شهدت معظم المدن السورية مظاهرات احتجاجية صاخبة طوال
يوم امس، ردد المتظاهرون خلالها شعارات تطالب بتغيير النظام وردت عليها
قوات الامن باطلاق الرصاص الحي مما ادى الى استشهاد اكثر من خمسة وثلاثين
شخصا حتى كتابة هذه السطور، حسب تقارير منظمات حقوقية سورية ودولية.
من
الواضح ان النظام السوري مصمم على مواجهة الاحتجاجات بالرصاص الحي، وبهدف
القتل، لبث الرعب في نفوس الثائرين على الاوضاع القائمة، ولكن النتائج تأتي
عكسية تماما، فالشعب السوري، او قطاعات عريضة منه على وجه التحديد، لم تعد
تخشى الموت، وبالتالي لم تعد تخشى النظام واجهزته الامنية القمعية.
كان
لافتا في مظاهرات الامس ان اضخمها جاء في مدينة حماة التي شهدت مجزرة في
الثمانينات اختلفت التقديرات حولها، عندما اقتحمتها قوات الامن السورية
وقتلت وجرحت عشرات الآلاف من ابنائها المناهضين للنظام، والمطالبين بتغيير
طبيعة النظام واستبداله بحكم اسلامي.
نزول ابناء المدينة الى الشوارع
والميادين بالالاف (هناك من يقدر العدد بخمسين الفا) ينطوي على اهمية خاصة،
فقد ظلت المدينة هادئة بعض الشيء، خاصة في بدايات الانتفاضة بالمقارنة مع
جارتها مدينة حمص، مما يعني ان حالة الخوف التي هيمنت عليها نتيجة للمجزرة
التي تعرضت لها، وما تلاها من اعتقالات واسعة وتعذيب ممنهج، قد تبخرت، وهذا
مؤشر خطير بالنسبة الى النظام، واضافة كبيرة قد يكون لها زخم اضافي على
صعيد تأجيج الاحتجاجات جنبا الى جنب مع زخم آخر لا يقل اهمية وهو نزول
الاكراد في القامشلي ودير الزور والحسكة الى جانب اشقائهم العرب في ميادين
الاحتجاجات.
ومن المفارقة ان احتجاجات الامس جاءت بعد ايام معدودة من
صدور عفو رئاسي على مئات المعتقلين السياسيين، والاسلاميين منهم خاصة، وكأن
لسان حال القائمين عليها يقول بان هذا العفو جاء متأخرا جدا، ولن يوقف
الاحتجاجات الشعبية، او يقلل من ضخامة المشاركة فيها. واذا كان انتحار
الشاب محمد البوعزيزي في تونس اشعل الثورة التونسية التي اطاحت بالرئيس
التونسي زين العابدين بن علي ونظامه القمعي الفاسد، فان تعذيب رجال الامن
السوريين الوحشي للصبي السوري حمزة الخطيب قبل قتله، ربما يؤدي الى صب
المزيد من الزيت على نيران الاحتجاجات الشعبية، خاصة ان صورة الجثمان وآثار
التعذيب عليه التي بثتها الفضائيات بشكل مكثف، وقناة 'الجزيرة' على وجه
الخصوص، فجرت مشاعر الغضب في نفوس معظم السوريين، والعرب عموما، لبشاعتها.
النظام
السوري يرتكب خطأ كبيرا، بل خطيئة كبرى اذا اعتقد ان سفك الدماء بهذه
الطريقة، وكل يوم جمعة، سيؤدي الى السيطرة على الاوضاع، ووضع حد للاحتجاجات
المطالبة بالاصلاح الجذري الذي يضع حدا للاهانات المتلاحقة بالشعب السوري.
فالشعب السوري لا يستحق كل هذه الاهانات، وهو الذي صبر اكثر من اربعين
عاما على الظلم ومصادرة الحريات واهدار كرامته.
اليوم السبت ستنطلق
الجنازات لتشييع الشهداء في حماة ودير الزور وحمص وريف حلب ودمشق وغيرها،
حيث ستتأجج مشاعر الغضب بشكل مضاعف، وهو امر طبيعي بالنسبة الى اناس فقدوا
اعزاءهم وفلذات اكبادهم. ولكن ما هو غير الطبيعي، بل والمستهجن ان يواجه
النظام وقواته الامنية مشاعر الغضب والحزن هذه ليس بالتعاطف والتفهم، وانما
بقتل المزيد.
دوامة العنف والجبروت هذه لن تقود سورية الى بر الامان،
وانما الى مستقبل مجهول، عنوانه المزيد من الدماء والحرب الاهلية التي قد
يشتعل اوارها لاشهر ان لم يكن سنوات.