مـــن المطر والريح . لم يكن كوخهما الطيني
الكبيــر يحوي الكثير من الحاجات ، فالتوأمان كانا يمدان فراشيهما على
الأرض .
في وسط الجمالي كانت هناك حفرة صغيرة مستطيلة الشكل يستخدمانها لإشعال النارمن
أجل الطبخ والتدفئة وتحضير الشاي الذي يشربانه بكثرة .لـم يكن التوأمان يمتلكان الكثير
من الطموحات التي ترهق عقليهما ، وإنما كانا يعيشان حياة بسيطة جــــدا لم يطرأ عليها
أي تغيير منذ طفولتهما . كانا يتناولان طعام العشاء والشمس مازالت فـــي
السماء ، ثـــم يبدآن فـــي رشف استكانات الشاي واحــدا تلو الآخـر. حين
يسقط الظلام يشعل أحدهمـــا النفطية التي قامت بصنعها كاظمية وهـــي
زجاجة أدخلت فيها لب طويـــل مـن البردي وأغلقت فوهتها بعجينة من التمر بعد
أن أخرجت من وسطها رأس فتيلة لب البردي .هذه
النفطية التي يستخدمها كل سكان الأكواخ الفقراء فـــي المدينة والأرياف هــــــي مصباح
الإنارة فــــي الكوخ الطينـي للتوأمين . بعد أن ينتهي الشاي فـــي القوري
يطفئ أحدهمــا النفطية ويذهبان إلى فراشيهما وسرعان ما يغطان في نوم له
غطيط .
كانت تباشير الصيف على وشك الظهور حين قال كاظم وهو يرتشف شاي الصباح :
- سيحل الصيف سريعا .
لم تعلق أخته على قوله ، عندئذ واصل :
- لا أحد يشتري فحما في الصيف .
- الرزق على الله .
- أعرف ذلك ولكن ماذا سنفعل فالله لا يرمي علينا الرزق ونحن جالسان ؟
- سنبحث عن عمل آخر .
- ما هو هذا العمل ؟
- الآن لا أعرف ما هو .
تساءل بلهجة حادة :
- لا تعرفين ؟
قالت الأخت بنبرة صوت هادئة:
- لا تستعجل .. سنجد عمل الصيف .
في ضحى اليوم نفسه وخلال ما كانت تبيع الفحم لأحدى النساء ، سألتها تلك المرأة :
- ماذا ستعملين في الصيف ؟ إن أحدا لن يشتري منك فحما .
- الرزق على الله .
- هل فكرت بعمل ما .
- لحد الآن لا .
قالت المرأة وقد اتخذت مظهر الناصحة الحكيمة :
- لماذا لا تبيعين النفط الأبيض ؟
- أبيع النفط الأبيض ؟
- نعم فكل بيوت المدينة ومقاهيها ومطاعمها تحتاج هذا النفط .
- من أين أشتري هذا النفط ؟
- من محطة النفط خانة.
- أين هذه المحطة ؟
- في الشبانة .. في الجانب الآخر من نهر دجلة .
هكذا عثرت كاظمية على مهنة الصيف . قررت أن تفكر جيدا فــي هذا الأمر الذي تجهل
كل شيء عنه . حين تنتهي من بيع فحمها تجر حمارها إلى حيث معبر النهر لتراقب من
هناك قارب العبور الذي يكتظ بالركاب الذين يرومون عبور النهرلكنها في الحقيقة كانت
تمد طرفها إلى الخزانات الكبيرة لمحطة النفط خانة . لمحت أكثر من مرة مجموعة مــن
النساء يخرجن مـــن تلك المحطة حاملات على رؤوسهن صفائح ناصعة البياض ،وكــن
يتجهن إلى حيث قارب العبور الذي ينقلهن مع صفائحهن عبر النهر. في الأيام التـي تلت
عرفت كاظمية إن تلك النسوة يبعــن النفط الأبيض بزجاجات وهــن جالسات في بيوتهن.
