فضيحة. ليس هناك وصف آخر يليق بما قاله نجل الرئيس الليبي سيف الإسلام معمر
القذافي عندما خاطب الشعب الليبي ليل أمس الأول على التلفزيون، وكان
بمثابة كابوس مرعب طرد النوم من عيون كل من سمعه وشاهده، لا سيما اولئك
المساكين الليبيين والعرب والأفارقة المقيمين معهم الذين يدفعون هذه
اللحظات ثمن واحدة من أخطر عوارض العته.
لوهلة بدا معمر القذافي، الذي يقف منذ سنوات عديدة على بوابة مستشفى
المجانين، رجلاً عاقلاً وحكيماً ورزيناً، بالمقارنة مع نجله الأكبر الذي
بدا انه خرج للتو من الغابة حيث يمضي في العادة وقته بين الوحوش الضارية،
فقط لكي يطلق تهديدات لم يسبق للتاريخ ان شهد مثيلاً لها، حتى من جانب عدو
يستعد لغزو بلد ما والتنكيل بشعبه، من دون أدنى اعتبار للقيم الإنسانية
والمعايير الأخلاقية، التي يبدو أن ابن الزعيم لم يسمع بها من قبل، ولم
يتذكر ما حل بطغاة كثيرين انتهوا على حبل المشنقة، أو برصاصة في الرأس.
لم يقدم سيف الإسلام نفسه للمشاهدين، لم يحدد منصبه وموقعه ومسؤوليته.
اكتفى بصفة المهندس، الذي علمه والده القتال حتى اشتد ساعده، فطلب منه ان
يهجر الهندسة وأن يتفرغ لوراثة حكم ذلك الشعب المعذب.. الذي لا شك أنه شعر
ببعض الارتياح لأن العرف أو ربما القرعة وقعت على النجل الأكبر للعقيد، لكي
يرث، بدلاً من شقيقه الساعدي الذي يشتهر فقط بأنه يشغل رأسه كما يحرك
قدميه، او هنيبعل الذي كانت له صولات وجولات في المحاكم ومراكز الشرطة
والأمن في معظم الدول الأوروبية، وآخرها سويسرا التي اضطرت للاعتذار منه
للإفراج عن اثنين من مواطنيها المخطوفين في طرابلس، أو شقيقتهم الكبرى التي
لا تزال تدير حملة دفاع عن سفاح العراق صدام حسين.
لكن سيف الإسلام لم يدع مجالاً للشك في أن العائلة الكريمة بجميع
أفرادها لا تنتمي الى صنف البشر، وفي أنه مكلف شخصياً في اللحظات الحرجة
بأن يمثلها أصدق تمثيل ويعمم سلوكها وتقاليدها ومفرداتها، ويتخلى بسرعة عن
تلك السمعة التي صنعها لنفسه في الأعوام القليلة الماضية، بأنه عندما
يتسلم الإرث العائلي ويحكم الخمسة ملايين ليبي مسكين، سيكون رجل الإصلاح
والتغيير ولن يتسامح حتى مع والده الذي أشقى ليبيا طوال 42 عاماً، وأحرج
الأمة كلها بنوبات جنونه التي لا تنتهي، والتي لم يكن يحتملها أحد في
العالم سوى رئيس الوزراء الإيطالي، الفاضح أيضاً، سلفيو برلسكوني.
هدد سيف الإسلام أبناء الشعب الليبي بأنه سيقاتل حتى آخر رجل منه،
حدثهم من القلب ولوّح لهم بالإصبع منذراً بالحرب الأهلية والتقسيم وإحراق
النفط، وبحرمانهم من الخبز والصحة والتعليم ومن سيارة المرسيدس والـ»بي
ام»، إذا لم يعودوا الى حضن العائلة وإلى كنف جماهيرية ثانية، ثم هبَّ
واقفاً للالتحاق بوالده وأشقائه وشقيقاته الذين كانوا على الأرجح يمتشقون
السلاح ويستعدون لخوض معركتهم الأخيرة .. التي يفترض أن تحول دون عودة
المستعمر الأجنبي، الذي لا يشك أحد اليوم في أنه ترك ليبيا مبكراً.