يوجد عالم عربي
ايلي فوده
2011-02-21
على مدى سنوات عديدة كرر المحللون القول انه لم يعد
هناك عالم عربي؛ ما كان يعتبر كعالم موحد مع ايديولوجيا عربية موحدة، تحت
الزعامة الكاريزماتية لعبد الناصر، اختفى مع وفاة الزعيم المصري في 1970.
وبدلا من ذلك، نرى دولا عربية مختلفة، كل واحدة تتميز بسكان وأنماط سلوك
خاصة بها. وكنتيجة لذلك، تطورت دول قومية اقليمية ذات هوية منفصلة. الجامعة
العربية المتحجرة، كما يتواصل الزعم، هي التعبير عن افلاس العالم العربي.
ولكن، الثورات في تونس وفي مصر، والمظاهرات العاصفة في عواصم اخرى من الدول
العربية (والتي من شأنها هي ايضا ان تؤدي الى مزيد من الثورات)، تثبت، اذا
ما كان يلزم الاثبات، بأن العالم العربي لم يختف أبدا.
وها هي
المفارقة: من جهة، بالفعل الهوية الاقليمية تبلورت في كل واحدة من الدول
العربية من خلال عوامل الهوية، كجهاز التعليم، الاعلام، أعياد الدولة،
الآثار والثقافة الشعبية. من جهة اخرى، توجد بالمقابل هوية عربية، تجد
تعبيرها أساسا في اللغة، في الثقافة وفي التاريخ. وهكذا، فان 'الجزيرة' تبث
ليس فقط لمواطني قطر بل للعالم العربي بأسره، والصحف الهامة، 'الحياة'،
و'الشرق الاوسط'، الصادرة في لندن، يكتبها كبار المثقفين العرب ويقرأها
العرب المتعلمون في كل العالم. وهكذا، فان الأفلام المصرية أو اللبنانية
تُشاهَد في كل أرجاء العالم العربي. في هذه الحالة، فان تعبير 'العالم
العربي' يخرج عن اطاره الاقليمي، ويتضمن ايضا عربا في اوروبا وفي اماكن
اخرى.
ولكن، أهمية الأحداث الاخيرة في مصر تكمن في ان وجود الساحة
العربية يجد تعبيره ايضا من ناحية سياسية. أثر انتقال الاحداث الى دول
عربية اخرى، يتم أساسا بسبب وجود علاقات لغوية، ثقافية وتاريخية، تجعل
العالم العربي ساحة يؤثر فيها حدث يقع في مكان ما، على اماكن اخرى.
حقيقة
اننا لا نرى حاليا مظاهرات مشابهة في دول اخرى تعاني من مشاكل اقتصادية
واجتماعية مشابهة (في افريقيا وآسيا مثلا) تُثبت بأن الأثر 'العربي'
للاحداث هو مُعضل جذري. استثناء هي ايران، التي هي ليست دولة عربية، ولكن
بهذا القدر أو ذاك، هي التي بدأت المسيرة بالمظاهرات التي وقعت فيها قبل
نحو سنة ونصف السنة، وقمعها النظام بيد من حديد. وفضلا عن ذلك، كان لإيران
دوما تأثير حاسم ايجابا كان أم سلبا على العالم العربي، الأمر الذي ينبع
من قربها الجغرافي وكونها ذات تأثير على السكان الشيعة في العالم العربي.
من المعقول الافتراض بأن هذا التأثير يعمل في الاتجاه المعاكس ايضا، وان
المظاهرات في العالم العربي تشجع مواطني ايران على الخروج الى الشارع.
ما
هي أهمية التشخيص في انه 'يوجد عالم عربي'؟، أولا، لا تتفاجأوا من ظاهرة
الانتقال. كون مصر دوما قادت خطوات وسياقات في العالم العربي، فمن المعقول
الافتراض بأن تؤدي الثورة الحالية ايضا الى المظاهرات، الانتفاضات، وربما
ايضا الثورات في اماكن اخرى في العالم العربي. ثانيا، في لحظات الازمة ايضا
مثل احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة يظهر هذا العالم. بمعنى،
احساس التضامن من دول الساحة يتعزز في أعقاب التدخل الفظ من دولة توجد خارج
الساحة وتهددها.
وأخيرا، في حالات معينة، تنجح هذه الساحة ايضا في خلق
اجماع عموم عربي واسع: في الماضي حصل هذا في ضوء الحروب ضد اسرائيل؛ ومؤخرا
في 2002، اتحد العالم العربي حول مبادرة السلام السعودية التي وقعت عليها
22 دولة في الجامعة العربية.
كانت هذه المبادرة العمومية العربية
الثانية، بعد خطة السلام لمن كان في حينه ملك السعودية، فهد، والتي تبنتها
القمة العربية في 1982. لا يمكن ان يُستخلص من ذلك بأن وجود 'عالم عربي' هو
وصفة لعزلتنا في المنطقة؛ هذه العزلة هي أساسا نتيجة انعدام الفعل من
جانبنا.
' بروفيسور في دائرة الدراسات الاسلامية في الجامعة العبرية
هآرتس 21/2/2011