بدت لها فكرة بيع النفط الأبيض غاية في الجودة .
- ولكن كيف ؟
هكذا اعترض أخوها التوأم ، فتساءلت كاظمية :
- كيف ماذا؟
- كيف نبيع النفط الأبيض ؟. بتلك الصفائح الصغيرة ؟ .وكيف ننتقــل بتلك الصفائح عبر
شوارع وأزقة المدينة ؟
بعد فترة من الصمت قالت لأخيها :
- من غير المعقول أن نبيع النفط بتلك الصفائح الصغيرة .
- وإذن ؟
- سنجد وسيلة أخرى .
فــي ظهيرة أحد الأيام التي تلت تلك المحادثة مــع أخيها كانت تقف مــع
حمارها في باب بيت المرأة التي اقترحت عليها فكرة بيع النفط الأبيض. هذه
المرة كان زوجها يقف إلــى
جانبها . خلال ما كانت تملأ صندوق الخشب الصغير بالفحم سألتها المرأة :
- هل راقت لك فكرة بيع النفط الأبيض ؟
تمتمت كاظمية :
- نعم ولكن .
قطعت كلامها فسألتها المرأة :
- ولكن ماذا؟
- الفكرة سديدة جدا ولكن الوسيلة ..أعني بأي وسيلة سأنتقل لبيع النفط فـي شوارع وأزقة
المدينة ؟
تدخل زوج المرأة قائلا :
- بعربة يجرها حمارك .
تنبهت كاظمية لقول الزوج بعد أن أدركت أهمية قوله .. سألته :
- تعني عربة أضع عليها صفائح النفط ويجرها الحمار ؟
- لم أقصد هذا .
- إذن ماذا قصدت؟
- قصدت عربة تحمل برميلا كبيرا ،برميلا من براميل زيوت السيارات
قاطعته كاظمية :
- أين أجد هذا البرميل ؟
- عند باعة زيوت السيارات فـي الكراج مقابل المقبرة .ثـــم تأخذين هـــذا
البرميــل إلــى أحــد مصلحي الأنابيب ليثقبه من إحدى قاعدتيه ثم يضع في
الثقب حنفية .
- والعربة ؟
قالت المرأة لزوجها :
- لماذا لا تصنع لها العربة ؟
هز الرجل رأسه قائلا :
- إذا وافقت كاظمية على ذلك .
سألته كاطمية :
- كم تكلف العربة والبرميل والحنفية ؟.. أنت تعلم جيدا إنني فقيرة ولا أملك الكثير .
- سأصنع لك العربة مجانا ولن آخذ منك تكاليف الأخشاب .
- هل أنت نجار ؟
- نعم .. حين تريدين الوصول الى دكاني اسألي في سوق النجارين عن هوبي النجار.
- قلت إنك ستصنع لي العربة مجانا ، إذن ماذا علي أن أفعل ؟
- عليك أن تشتري البرميل والعجلات وتجلبيهما لي .
بعد ثلاثة أيام أخبرتها زوجة هوبي النجار أن زوجها أنجز صنع العربة وعليها أن تجلب
له البرميل والعجلات . جرجرت أخاها إلى كراج مصلحي السيارات لشراء البرميل.أمام
دكان هوبي النجــار أنزل كاطم البرميل مــــن على ظهر الجمـــار. شعرت
كاظمية إنهـا ستنطلق فــي الفضاء مثــل صاروخ حين رأت هيكل العربــة ، كان
هيكلا فخمــا . لـــــم يتأخر هوبي النجار عن دحرجة البرميل عبر سوق
النجارين ثــم سوق العطارين وأخيرا
سوق الحدادين . وقف أمــام دكــان يوسف مصلـح ومؤسس أنابيب المياه ، شرح
ليوسف ماذا ينبغي عليه أن يفعل . لـم يستغرق عمل يوسف كثيرا مــن الوقت ،
فعاد الثلاثة إلــى
دكان هوبي النجار والبرميل يتدحرج أمامهم .
