سبينوزا فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1432
الموقع : العقل ولاشئ غير العقل تعاليق : لاشئ يفوق ما يلوكه العقل ، اذ بالعقل نرقى عن غرائزنا ونؤسس لانسانيتنا ..
من اقوالي تاريخ التسجيل : 18/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 5
| | سيكولوجية كرسي السلطة في المغرب: بحث في القدرات الاستيلابية | |
[b]
[/b] [b]
ظل التاريخ الإنساني حافلا بالتفكير في بلورة البناءات النظرية حول السلطة من خلال التفصيل في مقوماتها ومكوناتها ومكنونها الداخلي ،وبعدها الوظيفي وتشكلاتها وأنماطها وتأثيراتها ،وتمخضت عن ذلك العديد من الدراسات التحليلية التي تختلف وتتعارض في حين ،وفي أحايين أخرى تتجامع وتتكامل حول تفسير السلطة ،وظل أيضا تحليل المكونات والبناءات النفسية للسلطة ركنا حاضرا ونالت نصيبها من التمحيص والتدقيق ،وبالتالي أصبحت جل الانتاجات الفكرية متعددة الأبعاد ،وشملت مقاربات مختلفة ومتشعبة لإحداث نسقية مفهومية للسلطة سواء على مستوى ظاهرها أو على مستوى باطنها وكامنها. فاستثارة موضوع البعد النفس/السيكولوجي لكرسي السلطة ينبع أساسا من خلال محاولة الخوض في طبيعة البنية العلائقية الجامعة بين كرسي السلطة والشخص الممارس للسلطة ،عن طريق الكشف عن علاقات التأثير والتأثر ،إلى جانب اعتماد مقاربة استقرائية للقدرة التأثيرية النفسية للكرسي على صاحبه ،وما ينتج عنه من سلوكيات وممارسات سياسية واجتماعية تستعصي على الفهم في كثير من الأحيان ،لأن الأمر هنا لا يتعلق بكرسي عادي يكون موضع الاستعمال اليومي من الأفراد العاديين وإنما يحضر الكرسي في هذا المقام بدلالاته الرمزية التعبيرية على السلطة ،والذي يكتسي مكانة سامقة ومرموقة ويملك هرموناته الاستيلابية الخاصة .وماهو أكيد أن مضامين سيكولوجية كرسي السلطة في المغرب تختلف عن نظيراتها في الديمقراطيات الغربية ارتباطا بما وصلت آلية هذه الدول من نضج ديمقراطي كانت له تداعيات ايجابية على سيكولوجية الكرسي تجعله موجها لخدمة الصالح العام بالدرجة الأولى على خلاف المغرب الذي يأخذ فيه سيكولوجية الكرسي حمولة سلبية ،حيث يوظف في خدمة الأغراض الشخصية . إن كرسي السلطة يملك جاذبية وسحرية من الصعب على المرء مقاومتها أو التمنع على الاستفادة من فضائله ،ويحدث نوعا من الانجذاب اللامتناهي في نفوس الأفراد،فهو مفتاح النجاح وموضع إحقاق الوجاهة الاجتماعية وامتلاك النفوذ والتقرب من السلطة مما يجعله دائما في موضع التنافسية والصراعات والتسابق بين النخبة والعامة للفوز به والحصول عليه حيث تستثمر أموال طائلة وتوظف الوسائل المشروعة وغير المشروعة ،لأنه يشكل بالنسبة للفرد أجدى استثمار يعود عليه بالنفع في الحاضر والمستقبل فكرسي السلطة حافل بالمغريات والإغراءات التي لها قوة تأثيرية واختراقية للعقول وآسرة للقلوب أيضا ،تجعل الجالس عليه يتعرض لتنويم مغناطيسي ويحوله إلى شخص يأتمر به وينزع عنه كينونته الذاتية ويدخله في غياهب الاغتراب وحالات الانفصام ويتحول إلى "الشخص النقيض" المتنكر لأصوله. و يشكل الكرسي بترانيمه مصيدة للإيقاع ببعض النخب التي يصعب ترويضها وبالتالي استقطابها والعمل على تدجينها وتجريدها من كل المقومات الذاتية والموضوعية وجعلها أداة طيعة في خدمة السلطة،وأدل على ذلك كيف يتحول المناضل السياسي الذي له تاريخ حافل بالنضالات والاعتقالات الى خديم للسلطة مجرد حصوله على كرسي المسؤولية ،وينقلب على مبادئه وتصوراته ويركب منطق التبرير و التسويغ والتضليل وتسويق املاءات السلطة والتطبيل والانصهار الكلي،فهذا الكرسي ينزع عنه هويته السياسية ويفقده بوصلة السير الصحيح ،وينساق وراء الكسب والانتفاع الماديين الذاتيين وكأنه في حالة من الانتقام