لعرب يغطّون تدخّلاً «أطلسيّاً» في ليبيا... وسيف
الإسلام يتوعّد بـ«تحرّك شامل» صورة للقذافي على أريكة في أحد بيوت طرابلس امس
(جيرومي ديلي ــ أ ب)
مع الاجتماعات المتتالية في بروكسل وباريس وواشنطن والقاهرة
والرياض، بدأت تظهر معادلة التدخّل الدولي، الذي بات من المرجّح أن يكون
«أطلسيّاً». معادلة عبّر عنها الأمين العام للحلف أندرس فوغ راسموسين، الذي
طلب «تأييداً إقليميّاً للمساعدة»، يُنتظر أن يقدّمه وزراء الخارجيّة
العرب غداً، مع استعداد للمشاركة في الحظر الجوي المرتقب فوق ليبيا باتت عجلة مشاورات التدخّل الأجنبي في ليبيا
تسابق التطورات الميدانية، التي بدا واضحاً أنها تضع الثوار في موقف خطر،
ولا سيما مع تركّز القتال على المناطق الشرقية، حيث تتوالى الغارات مع
الأنباء عن تقدّم لقوات العقيد. تطوّرات دفعت سيف الإسلام القذافي إلى
الخروج بتهديد صريح بشنّ هجوم معاكس شامل على مواقع الثوار، الذين باتوا
بانتظار الإمداد الخارجي، الذي يبحثه الاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الأطلسي
اليوم.
وبالتوازي مع المشاورات الدولية على خطّي الاتحاد الأوروبي والحلف
الأطلسي في بروكسل، تحركت الدبلوماسية الدولية نحو بحث الاعتراف بالمجلس
الوطني الانتقالي الليبي المعارض ممثلاً للشعب الليبي. وفي الوقت عينه،
واصل البيت الأبيض الدفاع عن موقفه من الأزمة الليبية، بخصوص فرض منطقة حظر
جوي ودراسة خيارات أخرى، فيما كشف دبلوماسيون أن دولاً عربية تتجه الى دعم
قرار دولي بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا، لمنع نظام العقيد معمر القذافي
من التمادي في قصف معارضيه بالسلاح الجوي.
وفي الوقت الذي شهدت فيه مدن رأس لانوف والبريقة الشرقية والزاوية الغربية
قصفاً مدفعياً وجوياً من مواقع كتائب القذافي، هدّد سيف الإسلام القذافي
بـ«تحرك عسكري شامل لسحق التمرد». وأشار إلى أن «ليبيا لن تستسلم حتى لو
تدخلت القوى الغربية في الصراع». وأضاف في مقابلة مع «رويترز» إنه «حان وقت
التحرير. حان وقت التحرك. نحن نتحرك الآن».
ولدى سؤاله عما إذا كانت الحكومة تعدّ لتصعيد حملتها العسكرية أم التفاوض،
ردّ قائلاً «فات الوقت الآن. حان وقت التحرك. أعطيناهم أسبوعين (للتفاوض)».
وتابع «لن نستسلم أبداً. لن نستسلم أبداً. هذا بلدنا. نحن نحارب هنا في
ليبيا. الشعب الليبي ونحن لن نرحب أبداً بحلف شمالي الأطلسي. لن نرحّب
أبداً بالأميركيين هنا».
وشدد نجل القذافي على أن بلاده لم تعد ترغب في عضوية الجامعة العربية التي
علّقت مشاركة ليبيا في اجتماعاتها، احتجاجاً على استخدامها العنف ضد
المتظاهرين. وقال إن «العرب والجامعة العربية لم نعد نريدهم»، مضيفاً «نحن
لا نريد عمالة عربية، سنأتي بعمالة بنغالية وهندية».
وفي القاهرة، أشار الدبلوماسيون العرب الى أن دولة الإمارات العربية
المتحدة قدمت مشروع قرار بتأييد منطقة الحظر الجوي سيعرض على الاجتماع
العربي الطارئ، الذي دعت إليه مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي غداً.
وأكدوا أن المشرع يحظى بدعم سعودي قوي، إضافة الى تأييد من باقي دول مجلس
التعاون وعدد من الدول العربية الأخرى.
وتوقع الدبلوماسيون المشاركون في المناقشات اعتراض كل من سوريا والجزائر
وموريتانيا على القرار، إلا أنهم أشاروا الى إمكان التصويت عليه بالغالبية،
لا بالإجماع، كما يحصل في قرارات هامة تتخذها الجامعة العربية. ونوّه
الدبلوماسيون بحماسة فائقة للدبلوماسية السعودية في دعم القرار وكذلك اتجاه
سعودي للمشاركة في جهود فرض منطقة الحظر الجوي فوق ليبيا إذا ما تطلب
الأمر.
وفي الرياض، أكد المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي أمس «عدم شرعية»
النظام الليبي وضرورة «إجراء اتصالات مع المجلس الوطني الانتقالي» الذي
أقامه الثوار. ودعا «مجلس الأمن الدولي إلى فرض حظر جوي على ليبيا لحماية
المدنيين».
وكانت دمشق قد أعلنت موقفها، أمس، إزاء الوضع في ليبيا، في بيان صدر عن
وزارة الخارجية، أكدت فيه «رفضها لكل أشكال التدخل الأجنبي في الشؤون
الليبية، باعتباره خرقاً لسيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها، ويتعارض
مع ميثاق جامعة الدول العربية ومبادئ القانون الدولي».