بدا لكاظم وكاظمية إن ما يقوم به هذا النجار ليس تثبيت برميل على لوحين ضخمين مـن
الخشب ،بل هو يقوم بما يشبه المعجزة . ثبت البرميل على قاعدته الخشبية بأشرطة مــن
الحديد المطاوع .الآن أصبح لهيكل العربـة الخشبي شكل واقعــي ، ثم ثبت أخشابا أخرى
بمسامير طويلة فظهر مقعد أمام البرميل . قال يخاطب التوأمين :
- ماذا تبقى أمامنا ؟
حين رأى الحيرة تظهر في وجهي التوأمين قال :
- العجلات
سألته كاظمية :
- أين نجد هذه العجلات ؟
قال هوبي النجار وهو يخرج من دكانه :
- اتبعاني.
سارا خلفه إلى حيث أحد خانات بيع الأخشاب والحديد والأصباغ . اختار عجلتين
مـــــن الحديد المكسو بالمطاط الصلب. عاد الثلاثة إلى دكان هوبي وكان كل
من كاظم وكاظمية
يحمل عجلة علـى رأسه . بعد تثبيت العجلتين في محوريهما ظهرت العربة كاملة إلـــــى
الوجود التفت هوبي النجار إلى التوأمين وقال بما يشبه الفخر :
- هل رأيتما عربة بهذا الجمال من قبل ؟
قالت كاظمية :
- لتسلم يداك يا عمي .
قال هوبي النجار مخاطبا كاظمية :
- حمارك هذا لا يقوى على جر هذه العربة .
سألته بدهشة :
- لماذا لا يقوى ؟
- البرميل سيحمل ألف لتر من النفط الأبيض وعندئذ سيكون ثقيلا جدا ،إضافة إلى وزنك
أو وزن أخيك ، فهل بوسع حمارك الصغير هذا أن يجر كل هذا الثقل ؟
قال كاظم :
- لا نعرف يا عمي .
- إذا لم يستطع فعل ذلك عليك بالبحث عن حمار حساوي أو حصان كديش.
سألته كاظمية بإستغراب :
- حصان كديش ؟ .. ماذا يعني هذا ؟
- يعني حصانا غير أصيل .
صح قول هوبي النجار، فالحمار عجز عـــن جر العربة سوى أمتار قليلـــة .
اضطرا أن يتركا العربة فــي دكان النجار ريثما يجدا الحيوان القادر على
سحبها . قال هوبي النجار
ناصحا التوأمين :
- الحصان الكديش أفضل من الحمار الحساوي .
سألته كاظمية :
- أين نجد هذا الكديش؟
أجابها النجار:
- لدى أصحاب عربات الخيل للأجرة فهم الوحيدون الذين يملكون هذه الخيول .
سألته كاظمية :
- كيف يبيعون خيولهم ؟
- إنهم يبيعون الخيول الكبيرة في السن .
علقت :
- وماذا نفعل بحصان كبير في السن ؟
قال النجار :
- جر عربة نفط صغيرة يختلف عــن جر سريع لعربة خيل يجلس فيها ثلاثـة أو أربعـــة
أشخاص .
تجولت كاظمية وكاظم طويلا بين حظائر أصحاب عربات الخيل ،وأرهقت الكثير منهــم
بأسئلتها التي بدت وكأنها من دون نهاية.أخيرا عثرت على بغيتها فإشترت حصانا مازال
صغيرا في السن بثلاثة دنانير.
قال النجار حين ربط الحصان الى العربة :
- كيف حصلت على هذا الحصان ؟
- كان صاحب العربة قد قرر ترك مهنته .
علق أخوها :
- لكن المبلغ كبير .
رد النجار :
- هذا الحصان يستحق هذا المبلغ .
