على بعد أيام قليلة من الاستفتاء حول الدستور، ما عاد يهم مضمون الوثيقة،
و لا أبانت الدولة عن رغبتها في الإقلاع عن سلوك إظهار ما تتوفر عليه من
أدوات الإكراه، من أجل ترسيخ هيمنتها و سيادتها على مجريات الورش
السياسي....هو ميلاد لحظة أخرى لتقييم هذا الذي حصل من جهة، و استشراف
آفاق ما بعد الاستفتاء على ضوء ما تقدمه الوثيقة ذاتها....
خارج نتائج التصويت، و التي لا تخضع لمنطق الإقناع و الحوار،بل لوسائل
الإكراه و التجييش التي أشرنا إليها سابقا،يبقى المنحى العام للسجال
الوطني حول الوثيقة الدستورية،يؤشر لكونها تشكل تقدما ملموسا بالمقارنة مع
ما هو متوفر كوثيقة دستورية التي تعود لسنة 1996،لا تستجيب لكل متطلبات
المرحلة بالتأكيد،بها نواقص و فخاخ و ألغام تسببت فيها رعونة و سعار
الجانب المحافظ من التعبير السياسي للمجتمع، و استكانة الصف الديمقراطي
الحكومي لأخبار المغانم من جهة، و الصف الديمقراطي المدني لتواجد شخصيات
بتوجهات حداثية داخل اللجنة....كانت الغلبة لمنطق الصراخ و التهديد ،و
على حد تعبير أحد أعضاء اللجنة الاستشارية المكلفة بصياغة الدستور:جهة
مارست السياسة و جهة لم تمارسها....
يبقى التوجه
الحداثي هو الرابح الأكبر، رغم كل ما قيل، و ضمنه ما قلته سابقا حول
الدستور،لأن هذا الأخير فتح مداخل عديدة ، للترافع حول إشكالات مجتمعية،
لن يحسم فيها النقاش إلا لصالح الحداثة و التقدم، ضد النكوص و ضد
الظلام....
أعيد التفكير في كل هذا، و أنا اقلب
مفهوم الدولة المدنية التي سحبت من النص الدستوري، و ما استطاع أحد أن
يسحبها من الواقع الاجتماعي،لا أزايد على مفاهيم فلسفية شرحت هذه الدولة
المدنية، لكنني أتأمل هذه الحشود الغفيرة التي حجت لحفل شاكيرا و الجماهير
التي واكبت الحفل الختامي لمهرجان مدينة الصويرة و الذي أحياه خمسة من
كبار "معلمي" كناوة، و كذا الحفلات التي أقيمت في مهرجان تينميتار بأكادير
و غيرها من المهرجانات في ربوع الوطن....أتأمل كذلك مناحي الحياة العامة،
و لا أجد للسلوك الديني ، بمفهومه الوهابي المتزمت،اثرا في حياة
المواطنين،الذين يعيشون باليسر الطافح ،داخل منظومة أخلاقية خفيفة، تؤمن
البهجة و الكثير من العفة...
ما يهم إن سحبوا الدولة المدنية من الدستور....فللواقع حكمه الذي لا يعترف بفصول لا تعكسه في القانون.
ما يسائلني بعد الفاتح من يوليوز،بالإضافة للتنزيلات الممكنة لما جاء به
هذا المشروع، مدى تملك المواطن لهويته المواطنتية...بمعنى إلى أي حد
سيستطيع المجتمع المدني أن ينخرط في مسلسل دمقرطة المجتمع لا النص،بما
يمكنه من إنتاج نخب سياسية قادرة على ممارسة هذا "التقدم" الحاصل في مشروع
الوثيقة الدستورية هذه...في ضل وجود نسبة كبيرة من الأمية، و في ظل عزوف
سياسي قاتل و في ظل سيادة قيم مصلحية و أنانية وسط المواطنين، و الشباب
بالخصوص، نتيجة سنوات كثيرة من تبخيس الفعل السياسي، و من ازدراء الشعور
بالانتماء للوطن، و بالتغريب باتجاه فضاءات اقتصادية تضمن شروط العيش
الكريم و الكثير من الديمقراطية، أو التشريق باتجاه فضاءات تكرس
اللاانتماء للوطن في مقابل الانتماء للأمة و الدين، و تضمن شروط عيش
ميتافيزيقية بعد الرحيل عن هذه الحياة....
إن
معركة المواطنة، في مفهومها الأول، أي الشعور بالانتماء للأرض، و للجماعة
مؤطرة بالدولة، هي التي ستحدد مستقبل المجتمع برمته، و هي معركة مصيرية
كان عليها أن تبدأ فور صدور الوثيقة الدستورية، لكن للأسف ما أثار انتباهي
و أنا أعيد الذاكرة للقصير من الزمن الذي انخرطت فيه في هذا السجال
العمومي، و هو أن لا ندوة، و هي تناقش الحقوق و الحريات،تطرقت للفصول التي
تتكلم عن واجبات المواطنين....هي ثلاثة فصول لا غير...لكنها تشكل أضلاع
مثلث الحرية و العدالة و المواطنة