لم يكن من قبيل الصدفة ان تتخذ حكومة بنيامين
نتنياهو قرارات ببناء عشرات الوحدات السكنية الجديدة في القدس المحتلة قبل
يوم واحد من زيارة رئيسها الى مصر، واللقاء مع الرئيس حسني مبارك،
فالرسالة الاسرائيلية واضحة مفادها ان عمليات الاستيطان مستمرة، وان القدس
هي العاصمة الموحدة والأبدية للدولة الاسرائيلية.
نتنياهو تعمد ايضا ان
يضع شروطه لاستئناف العملية التفاوضية للوصول الى تسوية سلمية وهو في
طريقه الى شرم الشيخ، عندما اكد أن الاعتراف باسرائيل دولة يهودية هو موقف
نهائي لا يمكن التخلي عنه، كذلك الاستيطان في القدس المحتلة دون اي قيود.
ومن
المفارقة ان زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي الى مصر، ولقاءه مع رئيسها،
يتمان تحت عنوان 'احياء عملية السلام'، ولا نعرف كيف يتم احياء هذه
العملية في ظل هذه الشروط والممارسات الاسرائيلية الارهابية في الاراضي
المحتلة.
فقبل ثلاثة ايام اقدمت قوات الامن الاسرائيلية على اعدام
ثلاثة فلسطينيين ينتمون الى حركة 'فتح'، حزب السلطة الحاكم، امام زوجاتهم
واطفالهم في احد احياء مدينة نابلس، وقتلت ثلاثة آخرين في قطاع غزة كانوا
في حقل مجاور للحدود.
ولا ننسى ان نتنياهو يريد احياء العملية السلمية
مع استمرار الحصار التجويعي على قطاع غزة، بل واتخاذ اجراءات اكثر صرامة
لتشديده من خلال الضغط على الحكومة المصرية لبناء السور الفولاذي على
الحدود مع القطاع.
وربما لا نبالغ بالقول ان اللقاء الذي تم بين الرئيس
مبارك وضيفه الاسرائيلي نتنياهو لم تكن له اي علاقة بالعملية السلمية،
وحتى اذا وجدت هذه العلاقة فإنها ثانوية تحتل مرتبة متدنية على جدول اعمال
الزيارة.
نتنياهو يزور مصر، ويلتقي رئيسها حسني مبارك من اجل هدفين
اساسيين، الأول هو كيفية تعزيز اجراءات التنسيق الأمني المصري ـ
الاسرائيلي تجاه حصار قطاع غزة، ومحاربة حركات المقاومة وممارسة ضغوط اشد
على سكان القطاع على امل الثورة ضد سلطة حماس، اما الثاني فله علاقة
مباشرة بالملف النووي الايراني وكيفية التعاطي معه من قبل الدول الاقليمية
المتضررة من استمراره مثل مصر ودول الخليج علاوة على اسرائيل.
ويظل
هناك سبب ثالث اقل اهمية، وهو رغبة نتنياهو في كسر الجليد في العلاقات
الشخصية بينه وبين الرئيس مبارك، حيث تأزمت هذه العلاقات اثناء معركة
انتخابات امين عام منظمة اليونسكو. فالرئيس مبارك تلقى رداً ايجابياً من
نتنياهو على طلبه بوقف الحملات الاسرائيلية واليهودية، المناهضة للمرشح
المصري فاروق حسني، ولكن نتنياهو لم يف كلياً بالتعهد الذي قدمه للرئيس
المصري في هذا الصدد، حيث تواصلت حملات اللوبي اليهودي ضد السيد حسني،
وانتهى الأمر بخسارته المعركة الانتخاببية امام مرشحة اوروبية.
نتنياهو
غادر الاراضي المصرية دون أن يكشف بشكل واضح عن نتائج زيارته، بينما اكتفى
السيد احمد ابو الغيط وزير الخارجية المصرية بتكرار مواقف حكومته السابقة
المناهضة للاستيطان، ولكن الايام المقبلة قد تكشف هذه النتائج، من خلال
تطبيقاتها العملية على الارض.
كان بودنا ان نطالب الرئيس المصري بعدم
استقبال رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي قتل العملية السلمية بسياساته
الاستيطانية الاستفزازية، واقتحامات مستوطنيه المتطرفين المتواصلة للمسجد
الأقصى وباحته، ولكننا لا نرى اي فائدة من ذلك، وكذلك من توجيه اي نقد
للزيارة واستقبال صاحبها في مثل هذا التوقيت.
فقد اصبح واضحاً ان
الرئيس مبارك بات يترك للصحافة ان توجه ما شاءت من الانتقادات لسياساته
تجاه اسرائيل، وتسخيره كل امكانيات مصر الامنية لحماية امنها، بينما يواصل
هو هذه السياسات بإصرار وعزيمة. فهو يترك الكتاب يصرخون من قبيل التنفيس
لا اكثر ولا اق