وجها الحصان بإتجاه جسر الملك غازي بعد أن ركب التوأمان العربة معا.عبر الحصان
الجسر العائم بقيادة هادئة من كاظمية إلى الحد الذي دهش فيه أخوها فقال:
- لم يسبق لك أن ركبت أو قدت حصانا فكيف فعلت ذلك ؟
- الجسر غير ثابت فهو يرتفع وينخفض مع ثقل العربة والحصان لذلك كان علـي أن أشد
على الأعنة من دون ارتخاء لكي لا يقفز بنا الحصان إلى النهر.
عبر الحصان بالعربة وراكبيها النهر وبدت خطواته هادئة على الأرض المتماسكة . فـي
باب محطة النفط خانة استقبلها العاملون بحفاوة ، فهـــم يرون للمرة الأولى امرأة ورجلا
يأتيان إليهم بعربة علــى ظهرها برميل كبير. ملأوا البرميل بالنفط الأبيض وأعطاهمــــا عامل المحطة غالون فارغ من الصفيح الملون :
- هـــذا الغالون يستوعب خمسة لترات مـــن النفط ، يعني ست زجاجات اعتياديــة . هل
تعرفان كم سعر الزجاجة ؟
أجابته كاظمية :
- نعم ، فنحن نشتري الزجاجة بثمانية فلوس .
قال العامل :
- نعم هذا هو سعرها . والغالون سيكون سعره ثمانية وأربعون فلسا .
كانت الشمس مازالت بعيدة عن الأفق الغربي حين عادت العربة على الطريق نفسه .هذه
المرة كان كاطم هو الذي يقود العربة . فــي البداية شعر بالخوف مـن قيادة الحصان لكن
كاظمية شجعته ووجهته بإرشادات سديدة وكأنها أمضت عمرها كلـــه فـــي قيادة
الخيول التي تجر العربات .لكـــن حين وصلا الجسر توقف الحصان ثم أخذ يتراجع
إلــى الخلف
خائفا مـــــن هذا الجسر الذي لا يتوقف عن الارتفاع والانخفاض فوق مياه النهر. سحبت
كاظمية الأعنة من يدي أخيها وشدت على الحصان ملوحة بالعصا في الهواء من دون أن
تضربه ، عندئذ هدأ هياج الحصان وتقدم ببطء نحو الجسر. كان ذلك العبور الذي تم مـن
دون حدوث كارثة قد جعل كاظمية تشعر بالفخر . قالت لأخيها :
- يجب أن تكون حازما مع هذه البهيمة .
اخترقت العربـــة محلة القادرية ذات الشوارع الداخلية المتربة . كان
قاطنـــو المحلة مـــن الرجال والنساء والأطفال ينظرون بدهشة إلى هذه
العربة التي يرونها أول مرة . سأل أحد
الرجال كاظمية :
- ماذا تحملين في هذا البرميل يا امرأة؟
- نفطا أبيض .
- هل تبيعين النفط الأبيض ؟
- نعم .
- بالسعر نفسه الذي يبيعه أصحاب الدكاكين ؟
- الزجاجة بثمانية فلوس ، غير إنني لا أبيع زجاجة واحدة .
- أذن ماذا تبيعين ؟
- أبيع غالونا .
- ماذا يعني هذا الغالون ؟
- يعني ست زجاجات .
- انتظري يا امرأة أنا بحاجة إلى غالون .
أوقفت كاظمية الحصان وانطلق الرجل إلى بيته الذي لم يكن بعيدا. عاد بصفيحة كبيرة من
القصدير.كانت مجموعة من الأطفال والنساء قد تجمعت حول العربة الغريبة عليهم . قالت
لأخيها بعد أن ناولته الأعنة :
- إياك أن ترخي قبضتك على العنان .
نزلت من العربة وملأت غالونها بالنفط واحتاجت إلــى قمع لتفرغه فــي الصفيحة ، عندئذ
هرول أحد الأطفال إلى بيته وعاد مهرولا أيضا والقمع فـــي يده . ما أن تسلمت النقود مـن
الرجل حتــى وصلت امرأة حاملة صفيحة مشابهة لصفيحة الرجل. ثــم تقاطر الكثير مـــن
النساء والصبيان الحاملين الصفائح البيض .