وفي انتقاد غير مباشر لممارسات القذافي في إخماد الانتفاضة الشعبية، أضاف
البيان إن سوريا «تدعو إلى ضرورة الحفاظ على حياة المدنيين، ووقف العنف
حيال أبناء الشعب الليبي، واللجوء إلى الحكمة والحوار لتلبية طموحات هذا
الشعب».
وكانت صحيفة «الوطن» السورية قد نقلت عن مصدر رسمي نفيه مشاركة سوريين في
قصف الثوار الليبيين، كما جاء في نشرة «أنتلجنس أونلاين» الاستخبارية
الفرنسية، التي تحدثت عن وجود طيارين سوريين مستعدين للمشاركة في تنفيذ
أوامر القذافي وضرب المتظاهرين والثوار في ليبيا.
وفي الجزائر، كشف وزير الخارجية، مراد مدلسي، أنه رفض طلباً من نظيره
الليبي، موسى كوسا، بأن «تقود الجزائر مبادرة إلى مجلس الأمن الدولي في
أقرب وقت ممكن، ليتراجع عن بعض العقوبات المفروضة أخيراً على ليبيا».
أمّا السياسة الأميركية، فقد شددت أمس على اتخاذ «إجراء قوي» في مواجهة
الأزمة الليبية، حيث بحث طاقم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، للأمن القومي
والسياسة الخارجية الخيارات المتاحة.
وفي أعقاب اجتماع حضره مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي
إيه)، ليون بانيتا، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية،
الأميرال مايك مولن، ومستشار الأمن القومي، توم دونيلون، إضافة الى وزيرة
الخارجية هيلاري كلينتون، لم يتضح أن هناك إجراءً وشيكاً تم الاتفاق عليه،
حسبما ذكر المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني.
غير أن وزيرة الخارجية الأميركية اعترفت بوجود معارضة كبيرة داخل مجلس
الأمن لاستصدار قرار للموافقة على إنشاء منطقة حظر للطيران على ليبيا،
وأضافت إن الولايات المتحدة وحلفاءها في أوروبا يعملون للتوصل إلى اتفاق
دولي جيد وقوي في هذا الصدد.
وحرصت الوزيرة الأميركية، في مقابلة مع شبكة تلفزيون «سي بي إس»، على حصول
إجماع دولي على أي قرار يمكن اتخاذه في هذا الشأن، قائلة «إننا نعتقد أن من
المهم ألا يكون فرض الحظر الجوي على ليبيا جهداً أميركياً أو لحلف شمالي
الأطلسي أو أوروبياً، بل يجب أن يكون جهداً دولياً».
وفي تأكيدٍ للتردّد في الموقف الأميركي حيال أي تدخل في «الهضبة
الأفريقية»، قالت كلينتون «لا نريد أن يكون هناك أي مجال لأي شخص، بمن فيهم
العقيد القذافي، للقول إن ما يحدث من حرب شاملة ضد الشعب الليبي ليس من
جانب أتباعه، بل من جانب غرباء ومرتزقة، لأن ذلك سيسيء إلى تضحيات الشعب في
ليبيا».
وفي إطار الاتصالات الجارية بين المعارضة الليبية ومسؤولي الدول الكبرى،
كشفت وزيرة الخارجية الأميركية عن أنها ستلتقي المعارضة الليبية خلال
زيارتها تونس ومصر، وفي الولايات المتحدة.
وفي بروكسل، أكد وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أن
العقيد القذافي «فقد صفة المحاور الشرعي» بالنسبة إلى الاتحاد، مطالبين
إياه بالرحيل. وقال بيان صدر في أعقاب انتهاء اجتماعاتهم أمس، إن الاتحاد
الأوروبي وضع آليات قرار فرض عقوبات جديدة على نظام القذافي، ومن المقرر أن
يبدأ سريان هذه العقوبات الجديدة اليوم الجمعة فور نشرها في الجريدة
الرسمية للاتحاد.
في موازاة ذلك، أكد الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي، أندرس فوغ راسموسين،
أن عامل «الوقت مهم جداً» في الأزمة الليبية، مشيراً الى أن أي تدخل عسكري
ضد النظام الليبي يجب أن يكون على أسس قانونية ويحصل على تأييد من المنطقة.
وقال راسموسين، خلال اجتماع وزراء دفاع الحلف في العاصمة البلجيكية، إنه
«إذا برزت حاجة واضحة، وإذا جرى تخويلنا بوضوح وحصلنا على تأييد إقليمي
قوي، فإننا مستعدون للمساعدة»، موضحاً في الوقت عينه أن الحلف مستعد لدراسة
«خيارات» عسكرية ممكنة إذا لزم الأمر، مؤكداً أن الحلف عزز الرقابة على
الأجواء الليبية من خلال طائرة مزوّدة برادار.
بيد أن وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، أكد أن الحلف وافق على إعادة
تمركز سفنه لتصبح أكثر قرباً من ليبيا، موضحاًً بعد اجتماع الأطلسي «في
اعتقادي أننا لا نتحدث في الواقع كثيراً بشأن زيادة عدد السفن، بل بشأن
إعادة تمركز السفن الموجودة بالفعل في المنطقة (لتكون أقرب الى ليبيا)».
في المقابل، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في موسكو، أن «التدخل
العسكري في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية والدول الواقعة في القارات
الأخرى يعدّ أمراً غير مسموح