من كل الأيام التي عانى فيها من الحرمان من كرمات وهبات التقرب من السلطة استفاد منها أقرانه في السياسة ،فهو يكون في سباق مع الزمن لنيل المزيد والكثير حتى وان كان هذا المسار يجعله محل الاتهامات المجتمعية التي يندثر وينمحي معها رصيد تاريخه النضالي السياسي ،ويتم تصنيفه ضمن خانة النخب التي حفل تاريخها السياسي بالانتهازية والوصولية طبعا وتطبعا. كيف تصبح كراسي المناصب الوزارية محط سباق محموم بين كل الفاعلين ومحل رهان الجميع يصل فيه الأمر درجة بيع الذمة ،وتقديم التنازلات مقابل ولوج دوائر السلطة والتكرم بامتيازاتها ومنافعها باعتبارها الممر الطبيعي نحو الرقي الاجتماعي ،وهذا ما يبين رهن الممارسة السياسية/الحزبية واحتكام التحالفات والاصطفافات إلى المقدار الكمي من المناصب الوزارية. وكيف يصبح البرلماني رهينة لسياجات الكرسي داخل البرلمان ويتحول إلى فرد آخر يتوجه إلى كسب ود السلطة ،وينعزل عن ممثليه ،بعدما أثقل كاهل أذنيهم بالوعود والعهود التي تنصل منها مجرد جلوسه على كرسي البرلمان ،وانغماسه في قضاء مآربه وأغراضه الشخصية ،وسعيه الدائم في ربط علاقات تنسجم مع ارتقائه الاجتماعي و يتناسى موقعة انتخابه وانتدابه ،إنها بالفعل مطبات ومتاهات سيكولوجية كرسي البرلمان وتحاملاته التي يستسيغها و يرتضيها كل ساع إليه. إن كرسي السلطة يفرض على صاحبه الالتزام بجملة من المراسيم والبروتوكولات التي لم يعتدها في حياته اليومية ،حيث يتقيد بها ولا يمكنه القفز عليها أو هجرها وهي كلها تستلهم مناهلها من طبيعة السلطة في حد ذاتها التي تضفي على ممارسيها نوعا من الأبهة والسمعة المتعالية عن باقي الأفراد العاديين، فيتغير هندامه وطريقة كلامه ومشيته بالشكل الذي ينسجم مع قوة السلطة وفروضها، كما أن صاحب الكرسي ينتابه دائما الخوف والقلق وقلة النوم وفقدان طعم الحياة الاجتماعية العادية ويظل تحت رحمة املاءات مشاغل الكرسي ،وعوض أن يسيطر عليه يصبح هو تحت هيمنته ويقضي أغراضه ويصبح فردا مجردا من خياراته وقناعاته ،فرد مساير منقاد تعوزه القدرة على الرفض والمجابهة ،فرد مشيء /أداتي يعمل بصورة آلية . كيف يتجرد الفرد من انسانيته مجرد وصوله الى كرسي السلطة ،وتتبدل سيكولوجيته ويركب طريق الحديث على الاكراهات التقنوية،و يتقيد بمنطق الحسابات والتوازنات المالية في المقاربات الاجتماعية والاقتصادية دون اعارة الاهتمام للمعطى الانساني الهادف الى استحداث التنمية الحقة ،حيث تنتقل الى هذا الفرد امراض الكرسي وموبقاته وكدماته ويصبح ناطقا باسمه لا بما يمليه ضميره. وتستمر تاثيرات كرسي السلطة بسيكولوجيته المرضية المتعصية على العلاج ليكون المرء امام خيار النزوع الى ارتكاب كل الافعال غير المشروعة ،والتنصل من فعل الواجب والتجرد من الاخلاق والنفاق والتحايل والتمادي في فعل كل ماهو غير لائق ،وهذا منظور وحاضر في انتشار مظاهر الفساد في تجلي اختلاس الاموال العمومية التي تتم عبر ممر استغلال كرسي السلطة ،وما يوفره من امكانات وضع اليد على ممتلكات الشعب ،واستنزافها في الوقت الذي يطلب منه ان يكون امينا عليها. ان سيكولوجية الكرسي تحدث عملية ردم حقيقية لكل القيم والاتجاهات والدوافع وانماط الشخصية التي تتكون لدى الفرد على طول مساره الحياتي ببعديها الاجتماعي والسياسي، لتستبدلها باخرى تخدم منطق السلطة واستحكاماته في سيكولوجية الفرد لتشكله على مزاجها ويكون في مستوى رهاناتها وتطلعاتها،فكرسي السلطة عبارة عن ماكينة لصناعة الفرد المرغوب فيه والمحكوم به .الفرد الخنوع الغير المتمرد ،المساير ،الفرد الذي يخدم الكرسي مقابل خدمته له في اغراضه ،عندئذ تضيع مصالح المواطن تحت يافطة التوافقات النفسية المثلبية بين الكرسي وصاحبه.
[/b] | |
|