قالت إحدى النساء لكاظمية :
- كيف نعرف بمرورك في شوارعنا ؟
قالت كاظمية ضاحكة :
- سأدق على حديدة .
واصلت العربة سيرها لتخرج مــن محلة القادرية لتدخل فــي محلة الصابونجية . خلال ما
كانت تمر بمنطقة مصلحي السيارات طلبت مــن أخيها أن يبحث فــي الأرض عن
قطعتين من الحديد . كانت دكاكين المصلحين مقفلة فالغروب علــــى وشك
السقوط،وكانت الأرض
أمام الدكاكين تحوي الكثير من أدوات السيارات التالفة.اختار كاظم عددا غير قليل من تلك
القطع وهرول خلف العربة التي لم تتوقف . غاصت العربة فــي محلة المحمودية وانطلقت
بطيئة متهادية فوق شارع الفاو. كان ضوء في السماء مازال باقيا،عندئذ طلبت كاظمية من
أخيها أن يطرق حديدة بأخرى وبقوة . بدأ الأطفال يتجمعون مهرولين وراء العربـة. سألت
إحدى النساء التي وقفت بباب بيتها لتعرف ما سبب هذه الضجة :
- ماذا تبيعين يا امرأة ؟
- النفط الأبيض ؟
- انتظري فأنا بحاجة له.
- لكنني لا أبيع زجاجة واحدة بل أبيع غالونا يحوي ست زجاجات .
- سأشتري منك غالونين .
بدأت عملية بيعها بعد أن طلبت مــــن المرأة أن تعيرها قمعا . بدأ الصبيان يتقاطرون على
العربة والصفائح في أيديهم.
غمر الرضا قلبي التوأمين جراء هذا الرزق الجديد.في ذلك المساء ثرثرا كثيرا عن عملهما
وربحهما الكبير خلال أقـل مـــن نصف يــوم . كانت ليلة شديدة البرد على
الرغم مـن خلو السماء من الغيوم . كانت كاطمية قد ربطت الحصان في الباحة
الواسعة أمام الجمالي إذ إن
زريبــة الحمــار كانت صغيرة لا تتسع للاثنين .كمــا اضطرت أن تتخلــى
عـــن لحافهــــا لتغطي الحصان شريك عملها المهم جدا . قال كاظم وهو يرتشف
استكان شايه الثاني :
- في الفجر سأذهب لشراء التبن .
لم تعلق كاظمية على كلامه ، بل كانت تنظر إليه واستكان شايها فـي يدها منتظرة أن يكمل
كلامه . قال مضيفا :
- سأمزجه بالتراب وأجعل منه خميرة لكي أبني حظيرة للحصان .
- هل تبنيها غدا .
- بعد غد .
- لماذا بعد غد ؟
- لكي تتماسك خميرة التراب والتبن .. سيكون طينا صالحا جدا للبناء .
- الحصان سيموت من البرد في الليلة الثانية له وهو ينام في العراء .
- لا تخافي عليه .
- كيف لا أخاف عليه وهو الأكثر أهمية في عملنا ؟
- غدا سأبني له سقيفة واسيج جوانبها بحصران القصب ..إنها مأوى مؤقت لـــه ريثما أبني
حظيرته .
- اجعلها تسع البهيمتين معا .
- وماذا نفعل بزريبة الحمار ؟
- سنخزن فيها علفيهما.
- لماذا لا نبيع الحمار ؟
- لن نبيعه .
احتج كاظم :
- بماذا ينفعنا ؟
- في الشتاء القادم سيساعدنا في نقل الفحم إلى المدينة .
قال كاظم مندهشا :
- يعني إننا لن نترك صنع وبيع الفحم ؟
- لماذا نتركه ؟
- لكننا وجدنا رزقا أفضل منه .
قالت كاظمية بحزم :
- رزقان أفضل من رزق واحد .
فـــي الصباح وقبل أن تربط الحصان إلـــى العربة قدمت لــــه العلف والماء مثلما قدمتهما للحمار الذي خاطبته قائلة :
- كل وتنعم بالراحة فقد عملت كثيرا ، ولن تضطر للعمل طوال الصيف القادم .
خرجت بعربتها المهيبة من بيتها المتوحد وراء نهر العريس متهادية ببطء نحو المدينة. في
ذلك الطريق الترابي غير المستوي كانت كاظمية تفكر فــي أمر جديد انبثق ليلـة أمس فــي
فكرها. لم تكن هي مـــن أبتدع هذا الأمر ولكن تنهدات أخيها التوأم هـي
التـي جعلت الأمر ينبثق فــي عقلها. فكرت : إنـــه بحاجة إلى امرأة ، يجب
أن يتزوج هــذا الرجل . عند هـذا
الحد توقف تفكيرها . لــم تكن كاظمية مــن ضرب النساء الـــذي ينشغل كثيرا
فــي التفكير بالأمورالتي تطرأ على عقلها . لدلك نست الأمر برمته حالما
عبرت جسر المشرح .


O O O

حـــل الصيف الـــذي فتح أبوابــه للريــاح الشرقية الخانقـة للأنفاس . لـــم يكــن التوأمـــان
يشكوان من حالة الجو هذه،إذ إنهما قدما من أعماق صحراء هي الجحيم في فصل الصيف.
كانا قد امتلكا خبرة فـــي عملهما الجديد بمرور الأيام ، كما إن قاطني المدينة تعرفا عليهما
جيدا وقدرا لهما تهذيبهما ودأبهما على العمل من دون شكوى. لم يتغير شيء فــي حياتهما،
إنمـا التغيير حدث فــي بيتهما الطيني ، فقد ظهـر سريران حديديان وافرشة جديدة ومحمـل
خشبي للفراش وخــزن الأطعمة الجافة ، وطباخ نفطــي يعمــل بضغــط الهواء، فما عادت
كاظمية تطبخ الطعام على نيران الحطب الذي تجمعه من الأرض القريبة من البيت. فــــي
باحة البيت وفــي الجانب الآخر المقابل لحظيرة الحصان صنع كاظم سقيفة لحب ماء كبير
يجلس علــى حامل خشبي ، وغير بعيد عنـــه وضـع برميل صغير بحنفيـــة لغسل
الوجوه والأيدي وكذلك القدور والصحون. والى جانب زريبة الحمار بنى كاظم
لشقيقته تنورا مــن
الطين قام هو بصنعه لكي تصنع الخبز. أظهرت كاظمية مهارة وقدرات تثير الدهشة مـــن
أجل إدارة البيت مـــن دون تبذير. فقــد ملأت أحـد جوانب الجمالي بأكياس المؤنة والطعام
والزيت. ثم بدأت تدفن في أرضية الكوخ الطيني ما تحصل عليه من أرباح من عملها. كان
كاظم يعمل يوما في بيع النفط لسكان المدينة ،وفــي اليوم التالي تحل كاظمية محله. ومثلما
أجادت شقيقته التوأم العمل منذ اليوم الأول أجاد كاظم العمل مثلها بالمران ،وما عاد يخشى
عبور جسر الملك غازي العائم ،حتى الحصان تعود على السير فوق هذا الجسر المتحرك
صعودا وهبوطا فوق سطح النهر.
في احدى الليالي المقمرة التي بدا كل شيئا واضحا فـي الضوء البارد كان التوأمان جالسين
فوق سريريهما في الباحة أمام الجمالي ، سألت كاظمية شقيقها التوأم وهي ترشف جرعات
صغيرة من استكان شايها :
- لماذا لا تتزوج يا كاظم ؟
كان جوابه ضحكة قصيرة ثــم غطس فـــي صمته المعتاد . لـــم تكرر سؤالها
وغرقت هي الأخرى في صمت مماثل ، كما لم توجه إليه هذا السؤال فيما بعد
أبدا.
في منتصف هذا الصيف نفسه تزوجت كاطمية.لم تكن دعابة أو نكتة ثقيلة ، إنما هي حقيقة
عرفها كل قاطني المدينة . قبل الغروب بقليل دلفت كاظمية بحصانها وعربتها إلــى الباحة
الأمامية للجمالي .في الظل كان يجلس أخوها ورجل آخر غامق السمرة مثلها ومثل شقيقها
التوأم .نهض الرجلان حالما نزلت من العربة . اندفعت لتقبل الرجل مـن خده فيما هو قبلها
من جبهتها . قالت :
- أهلا وسهلا بإبن العم غافل.
قال غافل :
- كل الخير في مقدمك .
أمام الرجلين كانت طاسة بناء كبيرة مليئة بالفحم المتقد وقد دس فـــــي
جانبه قوري الشاي من الصفيح الذي اسودت جوانبه . قال كاظم يخاطب أخته :
- أترغبين في استكان شاي ؟
- نعم .
دخلت الجمالي وعادت بحصير مــن البردي فرشتــه فــي مقابل أخيها وابن عمها . تناولت
الأستكان بعد أن جلست ثم خاطبت ابن عمها :
- هل أتيتنا بأخبار سيئة ؟
- لا .
- إذن ما سبب مجيئك ؟
- اشتقت لكما يا ابني العم .
ضحكت كاظمية عندئذ سألها ابن عمها :
- ألا تصدقينني ؟
- نعم لا أصدقك .
جلجلت ضحكة كاظم بينما امتقع وجه غافل الذي قال بغضب :
- لماذا لا تصدقينني ؟
- أنا أعرفك جيدا فأنت لا تشتاق لأحد .
- هذه المرة اشتقت لكما فقد طال غيابكما .
- كيف هي أحوال القبيلة ؟
- لم يتغير أي شيء سوى إن الضنك ازداد .
بعد لحظة صمت خاطبته بلهجة هادئة جدا :
- هل جئت لتطلب منا نقودا ؟
قال هو الآخر بلهجة هادئة جدا أيضا :
- إذا كان لديكما فيض منها ؟
أطلقت كاظمية ضحكة عالية ثم قالت :
- إننا بالكاد نسد الرمق .
قال أخوها التوأم :
- قلت له ذلك لكنه لم يصدقني .
بعد العشاء الذي تناولوه والظلام لم يسقط بعد قالت كاظمية لأبن عمها :
- أنت لن تسرقنا هذه الليلة ؟
ارتجفت يد غافل التي تحمل استكان الشاي ،وتساءل بصوت متهدج :
- أسرقكما ؟
ردت عليه بلهجة باردة :
- أنا أتوقع ذلك .
قال أخوها التوأم :
- لو فعل ذلك فسأقطع عنقه حتى لو لاذ بالكعبة المكرمة .
قال ابن العم :
- ما هكذا يستقبل الضيف يا ولدي العم .
قال كاظم :
- أنا أحذرك فقط من الإساءة إلينا .
رد عليه غافل :
- أنت تعرف جيدا إن أختك تعاملني بقسوة منذ زمن طويل . إنها لا تثق بي أبدا .
في فجر اليوم التالي وخلال ما كانت كاظمية تهيئ طعام الفطور همست لأخيها التوأم:
- عليك أن تراقب غافل جيدا وأحذر من أن يستدرجك بالكلام .
- يعني ستعملين هذا اليوم أيضا ؟
- نعم ، فأنا أتوجس شرا من ابن العم هذا .
- لماذا لا تثقين به ؟
- أنسيت إنه لص ؟
- إنه يسرق من الغرباء وليس من العائلة والعشيرة .
- اللص يبقى لصا لا يؤتمن جانبه .
خرجت بعربتها بعد أن أخرجت كل نقودها المطمورة فـــي الأرض.وضعتها بقطعة مــــن
القماش ربطتها إلى بطنها بشريط من القماش أيضا . حين تأكدت إن النقود الآن
في مأمن من يدي ابن عمها اللص شعرت بالسلام يسقط فــي قلبها.في عصر هــذا
اليوم عادت لتجد
الجمالي خاليا من أخيها وابن عمها . كان وقتا طويلا لطبخ الرز.كانت قد جلبت من السوق
طاس كبير من اللبن الرائب وثلاث باقات من الفجل،وكان لديها خبز وافر من الأمس.حين
نضج الرز فــوق طباخها النفطي أفرغت قــدرها فـــي مصفــى كبير دون أن تهدر
فـــوح الرز الــذي تتمتع هـــي وشقيقها التوأم بشربه . قدمــت الجت
وبقايا القمـح وقشور الرقــي
التي جمعتها مـن سوق الخضروات للحصان والحمار، وكذلك جردلي الماء .لم يبق أمامها
سوى تقديم وجبة العشاء لأخيها وابن عمها ولها أيضا .
خلال ما كانوا يتناولون العشاء قال غافل:
- هذه المدينة كبيرة وجميلة .
سألته كاظمية :
- هل رأيتها كلها ؟
- لا.. رأيت أسواقها .. ما هــذه الأسواق الكثيرة ؟ سوق خاص للنجاريــن وآخر للحداديــن
وثالث لباعة الملابس المستعملة ورابع لباعة الخضروات وأسواق أخرى كثيرة .
قال كاظم لأخته :
- أعجبته المقاهي .. تصوري إنه دخن النارجيلة .
سألته كاطمية :
- هل أرضاك تدخين النارجيلة ؟
- تبقى السيجارة هي الأفضل .
قال كاظم :
- اشتريت له تبغا بعشرة فلوس ودفتر ورق لف السجائر .
أكل غافل بشراهة وكأنه لم يأكل منذ أيام عديدة كما شرب الكثير مـن فوح الرز.بعد العشاء
قال :
- أنتما تعيشان في الجنة يا ابني العم .
علق كاظم :
- الله سبحانه وتعالى يرسل لنا الرزق المقدر لنا .
عاد غافل يقول
- إنه رزق وفير.
قالت كاظمية بغيظ :
- هل بدأت تحسدنا يا ابن العم ؟
رد عليها غافل :
- لا ليس الحسد ولكني أقارنه بالرزق الذي يرسله الله سبحانه وتعالى لنا في الصحراء .
قالت كاظمية :
- الله يرزق من يشاء .
هز غافل رأسه موافقا ابنــة عمه. خلال الأمسية التــي تلـت وقت العشاء
تنوعت الأحاديث بينهم . كانت كاظمية تبدو منشغلة عن الأحاديث التـي تدور
بين أخيها وابن عمها غير إنها
كانت متيقظة جدا لما يقوله ابن عمها من أجل أن تعرف ماذا يبغي أو ماذا يدور فــي عقله.
إنها تعرف بما لا يرقى إليه الشك إن هــذا الرجل محتال كبير وإن بمقدوره أن يخدع مدينة
بأكملها ، لذلك فهــي قلقة ومنشغلة البال منذ حط رحاله فــي كوخها الطيني . أيقنت إنها لن
تنعم بالراحة والاطمئنان إلا إذا شد الرحال بعيدا عنها وعــن أخيها . حيــن تركهما ليقضي
حاجته بعيدا عن الجمالي قالت لأخيها هامسة :
- ألم يقل لك متى يرحل ؟
رد عليها هامسا :
- لا .. لقد وجد أكلا وشربا وتبغا وورقا وشايا فلماذا يرحل ؟
- هل أطرده ؟
- إياك أن تفعلي ذلك يا كاظمية ؟
- سأواجهه بعد أن تنقضي أيام الضيافة الثلاثة .
- إذن لن أكون موجودا حين تفعلين ذلك .
- كما تشاء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

التوأمــــان - رواية :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

التوأمــــان - رواية

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: